الجمعة، 1 أكتوبر 2010

إرساء دعائم السلام التحديات التي يواجهها الإقتصاد الفلسطيني

kolonagaza7
مايكل سينغ
الثلاثاء 21 ايلول/سبتمبر, 2010
معهد واشنطن
في أعقاب استئناف المفاوضات السياسية المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أفاد "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" في جلسة عقدتها الجهات المانحة للسلطة الفلسطينية في نيويورك هذا الأسبوع بأن الإقتصاد الفلسطيني قد حقق نمواً قوياً. وفي حين سيرحب الإسرائيليون والفلسطينيون بهذه البشرى الإقتصادية التي توفر فرصة للمفاوضين لالتقاط الأنفاس، تحجب العناوين الرئيسية حول قيام نمو قوي، المشاكل الكبيرة التي تتحدى الإقتصاد الفلسطيني. وتواجه السلطة الفلسطينية على المدى القريب، عجزاً في التمويل المحتمل بسبب المساعدات الدولية التي هي أقل من المتوقع. وعلى المدى الأبعد، إذا كان على المسؤولين الفلسطينيين تحقيق عملية انتقال ناجحة من اقتصاد تدعمه جهات مانحة أجنبية إلى آخر يموله الإستثمار الخاص، يتوجب عليهم التعامل حتى مع مشاكل أكثر صعوبة.
نمو عال و بطالة عالية
في آخر تقارير لهما إلى "لجنة الارتباط المؤقتة للدول المانحة" للسلطة الفلسطينية، أفاد "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" أنه من المتوقع أن يصل نمو "الناتج المحلي الإجمالي" لعام 2010، إلى 8 في المائة في الضفة الغربية و 16 في المائة في قطاع غزة. وقد ذكرا أيضاً عن حدوث انخفاضاً طفيفاً في معدل البطالة في الضفة الغربية (من 15.9 إلى 15.2في المائة) وزيادة المعدل في غزة (من 36 إلى 39 في المائة). ويعود الدافع وراء نمو "الناتج المحلي الإجمالي" في أغلبه إلى الإنفاق في القطاع العام، الذي يتم تمويله على نحو متزايد من المساعدات التي تقدمها الجهات المانحة. وقد تم دعم وتقوية هذا النمو أيضاً بفضل جهود الحكومة الإسرائيلية لتسهيل الحركة والإتصال المتمثلة بإزالة نقاط التفتيش واتخاذ خطوات أخرى لتسهيل الأعمال التجارية، فضلاً عن إصدار المزيد من التصاريح للفلسطينيين للعمل في إسرائيل. وفي غزة، كان ارتفاع معدل النمو السنوي قد نتج إلى حد كبير من القاعدة المنخفضة التي نما منها الإقتصاد هذا العام، بسبب شبه توقف النشاط الإقتصادي في القطاع في أعقاب صراع غزة في أوائل عام 2009. ومع ذلك، فإن التدفقات الكبيرة للمساعدات الإنسانية والخطوات الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل لتخفيف الحصار على غزة قد ساهمت أيضاً في النمو.
وقد أشاد كل من "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" بأداء السلطة الفلسطينية في بناء المؤسسات والإدارة المالية. وفي حين يُستمد من الإستنتاجات المعرفية بأنه لا يزال هناك الكثير الذي يجب عمله في هذا المجال، اعتبرت كلتا المؤسستين أن السلطة الفلسطينية قد حققت أهدافها للعام الماضي أو تخطتها إلى حد كبير. وقد توقع "صندوق النقد الدولي" بأنه إذا ما استمرت الإتجاهات الحالية -- أي التقدم في عملية السلام، وتخفيف القيود الإسرائيلية، وجهود بناء المؤسسات بقيادة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض -- فسوف يستمر تسرع النمو وتنخفض البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
نقص تمويلي وشيك
على الرغم من وجود جانب مضيء للنمو القوي، ومعدلات البطالة المنخفضة، والنجاح في بناء المؤسسات، هناك أيضاً سحابة داكنة. فالنتائج المبهرة التي ذكرها "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" تعزى بالكامل تقريباً إلى الإنفاق في القطاع العام من قبل السلطة الفلسطينية، وهي تذهب بشكل رئيسي إلى مجالات الأمن والصحة والتعليم. وهذا الإنفاق ممول بدوره من قبل المانحين الخارجيين. وبالفعل، فإن التمويل الخارجي للنفقات المتكررة (بعكس مشاريع التنمية) كنسبة مئوية من "الناتج المحلي الإجمالي" الفلسطيني قد ارتفع بشكل مطرد من عام 1994 حتى عام 2008، والآن فقط قد بدأ في الهبوط.
وفي حين كانت الجهات المانحة سخية، إلا أن التمويل الخارجي الذي أشير إليه كان غير كاف ولا يمكن التنبؤ به -- حيث توقع "صندوق النقد الدولي" قيام عجز في التمويل لعام 2010 يزيد عن 300 مليون دولار. وقد كان المانحون العرب بصورة بارزة شديدي البخل هذا العام، حيث قدمت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة مساعدات أقل بكثير مما قدمتاه في الماضي. وقد أدى العجز في التمويل الخارجي إلى تحمل السلطة الفلسطينية دفع متأخرات، بالإضافة إلى ديون كبيرة للمصارف. وستؤدي مدفوعات الفائدة الناتجة عن ذلك إلى وضع المزيد من الضغوط على الميزانيات المستقبلية للسلطة الفلسطينية، كما أن الغموض الذي ولدته المبالغ المستحقة أو المؤجلة يعقّد التخطيط الإقتصادي ويستهلك انتباه المسؤولين الفلسطينيين.
التحديات طويلة المدى
في الوقت الذي تبدو فيه جهود رئيس الوزراء سلام فياض والتعاون الأمني والإقتصادي المتجدد بين إسرائيل والفلسطينيين قد بدأت تؤتي ثمارها، لا تعني النتائج الإقتصادية الإيجابية التي أفاد بها "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" بأن الإقتصاد الفلسطيني قد تجاوز معْلماً. فمستويات المعيشة في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تعافت في الآونة الأخيرة فقط، وعادت إلى مستويات عام 1994 بعد فترة طويلة من الهبوط. وما تزال البطالة في الضفة الغربية -- على الرغم من التحسينات الأخيرة -- أعلى بكثير من مستويات عام 1994. وعلاوة على ذلك، إن معدلات مشاركة القوى العاملة منخفضة جداً، مما يشير إلى وجود عدد كبير من "العمال المحبطين" [من يئسوا من الحصول على عمل ويرغبون في العمل لكنهم تخلوا عن البحث عنه] الذين لا يتم عدهم في إحصائيات البطالة الرسمية. وبالإضافة إلى ذلك، في الوقت الذي تستحق فيه السلطة الفلسطينية الثناء على نجاحاتها في بناء المؤسسات، يشير تقرير "ممارسة أنشطة الأعمال" لـ "مؤسسة التمويل الدولية" بأن مرتبة الضفة الغربية وقطاع غزة في هذه الدراسة قد هبط في الواقع درجتين في عام 2010، مما يؤكد أن بيئة رجال الأعمال الفلسطينيين المنتظرين ما تزال صعبة.

ويمكن أن يعزى التداعي الإجمالي للإقتصاد الفلسطيني إلى اختلالات هيكلية. فمنذ عام 1994، انخفضت بصورة ثابتة القطاعات التي كان فيها الإقتصاد قوياً بصورة تقليدية، مثل الزراعة والتصنيع، بينما زاد دور القطاع العام -- كما أُشير سابقاً. إن ذلك الإنفاق نفسه من قبل القطاع العام قد انحرف بشدة، حيث تذهب نسبة 23% من "الناتج المحلي الإجمالي" للأجور فقط، وهي نسبة أعلى بكثير من اقتصاديات مماثلة. وعلاوة على ذلك، أدى الإعتماد الكبير على المساعدات الخارجية، والأعداد الكبيرة من الفلسطينيين الذين يعملون في الخارج، والقيود المفروضة على النشاط التجاري الفلسطيني الناجمة عن القيود الإسرائيلية، إلى قيام مزيج إشكالي من الأجور المرتفعة والإنتاج قليل القيمة مقارنة بالاقتصاديات المشابهة، وهي العقبة التي تفرض نفسها على النمو طويل المدى.
ومن الضروري أن تتعاون السلطة الفلسطينية وإسرائيل وشركاؤهما الدوليون لتشجيع نمو القطاع الخاص الفلسطيني وإنهاء اعتماد الإقتصاد الفلسطيني على القطاع العام لتحقيق النمو. فالاعتماد بهذه الصورة الكبيرة على القطاع العام لا يمكن التعويل عليه من الناحية الجوهرية -- نظراً لاعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات الخارجية المتقلبة -- كما أنه يثير شبح ضيق ميزانيات السلطة الفلسطينية لأعوام قادمة.
التطلع نحو المستقبل
إن السلام والإزدهار هما أمران متداخلان بالنسبة للفلسطينيين، ويرتبطان ارتباطاً لا ينفصم. فاستثمار القطاع الخاص هو أمر بالغ الأهمية للمحافظة على صحة الإقتصاد الفلسطيني على المدى الطويل، كما أن النمو الإقتصادي المستمر وإيجاد فرص عمل بوفرة هما أمران أساسيان من أجل تعزيز الدعم الفلسطيني لعملية السلام. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يعود رأس المال الخاص -- سواء كان من مساهمين أجانب أو مغتربين -- بعوائد كبيرة، إلى أن تتحسن فرص الإستقرار طويل المدى بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولكي يتم الحفاظ على النمو الإقتصادي في هذه الأثناء، يؤكد "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" ضرورة قيام إسرائيل بالحد بصورة أكثر من عوائق الحركة والإتصال في الضفة الغربية. إن هذه التقليلات هي بلا شك ضرورية، ولكن كما تحقق التسهيل التي قامت به حكومة نتنياهو حتى الآن بفضل الإلتزام الفلسطيني بالأداء الأمني، من المحتمل أن يحدث المزيد من التيسيرات، فقط إذا كررت السلطة الفلسطينية التزامها بإصلاح أمني وبمحادثات السلام. إن الخطوات المهمة الأخرى التي أبرزها "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" هي قيام السلطة الفلسطينية بالمزيد من الإصلاحات التنظيمية وغيرها لتحسين مناخ الأعمال الفلسطيني، وتنسيق وتقديم المساعدات الخارجية من قبل الجهات المانحة الدولية بصورة يمكن الإعتماد عليها.
إن الموضوع الذي لا يتطرق إليه "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي"، أو أعضاء "لجنة الارتباط المؤقتة للدول المانحة" هو خطر آخر يعترض طريق الإنتعاش الفلسطيني طويل المدى -- وهو الإعتماد المفرط على رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض الذي كان بمثابة مبعوث العناية الإلهية للإقتصاد الفلسطيني، حيث استطاع في وقت واحد تعزيز الثقة الغربية -- وبالتالي الفوز بمساعدات الغرب، ونشر خطة موثوقة لبناء المؤسسات الفلسطينية بل ودعم آمال الفلسطينيين لإقامة دولة في المستقبل القريب. لكن هذا الإعتماد المفرط على فياض في الأمور الاقتصادية (مثل الإعتماد على الرئيس الفلسطيني محمود عباس في النواحي السياسية) أمر مقلق ويبرز عدم استقرار التقدم الذي أحرزه الفلسطينيون في الأعوام الأخيرة.
ولذلك، يجب على السلطة الفلسطينية وشركائها الدوليين أن يضعوا جهوداً أكبر لتطوير هيكل بيروقراطي لدعم كل من فياض وعباس، وإيجاد نظام سياسي مسؤول، مما يتطلب الإهتمام بالإصلاح السياسي.
إن التقارير عن النمو الإقتصادي والنجاح في بناء المؤسسات هي أنباء جيدة للفلسطينيين وإسرائيل والمجتمع الدولي. وتقدم هذه التطورات متنفساً للمفاوضين الذين يحتاجون دعماً وصبراً شعبياً إذا أُريد لهم أن ينجحوا، كما تؤكد أن المجموعة الأساسية التي تم بناؤها -- مثل الأمن والصحة والتعليم -- قد وضعت موضعها السليم لتحقيق الرخاء الفلسطيني المستقبلي. ومع ذلك، يتطلب النجاح المستمر عدم تجاهل المشاكل الإقتصادية المتأصلة وسط الإضطراب الدبلوماسي المصاحب لاستئناف محادثات السلام. وفي الواقع، فإن التقدم الإقتصادي والسياسي متصلان ببعضهما بعمق، كما أن نمو "الناتج المحلي الإجمالي" في قطاع غزة سوف يذهب سدى إذا كان لا يمكن استعادة حكم السلطة الفلسطينية هناك، في حين ستنحل التسويات التي تم التوصل إليها بعناية حول قضايا التفاوض الجوهرية إذا لا يمكن طمأنة الفلسطينيين حول حصولهم على الوظائف والخدمات العامة.
مايكل سينغ هو زميل زائر في معهد واشنطن ومدير أقدم سابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.

مشاركة مميزة