كتب: عبدالباسط الحبيشي
انعكس الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية حول التعامل مع الملف اليمني ، لاسيما بعد ثورة فبراير الظافرة بإذن الله ، سلبياً على الاوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية على الشعب اليمني.
الولايات المتحدة الأمريكية تقف من جانب مع التغيير لنظام الحكم ومع إنتقال السلطة بيد أن هذا الإنتقال لابد أن يكون منظماً وتدريجياً ومحكوماً بمعايير تتطابق مع السياسيات الأمريكية ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط الجديد فضلاُ عن أنها لم تجد حتى ألآن بديلاً عن علي عبدالله صالح ، كما ترى أن أي تغيير إن كان ولابد ينبغي أن لا يشمل منظومة صالح بكاملها بل جزء منها ويتمثل بإبعاد صالح ومنظومته القبلية التي يستند إليها مع الإبقاء على المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة له والتي تتبع في الواقع للتدريب والإشراف الأمريكي المباشر منذ عام 2003.
والإنتقال الفوري بالمفهوم السياسي الأمريكي لا يعني الحديث عن فترة زمنية محددة تبدأ الآن لأن مرحلة الإنتقال للسلطة قد بدأت فعلاً ، ولكنها تعني بداية مرحلة التغيير الذي قد تطول أم تقصر بحسب المعطيات السياسية والديموغرافية والإجتماعية على الأرض وسنتناول المعنى الإصطلاحي لهذا المفهوم في الفقرة التالية.
الولايات المتحدة في هذا الشأن أو القوى الحاكمة لها ليست في عجلة من أمرها فيما يتعلق بسياساتها في العالم وفي الوطن العربي على وجه الخصوص لأنها تنفذ خططها على مهل وبما يتماشى مع إستراتيجياتها طويلة المدى ، لذا فإنها تؤمن بأن مخرجات الثورة الشبابية الشعبية اليمنية ، إن كُتب لها النصر بإذن الله ، لن تتفق ولن تنسجم مع ما يسمى بلغتهم ب(البروسس) المعنى الإصطلاحي للمفهوم المذكور أعلاه أي السلسلة الطويلة من العمليات المترابطة والمتعاقبة التي تؤدي في النهاية إلى الغاية المرجوة كما خطط لها. لذا فمن مصلحتهم أن يثبطوا من همة الثورة المتأججة المتسارعة قدر المستطاع حتى يتسنى لهم القدرة على التصرف بمخرجاتها بالكيف الذي يخدم إستراتيجيتهم بحسب هذا (البروسس). مع العلم أنهم كانوا يقودون عمليات التغيير (البروسس) في الوطن العربي منذ زمن طويل لكنهم لم يتوقعوا بأنها ستتفجر بهذه الطريقة التي فاجأتهم جميعاً وخرجت عن سيطرتهم لا سيما في تونس ومصر ممايعني أن سلسلة البروسس قد انقطعت في هذين البلدين ويدفعهم هذا الأمر إلى جهد مضاعف لترميم الفجوة ومواكبة المتغيرات هناك وبالتالي رسم ملمح للتعامل الجديد.
كما أن منظمات المجتمع المدني التي يقومون بتمويلها وتدريبها في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ماهي إلا جزء أساسي من هذا (البروسس) الذي سيمكنهم في النهاية كما يظنون التخلص من الأنظمة الحاكمة المعتقة وإبدالها بمؤسسات تابعة وخانعة لمؤسساتهم في المركز ومثال على ذلك فإن الأمن القومي ووحدات مكافحة الإرهاب والأمن المركزي والحرس الخاص والحرس الجمهوري في اليمن ماهي إلا نماذج لهذه المؤسسات التي أضحت شبه تابعة لمؤسساتهم القومية والعسكرية في الغرب وهذا يعتبر مكسباً وإنجازاً متقدماً وعظيماً وفقاً لإستراتيجيتهم في المنطقة وقد قُدمت لهم هذه الفرصة على طبق من ذهب وبالمجان على خلفية الحرب على الإرهاب مقارنة بالتطور البطئ الذي تحرزه منظمات المجتمع المدني سواءًا في اليمن أم غيرها.
وفي المقابل هناك نظرة أخرى يتبناها آل سعود إزاء الثورات العربية بشكل عام والتي يؤمنون بأن نجاحها سينتقل إليهم لاسيما في اليمن الذي يعتقدون بأن ثورته التي حاربوها منذ ستينيات القرن الماضي ستقلعهم من الجذور إن إنتصرت ، لذا فإنهم يريدون أن يبقى الحال كما هو مع تغيير الرئيس وعائلته فقط لتأتي عائلة بديلة يثقون بها تتسنم الحكم ومقاليد السلطة وفقاً لمعايير النظام السابق ولا يمنع أن يكون هناك حزب سياسي يساند الأسرة الحاكمة الجديدة وهو حزب الإصلاح المتفق عليه فكرياً وعقائدياً بنفس المعايير والطرق التي ساند بها حزب المؤتمر الأسرة الحاكمة الأولى.
بيد أن هذا الطرح لا ينسجم جملة وتفصيلاً مع الطموح الغربي في منطقة الشرق الأوسط كله الذي لا يهمه بهذا السياق حتى (قبيلة آل سعود) نفسها والتي سيأتي عليها الدور عاجلاً أم آجلاً فضلاً عن اليمن ، لا سيما وأن حزب الإصلاح الوهابي الأخواني لا يمكن القبول بتوليه حكم أي بلد رغم تودد قيادة هذا الحزب وتلبس ثوب الوسطية والليبرالية للإدارة الأمريكية امام سفيرها في صنعاء أو عن طريق بعض المتنطعين الجهلاء في واشنطن ممن تعتقد قيادة الحزب غباءًا وجهلاً بأنهم أصهار البيت الأبيض والكونجرس بحسب مفهومهم القبلي والعشائري للسياسة وهم بالكاد يتمكنون من المرور بجانب سور البيت الأبيض كغيرهم من السياح الأجانب. وفي نفس السياق لا يمكن القبول بأسرة الأحمر أن تتربع على نظام الحكم بإعتبارها جزء من المشكلة كأسرة منتمية إلى الفكر القبلي والعشائري الذي يحاول المجتمع الدولي التخلص منه إبتداءًا وإبداله بمجتمع مدني وديموقراطي يتناسب مع مقاييس النمو التدريجي لعمليات التطور التاريخي (البروسس) الضروري الذي يرون أنه لا مفر منه كنتيجة حتمية ينبغي التعاطي معها مبكراً. بل أنهم يذهبون لأبعد من ذلك ويرون بأن خروج آل الأحمر من اليمن سيسهل مهمة التغيير وبناء مؤسسات النظام والقانون.
ومع ذلك فإن الطرفين الأمريكي والسعودي يتفقان على إبعاد صالح عن الحكم بيد أنه قبل إبعاده النهائي والدائم يريدان ضمان إستقرار الوضع الأمني والسياسي في اليمن كون الرجل ما يزال ممسكاً بخيوط اللعبة السياسية والأمنية في الداخل اليمني رغم مرضه وبعده عن اليمن وممارسة الضغط عليه وهنا تكمن المشكلة التي جعلت أطراف الصراع غير قادرين على إتخاذ قرار إبعاده بشكل نهائي فلجأوا إلى عمليات المماطلة والتسويف الغير إخلاقي بشأن حالته الصحية ، وهنا أيضاً يأتي أهمية الدور الذي ستلعبه المبادرة الخليجية التي يصر على تنفيذها أطراف الصراع بشقيه الأمريكي والسعودي كحل وسط لحلحلة العُقَد المتشابكة بين جميع الأطراف على أن تعاد صياغتها بما يضمن ويتضمن إستمرار بقاء "نظام" صالح في الحكم مع التقليص الكبير من صلاحياته حتى نهاية فترته.
وبصرف النظر عن كل هذه المحاولات والأمنيات لأطراف الصراع ، مايزال شباب الثورة قادر على تصويب طموحاته الثورية والإنتصار لثورته شريطة خروجه من عباءة معارضة (اللقاء المشترك) الذي يقوده حزب الإصلاح التابع للمال السعودي وأيضاً من مندسيهم الذين يحشرون أنوفهم بكل صغيرة وكبيرة لدرجة إدعائهم تمثيل الشباب والثورة في الداخل والخارج وهم من ذلك براء لأنهم بحسب علمنا المؤكد لدرجة اليقين لا يمثلون إلا أنفسهم والجهات آنفة الذكر التي تدفع لهم المصاريف وقيمة التذاكر لعرقلة مسيرة الثورة. وفي نفس الوقت الخروج من تحت القبعة الأمريكية التي تدغدغ مشاعر بعض الثوار بمصطلحات الحرية والديموقراطية والمدنية لأن هذه القبعة مهما كبرت يمكن التعامل معها دون أن نقبع تحتها .