الجمعة، 15 يوليو 2011

أطفال فلسطين مابين جون سينا والريال وبرشلونة

kolonagaza7

بقلـم رمزي صادق شاهين
خلال سنوات الإنتفاضة الشعبية التي إندلعت عام 1987م ، انشغل أطفال فلسطين بمقارعة الإحتلال الإسرائيلي ، ووقفوا بصدورهم العارية أمام الدبابة الإسرائيلية ليواجهوها بأبسط الأدوات حتى سميت الإنتفاضة ( بإنتفاضة الحجارة ) وهذا دلاله على قداسة هذا الحجر الذي أرغم إسرائيل على التنازل والإعتراف بحق شعبنا الفلسطيني في الوجود حتى ولو كان هذا الوجود ناقص إلا أننا استطعنا بفضل هؤلاء الأبطال الصغار أن نُغير المعادلة لتُصبح منظمة التحرير الفلسطينية حاضرة سياسياً وواقعياً على أرض فلسطين في إطار ما سُمي اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني .
ومهما اتفقنا أو إحتلفنا على هذا الإتفاق ، فإننا لا يمكن أن نختلف على أن انتفاضة الحجارة التي قادها أبطال الداخل كانت أحد أهم الأسباب التي جعلت من إسرائيل أمام اختبار حقيقي تمثل في أن الشعب العربي الفلسطيني أصبح الآن على طريق التحرير ، حتى لو بدأ هذا التحرير بغزة أريحا أولاً 1965 ، فجيل الإنتفاضة الشعبية هو الذي ألحق الهزيمة النفسية بالجيش الإسرائيلي ، هذا الجيش الذي كان يحتل صورة كبيرة أمام العالم متمسكاً بالمقولة الشهيرة بأنه الجيش الذي لا يُهزم ، في حين أنه انهار أمام صبي فلسطيني يحمل حجر ، وكم شاهدنا مشهد الطفل الفلسطيني الذي حمل الحجارة وكان الجندي الإسرائيلي الدرزي يركض أمامه هارباً بسلاحه بالقرب من مركز شرطة جباليا .
هذه الصورة للطفل الفلسطيني الذي أعطت للجندي الدرزي نوط الشجاعة من قبل قيادة الإحتلال ، وكأنها تعبير عن مدى إحترام هذا الجيش للطفولة انكسرت هذه النظرية ونحن نشاهد إستشهاد الطفل محمد الدرة ليُؤكد هذا الجيش مدى حقده على الطفولة الفلسطينية وكُل شيئ حي في هذا الشعب الأعزل ، لتأتي بعدها صورة الشهيد فارس عودة والتي أعطت دروساً في الشجاعة لهذه الأمة العربية الكبيرة بحجمها والصغيرة بتأثيرها ، بأن الحجر الفلسطيني هو أطهر من كُل أموالكم ونفطكم وجيوشكم التي لن تستطيع يوماً أن تقترب من حدود إسرائيل لتُدافع عن مقدساتكم وأعراضكم وشرفكم .
اليوم وبرغم هذه الصورة المُشرفة للطفولة الفلسطينية الشجاعة ، فإن المشهد بدأ يتغير إلى الأسوأ ، فجيل اليوم مُختلف تماماً عما سبقه من أجيال ، فجيل ألأمس حمل فلسطين وهمومها في وجدانه وعقله وقلبه ، وترجم حبه لها من خلال نزوله إلى الشارع ليُقارع هذا المُحتل الغاصب ، لكن جيل اليوم يجعلك تقف بذهول أمام تطلعاته وأحلامه ، حتى لو لم يكن ذلك معمماً على الجميع ، إلا أن الأكثرية اليوم لا تعرف عن فلسطين إلا القليل ، ولا تفهم التاريخ إلا القليل .
التكنولوجيا والفضائيات ألهت الطفولة الفلسطينية والشباب الفلسطيني عن قضايا هامة كثيرة ، فبناء الإنسان والمجتمع غائب الآن من أجندة هذا الجيل ، المستقبل أيضاً غائب أو مُغيب من قبل هذا الجيل ، وبرغم تقصير المؤسسات الرسمية والوطنية ، إلا أن التقصير العام واضح بإتجاه تفعيل الأجيال الصاعدة مع القضية الفلسطينية والهم الفلسطيني العام ، لأن إسرائيل مازالت تحتل الأرض وتطرد الإنسان وتقتل الشيخ والطفل والمرأة ، ولازالت القدس أٍسيرة ، ولازال عشرة ألاف أسير وراء القضبان في سجون الإحتلال الغاصب .
أجيالنا اليوم استبدلت الكوفية الفلسطينية بلباس برشلونة وريال مدريد ، وعلم فلسطين سقط ليُرفع بدلاًً منه علم الفريق الأحمر والأبيض ، لنجد الصراع بين الأشقاء والإخوة على الدوري الأوروبي بكرة القدم ، وكأن ريال مدريد وبرشلونة هم همنا الأول والأخير ، وأصبح جون سينا هو حلم كُل طفل فلسطيني اليوم ، لتحتل صورته قلوب أطفالنا بدلاً من صور شهدائنا وقادتنا ورفاق دربنا .
المسؤولية التاريخية كبيرة ، وسيتحمل نتائجها كُل الذين ساهموا في ضياع التاريخ الفلسطيني ، وإندثار الثقافة الوطنية الفلسطينية ، هؤلاء الذين ساهموا في تعميق الثقافة الحزبية الضيقة على حساب الثقافة الوطنية الفلسطينية ، ليُصبح أطفالنا عبارة عن مجموعة من الضائعين بين شاشات الفضائيات والإنترنت والفيس بوك .
صحفي وكاتب فلسطيني

مشاركة مميزة