فذ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وعوده تهديداته ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونه ومعتقلاته، وأعلن حرباً جديدة ضد الفلسطينيين لاستعادة شاليط، بعد أن فشل عدوانُ بلاده الأخير على قطاع غزة في تحريره واستعادته، وردته المقاومة خائباً حسيراً منكس الرأس، لم يحقق شيئاً من أهدافه سوى المزيد من القتل والخراب والدمار، الذي ولد لدى الفلسطينيين المزيد من القوة والعزم والإصرار والمضاء، وهم له دوماً بالمرصاد، لن يستسلموا لبطشه، ولن يخضعوا لقتله، ولن تنال من إرادتهم آلتهم العسكرية العمياء، وسيبقون على موقفهم صامدين، وبحقوقهم متمسكين، رايتهم مرفوعة، ومقاومتهم ماضية، وهمتهم عالية، يصنعون التكافؤ، ويخلقون التوازن، ولكن حربه ضد الأسرى حربٌ قذرة وغير أخلاقية، فيها ذلةٌ وخسةٌ ونذالة، وتفتقر إلى النبل والشجاعة وصفات الرجال، فهي حربٌ غير متكافئة، وتفتقر إلى القيم الإنسانية وقوانين الحروب، وتستهدف أسرى محجوزين، ورجالٍ معتقلين، الأغلال في أيديهم، والسلاسل تقيد أرجلهم، وقضبان السجن تعزلهم، وسياسات السجان تحاصرهم، وإجراءاته تلاحقهم، فباشروا في سحب الامتيازات والحقوق التي انتزعها الأسرى بدمائهم وتضحياتهم، ودفعوا من أجلها الكثير من حياتهم وصحتهم وعافيتهم.
فهل يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي وهم يرون رجالهم في سجنهم يسجنون، وفي قيدهم يقيدون، وإلى سلاسل الحديد يجمعون، وعن أهلهم يبعدون، وعن بعضهم يعزلون، وفي زنازين كالقبور يحجزون، ويحرمون من ساعةٍ يتنسمون فيها هواءً نقياً، يتعرضون فيها لأشعة الشمس، وقد كسر السجان أقلامهم، ومزق كتبهم، وصادر أوراقهم ودفاتر ذكرياتهم، وحرمهم من التعليم والدراسة، وحجبهم عن العلم والمعرفة، وحال بينهم وبين محاميهم، وعقد زيارة ذويهم، وأجلها وهي المؤجلة من جديد، وهو الذي صادر أموالهم، ومنعهم من شراء ما يحتاجون إليه، بل صادر الموجود لديهم، وحرمهم مما وفروه لأنفسهم، واعتدى على غرفهم قمعاً وجرداً، وبحثاً وتفتيشاً، وأجبرهم على الوقوف لساعاتٍ طويلة، في صمتٍ وهدوء، وحرمة حديثٍ أو همس، وقد أجبر العديد منهم على نزع ثيابهم بحجة التفتيش، وأعلن أنه ماضٍ في سياساته العقابية، وإجراءاته التأديبية التي ينفذها سجانون مرضى، وإدارةٌ معقدة، وسلطة لا تربطها بالإنسانية علاقة، ولا تفهم غير نواميس الظلم وتجهل معايير العدل، ولا تعرف لغةً غير القمع والضرب والمداهمة والتفتيش والتعري والمصادرة والحرمان والعزل والتضييق، وهي سياستها القديمة الجديدة، تغيب عنها يوماً لتعود إلى فرضها أياماً، تذكرها ولا تنساها، تركنها ولكنها لا تتخلى عنها.
تظن الحكومة الإسرائيلية ورئيس حكومتها المأفون المريض أنه سيقوى على لي عنق الشعب الفلسطيني وكسر ذراعه، وحني رأسه وتحطيم إرادته، وأنه سيجبره على الخنوع والخضوع والجأر بعالي الصوت، مستغيثاً مستنجداً يستجدي النصرة والنجاة، ونسي أن قرابة مليون فلسطيني قد دخلوا سجونه، وعانوا من معتقلاته، وفيها حرموا وعذبوا وضربوا وقتلوا، وأن قرابة عشرة آلاف أسيرٍ لا يزالون في السجون والمعتقلات، منهم من أصدرت عليه محاكم تفتيشهم مئات السنوات، فما ذرفت عيونهم، ولا زاغت أبصارهم، ولا تاهت نظراتهم، ولم يتلجلج صوتهم، كما لم تنحنِ قامتهم، ومازالوا في سجونهم رجالاً، وأساتذةً كباراً، يعلموننا وغيرنا دروساً في الصبر والتحدي والثبات، إنهم جنرالات الصبر، وعمداء السجون وشيوخ الأسرى، يرفضون الخضوع والاستسلام، صوتهم عالي يصرخ في جلاديهم أننا سنخرج من سجننا رغماً عنكم، وسنتحرر من قيودنا، وسنحطم الأغلال، وسنكسر القضبان، وستهوي جدران السجون، وستفتح أبوابها، وسنخرج منها أعزةً، رؤوسنا شامخة، وقامتنا منتصبة، وهامتنا عالية، ولن تقعدنا ممارساتكم، ولن تهزمنا سياساتكم، ولن يزيد في قيدنا قيدٌ آخر، ولن نطلب من مقاومتنا أن تخضع لكم، وأن تستجيب إلى شروطكم.
رسالة الأسرى الفلسطينيين من قلاعهم الحصينة فكراً وثورة، ووطنيةً وممانعة، وثباتاً وشموخاً وصبراً واحتمالاً، إلى آسري الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط، وهي المقاومة الباسلة، التي استطاعت أن تخفي سر شاليط سنيناً، وأن تبعده عن عيون الإسرائيليين الثاقبة وجواسيسه المنتشرة، وأجهزته الإليكترونية المزروعة والطائرة والحوامة، ألا يستجيبوا إلى شروط رئيس الحكومة الإسرائيلية المهووس بتحريره، العاجز عن تحقيق حلمه، وإسكات شعبه، وتطمين والد شاليط وأسرته، وهو الذي جاء إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مهدداً ومتوعداً أنه سيحرر شاليط، وسيعيده إلى أسرته وبيته، وأنه لن يخضع لشروط المقاومة الفلسطينية، ولن يدفع ثمناً مؤلماً من أجل تحريره واستعادته، فإياكم والخضوع لشروطه، والاستجابة إلى أحلامه وآماله، فقد دفع الشعب الفلسطيني الكثير من أجل الاحتفاظ بشاليط لتحرير الأسرى، ومازال شعبنا يعاني بسببه، ويدفع فاتورة استبقائه، فلا تغرنكم تهديدات نتنياهو وغيره، فهي تهديدات العاجز الفاشل، الذي فقد كل أوراقه، وبات محتاراً لا يعرف ماذا يفعل، ولا كيف يواجه، وقد اعتاد الأسرى على تهديداتهم واستفزازاتهم، وخبروا سياستهم ووسائلهم، ويعرفون كيف يكسرونها ويجبرونهم على التراجع والانكفاء، فما زال الأسرى في قلاعهم أسوداً رابضة، وليوثاً تتحفز، يفرحهم انتصار شعبهم وصمود أهلهم، ويحزنهم كثيراً انكسار شوكتهم وخفوت صوتهم، وغاية ما يريدون من مقاومتهم ثباتاً وصموداً، وإصراراً على مواقفهم وشروطهم.
أما رسالة الشعب الفلسطيني كله عموماً وذوي الأسرى خصوصاً، إلى آسري الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط، وإلى قيادة المقاومة الفلسطينية، فهي رسالة مزدوجة، الأولى ألا تهزهم تهديدات نتنياهو، وألا تخيفهم ممارسات سلطاته، فأسرانا قادرين على استيعاب هذه الهجمة المسعورة وما هو أشد منها، وكما أسقطوا كل السياسات السابقة فإنهم أقدر على تحدي نتنياهو وحكومته، وستنكسر عصا النحشون والميتسادا ودرور ومبتسعيم وغيرها من فرقه العسكرية، ولن يدخلوا الفرحة إلى قلبه بآهةٍ أو استجداء، ولا حزنٍ ولا بكاء، ولن تطلب أمٌ ثكلى، ولا أختٌ مكلومة، ولا أبٌ أطفأ الحزن بريق عينيه، ولا طفلً شاب ولم ينعم بالصحبة مع والده، ولا ابنةٌ تجمدت الدموع في مآقيها شوقاً لأبيها، من المقاومة أن تضعف وتستسلم، وأن تسلم الأسير الذي بين أيديهم، رأفةً بالأسرى، وحباً لهم وحرصاً على راحتهم.
أما الرسالة الثانية لآسري شاليط فهي أن يخلقوا مع العدو الإسرائيلي قبل إتمام الصفقة وتحرير الأسرى معادلة جديدة، وتوازناً آخر، قوامها أننا نحب أسرانا ونهتم بهم، وأننا نعمل كل شئٍ من أجل راحتهم، ونسعى بكل السبل لينالوا حريتهم، ويعودوا إلى بيوتهم وأسرهم، وليعلنوا عن إجراءاتٍ موازية تطبق ضد الجندي الأسير، ولتصل إلى سلطات الاحتلال وذوي شاليط رسائل مختلفة، مفادها أن حقوق جنديهم مقابل حقوق أسرانا، وراحة أسيركم في موازاة راحة أسرانا، فالقيد الذي ينغرس في معاصم أبطالنا، سيكون في مقابله قيدٌ آخر، ينغرس في عنق الإسرائيليين كلهم، والمرارة التي يحس بها الفلسطينيون يجب أن تكون مرارةً أكبر يتجرعها الإسرائيليون جميعاً، حكومةً وشعباً.