د. فايز أبو شمالة
من حق القارئ أن يصدق ما يقوله المنجم اليهودي "نوستراد عاموس": الذي تنبأ بكثير من الأحداث التي حصلت بعد وفاته بمئات السنين، ومن حق القارئ العربي أن يكذب كل ما سبق، ولكن ليس من حق القارئ أن يكذب ما جاء من تنبؤات اليهودي "عاموس" الذي يعيش بيننا في القرن الواحد والعشرين، واستمعنا إليه بالصوت والصورة؟
فماذا قال اليهودي "عاموس يادلين" رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق عن مصر، قال: إنها الملعب الأكبر لنشاطاتنا منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة التفكك داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد "حسني مبارك" في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر، لأننا أحدثنا فيها التخريب الذي لن تقوم بعده للمصريين قائمة لعشرات السنين!.
من يتشكك في نبوءة المنجم "عاموس" عليه أن يتابع قرار وزير الداخلية المصري الذي أنهى خدمة عدد 505 ضابط مصري برتبة لواء، وعدد 164 ضابط برتبي عقيد وعميد، في محاولة لإرضاء الثوار المصريين، إن هذا الرقم الضخم من المسئولين الذين ولغوا في الدم المصري، وباعوا أنفسهم للشيطان، قد خدموا في سلك الشرطة، ولكن كم هو عدد المسئولين في وزارة الزراعة المصرية، الذين وظفهم "عاموس" لتخريب الاقتصاد المصري، وكم هو عدد المسئولين الكبار في وزارة الصناعة، ومثلهم في وزارة المالية، وآخرون في وزارة البترول، ووزارة السياحة والآثار، وكم هم عشرات الآلاف من المسئولين في كافة الوزارات الذين وضعوا يدهم في يد "عاموس يادلين" وحسني مبارك ودمروا مصر، ونخروا عظمها بسوس فسادهم، وجعلوا رجل الاستخبارات "عاموس يادلين" يقول: أحدثنا في مصر خراباً لا يمكن تصليحه؟!.
بعد ستة أشهر من سقوط طاغية مصر، يكتشف المصريون أن اليهودي "عاموس" كان واثقاً من نفاذ يده في أحشاء الثقافة المصرية، وأنه وظف الأعداد الغفيرة منهم لجعل "أنور السادات" بطلاً للسلام، لأنه فتح أبواب مصر لأمريكا، لتعيث فيها فساداً، ولأنه سمح لحفنة من اليهود الإسرائيليين أن يعتلوا ظهر أرض الكنانة، وأن يركلوا عقلها بأحذيتهم الثقافية
فإذا كان هذا حال مصر، وهي تطرد 505 من رتبها العسكرية الذين ترقوا إلى ربتة لواء في زمن الطاغية، فكم هو عدد الضباط الفلسطينيين الذين ترقوا بشكل مشبوه، وما حال أشقائهم الأردنيين، والليبيين، والسوريين، والعراقيين، والخليجيين؟ وما هو حال باقي بلاد العرب التي افترشت المخابرات الإسرائيلية اقتصادها، وتغطت بسقف حكامها؟
لقد تحدث اليهودي "عاموس" عن مصر بلا خجل، وبلا رحمه، وبلا احترام لطاقم العملاء الذين باعوا أنفسهم له، لقد قال "عاموس" كلامه الوقح و"مبارك" على رأس السلطة، إنه كلامٌ يندى له جبين العرب، ويفرض عليهم أن يتحسسوا أضلاع حكامهم ضلعاً ضلعاً، ويفتشوا تحت جلدهم عن علامات جودة البيئة الموقعة بالأختام الإسرائيلية.
في الصباح الباكر، ينهض كل مواطن عربي من نومه وهو يقول: اللهم احم مصر للعرب المصريين، وارفع عن العرب شر هؤلاء اليهود المارقين، وطهر اللهم تراب العرب من كل المتآمرين مع "عاموس يادلين"، ومع المخابرات المركزية الأمريكية، أولئك الذين ساروا تحت لوائها خاضعين، ليصيروا من دعاة السلام مع الإسرائيليين.