الأربعاء، 3 أغسطس 2011

بلاغ إلى المجلس العسكرى.. نطلب التحقيق فى رفع الأعلام السعودية

kolonagaza7

الكاتب حمدي قنديل
الاثنين, 01 أغسطس 2011
الصادم فى مليونية الجمعة الماضية، التى كان مقدراً لها أن تكون جمعة توحيد الصف، لم يكن انتهاءها بانهيار وحدة الجماعة الوطنية، وانسحاب 34 حزباً وحركة من ميدان التحرير يومها، ولا كان فى اللافتات التى رُفعت، والهتافات التى تعالت منادية «الشعب يريد تطبيق شرع الله» أو «الشريعة بدمائنا» أو «ارفع راسك فوق انت مسلم» أو «لا إله إلا الله.. العلمانى عدو الله»..
ولا كان فى طوفان السلفيين الذين بدأوا يتوافدون من الأقاليم فى حملة بمئات الأتوبيسات قبل الموعد بثلاثة أيام حتى يحكموا سلفاً السيطرة على الساحة واستعراض الاستعلاء والقوة.. ولا كان فى هيئة الزاحفين على الميدان التى أوحت بأننا فى قندهار وليس فى القاهرة، ولا كان فى الوجوه التى لم يعرفها التحرير من قبل، والتى أثار ظهورها السؤال: أين كان هؤلاء القوم أيام الثورة؟ أو ما الذى كان يمكن للشهداء أن يقولوه لو فوجئوا بهذه الوجوه اليوم؟ ولا كان فى الميكروفونات التى دوّت بالأدعية الدينية كأنك فى يوم عرفة أو فى مولد السيد البدوى ولست فى تظاهرة سياسية، ولا كان فى إيقاظ فتنة الانتخابات والدستور، أيهما أولاً، ولا كان حتى فى رفع صور بن لادن وإلى جانبها شعارات «يا أوباما يا أوباما.. كلنا هنا أسامة»، أو فى التوافق المريب فى التوقيت بين غزوة الميدان فى القاهرة وغزوة الإمارة الإسلامية فى العريش.
لم يكن الصادم يوم الجمعة أياً من هذا كله. الذى صدم مصر كلها يومها هو رفع الأعلام السعودية فى الميدان، فى الوقت الذى لاحظ فيه الناس جميعاً أن هذه أول جمعة يرفع فيها أقل عدد من الأعلام المصرية منذ اندلاع الثورة. أثار هذا المشهد الريب حول الصلة بين تلك الفئة التى رفعت الأعلام الخضراء وبين المملكة، وحول مدى تغلغل النفوذ الوهابى فى التيار الدينى فى مصر، وحول علاقة شيوخ السعودية بغلاة المتطرفين لدينا، بل حول الضغوط التى تمارسها السعودية منذ خرجت مصر على نظام مبارك. كل هذه أمور أقلقت المصريين فى الفترة الأخيرة، وأدت إلى مظاهرة أمام السفارة السعودية فى القاهرة يوم 10 مايو الماضى، تلتها وقفات أخرى لم تحتج فقط على الممارسات السلفية ذات التمويل الوهابى داخل مصر، ولكنها كشفت عن انزعاج شعبى تنامى عبر سنوات من اعتقال عديد من المصريين فى سجون السعودية، ومن نظام الكفيل، ومن فتاوى خرجت من السعودية تحرم معارضة ولى الأمر أو تنفى الشهادة عن أبطال الثورة، ومن رسالة مبارك من خلال قناة «العربية» السعودية التى توعد فيها خصومه، ومن حقائب حسين سالم التى ضبطت فى مطار القاهرة وهى مهربة تحت اسم ابنة رئيس المخابرات السعودية، ومن ظنون حول تورط السعودية فى إخفاء جانب من ثروة مبارك وأسرته وأتباعه فى بنوكها.
اليوم لابد أن يُفتح هذا الملف بالشفافية الواجبة، خاصة ونحن مقبلون على محاكمة الطاغية التى وإن كان موعدها قد تحدد بعد غد، إلا أن الغموض لايزال يكتنفها، ليس فقط بسبب تعديل مكان انعقادها أكثر من مرة، ولكن أيضاً بسبب ما يتردد من أن مبارك لن يشاهَد فى قفصها بزعم تدهور صحته.. الكل يعرف أن السلطات السعودية تتفجر غضباً من إجراء هذه المحاكمة. وبالأمس فقط قال الكاتب البريطانى الشهير روبرت فيسك إن المملكة ستفعل كل ما فى وسعها للحيلولة دون انعقادها، ويعرف الكل أيضاً أن تأييد السعودية لمبارك لم يكن خافياً طوال أيام الثورة.. وقتها كان هناك أكثر من تصريح لوزير الخارجية السعودى سعود الفيصل عبّر فيها عن استهجانه الشديد واستنكاره البالغ للتدخل الأجنبى فى الشأن الداخلى المصرى.. وفى 9 فبراير بثت وكالات الأنباء خبر مطالبة السعودية والإمارات والأردن للولايات المتحدة بألا تضغط على مبارك حتى يتنازل عن السلطة.. وفى اتصال بين ملك السعودية وأوباما يوم 11 فبراير، آخر أيام الطاغية فى الحكم، عاد الملك يحذر الرئيس الأمريكى من مواصلة الضغط على مبارك، وقال إنه يتوجب السماح له بالإشراف على العملية الانتقالية فى البلاد، بل هدد بدعم مصر مبارك مالياً إذا أوقفت واشنطن مساعدتها السنوية للقاهرة، وفى هذا اليوم أيضاً تردد أن السعودية عرضت على مبارك أن تستضيفه على أراضيها مع رئيس تونس الهارب.
وبعد الثورة قام «الفيصل» بزيارة خاطفة إلى القاهرة فى 12 أبريل، اجتمع خلالها مع المشير طنطاوى ومع الدكتور عصام شرف، واكتفت وكالة أنباء الشرق الأوسط بعدها بالقول إن المباحثات تناولت «أوجه التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى استعراض مختلف الأحداث على الصعيدين الإقليمى والعالمى»، إلا أن وكالة «يونايتد برس» أشارت إلى «تقارير محلية تفيد أن السعودية هددت بسحب الاستثمارات السعودية فى مصر وطرد العمالة المصرية من السعودية إذا ما خضع الرئيس المخلوع للمحاكمة».
بعد غد سنعرف إذا ما كان الطاغية سيمثل أمام المحكمة أم لا.. وإذا ما غاب فهل سيغيب بسبب انهيار صحته فعلاً أم أن وراء الغياب ما وراءه، لكن مهما كان الأمر فالسعودية ليست سعيدة أبداً بـ3 أغسطس، الذى ترى فيه مشهداً لحساب حاكم وأسرته تخشى تصديره خارج الحدود، بل هى فى حقيقة الأمر ناقمة على 25 يناير، مشهد الثورة الذى يذكرها بثورة يوليو التى تطاير شررها فى أنحاء الوطن العربى كله، وزادت نقمتها على يناير منذ أعلن نبيل العربى، عندما كان وزيراً للخارجية، عن توجهات جديدة فى السياسة الخارجية المصرية، حتى وإن كانت متواضعة، بدأت بإشارات الود الخجولة تجاه إيران، وتأكد الانزعاج السعودى عندما قادت المملكة دول الخليج لدعوة المغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى حتى يتحول إلى ما يشبه اتحاداً للملكيات العربية يحميها من الثورات ومن ثورة 25 يناير خاصة.
إلى أى حد هناك ما يربط بين هذا كله وبين ما حدث فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى؟ هذا هو السؤال الذى يثيره رفع الأعلام السعودية فى مليونية الجمعة. فى لقائه مع قادة وضباط الجيش الثالث الميدانى، خلال الأسبوع الماضى، اتهم المشير طنطاوى جهات خارجية بدفع البعض فى مصر فى اتجاهات خاطئة، وقال إن «هناك أناساً من الخارج تغذى وتعمل مشروعات محددة ينفذها بعض الأفراد فى الداخل»، وقد فُهم وقتها أن الكلام موجه إلى شباب الثورة، لكن ألا يمكن أن ينطبق الكلام نفسه على الذين رفعوا رايات السعودية فى الميدان؟ وإذا كان اللواء حسن الروينى، عضو المجلس العسكرى، قد اتهم فى الأسبوع الماضى حركة كفاية بأنها غير مصرية، فبماذا يمكن أن يصف اليوم من يرفعون أعلام السعودية؟ وإذا كانت اتهاماته قد طالت أيضاً حركة 6 أبريل بدعوى أنها تمول من الخارج، وأن أعضاءها تلقوا تدريباً فى صربيا، وأن شعارها «اليد المقلوبة» هو نفس شعار الحركة الصربية، فهل يسكت اليوم على أولئك الذين يتخذون من علم السعودية شعاراً لهم، ويرفعونه فى ميادين التظاهر؟
بقدر ما نرفض الاتهام المرسل بقدر ما نطلب التحقيق الناجز، وقد كنت أود أن أقدم بلاغاً بهذا الشأن للنائب العام، لكنه لما كانت القوى الوطنية لا تأتمن النائب العام فليس أمامى سوى أن أتوجه به إلى المجلس العسكرى

مشاركة مميزة