الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

ليتني بقيت في السجن بقلم/ توفيق أبو شومر



kolonagaza7

علينا أن نعترف بأننا ارتكبنا أفدح الأخطاء في حق أسرانا الفلسطينيين حين وقعنا الاتفاقات، قبل أن يُطلق سراحهم بلا استثناء كشرط رئيس لأي اتفاق، وبدون التصنيفات الممقوتة التي أطلقت عليهم لغرض تقسيمهم وتشتيت قضيتهم ومن هذه التسميات:أسرى أمنيين، وأسرى عسكريين، وأسرى ملطخة أياديهم بالدم، وأسرى الدوريات، وأسرى القدس وغزة، والأسرى العرب ...!
كما أننا لم نكتف بتقسيمات المحتلين للأسرى، فقد قمنا نحن - أهلُهم وذووهم- بشرذمتهم مرة أخرى، حين ألحقناهم بأحزابهم، وصرنا نسميهم أسرى فتح... حماس ... الجبهة...!!
وليتنا اكتفينا بذلك، بل عززنا همومهم وقتلنا صمودهم، ومزقنا إرادتهم الوطنية الصلبة حين اقتتلنا، وأبحنا الدم الفلسطيني ( المحرَّم) للمرة الأولى، وكان ذلك انتهاكا للمبادئ التي اعتنقها أسرانا ومعتقلونا، وهكذا أسهمنا نحن الفلسطينيين في مضاعفة أهوال السجن وعذاباته، فصار الأسير يعاني من سجنَيْنِ، السجن المادي الإسرائيلي، وسجن القهر النفسي الفلسطيني، وللأسف فقد أصبح أسرانا يُحسون بأن سجن القهر الفلسطيني هو الأقسى والأمر من السجن الإسرائيلي!
لدرجة أنني سمعتُ أحد المحرَّرين من الأسرى الفلسطينيين يقول متألما قولا مريرا خطيرا:( ليتني بقيتُ في السجن)!!
وأتساءل: هل نجحنا اليوم في توظيف قضية غلعاد شاليت في مصلحتنا الوطنية؟
سؤال سيظل مطروحا علينا، ما بقي الأسير الإسرائيلي بيننا!
وسأظل مسكونا بما ورد في صحف إسرائيل حول الأسير شاليت، فقد اعتبره محللون إسرائيليون يساريون ضحية للسياسيين المتطرفين في إسرائيل، فهم يواظبون على إدامة إبقائه في غزة، معتمدين على أنه لن يُقتل، وأنه ورقة يانصيب (لوتو) في يد آسريه الفلسطينيين، فبدونه سوف يخسرون هالاتهم وتيجانهم وبطولاتهم.
لذلك فإن السياسيين الإسرائيليين ليسوا متحمسين لإطلاق سراح شاليت حتى يتمكنوا من أن يستعرضوا بطولاتهم، ويكدسوا تيجانهم العسكرية، ويطيلوا أعمار حكوماتهم على حساب جثة غزة المقهورة المسكينة، فيقصفونها يوميا ويعيدون تدميرها كلما حاولت بناء نفسها من جديد!
وجعل سياسيون إسرائيليون آخرون قضية شاليت من أكبر مصادر الدخل السياسي الإسرائيلي القمعي الاحتلالي،فأسر شاليت هو المبرر الأكثر شهرة لحصار قطاع غزة، وجعل غزة تعيش في ضائقة نفسية كبيرة، أدَّت في النهاية إلى تهجير آلاف الكفاءات الشبابية، بسبب شاليت، ولا أبالغ إذا قلت إنها ساهمت في إفراغ قطاع غزة من المنتجين الأكفاء والمستثمرين، وأصحاب رؤوس الأموال، وهذا يأتي في قمة أولويات إسرائيل المعنية بجعل قطاع غزة خاويا إلا من الفلسطينيين الإرهابيين كما تدعي !
وأسر شاليت أيضا عند مفكرين إسرائيليين آخرين، هو أكبر دعايات إسرائيل العالمية، فهو يٌستعمل في البربوغندا الإسرائيلية كرمز على وحشية وفاشية آسريه الفلسطينيين القساة، وهمجية قطاع غزة وخلو قلوبهم من الرحمة بهذا المسكين الضعيف!!
فآسروه الفلسطينيون القساة غلاظ القلوب !! يمنعون الصليبّ الأحمر من زيارته واستلام رسالته لأهله وذويه، في الوقت الذي تبيح فيه إسرائيل (الديمقراطية) زيارات أسر وعائلات آلاف السجناء الفلسطينيين!
كما أن شاليت يُعدُّ مصدر دخلٍ رئيس للحكومات الإسرائيلية، فهو تارة يشير إلى قوة وصلابة الحكومة في مواجهة الابتزاز الفلسطيني في صفقة تبادل الأسرى، حتى ولو كان الثمن إطالة زمن أسر هذا الجندي، كما أن السياسيين استغلوا ازدواجية جنسيته كإسرائيلي فرنسي لإقحام فرنسا واستمالتها لإسرائيل، وإقصائها عن مناصرة الفلسطينيين!
وهاهي حكومة إسرائيل اليوم توظّف صفقة الأسرى الفلسطينيين كبارقة أمل للخروج من أزمة الثورة الاجتماعية في إسرائيل، أو ثورة الخيام، فقد أشار مستشارو نتنياهو عليه، أن يسعى لإطلاق سراح شاليت بأي ثمن، وذلك لفض خيام المعتصمين في شارع روتشلد بتل أبيب، لغرض الاحتفال بتحرير شاليت، وتسليمه إلى ذويه، وتحويل الاعتصام الاحتجاجي إلى مهرجانات فرح بالانتصار على الإرهاب الفلسطيني!
كما أن بعض السياسيين يُسوِّقون دعاياتهم الانتخابية باستعمال أيقونة شاليت كرمز من رموز اعتزاز الجيش بمنتسبيه وجنوده ممن يجعلون الجندي الإسرائيلي الواحد درةً غاليةً ثمينةً، تُعادل آلاف الأسرى الفلسطينيين، الذين يحسبون عند أهلهم وذويهم بالأرقام، وليس بالأسماء !
أما نحن، فقد أحدث شاليت في وسطنا انقساما كبيرا، فالجمهور البسيط أصبح أكثر إيمانا بالدعاية الإسرائيلية، وأكثر قناعة بأن غزة بدون شاليت سوف تكون بخير وعافية، وأن كثيرين يتمنون إنهاء صفقة تبادل الأسرى بأي ثمنٍ كان، للخروج من المأزق وضائقة الحياة ومقصلة المعابر، وألم الحصار، ونتائج الدمار!
وآخرون منا يعتقدون بأن أسر شاليت تحول من قضية وطنية إلى قضية حزبية، بل أنه انتقل من خانة القضية الحزبية إلى قضايا شخصية تتعلق بآسريه وطموحاتهم وأمالهم، بغض النظر عن القضية الوطنية الرئيسة!
وآخرون ممن يعانون من الثكل وألم الأسر وتشتت العائلات من ذوي الأسرى، يرون ضرورة إبقاء شاليت في الأسر بغض النظر عما يجره ذلك من خسارة وطنية، حتى تحرير آخر أسير، ويعتبرون هذا المطلب، هو المبدأ الرئيس لهم، لأن هذا الأسير هو أملهم الوحيد المُتاح في زمن الإحباط الذي يلف الساحة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية!
بقي أن نقول إن التكنولوجيا السياسية في عالم اليوم تقوم على فن استثمار الأحداث وتسخيرها في خدمة الوطن، فلا يوجد في علم السياسة الحديث مدلول محدد لكلمة (خسارة) الدول، فالدول العظيمة، لا تخسر أبدا، فهي قادرة على تحويل خسائرها ونكباتها ومشكلاتها إلى بنوك للربح الآجل!
وهذا المبدأ تُتقنه إسرائيل بكفاءة، وتستثمره اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، فهي تستفيد من كوارثها بتدريب أبنائها على مواجهة هذه الكوارث، وتستفيد من كل خطأ أو خلل يحدث فيها ، فقد غدتْ إسرائيل اليوم ضليعة في مكافحة الحرائق، بعد أن استفادت من حريق الكرمل مثلا، وهي فضلا عن ذلك من الدول القليلة في العالم التي تملك فرق إنقاذ من الزلازل، على الرغم من عدم ممارسة تجربة الزلازل في إسرائيل حتى الآن!
ألسنا نحن اقرب الناس جغرافيا إلى إسرائيل، فكيف نرضى أن نكون أبعد الناس عن الاستفادة من تجاربها؟!!
ووفق مذهب استغلال الظروف في إسرائيل فإنني أنحتُ مقولة جديدة تصلح للتداول كشعار في إسرائيل تقول:
" لو لم يكن هناك أسير إسرائيلي في غزة اسمه شاليت، لوددتُ أن يُوجدَ هذا الشاليت في غزة"!!
hasEML = false;

مشاركة مميزة