الجمعة، 12 أغسطس 2011

حروف مضيئة من كردستان بقلم / توفيق أبو شومر



kolonagaza7

للمرة الأولى أقرأ كتابا كاملا صادرا في السليمانية( كردستان) في شهر يونيو 2011، الكتاب بعنوان لقاءات تحت أشعة الحروف، للصحفي والكاتب سردار زنكنه.
جمع الكاتب فيه لقاءاتٍ متعددة مع عدد من الأدباء والمفكرين العرب، والكتاب كما يظهر لمتصفحه من الخارج كتابٌ عاديٌ، غير أن القارئ عندما يغوص في صفحاته يكتشف بأن الكتابَ منجم من الأفكار والآراء ، تمكن الكاتبُ والصحفي أن يكشفها، في قضايا الأدب والفكر والسياسة، كما أن مؤلف الكتاب استطاع بحذقه أن يدفع ضيوفه وأبطاله إلى اشتياق الاطلاع على الأدب الكوردي، وذلك عبر لقاءاته العديدة مع الأدباء والمبدعين الكورد، ممن أسهموا في إغناء التراث الفكري العربي بإبداعاتهم.
وقد أشارت الكاتبة الأردنية المبدعة سناء الشعلان في مقدمة الكتاب إلى مهارة مؤلف الكتاب في الحوار، وقدرته الولوج في أعماقهم فقالت:
"الكتابُ ينسجُ من المقابلاتِ ثوبا سحريا، يشفُّ عن دواخل المبدعين"
كما أن قارئ الكتاب يلاحظ بوضوح انحياز المؤلف إلى إبداع المرأة، وبخاصة المرأة الكوردية المناضلة، التي تمكنت من تحويل غربتها وهجراتها المتوالية إلى إبداعات أدبية وفكرية.
تمكن الكاتب من إسالة القصص من أفواه أبطاله، فأخرجنا من القوالب التقليدية للأسئلة الصحفية، إلى أمتع الأساليب وهو أسلوب القص، فجعلنا نتابع بشغف قصة الكاتبة د. كاترين ميخائيل الخبيرة في شؤون النفط، والتي التحقت بالمقاومة البيشمركية في كردستان، والتي عاصرت المذابح التي نفذها الأصوليون في الجزائر في سبعينيات القرن الماضي، ورصدتْ الكاتبة مأساة الأنثى السافرة التي تعيش وحدها في بلد يلفه الإرهاب والقتل!
ولم يكتفِ مايسترو الكتاب سردار زنكنه بذلك ، بل إنه التقط شخصيات نسائية أخرى من كل بقاع العالم ليشير إلى كفاءة المرأة وإبداعها الأدبي، وأثرها في إثراء الأدب والفكر، فأورد قصة الكاتبة المغتربة في نيوزلنده ميسون البياتي ، والكاتبة الكوردية التي اعتادتْ أن " تجمع أشلاءها بالكتابة" كولالة نوري.
ولم ينس المؤلف المبدعات في غير كوردستان، كالشاعرة الشيخة أسماء بنت صقر القاسمي ابنة حاكم الشارقة السابق، والتي تمكنتْ من تغيير المفهوم السائد عن الأميرات المرفهات ، إلى الأميرات المبدعات المفكرات، ولم ينسَ المؤلفُ أيضا الكاتبة السعودية زينب حفني ، ولا المبدعة السورية غادا السمان ، والمبدعة الفلسطينية دينا سليم التي تعيش في أستراليا، والكويتية خولة القزويني، والمصرية فاطمة ناعوت، والعراقية دنيا ميخائيل وغيرهن..
وليس من قبيل المبالغة القولُ ، إن الكتاب يعكس مهارة الكاتب في الغوص في أعماق أبطاله للحصول على الدُرر واللالئ، وتمكن من إعادة صياغة هذه الدُرر ونظمه في عقدٍ جميل علَّقَهُ في رقبة غانية الإبداع الكوردية!
وحاول الكاتب أيضا أن يضع في ثنايا كتابا وجبة أدبية وثقافية ونقدية دسمة عندما حاور الشاعر الكردي شيركو بيكه الذي جرَّب الوزارة فعين وزيرا للثقافة في الحكومة الكوردية عام 1992 ، كما أنه اختار شاعرين فلسطينيينِ، سميح القاسم ود. فاروق مواسي، ولم يكن اختيارهما مصادفة، بل جاء الاختيار لأنهما يمثلان تيارا أدبيا فلسطينيا مؤثرا حتى في الأدب العبري، كما أن الشاعرين يعيشان الهم النضالي والثقافي فوق أرضهما.
ولم ينسَ الكاتب أن يُحفِّزَ النقد الأدبي ومدارِسَهُ بالإشارة إلى المدرسة النقدية البنيوية، عندما استضاف المختص في النظرية البنيوية د. آزاد كريم، والذي أشار إلى أن البنيوية قد وصلتْ متأخرة للأدب الكوردي.
لقد نجح الكاتب في مزج النظريات والآراء الجافَّة في الكتاب بالقصص المشوقة، مما سهَّل على القارئ قراءة الكتاب ، وحوله من ملف إعلامي شخصي، إلى كتاب أدبي مشوِّق يستحق القراءة، وإن كان القارئ سيلاحظ بعد انتهاء صفحات الكتاب، أنه كان يتوقع أن يرى في صفحاته لقاءاتٍ مع مبدعين ومبدعات من تونس والمغرب!

مشاركة مميزة