الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

حرق دم إسرائيل.. لا حرق علمها




kolonagaza7



مجلة الوعي العربيبقلم حمدى قنديل
كانت هذه أول مرة أشارك فيها فى اجتماع مع السلطة، إذ لم يتح لى من قبل أن أحضر اجتماعاً مع الحكومة أو مع المجلس العسكرى.. أثار دهشتى الإعلان عن أن الجلسة مغلقة، رغم استحالة السرية فى حضور نحو مائتى مدعو.. بالفعل ما إن مضت ساعات على انتهاء الاجتماع حتى تكفل المشاركون بكشف تفاصيله فى برامج التليفزيون المسائية.. أظن أن هذا يسمح لى، أخلاقياً، بأن أتناول بالنشر ما جرى.. أبدأ أولاً بالوقائع:
فور الاعتداء الإسرائيلى فى سيناء، تشاور عدد من رفاق ٢٥ يناير حول ضرورة تنحية الخلافات بين القوى الوطنية، حتى يقف المصريون جميعاً، حكومة وشعباً وشرطة وجيشاً، لاستعادة صلابة بنيان الثورة ورص الصفوف لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وشرفونى بتكليفهم بأن أتصل بالأحزاب والحركات السياسية لبلورة المطالب الشعبية، تمهيداً لتقديمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. أشهد أننى وجدت استجابة فورية للنداء، ليس فقط بين هذه القوى وإنما أيضاً بين مرشحى الرئاسة المحتملين الذين أتاح الوقت الاتصال بهم (أبوالفتوح، موسى، البسطويسى، صباحى، نور)، رغم ذلك فقد ترددت بضعة أطراف، وأحجمت أطراف أخرى.
فى الوقت نفسه، كان حزب الوسط قد سارع إلى دعوة الجماعة الوطنية، لتحديد مطالب الشعب فى اجتماع انصهرت فيه عدة مبادرات أجمعت على ثمانية مطالب: (١) سحب سفير مصر من تل أبيب (٢) طرد سفير إسرائيل فى القاهرة (٣) منع الأسطول العسكرى الإسرائيلى من المرور فى القناة (٤) دخول قوات مصرية إضافية تضمن السيادة المصرية على سيناء (٥) إبلاغ مجلس الأمن بالعدوان (٦) تسليم قتلة الشهداء لمحاكمتهم أمام المحاكم المصرية (٧) المطالبة بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن اتخاذ قرار العدوان (٨) إعادة النظر فى علاقات التطبيع، وعلى رأسها تصدير الغاز.
اقترحنا إرسال وفد من نحو ٤٠ من رموز العمل الوطنى للاجتماع مساء الإثنين الماضى بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وإبلاغه بهذه المطالب، إلا أن المجلس لم يجب سلباً ولا إيجاباً.. أظن أن قراراً اتخذ عندئذ أن تتولى الحكومة الأمر.. هكذا فوجئ الوسط السياسى فى اليوم التالى بإعلان الدكتور على السلمى، نائب رئيس الوزراء، عن دعوة لاجتماع بالقوى الوطنية، بهدف اتخاذ موقف موحد من العدوان.. يوم الخميس عقد الاجتماع.. على المنصة جلس الدكتور السلمى ووزير الإعلام ووزير الصحة (بحكم تاريخه النضالى على الأرجح) واللواء مختار الملا، عضو المجلس العسكرى، الذى بدا أنه جاء ليراقب ويستمع.. لم يتحدث الملا سوى مرات قليلة بعبارات مختصرة، أهم ما جاء فيها ـ مما يمكن أن يكون صالحاً للنشر ـ هو تكذيبه بشكل قاطع للأخبار المتداولة عن دوريات مصرية ـ إسرائيلية مشتركة لمراقبة الحدود.
انعقاد الاجتماع فى الثانية والنصف بعد الظهر فى رمضان كان يعنى بداية أنه لابد من الانتهاء منه فى ساعتين على الأكثر.. هكذا خصصت دقيقتان لكل متحدث.. الأول كان سامح عاشور، رئيس الحزب الناصرى.. لفت النظر إلى أنه من العسير أن تتوافق الحكومة مع ممثلى القوى السياسية على الإجراءات التى يجب اتخاذها، لأن المطالب الشعبية عادة ما تصل إلى حدود قصوى ليس بمستطاع الحكومة الالتزام بها فى ضوء قيودها السياسية والقانونية.. بعده كانت كلمة د. السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، الذى افتتح حملة تبنى المطالب الثمانية، ثم جاءت كلمة ساخنة للدكتور محمد مرسى، رئيس حزب الإخوان «الحرية والعدالة»، وأخرى مماثلة للدكتور عبدالجليل مصطفى، منسق الجمعية الوطنية للتغيير، ولم تكن الكلمات الأخرى أقل سخونة.. أظن أن أهم ما كشف عنه الاجتماع هو الفجوة بين الموقفين الشعبى والرسمى، كما كشف أيضاً إهمال نظام مبارك الفاضح لسيناء الذى يرقى لمرتبة الخيانة، والتأكيد على أن الهيئة العليا لتنمية سيناء التى شكلتها الحكومة مؤخراً ستقوم بإجراءات جدية وعاجلة.
لما حانت ساعة تقفيل الاجتماع، خرجت لنا الحكومة ببيان فضفاض معد سلفاً لفض المجالس.. تصاريح المجتمعون فى أركان القاعة: «البيان ضعيف»، كانت هذه أخف العبارات التى تصاعدت غضباً على مواقف رسمية مترددة وعلى تلفيق توافق لم يتم.. لإنقاذ الموقف اقترح المهندس أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط، تشكيل لجنة لإعادة صياغة البيان من جورج إسحق وسامح عاشور ومحمد نبوى ممثلاً عن الشباب ومنى.. لم يستغرق الأمر دقائق أجمعنا خلالها على أن الأمانة تقتضى عدم إصدار بيان.. هكذا أعلنت الحكومة أن الاجتماع مع القوى الوطنية تم للتشاور.
كانت هذه هى الوقائع كما جرت.. أظن أنها لا توحى سوى باستنتاجات مؤسفة، أولها: أنه ليس من المنطق أن تستدعى الحكومة القوى السياسية لإصدار بيان.. قوى الثورة هى التى تستدعى حكومتها وتدعوها لتنفيذ مطالبها.. حيث لا يوجد مجلس شعب، فالاجتماع ـ الذى ربما كانت لانعقاده بمبنى المجلس (دلالة) ـ هو بمثابة جلسة برلمانية تساءل فيها الحكومة عما تتخذه من مواقف.. الملاحظة الثانية: هى أن الموقف الشعبى وصل إلى أقصى حدود الغضب ـ وإن كان هذا لا يعنى بالطبع المناداة بإعلان الحرب ـ ودعم القوى الوطنية للسلطة مشروط باتخاذ قرارات أكثر جسارة، خاصة فيما يتعلق بإعادة النظر فى اتفاقية السلام.. ثالثاً: أنه كان يتعين على المجلس العسكرى مهما كانت أعباؤه، التى تزايدت شرقاً فى سيناء وغرباً على حدود ليبيا، أن يجتمع بوفد مرشحى الرئاسة ورموز العمل السياسى ويتباحث معهم بعمق وروية فيما يمكن اتخاذه من إجراءات ترضى الشارع ولا تؤدى إلى انفلات العيار.
رابعاً: أنه آن الأوان للأكشاك الحزبية، قديمها وحديثها، شأنها شأن ائتلافات الشباب الغامضة التى فاقت الحصر، أن تكف عن فرض نفسها على الاجتماعات الجادة، وأن تتوحد فى عدد محدود من الكيانات يمكن أن يكون له ثقل وفاعلية، وإلا فإنها سوف تخسر الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعندها فلعلها تريح وتستريح.. الملاحظة الخامسة: هى أن الحكومة ـ التى نعترف لها بجهدها فى الانفتاح على القوى الوطنية ولنائب رئيسها بالإخلاص والنقاء ـ يجب أن تقتصد فى عقد الاجتماعات التى لا تستهدف سوى «طق الحنك».
أخيراً تعاهد ممثلو الأحزاب والحركات السياسية، كعادتهم دائماً، على أن ينحوا خلافاتهم جانباً، لكنه ما إن انفض السامر حتى عاد معظمنا إلى التمترس فى المواضيع القديمة والتلهى بالمناكفة والتشاطر والمزايدة.. لم يجمع الكل عندما حل المساء سوى على التظاهر أمام سفارة إسرائيل وحرق علمها.. ربما كان لحرق العلم دور فى إبلاغ رسالة الغضب الشعبى لإسرائيل.. لكن حرق العلم كان وسيلة التعبير فى عصر مبارك، حين كانت الدولة عاجزة متواطئة مع عدوها.. بعد الثورة لن نثأر للاعتداء على أرضنا وقتل شهدائنا بحرق علم إسرائيل لكن بحرق دم إسرائيل.. وهذا لن يتأتى سوى بنبذ الفرقة، ومواصلة الضغط الجماعى لاتخاذ موقف رسمى حازم وناجز، لا مبرر للنكوص عنه بادعاء الحكمة والتذرع بمقتضيات الحسابات الدقيقة.

مشاركة مميزة