الجمعة، 5 أغسطس 2011

هل السجون السعودية دولة داخل دولة ؟!!

kolonagaza7


بقلم / طارق بن راشد الغفيلي
مفهوم الدولة قائم على أربعة مرتكزات : مجموعة من البشر ، إقليم محدد لهم ، نخبة تحكم ، مجموعة نظم قائمة تسير أحوالهم على وجه الإلزام ؛ فأي اختلال في هذه المعادلة يعني بالضرورة اختلالا في حقيقة مفهوم الدولة وممارسته ، وفي قضية الموقوفين بلا محاكمة منذ سنوات نموذج على تعطيل هذا المفهوم ؛ لأن النظام الذي يحكم هذه الظاهرة لم يعمل به المسؤولون المعنيون بهذا الشأن رغم أنها قرارات ملكية مصدقة يجب تنفيذها ، وقد بلغ هؤلاء الموقوفون لشهور وسنوات بلا محاكمة عشرات الآلاف حسب مصادر حقوقية ، ومجرد آلاف حسب مصادر وزارة الداخلية ، ومهما بلغ عددهم ، فيجب محاسبة من تجرأ على خرق الأنظمة ، وأسقط الهيبة الشرعية للدولة ؛ فالخروج على شرعية الدولة قد يكون مسلحا ، وقد يكون بثورة على نخبها الحاكمة ، وقد يكون خروجا على أنظمتها واستبدالها بأنظمة أخرى في مكان يخضع لسيادة الدولة ، فهذه الأمثلة تعني خروجا على الشرعية وعدم اعتراف بها !!
صدر القرار الملكي الملزم برقم ( م/56 ) وتاريخ 24 / 10 / 1409 بإنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام ، وهي مخولة حسب القرار بثلاثة أنشطة تكون هي مرجعيتها : التحقيق ، الادعاء العام ، الرقابة على السجون ودور التوقيف وتنفيد الأحكام ، ثم صدر القرار الملكي الملزم الآخر برقم ( م / 39 ) وتاريخ 28 / 7 / 1422 بتحديد مواد نظام الإجراءات الجزائية المعنية بمثل هذه القضايا ، ومن أهم نصوص تلك المواد التي يجب العمل بها المادة الثانية : " يحظر إيذاء المقبوض عليه جسديا أو معنويا ، كما يحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة " ، والمادة الرابعة : " يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة " ، والمادة الرابعة عشرة : " تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق والادعاء العام طبقا لنظامها ولائحتها " ، والمادة الخامسة والثلاثون : " لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك ، ويجب معاملته بما يحفظ كرامته ، ولا يجوز إيذاؤه جسديا أو معنويا ، ويجب إخباره بأسباب إيقافه ، وله الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه " ، والمادة الرابعة والستون : " للمتهم حق الاستعانة بوكيل أو محام لحضور التحقيق الذي يجري معه " ، والمادة السبعون : " ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه أثناء التحقيق " ، والمادة الرابعة عشرة بعد المئة : " ينتهي التوقيف بمضي خمسة أيام ، إلا إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف فيجب قبل انقضائها أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة ليصدر أمراً بتمديد مدة التوقيف مدة أو مدداً متعاقبة ، على ألا تزيد في مجموعها على أربعين يوما من تاريخ القبض عليه ، أو الإفراج عن المتهم فورا ، وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول يرفع الأمر إلى رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام ليصدر أمره بالتمديد لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد أي منها على ثلاثين يوماً ، ولا يزيد مجموعها على ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم، ويتعين بعدها مباشرة إحالته إلى المحكمة المختصة ، أو الإفراج عنه " . !ا
من واقع تجربتي وتجربة كثير من الموقوفين الذين خرجوا بلا محاكمة ولا تعويض وتعذر ملاحقة المسؤولين عن اعتقالهم قضائيا ، فإن كثيرا منهم يتعرضون إلى إيذاء جسدي ومعنوي وهدر للكرامة ، ولا يمكنون من حق توكيل محام يدافع عنهم ، ويتم اعتقالهم دون إشهار أمر الاعتقال ومصدره وسببه ، ولا يستطيعون مكالمة ذويهم في إجراءات الاعتقال ، كما أن بعض ضباط المباحث هم من يتولون التحقيق وليس أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام مع عدم وجود أي وكيل أو محام ، وقد أصبح دور هيئة التحقيق مغيبا مع استلام المباحث لهذه الملف بطريقة استفزازية لأنظمة الدولة ، وبينهم يغيب الموقوف عن والديه وزوجته وأولاده ولا يعلمون أي أرض تقله أو سماء تستره في ظروف مأساوية لا تقرها الأعراف الإنسانية ناهيك عن تعاليمنا الشرعية ، وغالبهم تجاوز المدة النظامية بالتوقيف والتحقيق دون محاكمة ، فلم تعد ستة أشهر تجب المحاكمة بعدها أو الإفراج ، بل أمضوا سنوات بلا محاكمة أو إفراج !! كل هذه الإجراءات تخالف أنظمة الدولة كما سبق بيان بعضها ، وتنتهك شرعيتها السيادية على أجهزتها !!
لا أستطيع أن أستوعب كيف تجرأ هؤلاء على مخالفة أنظمة الدولة وضربوا بها عرض الحائط ، ثم استبدلوها باجتهادات من عند أنفسهم ، وكأن سيادة الدولة لا تشملهم ، ويتمادون في غيهم كما لو كانت لهم دولة داخل دولتنا ، فمن حقهم الاعتقال والتحقيق والمحاكمة حسب أنظمة الدولة ، ومن حقنا الدعوة إلى إيقاف عبثهم بالأنظمة الصادرة بأوامر ملكية ، وتجاوزهم سيادة الدولة وحقوق شعبها ، ومحاسبة المسؤولين عن هذه المأساة التي أصبحت حديث النخب والعامة في المجالس والإعلام الالكتروني ، إن أدنى درجات حفظ الحقوق أن يحاكم المتهم تحت مظلة الجهاز الحكومي المختص وليس غيره لينال العقاب إن كان مذنبا ، أو يتم الإفراج عنه بكرامة ، اللهم إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

مشاركة مميزة