الاثنين، 1 أغسطس 2011

تعددية لا طائفية



kolonagaza7

عزت هلال
لقد صُدمت من الهتافات التي نادت بتطبيق الشريعة الإسلامية لأن تطبيق الشريعة الإسلامية لا يعقل أن يكون مطلبا لحكومة إنتقالية غير شرعية. ولا يعقل أن يكون مطلبا توافقيا بين مختلف الفصائل السياسية لأن الشريعة الإسلامية لا تجد توافقا بين كافة فصائل التيار الإسلامي نفسه. والأجدر أن يضع كل حزب من أحزاب تيار الإسلام السياسي تصورة في برنامجه السياسي وللشعب أن يتوافق مع رؤيته للشريعة الإسلامية أو مع رؤية غيره من الأحزاب الأخرى. فنحن في هذا المجال نتعامل مع فكر بشري لا يعبر بالضرورة عن الإسلام بل يعبر عن فهم صاحبه للإسلام ولا يدعي فصيل أنه من الفرقة الناجية ولا يدعي أحد أنه يتحدث بإسم الله. خرجت الجموع للدفاع عن الهوية الإسلامية لأنها شعرت أن محاولات البعض فرض ما سموه بالمبادئ فوق الدستورية ينال من الهوية الإسلامية لمصر. وانبرت النخبة التي تنادي بوثيقة فوق دستورية بإنكار تهمة النيل من الهوية الإسلامية.لا يستطيع أحد أن ينكر أن موضوع هوية مصر كان ولازال مثار جدل واسع بين النخب المصرية وخاصة في منظمات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلات من الخارج. وسمعنا من ينكر الهوية العربية وآخر ينكر الهوية الإسلامية ومن يدعو لتغيير علم مصر ليضع عليه الصليب تارة، وتارة أخرى الأهرامات أو رموز أخرى فرعونية. لم يستطع هؤلاء النخب أن ينالوا من الهوية العربية الإسلامية لمصر فكان عليهم أن يشوهوها بإختراع هويات متعددة للمصريين. وينسى هؤلاء الأذكياء أن الأمة الواحدة لا يكون لها إلا هوية واحدة تجمعها، وهذه الهوية هي تراكم ثقافي على مدار عمرها كله. فقضية الهوية ليست قضية دستورية ولكنها قضية ثقافية تحدد ملامح وسمات الشخصية المصرية. فلم يتحرج زعيم مصري عظيم مثل مكرم عبيد أن يقول أنه مسيحي بالديانة، مسلم بالثقافة.إختراع وثيقة فوق دستورية ينم عن غباء قانوني وسياسي فلا يوجد وثيقة فوق وثيقة الدستور ولا يوجد مبادئ تعلوا على مبادئ الدستور في الدولة المدنية حتى ولو كانت نصا دينيا .. ففي الدولة المدنية نحن نتحاكم بالدستور وليس بالقرآن أو الإنجيل أو التوراة أو أي نص ديني. ولا شك عندي كمسلم أن القرآن أعلى منزلة من أي نص آخر، ولأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى فلا يحق لنا أن نبدله ونغيره كما نفعل في الدستور أو أي وثيقة بشرية. ومن عجائب نخبنا الذكية أن تضفي على وثيقتها قداسة تتماثل مع قداسة القرآن والإنجيل، فلا يحق لأحد أن يغيرها. وتكون حاكمة لأي نص دستوري، وبذلك ينصبون أنفسهم كهنة لديانة جديدة كتابها المقدس هو "الفوق دستورية". قد نكون في حاجة لإعلان وثيقة مبادئ دستورية تنتهي بالإعلان عن الدستور الجديد، فليست الفكرة مرفوضة لذاتها ولكن محتوى هذا الإعلان الدستورى وصفته وأسلوب إقراره هو ما نرفضه.التعددية صفة محمودة في المجتمع المدني الذي يقبل التنوع الذي يثري بدوره الحياة الإجتماعية والثقافية والسياسية. هذه التعددية تخلق حراكا في المجتمع يجعله مجتمعا ديناميكيا متطورا ومواكبا لمطلبات العصر وظروف البيئة المحيطة. هذه التعددية التي تقرها ثقافتنا المصرية لا يترتب عليها حقوقا فئوية طائفية تفكك المجتمع وتضعفه بدلا من تماسكة وقوته. فالدعوة لتعدد القوانين للمجتمع الواحد دعوة باطلة لا يجب أن ينص عليها الدستور فيصبح لدينا قوانين إسلامية للمسلمين وأخرى للمسيحيين وثالثة لليهود ورابعة للبهائيين وهكذا نفتت المجتمع الواحد إلى مجتمعات مستقلة تشريعيا وهذا يؤدي إلى خلق كيانات قضائية (محاكم لكل طائفة) وكيانات تشريعية (مجالس شعب مستقلة - فلا يعقل أن يشرع الغالبية المسلمة للديانات الأخرى) مما يترتب عليه حتما سلطات تنفيذية مستقلة. فتتحول مصر من دولة موحدة إلى دويلات طائفية. يجب أن يحكم المجتمع الواحد تشريعات واحدة لا تتصادم مع معتقدات الشعب المتنوعة. وعلى النخبة أن تبحث عن هذه التشريعات وتجتهد في بناء مجتمع عصري لا يلغي الأديان ولا يتصادم معها بل يحتضنها. فالدين مكون لا غنى عنه للشخصية المصرية تعايش معها المصريون عندما كان لهم دين واحد فقط واستمر معهم بعد أن تنوعت دياناتهم مع خضوعهم للحضارات الأخرى الوافدة إليها. الحس الشعبي والثقافة المصرية وجدت الصيغة المناسبة لهذا التعايش على مر السنين وحافظت عليها وهي الآن تتعرض للخطر من جهات خارجية تسعى لخلق صراعات بين فئات المجتمع.من الأفكار الأخرى المطروحة في المبادئ الحاكمة أن يعطى للقوات المسلحة دورا سياسيا وهو أمر مرفوض لا يجب أن يقبل به قادة التنوير والثورة الشعبية. كما يجب أن يكون الدستور وثيقة قانونية تضبط العلاقات بين السلطات الثلاثة وتقر بالحقوق الإنسانية وحقوق المواطنة والحريات ولا تتجاوزها إلى فرض قيود على شكل المجتمع الثقافي ولا تتضمن معلومات تاريخية قد تثير جدلا علميا ليس مجاله الدستور. فلا للوثيقة الفوق دستورية ولا لكل الكهنة أعداء التغيير. ولنقف جميعا مع الثورة وأهدافها ونصر على بناء مجتمع مدني لا يخضع لوصاية أحد.

مشاركة مميزة