kolonagaza7
شارفت أميركا على الإفلاس وهي تراكم ديونها المالية والسياسية بسندات خزينة من ثرواتنا وقرارنا السياسي
حسن خليل غريب في 20/ 8/ 2011
إذا كانت الإدارة الأميركية قد احتلت العراق، في العام 2003، لكي تنشر هيمنتها الإمبراطورية على طول الكرة الأرضية وعرضها من خلال الهيمنة على آبار البترول العربية بعد الهيمنة على بترول العراق. ولكنها بعد أن أعلنت إفلاسها، بفعل استراتيجية المقاومة الوطنية العراقية، فإنها الآن تعمل على تجديد بقائها في العراق من أجل إنقاذ اقتصادها، بإعادة إنتاج احتلال العراق بوسائل وأساليب أخرى. وهي وإن كانت تراهن على عوامل في غاية من الضعف من أجل إعادة إنتاج احتلال آخر للعراق فإن مصير مراهنتها الفشل، فهي قد عجزت عن تدعيم احتلالها بالاستناد إلى تلك العوامل وهي في عز قوِّتها فإنها لن تستطيع أن تعتمد عليها وهي في أقصى درجات ضعفها.
عندما قيل بأن أميركا قد احتلَّت العراق ليس لتخرج منه، كان قولاً صادقاً لأنه كان يعبِّر عن استراتيجيتها الحقيقية. وإن ما يُشاع اليوم بأنها تعمل على تجديد بقائها، فهو قول صحيح أيضاً. وهو صحيح ليس لأنها تطلب من حكومة المالكي أن توافق على التجديد، وإنما قرار التجديد اتخذته إدارة أوباما وأمرت المالكي بالتوقيع عليه. فالمالكي كما أصبح معروفاً ليس أكثر من أداة تُملى عليها الأوامر وما عليه إلاَّ الإذعان. ولذلك سننطلق من بديهة تقول: إن قرار التجديد لخمسين ألف جندي أميركي مفروغ منه، ويبقى علينا أن نعيد التذكير بالوسائل التي تراهن إدارة أوباما عليها لتدعيم قرار التجديد لها، وبالتالي نقوم باستعراض عوامل القوة والضعف في جدار الاحتلال، وعوامل القوة والضعف في جدار المقاومة.
أما بالنسبة للوسائل التي تراهن إدارة أوباما على تطبيقها من أجل الحصول على تجديد آمن لبقائها، فنذكر البعض منها، ومن أهمها:
-مواصلة الحوار مع الحليف الإيراني (العدو – الصديق) حول ملفين اثنين: الاتفاق على توزيع الحصص في العراق على ضوء المتغيرات السلبية التي أصابت موازين القوة الأميركية بعد الكسور والجراح القاتلة التي وجهتها المقاومة الوطنية العراقية للعمود الفقري للاحتلال. أما الملف الثاني، وهو البرنامج النووي الإيراني، الملف الدائم الذي لم يجد حلاًّ ولن يجد هذا الحل، لأنه سيبقى بمثابة الغطاء الذي يوحي بأن هناك عداوة دائمة بين أميركا وإيران.
-مواصلة تقديم سلة من الإغراءات لنظام أردوغان التركي، من أجل الحصول منه على وسائل الإسناد والدعم في ملف العراق. وقد أصبح من الواضح أيضاً أن أردوغان بعد تبييض صفحة نظامه أمام الجماهير العربية بنجاحه في تقديم نفسه صديقاً للعرب، ومناصراً لقضاياهم، على ساحة غزة الجريحة، يقوم بالدور المطلوب منه وهو التدخل السافر والقبيح في أهم القضايا العربية، ويأتي في المقدمة منها القضيتين الليبية والسورية.
-مواصلة الضغط والإملاء على دول الخليج من أجل أن لا يخرج أحد منها عن (بيت الطاعة) الأميركي، بوسائل شتى، ولعلَّ من أبرزها ظاهرة تضخيم دور وحجم أمراء قطر. وليس من غريب الأمور أن يستطيع الساحر الأميركي بأن يجعل القط نمراً أو أن يحوِّل النمر فيجعل منه قطاً.
-مواصلة الدور المشبوه في تحويل بعض المعارضات العربية، التي اعتنى بتربيتها في معاهد مخابراته، ومسخها ليجعل منها معارضة شريفة تتسلل إلى صفوف الثوار الحقيقيين في أكثر من قطر عربي، ويصورها وكأنها تموت تحت سياط الديكتاتوريات العربية، فيحولهم من خونة إلى شهداء يدفعون ثمن دعواتهم لتطبيق الديموقراطية. ولعلَّ أكثرهم كان قد تربى في معاهد الأنظمة الديكتاتورية نفسها.
وبالإجمال ترتفع إلى ذاكرتنا صورة جورج بوش عندما كان يعمم استراتيجية (الفوضى المنظمة)، و(الصدمة والترويع)، لنقارنها مع حرارة استراتيجية أوباما التي أشاع أنها ستعتمد على الحوار. ولكن الفارق بينهما أن أميركا في عهد جورج بوش كانت قوية عسكرياً واقتصادياً، وكان يقتطع من جيب المكلف الأميركي مئات المليارات لتوظيفها في خدمة احتلال العراق، آملاً تعويضها من جيوب العرب ومن جيوب العراقيين عندما يستقر الأمر ويصبح مالكاً مفاتيح العراق. أما في عهد أوباما فالعكس هو ما يحصل: أميركا على شفير الإفلاس، اقتصادياً وعسكرياً. فأما اقتصادياً فلا جدال في ذلك، وإن كانت هناك مراهنات على استعادة موقعها الاقتصادي بفعل مواردها القومية، ولكن المديونية العامة الكبيرة لن تُسَدَّد من دون قرارات مُرَّة ستكون على حساب قوة أميركا المعهودة. وهذا ما سيرخي بذيوله على قوتها العسكرية، تلك القوة التي ستميل إلى الضعف الشديد كلما أغرقت أميركا بحروبها بما توجبه من إنفاق على الآلة العسكرية كما على الأداة البشرية.
وإذا كان يُقال بأن من يملك البترول يملك العالم، فإن أميركا من أجل امتلاك البترول دمَّرت اقتصادها لأن الحرب أكلت البترول وما فوقه وما تحته. ولهذا فامتلاك البترول يُعتبر امتلاكاً لثروات العالم وهو الوجه الأول للحقيقة، أما سلوك طريق الحروب فهو الوجه الثاني لأنه يشكل البالوعة الهائلة للثروة البترولية. وفي المنطق التجاري إذا لم تتم الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك فعبثاً ستكون التجارة ناجحة. وهذا هو حال أميركا التي لم تتعظ من تجربة الاتحاد السوفياتي سابقاً الذي انهار اقتصادياً بفعل دخوله دائرة التنافس التسليحي مع الولايات المتحدة الأميركية في النصف الثاني من القرن الماضي.
وانطلاقاً من فرضية أن المديونية الأميركية ليست قاتلة للاقتصاد الأميركي، لأن الدخل القومي الأميركي قوي، لكن هذا لا يعني أن أميركا لن تعاني من أزمات اجتماعية ومعيشية ومطلبية حادة. وهذا لا يعني أن المديونية الأميركية ستكون سهلة التسديد، بل ستكون صعبة، لأن خسائر أميركا تشهد تصاعداً متواصلاً، وتفقد الكثير من عناصر قوتها سواءٌ في الداخل أم في الخارج. ولهذا فهي تعتمد على سياسة رفع سقف الدين العام وتراهن على السداد المؤجل، وهذا لن يكون إلاَّ عن طريق اتباع سياسة إصدار سندات الخزينة، وهذا بحد ذاته يُرتِّب فوائد مالية ضخمة، كما يُرتِّب تنازلات سياسية مؤلمة لا تتناسب مع موقع الولايات المتحدة الأميركية الإمبراطوري. والإمبراطورية التي تبدأ بسلوك طريق التنازلات أمام منافسيها تبدأ الخطوة الأولى على مسار الانهيار.
بعد أن أرهقتها الحروب، خاصة في العراق وأفغانستان. وبعد أن عمَّ الفساد واستفحل أمره بين أمراء الطبقة الرأسمالية، وانتعشت كثيراً شركات تجار الحروب، راح العجز في ميزان المدفوعات الأميركي يميل نحو الخسائر الكبرى. وبعد أن (ركل الرئيس الأميركي القانون الدولي بقدمه)، واستفرد بالقرار متجاهلاً، أو قل مزدرياً، المجتمع الدولي، وقام بمغامراته الحربية من دون حدود، انفضَّ حلفاؤه من حوله، وتركوه يتخبط بأزماته، فأخذ ميزان مدفوعاته السياسية يميل نحو العجز الكلي.
من جراء ذلك، شارفت الولايات المتحدة الأميركية على الإفلاس عسكرياً وسياسياً. فراحت من أجل سد العجز في ميزانيتها المالية والسياسية تصدر سندات خزينة، وتنقسم سندات الخزينة الأميركية إلى نوعين: الأول وهو سندات خزينة مالية، والثاني سندات خزينة سياسية.
-سندات الخزينة المالية: بعد أن حلم جورج بوش، أمير تيار الأميركيين المتطرفين الجدد، أن يموِّل عملياته العسكرية الجنونية في العراق من بترول العراق؛ وبالتالي أن يُغدق الخيرات على الشعب الأميركي، شارف حجم الدين الأميركي العام عتبة الخمسة عشر ألف مليار دولاراً، وهي مُرشَّحة للتصاعد الدراماتيكي خاصة بعد إقفال عشرات الآلاف من الشركات، وإفلاس العشرات من كبرى المصارف. الأمر الذي دفع المارد الأميركي إلى الاقتراض من الصين وروسيا، عدوا الأمس، وهذا لن يمر من دون تنازلات اقتصادية وسياسية مؤلمة للولايات المتحدة الأميركية. وإذا كان الاقتصاد محرك التاريخ، بالمفهوم المادي، فإن عجلة التاريخ المزدهر لأميركا قد توقَّفت عند حدود العدو الإيديولوجي، وأصبحت تحت رحمته ومرتهنة له. ففي منطق الاقتصاد لا مكان للعواطف، بل هناك كرسي دائم للمصالح. وهذه الحقيقة أدخلت أعداء الأمس إلى البيت الأبيض الذي لن يستطيع اتخاذ أي قرار مالي أو سياسي إلاَّ بموافقتهم، لأنه أصبح عاجزاً عن أن يركل مصالح الآخرين برجله.
إن كل هذا يعني أن أميركا لن ترهن اقتصادها لعبث الحروب بعد أن كوته الحرب ضد العراق. وهي لن تجد من يقرضها مجاناً، لأن لكل شيء ثمناً في منطق المصالح، خاصة أن لمن تستدين منهم مصالح حيوية في المناطق التي تشن أميركا الحروب على أراضيها. ولكن هذا لا يعني أيضاً أن أميركا ستترك تلك المناطق لقمة سائغة لمنافسيها حتى للذين يشترون سندات خزينتها. والحل الذي نفترضه هو أن تقود الولايات المتحدة الأميركية حرب الحوار مع الآخرين، وهذا ما تفعله. ومن جملة من تقوم بالحوار معهم يأتي المجتمعان الاشتراكي سابقاً (الصين وروسيا) من جهة، والرأسمالي حالياً (الاتحاد الأوروبي) من جهة أخرى. كما يأتي المجتمع الإقليمي المجاور جغرافياً للوطن العربي من جملة الدول التي تنازلت الإدارة الأميركية للحوار معها مرغمة، في الوقت الذي تحدد فيه تلك الدول أثمان دور وعدت بأن تلعبه لإنقاذ أميركا من مآزقها في العراق بشكل خاص.
وولهذا كله، وإذا كانت قوة الاقتصاد تُنعش النزعة الإمبراطورية فإن ضعفه هو كابح مهم لها. ولهذا تمر الولايات المتحدة الأميركية بأدنى أطوار ضعفها. وإذا كان الرئيس الأميركي قد ركل سابقاً برجله من كان يحلو له أن يركل، فإن قدمه الآن أعجز من أن تركل أكثر الضعفاء ضعفاً، هذا إذا قمنا باستثناء بعض الأنظمة الرسمية العربية التي تدين طبقتها الحاكمة بالجميل لأجهزة المخابرات الأميركية لأنها أتت بها وحمتها، وهي تهدد تلك الطبقة باستبدالها متى خرجت عن قانون الإذعان لإرادة سيدها الأميركي.
-سندات الخزينة السياسية: ولارتباط الاقتصاد بالسياسة. ولأن قوة القرار السياسي والعسكري يستند إلى جدار اقتصادي قوي. فإن جدار الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادي أصبح مرتهناً للدائنين في الداخل الأميركي (الشعب الأميركي، كمكلف رئيسي)، وفي الخارج (دولياً وإقليمياً، كشريك مالي وسياسي). ولكثرة الدائنين تكثر الحواجز والعراقيل في وجه الولايات المتحدة الأميركية وتكبح جماحها وترغمها على التخلي عن نزعتها الإمبراطورية، ويأتي في المقدمة منها اجتناب الحروب العبثية لكي لا ترهق اقتصادها أكثر مما هو مُرهَق.
فأما أن يكون الشعب الأميركي من أهم الكوابح فلأن هذا الشعب قد اكتوى بخسائر حرب فييتنام، ولم يكد يشفى منها حتى انفتحت بوابة الخسائر في العراق وأفغانستان، فثارت الطبقات الشعبية المتضررة منها، وأسقطت من كان السبب وجاءت بغيره على شرط الخروج من بوابة العراق لإقفال الجروح البشرية والمالية النازفة.
وأما أن يكون المجتمع الدولي، بشقيه (الصيني - الروسي؛ والأوروبي بكل تلاوينه)؛ والمجتمع الإقليمي، بشقيه، (الإيراني والتركي)؛ كابحاً فلأن للجميع دور وحصة، يساومان عليهما.
وإذا كانت مساومة الداخل الأميركي، كما الخارج، تكتسب أهميتها وتأثيرها. يمكن لأميركا أن تفلح في التقليل من خسائرها، ومحاولة استعادة ما كان يمكنها أن تخسره إذا نجحت، بالحوار، في توزيع الحصص بين شركائها. ولأن أميركا ليست مع من تحاورهم الطرف المقرِّر فيما يجري الآن، يبقى إفشال ما تخطط له مرتبط بالعامل الأساس الذي أجهض المشروع الأميركي، وهو عامل المقاومة في العراق التي فتحت أبواب جهنم في وجه الاحتلال الأميركي، وعملائه، وشركائه. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: أين يأتي دور المقاومة في العراق في إفشال مرحلة المساومات الحوارية؟ وكيف تستفيد من الأزمة الأميركية الخانقة في الأيام القادمة التي تفصل العراق عن استحقاق موعد الانسحاب النهائي؟
الوجه الآخر لمرحلة المساومات الحوارية:
بما لا شك فيه، توضيحاً لمن يتساءل عن وضع المقاومة العراقية الآن، أن المقاومة نقلت أعمالها إلى البيت الأبيض نفسه. وهذا ليس شعراً وأمنية، بل هو واقع ملموس. ومن يطلب الدليل فليقرأ ماذا يجري في أميركا الآن وليس في العراق. ومما يجري في اجتماعات أوباما مع مستشاريه، وعما يدور في أروقة الكونغرس ومجلس الشيوخ، سوف يتأكد بأن العمليات السياسية العاصفة لمداواة الكسور التي أحدثتها المقاومة في البنية الأساسية للاقتصاد الإمبراطوري الأميركي هي الدليل والبرهان. وإذا كانت المقاومة العراقية قد أنهكت الاقتصاد الأميركي الإمبراطوري فإنها قادرة على إنهاكه أكثر وهو في أدنى درجات ضعفه واستسلامه.
وإذا كنا لن نضع استنتاجاتنا عن واقع المقاومة في العراق وقوة تأثيرها فلأنها كانت واضحة وضوح الشمس، ولأنها تقوم بأداء عسكري يُثخن جنود الاحتلال بالجراح، حتى وإن لم تكن بقوة الأمس، فهي لا تزال تصدِّر توابيت الموتى إلى بلاد العم سام، وإن جهدها يزداد في تقويض أسس العملية السياسية التي يقودها عملاء أميركا وإيران؛ وهي متى نجحت في تهديم أعمدة تلك الخيمة، فلن يبقى لأميركا ما تراهن عليه. وبذلك تتحول القواعد العسكرية الأميركية في العراق إلى قبور ثابتة. ولكن...
لأن الخسائر المنظورة والملموسة في صفوف الجنود الأميركيين سيكون لها الوقع المؤثر على الشعب الأميركي، وخاصة تلك العمليات التي تبعث العشرات منهم إلى المقابر، يبقى حلم وأمنية من يتشوقون لسماع أخبار المقاومة أن تتكرم المقاومة عليهم بإرسال عشرات الجنود الأميركيين إلى بيوتهم تلفهم أعلام بلدهم.
ليست العمليات العسكرية في هذه المرحلة، كما نحسب، هي الوجه الوحيد للعمل العراقي المقاوم. كما أن تقويض العملية السياسية ليست هي الوجه الثاني الحصري. بل هناك وجه ثالث يدفعنا إلى التأمل في استراتيجية أوباما الراهنة، وهذه الاستراتيجية تقوم على أساس تعويض الخسائر المالية الفادحة ببيع سندات خزينة مالية وسياسية، وهو يحلم بسدادها مراهناً على نتيجتين يحلم بالحصول عليهما، وهما:
-الأول: يعد أوباما بسدادها من ثروة العراق خاصة، إذا ما استجاب المتحاورون معه لحماية احتلاله للعراق، وتثبيت أقدامه.
-الثاني: بعد تقويض نظامين مهمين في مصر وتونس كانا يدعمان قوته السياسية، يراهن أوباما على تعويضهما بتدخله في أكثر من شأن عربي مستغلاً حاجة الجماهير للتغيير الثوري، وهو يحاول أن يتسلل إلى صفوف الثوار الحقيقيين لحرف مسارات تلك الثورات من أجل الهيمنة على الأنظمة السياسية إذا سقطت، أو على الأقل يوفر لنفسه مكاناً لحصان طروادة. وهو في كل ذلك يوظف دور بعض المعارضة العربية التي ثقَّفها بثقافة خيانة أوطانها.
في هذا الإطار لا يظنَّن أحد أن ما يظهر من حرارة أميركية لتغيير الأنظمة إلاَّ كرم أميركي سيموله من دمنا ومالنا. وهو عازم، ونافذ الصبر، ومستعجلاً لأن يستعيد ما فقده من قوة سياسية في وطننا العربي، ليس حباً بتغيير وإصلاح، بل رغبة وحاجة قد تمر على الثوار العرب بقبعة ثورية أميركية. ولهذا لا يسعنا إلاَّ أن يولي بعض من أغرقوا في النظر من زاوية واحدة إلى الحراك الشعبي العربي أن ينظروا من زاوية أخرى، وهذه الزاوية عبارة عن استراتيجية أميركية تخوض فيها الحروب بالواسطة لاستعادة ما فقدته على صعيد وطننا العربي الكبير.
ويبقى أمامنا ما يمكننا التذكير به هو أن سندات الخزينة الأميركية، مالياً وسياسياً، التي تريد إدارة أوباما سدادها من خزائن العرب بشكل عام، ومن ثروات العراق بشكل خاص، فإن العرب والعراقيين هم القادرون على إصدار تلك السندات على أساس تسديدها لكل أصحاب المصالح إذا اشتروها من حركة المقاومة مباشرة من دون وسيط، وأنه لا مكان لمصلحة أحد إذا استخدم طريقة اللف والدوران بشراء سندات خزينة من مال الآخرين وثرواتهم.
حسن خليل غريب في 20/ 8/ 2011
إذا كانت الإدارة الأميركية قد احتلت العراق، في العام 2003، لكي تنشر هيمنتها الإمبراطورية على طول الكرة الأرضية وعرضها من خلال الهيمنة على آبار البترول العربية بعد الهيمنة على بترول العراق. ولكنها بعد أن أعلنت إفلاسها، بفعل استراتيجية المقاومة الوطنية العراقية، فإنها الآن تعمل على تجديد بقائها في العراق من أجل إنقاذ اقتصادها، بإعادة إنتاج احتلال العراق بوسائل وأساليب أخرى. وهي وإن كانت تراهن على عوامل في غاية من الضعف من أجل إعادة إنتاج احتلال آخر للعراق فإن مصير مراهنتها الفشل، فهي قد عجزت عن تدعيم احتلالها بالاستناد إلى تلك العوامل وهي في عز قوِّتها فإنها لن تستطيع أن تعتمد عليها وهي في أقصى درجات ضعفها.
عندما قيل بأن أميركا قد احتلَّت العراق ليس لتخرج منه، كان قولاً صادقاً لأنه كان يعبِّر عن استراتيجيتها الحقيقية. وإن ما يُشاع اليوم بأنها تعمل على تجديد بقائها، فهو قول صحيح أيضاً. وهو صحيح ليس لأنها تطلب من حكومة المالكي أن توافق على التجديد، وإنما قرار التجديد اتخذته إدارة أوباما وأمرت المالكي بالتوقيع عليه. فالمالكي كما أصبح معروفاً ليس أكثر من أداة تُملى عليها الأوامر وما عليه إلاَّ الإذعان. ولذلك سننطلق من بديهة تقول: إن قرار التجديد لخمسين ألف جندي أميركي مفروغ منه، ويبقى علينا أن نعيد التذكير بالوسائل التي تراهن إدارة أوباما عليها لتدعيم قرار التجديد لها، وبالتالي نقوم باستعراض عوامل القوة والضعف في جدار الاحتلال، وعوامل القوة والضعف في جدار المقاومة.
أما بالنسبة للوسائل التي تراهن إدارة أوباما على تطبيقها من أجل الحصول على تجديد آمن لبقائها، فنذكر البعض منها، ومن أهمها:
-مواصلة الحوار مع الحليف الإيراني (العدو – الصديق) حول ملفين اثنين: الاتفاق على توزيع الحصص في العراق على ضوء المتغيرات السلبية التي أصابت موازين القوة الأميركية بعد الكسور والجراح القاتلة التي وجهتها المقاومة الوطنية العراقية للعمود الفقري للاحتلال. أما الملف الثاني، وهو البرنامج النووي الإيراني، الملف الدائم الذي لم يجد حلاًّ ولن يجد هذا الحل، لأنه سيبقى بمثابة الغطاء الذي يوحي بأن هناك عداوة دائمة بين أميركا وإيران.
-مواصلة تقديم سلة من الإغراءات لنظام أردوغان التركي، من أجل الحصول منه على وسائل الإسناد والدعم في ملف العراق. وقد أصبح من الواضح أيضاً أن أردوغان بعد تبييض صفحة نظامه أمام الجماهير العربية بنجاحه في تقديم نفسه صديقاً للعرب، ومناصراً لقضاياهم، على ساحة غزة الجريحة، يقوم بالدور المطلوب منه وهو التدخل السافر والقبيح في أهم القضايا العربية، ويأتي في المقدمة منها القضيتين الليبية والسورية.
-مواصلة الضغط والإملاء على دول الخليج من أجل أن لا يخرج أحد منها عن (بيت الطاعة) الأميركي، بوسائل شتى، ولعلَّ من أبرزها ظاهرة تضخيم دور وحجم أمراء قطر. وليس من غريب الأمور أن يستطيع الساحر الأميركي بأن يجعل القط نمراً أو أن يحوِّل النمر فيجعل منه قطاً.
-مواصلة الدور المشبوه في تحويل بعض المعارضات العربية، التي اعتنى بتربيتها في معاهد مخابراته، ومسخها ليجعل منها معارضة شريفة تتسلل إلى صفوف الثوار الحقيقيين في أكثر من قطر عربي، ويصورها وكأنها تموت تحت سياط الديكتاتوريات العربية، فيحولهم من خونة إلى شهداء يدفعون ثمن دعواتهم لتطبيق الديموقراطية. ولعلَّ أكثرهم كان قد تربى في معاهد الأنظمة الديكتاتورية نفسها.
وبالإجمال ترتفع إلى ذاكرتنا صورة جورج بوش عندما كان يعمم استراتيجية (الفوضى المنظمة)، و(الصدمة والترويع)، لنقارنها مع حرارة استراتيجية أوباما التي أشاع أنها ستعتمد على الحوار. ولكن الفارق بينهما أن أميركا في عهد جورج بوش كانت قوية عسكرياً واقتصادياً، وكان يقتطع من جيب المكلف الأميركي مئات المليارات لتوظيفها في خدمة احتلال العراق، آملاً تعويضها من جيوب العرب ومن جيوب العراقيين عندما يستقر الأمر ويصبح مالكاً مفاتيح العراق. أما في عهد أوباما فالعكس هو ما يحصل: أميركا على شفير الإفلاس، اقتصادياً وعسكرياً. فأما اقتصادياً فلا جدال في ذلك، وإن كانت هناك مراهنات على استعادة موقعها الاقتصادي بفعل مواردها القومية، ولكن المديونية العامة الكبيرة لن تُسَدَّد من دون قرارات مُرَّة ستكون على حساب قوة أميركا المعهودة. وهذا ما سيرخي بذيوله على قوتها العسكرية، تلك القوة التي ستميل إلى الضعف الشديد كلما أغرقت أميركا بحروبها بما توجبه من إنفاق على الآلة العسكرية كما على الأداة البشرية.
وإذا كان يُقال بأن من يملك البترول يملك العالم، فإن أميركا من أجل امتلاك البترول دمَّرت اقتصادها لأن الحرب أكلت البترول وما فوقه وما تحته. ولهذا فامتلاك البترول يُعتبر امتلاكاً لثروات العالم وهو الوجه الأول للحقيقة، أما سلوك طريق الحروب فهو الوجه الثاني لأنه يشكل البالوعة الهائلة للثروة البترولية. وفي المنطق التجاري إذا لم تتم الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك فعبثاً ستكون التجارة ناجحة. وهذا هو حال أميركا التي لم تتعظ من تجربة الاتحاد السوفياتي سابقاً الذي انهار اقتصادياً بفعل دخوله دائرة التنافس التسليحي مع الولايات المتحدة الأميركية في النصف الثاني من القرن الماضي.
وانطلاقاً من فرضية أن المديونية الأميركية ليست قاتلة للاقتصاد الأميركي، لأن الدخل القومي الأميركي قوي، لكن هذا لا يعني أن أميركا لن تعاني من أزمات اجتماعية ومعيشية ومطلبية حادة. وهذا لا يعني أن المديونية الأميركية ستكون سهلة التسديد، بل ستكون صعبة، لأن خسائر أميركا تشهد تصاعداً متواصلاً، وتفقد الكثير من عناصر قوتها سواءٌ في الداخل أم في الخارج. ولهذا فهي تعتمد على سياسة رفع سقف الدين العام وتراهن على السداد المؤجل، وهذا لن يكون إلاَّ عن طريق اتباع سياسة إصدار سندات الخزينة، وهذا بحد ذاته يُرتِّب فوائد مالية ضخمة، كما يُرتِّب تنازلات سياسية مؤلمة لا تتناسب مع موقع الولايات المتحدة الأميركية الإمبراطوري. والإمبراطورية التي تبدأ بسلوك طريق التنازلات أمام منافسيها تبدأ الخطوة الأولى على مسار الانهيار.
بعد أن أرهقتها الحروب، خاصة في العراق وأفغانستان. وبعد أن عمَّ الفساد واستفحل أمره بين أمراء الطبقة الرأسمالية، وانتعشت كثيراً شركات تجار الحروب، راح العجز في ميزان المدفوعات الأميركي يميل نحو الخسائر الكبرى. وبعد أن (ركل الرئيس الأميركي القانون الدولي بقدمه)، واستفرد بالقرار متجاهلاً، أو قل مزدرياً، المجتمع الدولي، وقام بمغامراته الحربية من دون حدود، انفضَّ حلفاؤه من حوله، وتركوه يتخبط بأزماته، فأخذ ميزان مدفوعاته السياسية يميل نحو العجز الكلي.
من جراء ذلك، شارفت الولايات المتحدة الأميركية على الإفلاس عسكرياً وسياسياً. فراحت من أجل سد العجز في ميزانيتها المالية والسياسية تصدر سندات خزينة، وتنقسم سندات الخزينة الأميركية إلى نوعين: الأول وهو سندات خزينة مالية، والثاني سندات خزينة سياسية.
-سندات الخزينة المالية: بعد أن حلم جورج بوش، أمير تيار الأميركيين المتطرفين الجدد، أن يموِّل عملياته العسكرية الجنونية في العراق من بترول العراق؛ وبالتالي أن يُغدق الخيرات على الشعب الأميركي، شارف حجم الدين الأميركي العام عتبة الخمسة عشر ألف مليار دولاراً، وهي مُرشَّحة للتصاعد الدراماتيكي خاصة بعد إقفال عشرات الآلاف من الشركات، وإفلاس العشرات من كبرى المصارف. الأمر الذي دفع المارد الأميركي إلى الاقتراض من الصين وروسيا، عدوا الأمس، وهذا لن يمر من دون تنازلات اقتصادية وسياسية مؤلمة للولايات المتحدة الأميركية. وإذا كان الاقتصاد محرك التاريخ، بالمفهوم المادي، فإن عجلة التاريخ المزدهر لأميركا قد توقَّفت عند حدود العدو الإيديولوجي، وأصبحت تحت رحمته ومرتهنة له. ففي منطق الاقتصاد لا مكان للعواطف، بل هناك كرسي دائم للمصالح. وهذه الحقيقة أدخلت أعداء الأمس إلى البيت الأبيض الذي لن يستطيع اتخاذ أي قرار مالي أو سياسي إلاَّ بموافقتهم، لأنه أصبح عاجزاً عن أن يركل مصالح الآخرين برجله.
إن كل هذا يعني أن أميركا لن ترهن اقتصادها لعبث الحروب بعد أن كوته الحرب ضد العراق. وهي لن تجد من يقرضها مجاناً، لأن لكل شيء ثمناً في منطق المصالح، خاصة أن لمن تستدين منهم مصالح حيوية في المناطق التي تشن أميركا الحروب على أراضيها. ولكن هذا لا يعني أيضاً أن أميركا ستترك تلك المناطق لقمة سائغة لمنافسيها حتى للذين يشترون سندات خزينتها. والحل الذي نفترضه هو أن تقود الولايات المتحدة الأميركية حرب الحوار مع الآخرين، وهذا ما تفعله. ومن جملة من تقوم بالحوار معهم يأتي المجتمعان الاشتراكي سابقاً (الصين وروسيا) من جهة، والرأسمالي حالياً (الاتحاد الأوروبي) من جهة أخرى. كما يأتي المجتمع الإقليمي المجاور جغرافياً للوطن العربي من جملة الدول التي تنازلت الإدارة الأميركية للحوار معها مرغمة، في الوقت الذي تحدد فيه تلك الدول أثمان دور وعدت بأن تلعبه لإنقاذ أميركا من مآزقها في العراق بشكل خاص.
وولهذا كله، وإذا كانت قوة الاقتصاد تُنعش النزعة الإمبراطورية فإن ضعفه هو كابح مهم لها. ولهذا تمر الولايات المتحدة الأميركية بأدنى أطوار ضعفها. وإذا كان الرئيس الأميركي قد ركل سابقاً برجله من كان يحلو له أن يركل، فإن قدمه الآن أعجز من أن تركل أكثر الضعفاء ضعفاً، هذا إذا قمنا باستثناء بعض الأنظمة الرسمية العربية التي تدين طبقتها الحاكمة بالجميل لأجهزة المخابرات الأميركية لأنها أتت بها وحمتها، وهي تهدد تلك الطبقة باستبدالها متى خرجت عن قانون الإذعان لإرادة سيدها الأميركي.
-سندات الخزينة السياسية: ولارتباط الاقتصاد بالسياسة. ولأن قوة القرار السياسي والعسكري يستند إلى جدار اقتصادي قوي. فإن جدار الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادي أصبح مرتهناً للدائنين في الداخل الأميركي (الشعب الأميركي، كمكلف رئيسي)، وفي الخارج (دولياً وإقليمياً، كشريك مالي وسياسي). ولكثرة الدائنين تكثر الحواجز والعراقيل في وجه الولايات المتحدة الأميركية وتكبح جماحها وترغمها على التخلي عن نزعتها الإمبراطورية، ويأتي في المقدمة منها اجتناب الحروب العبثية لكي لا ترهق اقتصادها أكثر مما هو مُرهَق.
فأما أن يكون الشعب الأميركي من أهم الكوابح فلأن هذا الشعب قد اكتوى بخسائر حرب فييتنام، ولم يكد يشفى منها حتى انفتحت بوابة الخسائر في العراق وأفغانستان، فثارت الطبقات الشعبية المتضررة منها، وأسقطت من كان السبب وجاءت بغيره على شرط الخروج من بوابة العراق لإقفال الجروح البشرية والمالية النازفة.
وأما أن يكون المجتمع الدولي، بشقيه (الصيني - الروسي؛ والأوروبي بكل تلاوينه)؛ والمجتمع الإقليمي، بشقيه، (الإيراني والتركي)؛ كابحاً فلأن للجميع دور وحصة، يساومان عليهما.
وإذا كانت مساومة الداخل الأميركي، كما الخارج، تكتسب أهميتها وتأثيرها. يمكن لأميركا أن تفلح في التقليل من خسائرها، ومحاولة استعادة ما كان يمكنها أن تخسره إذا نجحت، بالحوار، في توزيع الحصص بين شركائها. ولأن أميركا ليست مع من تحاورهم الطرف المقرِّر فيما يجري الآن، يبقى إفشال ما تخطط له مرتبط بالعامل الأساس الذي أجهض المشروع الأميركي، وهو عامل المقاومة في العراق التي فتحت أبواب جهنم في وجه الاحتلال الأميركي، وعملائه، وشركائه. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: أين يأتي دور المقاومة في العراق في إفشال مرحلة المساومات الحوارية؟ وكيف تستفيد من الأزمة الأميركية الخانقة في الأيام القادمة التي تفصل العراق عن استحقاق موعد الانسحاب النهائي؟
الوجه الآخر لمرحلة المساومات الحوارية:
بما لا شك فيه، توضيحاً لمن يتساءل عن وضع المقاومة العراقية الآن، أن المقاومة نقلت أعمالها إلى البيت الأبيض نفسه. وهذا ليس شعراً وأمنية، بل هو واقع ملموس. ومن يطلب الدليل فليقرأ ماذا يجري في أميركا الآن وليس في العراق. ومما يجري في اجتماعات أوباما مع مستشاريه، وعما يدور في أروقة الكونغرس ومجلس الشيوخ، سوف يتأكد بأن العمليات السياسية العاصفة لمداواة الكسور التي أحدثتها المقاومة في البنية الأساسية للاقتصاد الإمبراطوري الأميركي هي الدليل والبرهان. وإذا كانت المقاومة العراقية قد أنهكت الاقتصاد الأميركي الإمبراطوري فإنها قادرة على إنهاكه أكثر وهو في أدنى درجات ضعفه واستسلامه.
وإذا كنا لن نضع استنتاجاتنا عن واقع المقاومة في العراق وقوة تأثيرها فلأنها كانت واضحة وضوح الشمس، ولأنها تقوم بأداء عسكري يُثخن جنود الاحتلال بالجراح، حتى وإن لم تكن بقوة الأمس، فهي لا تزال تصدِّر توابيت الموتى إلى بلاد العم سام، وإن جهدها يزداد في تقويض أسس العملية السياسية التي يقودها عملاء أميركا وإيران؛ وهي متى نجحت في تهديم أعمدة تلك الخيمة، فلن يبقى لأميركا ما تراهن عليه. وبذلك تتحول القواعد العسكرية الأميركية في العراق إلى قبور ثابتة. ولكن...
لأن الخسائر المنظورة والملموسة في صفوف الجنود الأميركيين سيكون لها الوقع المؤثر على الشعب الأميركي، وخاصة تلك العمليات التي تبعث العشرات منهم إلى المقابر، يبقى حلم وأمنية من يتشوقون لسماع أخبار المقاومة أن تتكرم المقاومة عليهم بإرسال عشرات الجنود الأميركيين إلى بيوتهم تلفهم أعلام بلدهم.
ليست العمليات العسكرية في هذه المرحلة، كما نحسب، هي الوجه الوحيد للعمل العراقي المقاوم. كما أن تقويض العملية السياسية ليست هي الوجه الثاني الحصري. بل هناك وجه ثالث يدفعنا إلى التأمل في استراتيجية أوباما الراهنة، وهذه الاستراتيجية تقوم على أساس تعويض الخسائر المالية الفادحة ببيع سندات خزينة مالية وسياسية، وهو يحلم بسدادها مراهناً على نتيجتين يحلم بالحصول عليهما، وهما:
-الأول: يعد أوباما بسدادها من ثروة العراق خاصة، إذا ما استجاب المتحاورون معه لحماية احتلاله للعراق، وتثبيت أقدامه.
-الثاني: بعد تقويض نظامين مهمين في مصر وتونس كانا يدعمان قوته السياسية، يراهن أوباما على تعويضهما بتدخله في أكثر من شأن عربي مستغلاً حاجة الجماهير للتغيير الثوري، وهو يحاول أن يتسلل إلى صفوف الثوار الحقيقيين لحرف مسارات تلك الثورات من أجل الهيمنة على الأنظمة السياسية إذا سقطت، أو على الأقل يوفر لنفسه مكاناً لحصان طروادة. وهو في كل ذلك يوظف دور بعض المعارضة العربية التي ثقَّفها بثقافة خيانة أوطانها.
في هذا الإطار لا يظنَّن أحد أن ما يظهر من حرارة أميركية لتغيير الأنظمة إلاَّ كرم أميركي سيموله من دمنا ومالنا. وهو عازم، ونافذ الصبر، ومستعجلاً لأن يستعيد ما فقده من قوة سياسية في وطننا العربي، ليس حباً بتغيير وإصلاح، بل رغبة وحاجة قد تمر على الثوار العرب بقبعة ثورية أميركية. ولهذا لا يسعنا إلاَّ أن يولي بعض من أغرقوا في النظر من زاوية واحدة إلى الحراك الشعبي العربي أن ينظروا من زاوية أخرى، وهذه الزاوية عبارة عن استراتيجية أميركية تخوض فيها الحروب بالواسطة لاستعادة ما فقدته على صعيد وطننا العربي الكبير.
ويبقى أمامنا ما يمكننا التذكير به هو أن سندات الخزينة الأميركية، مالياً وسياسياً، التي تريد إدارة أوباما سدادها من خزائن العرب بشكل عام، ومن ثروات العراق بشكل خاص، فإن العرب والعراقيين هم القادرون على إصدار تلك السندات على أساس تسديدها لكل أصحاب المصالح إذا اشتروها من حركة المقاومة مباشرة من دون وسيط، وأنه لا مكان لمصلحة أحد إذا استخدم طريقة اللف والدوران بشراء سندات خزينة من مال الآخرين وثرواتهم.