الأحد، 7 أغسطس 2011

أين القانون؟!

kolonagaza7

حسن بن سالم
نشرت إحدى الصحف المحلية في الأسبوع الماضي عن حادثة مأساوية تعرضت لها طالبة سعودية كانت تقوم بدراسة الدكتوراه في بريطانيا في العلاقات الدولية إلى عنف على يد والدها الذي دأب وفقاً لشهادة صديقتها المقربة لها إلى تعنيفها وضربها وحبسها في المنزل ومنعها من العودة إلى الدراسة، وقد تقدم بعدها والدها بعد ذلك ببلاغ إلى الجهات الأمنية يفيد بهروب ابنته من المنزل، وقد عثرت الشرطة عليها وتم إيداعها في دار رعاية الفتيات في مكة المكرمة لحين استكمال التحقيقات!
حوادث وقصص مؤلمة تحصل وتتكرر في مجتمعنا عن تعرض عدد ليس بالقليل من النساء لدينا في أسرهم وبين جدران البيوت الأربعة إلى أنواع وصنوف من العنف والاعتداء الجسدي والمعنوي، وهو ما يجعل الكثير من الحقوقيين والقانونيين والمهتمين بحقوق الإنسان يثيرون ويكررون التساؤل المهم وبصورة دائمة: متى ستوجد لدينا التشريعات والمدونات القانونية لحماية المتعرضين للعنف الأسري ومحاسبة من ينتهك كرامة وحقوق المرأة والطفل؟ وما مدى جدية المسؤولين في البحث عن الحلول والأساليب العملية المناسبة في مواجهة هذه القضية؟
وحتى يكون القارئ على بينة لما تم انجازه على هذا الصعيد وما الذي انتهينا إليه فسأقوم بتقديم وعرض موجز لأهم ما صدر ونشر في الصحف المحلية من تصريحات للعديد من المسؤولين والجهات طيلة السنوات الماضية، ففي فبراير2004 أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية أنها بصدد الانتهاء من نظام الحماية الاجتماعية في غضون ثلاثة أشهر وذلك بالتعاون مع أربع جهات حكومية. ديسمبر 2005 أشارت وزارة العدل أنها شرعت في الترتيبات الخاصة بإنشاء محاكم أسرية مستقلة عن باقي المحاكم للنظر في قضايا العنف الأسري وغيرها من اجل سرعة البت والحكم في هذه القضايا. مايو 2006 كشفت وزارة الشؤون الاجتماعية عن دراسة أعدها مجموعة من المختصين من اجل استحداث نظام لحماية الأسرة من العنف سيتم الانتهاء منها خلال أشهر وسيتم رفعها للمقام السامي لأخذ الموافقة النهائية عليها. يونيو 2007 أعلن مدير الحماية بوزارة الشؤون الاجتماعية عن صدور نظام حماية المرأة والطفل وذلك بعد اعتماده من مجلس الوزراء قريبا. فبراير 2008 صرح وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك بأن هيئة الخبراء في مجلس الوزراء ستنتهي خلال أسبوع من دراسة مشرع حماية المرأة والطفل، الذي يشتمل على عقوبات بالسجن وبالغرامة المالية للمتورطين في ممارسة العنف الجسدي والنفسي. أبريل 2008 طالب تقرير صادر من جمعية حقوق الإنسان بضرورة إصدار مدونة وطنية للحماية من العنف الأسري، وتجريمه وتأسيس الآليات الكفيلة بحماية ضحاياه وحفظ حقوقهم. ديسمبر 2009 أقر مجلس الوزراء وذلك بعد الإطلاع على نتائج اجتماع اللجنة المشكلة بشأن إعداد دراسة علمية على مستوى المملكة حول مشكلة العنف الأسري عدداً من الإجراءات من أهمها: على وزارة الشؤون الاجتماعية اتخاذ ما يلزم للحد من مشكلة العنف الأسري من خلال إعداد إستراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع مشكلة العنف الأسري على جميع المستويات وإعداد الخطط الإعلامية التوعوية التي تركز على البرامج الوقائية اللازمة لذلك. فبراير 2009 أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمان الأسري تشكيل خمس لجان لتفعيل قرارات مجلس الوزراء للحد من العنف الأسري. وعلى رغم تزايد ظاهرة العنف الأسري على مدى السنوات الماضية وكثرة اللقاءات والنقاشات حولها فقد صرح في فبراير 2010 رئيس لجنة حقوق الإنسان والعرائض في مجلس الشورى آنذاك ورئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان الدكتور إبراهيم الشدي «بأن ما يحدث من حالات عنف أسري بأنواعه كافة لا يتعدى كونه حوادث متفرقة ولا يمثل ظواهر في المجتمع»! فأصدرت الجمعية الوطنية بعد ذلك التصريح وبأيام بياناً لها دعت فيه إلى ضرورة الإسراع بإصدار «نظام الحماية من الإيذاء» ومحذرةً من تزايد العنف ضد الأطفال والنساء، وموضحة أن الوضع لم يعد يتحمل أي تأخير حتى الآن، مؤكدة أن من عدم المسؤولية التشكيك في هذه الحقيقة تحت أي زعم، حيث أصبح الأطفال والنساء ضحية في المجتمع!
ومضت السنوات لينتهي بنا المطاف ونحن في عام 2011 بالتقرير السنوي الصادر من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان منذ أسبوعين الذي أفاد عن تنامي وتزايد نسبة قضايا العنف الأسري ضد المرأة والطفل بنسبة 20 في المئة، وهي أعلى نسبة من إجمالي قضايا العنف الأسري الواردة للجمعية منذ تأسيسها، ناهيك عن الكثير والكثير من القضايا والحوادث التي لاتصل إلى الجهات الحقوقية والقضائية. سنوات عدة مضت وتصريحات من هنا وهناك، وحتى هذه اللحظة لم نشهد على أرض الواقع اعتماد لائحة تنظيمية أو مدونة تشريعية في حفظ حقوق المرأة المعنفة ومحاسبة ومعاقبة كل يمارس انتهاكا لكرامة المرأة، وكذلك البحث عن الحلول والآليات العملية السليمة في احتواء قضية المعنفات، فدور الحماية وبواقعها الحالي التي تعامل فيها المعنفات وكأنهن سجينات ليست وسيلة لحل مثل هذه القضايا، كما أشارت من قبل نائبة رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لشؤون الأسرة الدكتورة الجوهرة العنقري التي دعت إلى ضرورة إيجاد آلية قانونية يخرج فيها المعتدي من البيت وليس العكس كما هو حاصل وواقع، موضحة «بأننا حينما نخرج الضحية وتوضع في دار إيواء وكأنها سجين فكأننا نكون بذلك قد كافأنا المعتدي!» وكذلك لا أظن أن المطالبين بسرعة الحسم في إصدار تلك القوانين التشريعية وتطبيقها يطالبون باختراع معقد يحتاج كل هذا الانتظار الطويل لكل هذه السنوات، فكرامة الإنسان وحقوقه الإنسانية فوق كل اعتبار، وهي جديرة بأن تكون لها الأولوية بالاهتمام، فمتى سنشهد ظهور وتطبيق وسيادة صارمة لهذا القانون؟ فليس تشريع القانون بحد ذاته كافياً، بل لا بد من سيادته بحيث تلتزم كل السلطات المعنية بتوفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لتطبيقه واحترامه، والمحاسبة والمساءلة لأي تجاوز عنه أو عرقلة في تطبيق لوائحه وبنوده حتى يكون تشريعاً عملياً لحفظ الحقوق.
المصدر: جريدة الحياة

مشاركة مميزة