الاثنين، 8 أغسطس 2011

فخ نتنياهو



kolonagaza7



عصام نعمان
توقفت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” بسبب تعنت بنيامين نتنياهو ورفضه تجميد الاستيطان خلال فترة المفاوضات . حاول باراك أوباما ومعه اللجنة الرباعية الدولية إقناع رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بتجميد الاستيطان لمدة أشهر معدودة، لكن دونما جدوى . بعد وصول الجميع إلى طريق مسدود، لوّح محمود عباس بذهاب منظمة التحرير إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على اعترافٍ منها بدولة فلسطينية سيّدة على “حدود” عام 1967 .
شعر أوباما وأعضاء الرباعية الدولية بالحرج، فكان أن أعلن الرئيس الأمريكي في مايو/أيار الماضي أن الدولة الفلسطينية المنشودة يجب أن تقام على أساس حدود عام 1967 “مع تبادلات (للأراضي) يتفق عليها الطرفان” . إزاء الانتقادات اللاذعة لنتنياهو، عاد أوباما ليوضح في كلمة أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية “الإسرائيلية” “إيباك” أن اقتراحه يقضي بأن “يقوم الطرفان بالتفاوض على حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في 4 يونيو/حزيران عام 1967” بعد أن تؤخذ في الاعتبار “الحقائق الديموغرافية الجديدة على الأرض واحتياجات الطرفين” .
لم يحفل نتنياهو، بادىء الأمر، بالتوضيح الذي أدلى به أوباما أمام “إيباك”، لكن إزاء تزايد الضغوط عليه من أمريكا وأوروبا، وتخوّف قادة “إسرائيليين” من احتمال نجاح منظمة التحرير في الحصول على اعترافٍ من المنظمة الأممية بدولة فلسطينية سيدة على “حدود” 1967 وتداعيات الحدث المرتقب على الكيان الصهيوني، أعاد نتنياهو النظر في موقفه من دون التخلي عن رفضه لقيام دولة فلسطينية على “حدود” 1967 .
ما مضمون إعادة النظر؟
صحف “إسرائيلية” عدة نسبت أخيراً إلى مقربين من رئيس حكومة الكيان الصهيوني عزمه على انتهاج أسلوب المناورة بقبوله بخطة أوباما لاستئناف المفاوضات على حدود 1967 في مقابل تخلي السلطة الفلسطينية عن مراجعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل . غير أن هؤلاء المقربين شددوا على أن المقصود بالتفاوض على أساس خطة الرئيس الأمريكي هو اعتماد التوضيح الذي قدمه أوباما نفسه لخطته أمام “إيباك”، أي التفاوض على “حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في 4 يونيو/حزيران”، مع ضرورة اعتراف الفلسطينيين ب”الطابع اليهودي” لدولة “إسرائيل” .
يبدو واضحاً أن مناورة نتنياهو ترمي، في حدها الأدنى، إلى تنفيس وتعطيل حملة منظمة التحرير للحصول على موافقة أكبر عدد ممكن من الدول، لاسيما في الغرب الأطلسي، على مشروع الاعتراف بدولة فلسطينية سيدة، وفي حدها الأقصى، إلى جرّ الفلسطينيين، مرة أخرى، إلى مفاوضات ماراثونية لا تفضي إلى شيء . فهل يقع الفلسطينيون في فخ نتنياهو؟
كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات استشعر مبكراً مناورة نتنياهو فدعاه إلى أن “يعلن بنفسه موافقته أمام العالم ووسائل الإعلام على أن حدود عام 1967 هي مرجعية المفاوضات وعلى وقف شامل للاستيطان في جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية” . فوق ذلك، حرص عريقات على إبراز فهم الفلسطينيين لمناورة نتنياهو بقوله “إن ما سُرب يأتي في إطار العلاقات العامة” .
ماذا لو توسع نتنياهو في مدارج مناورته فأعلن، كما دعاه إليه عريقات، موافقته أمام العالم على أن “حدود” عام 1967 هي مرجعية المفاوضات مع تبنّيه لتوضيح أوباما أمام “إيباك”، وكذلك موافقته على تجميد مؤقت للاستيطان خلال فترة المفاوضات . فهل يعود الفلسطينيون، مرة أخرى، إلى المفاوضات ويتخلّون عن مراجعة الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
ثمة ثلاثة اعتبارات سيضعها محمود عباس وجماعته في الحسبان ويقتضي أن يتمسكوا بها قبل اتخاذ قرار في الموضوع:
أولها، مدى جدية نتنياهو وأعضاء الرباعية الدولية، وفي مقدمهم أمريكا، واستعدادهم لإعطاء الفلسطينيين ضمانات بأن تنتهي المفاوضات في خلال مدة محددة ثلاثة أشهر مثلاً إلى أعطاء الفلسطينيين حقوقهم المتعارف عليها في المسائل الأساسية وهي “حدود” 1967 (ربما مع مبادلات محدودة) والقدس الشرقية، والاستيطان، والسيادة على كامل الإقليم البري المتواصل للدولة بما في ذلك قطاع غزة والأراضي على طول الضفة الغربية لنهر الأردن، والمياه، والأمن، وعودة اللاجئين .
ثانيها، تحديد مدة الانتقال من الاحتلال إلى الاستقلال والضمانات التي يجب أن يعطيها أعضاء الرباعية الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة، للفلسطينيين لحسن التزام “إسرائيل” بما يجري الاتفاق عليه، والعقوبات والتعويضات التي يجب فرضها عليها في حال امتناعها أو إخلالها في هذا المجال .
ثالثها، الترتيبات والضمانات اللازمة لتمتع عرب فلسطين المحتلة عام 1948 بكامل الحريات والحقوق التي يتمتع بها مواطنو دولة “إسرائيل” .
هل لهذه الترتيبات والضمانات حظ او فرصة للقبول بها من طرف “إسرائيل”؟
يبدو الأمر صعباً جداً إن لم يكن متعذراً . ربما لهذا السبب قال أبو مازن أخيراً، إنه حتى لو وافقت “إسرائيل” على استئناف المفاوضات بحسب الشروط التي أعلنها الفلسطينيون، فإن الوقت لم يعد يسمح بمباشرتها بالنظر إلى اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة وانشغال الفلسطينيين بإنجاز الاتصالات والترتيبات اللازمة لطرح مشروع الاعتراف بدولتهم عليها .
إلى ذلك، أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه أن المنظمة تستعد لإطلاق حركة شعبية سلمية لمواكبة استحقاق سبتمبر في الجمعية العامة، وأن الحملة تحمل اسم “فلسطين 194” في إشارة إلى عدد أعضاء الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعد انضمام فلسطين .
إنها مبادرة جيدة، لكنها لا تكفي . ثمة حاجة ملّحة إلى وضع خطة استراتيجية لمواجهة التداعيات والتحديات الناجمة عن نجاح مشروع الاعتراف بدولة فلسطينية سيدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدءاً بتفعيل المصالحة الفلسطينية بجميع جوانبها وأحكامها لكي يتمكّن الفلسطينيون جميعاً، في الوطن السليب والشتات الوسيع، من مواجهة “إسرائيل” كتلةً واحدة، وقيادة واحدة، ورؤية واحدة، على مدى العالم كله .
هل ثمة نهج آخر؟

مشاركة مميزة