الأحد، 7 أغسطس 2011

قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول

kolonagaza7

حماد وادى سند الكرتى
محامى وباحث قانونى
بالتحالف العربى من أجل المحكمة الجنائية الدولية
وفقاً للقانون الدولى العرفى , أنه لايجوز بأى حال من الأحوال خضوع رؤساء , وقادة الدول , وبصفة خاصة عندما يكونوا فى سدة السلطة , أى فى حال مباشرتهم لمهام مناصبهم فى الدولة , لأى قضاء أجنبى بإعتبار أن ذلك يصطدم مع مقتضيات السيادة الوطنية للدولة . ولكن إذا ما تعلق الأمر بإرتكاب جرائم دولية ( جرائم الإبادة الجماعية – جرائم ضد الإنسانية – جرائم الحرب ), فإن مسألة السيادة الوطنية , والحصانات التى يتمتع بها المسئوليين فى الدولة تتقلص لتترك الأمر للقواعد الأمرة المستقرة فى القانون الدولى الحديث , ومن المعلوم أن الجرائم الدولية التى ذكرتها أنفا , أصبحت من القواعد الأمرة التى لايجوز الإتفاق على مخالفتها على الإطلاق , وفى رأينا أن الجرائم الدولية يرتكبها أفراد بذواتهم , وليس عن طريق كيانات مبهمة . وإذا ما تمعنا الأمر بالنسبة لأزمة إقليم دارفور , نلاحظ أن الجرائم الدولية بجلها وبدون إستثناء قد أرتكبت من قِبل أطراف النزاع فى الإقليم الواقع فى أقصى غرب السودان , الذى يشهد أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم فى الوقت الراهن , حيث تحمل المدنيين العزِل ألامًا رهيبة من المستحيل التكهن بها أو وصفها .
أرأيتم كيف حُرقت القرى وُسويت بالأرض تماما , أرأيتم كيف أرتكبت عمليات القتل الجماعى ضد المدنيين العزل فى مكجر , وأرولا(بشد اللام ) , وبنديسى , وشريط وادى صالح , حيث تم قتل المدنيين كالذباب , أرأيتم كيف تم إغتصاب الفتيات الصغيرات , والنساء أمام أبواتهم , وأمهاتهم , وأزواجهن- إن مليشيا الجنجويد سيئوا السمعة لايأبهون فهم يغتصبون الفتيات بحضور أمهاتهم وأبواتهم – إن الأمر خطيييييير للغاية , ولايمكن السكوت عنه – ومنذ نعومة أظافرنا كنا نسمع الإعلام العربى يردد دائما الإحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى – لكن والحق لم أسمع يوما قط أن جنديا إسرائليا قام بإغتصاب فتاة فلسطينية , أو لبنانية ناهيك من أن يقوم بإغتصابها بحضور والديها . والحق أننا لم نسمع قط أن قام الإحتلال الإسرائيلى بعمليات قتل جماعية ضد المدنيين الفلسطنيين العزل , كما أننا لم نسمع أن قام الجنود الإسرائليين , أو بالأحرى سلاح الجو الإسرائيلى بقذف القرى الأمنة بأطنان من القنابل – ولم نسمع بعد أن قامت إسرائيل بقتل الأسرى خارج نطاق القضاء , بل أن هناك شابا من الأردن تسلل إلى داخل إسرائيل خفية وأطلق النار من مسدسه على الجنود الإسرائليين فقتل منهم واحدا على ما يبدو , ومن ثم تم إلقاء القبض عليه , وحُوكم بالسجن , وفى الأونة الأخيرة تم إطلاق سراحه حتى يكمل ما تبقى له من فترة العقوبة فى بلده ( الأردن ), ومؤخرا تم إستضافته فى قناة الجزيرة ( مع المذيع المصرى – أحمد منصور ) .
أرأيتم كيف تم تعذيب المعتقلين فى إقليم دارفور – حيث روت إحدى الضحايا أنها شاهدت قريبا لها مربوطاً من يديه , وقد علق كما يعلق الشاة التى يراد سلخها , ولم ينتهى الأمر بذلك بل ترك موقد نار يحترق من تحته .
أرأيتم كيف شرد المدنيين ولأكثر من ست سنوات من أراضيهم المملوكة لهم لقرون مضت , حيث طرودا قسرا منها , وسكنها مستوطنون جدد , وبعد أن لجأ المدنيون العزل إلى مخيمات المشردين قسريا داخل دارفور تم ملاحقتهْم , وقتلهم , وإغتصاب نساؤهم داخل المخيمات – إن الأمر خطير للغاية , ولايحتمل غَض الطرف .
أرأيتم كيف تم وضع المدنيين العزل فى أوضاع , وظروف معيشيّة خاصة , حتى تعرضوا للموت من جراء الجوع , والعطش .
أرأيتم كيف تم إلحاق الأذى البدنى , والمعنوى الجسيم بالمدنيين فى إقليم دارفور .
إن العمليات الإجرامية ضد المدنيين العزل فى إقليم دارفور مَازالت مستمرة , وكل المعلومات الواردة من هناك تفيد أن نمط الإعتداءات الممنهجة , والمنظمة مازالت ترتكب ضد المدنيين العزل, وعلى نطاق واسع فى الإقليم , ومن هنا فقد (فقد) المدنيين الأمل فى أى حل سياسى , أو عسكرى .
إن إرتكاب الجرائم الدولية من قبل رؤساء الدول وقادتها , يجب أن لايسمح لهم بالإفلات من العقاب , وأن الإحتماء بالحصانة المتعلقة بالوظيفة لايخفف عنهم العقوبة - ولقد أثار البعض الرأى حول المادة (4) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية , والخاصة بممارسة المحكمة إختصاصها القضائى وسلطتها داخل الدولة , حيث رأى البعض أن ذلك يمثل إنتهاكا خطيرا للسيادة الوطنية , وذلك بالسماح لجهة أجنبية بممارسة سلطتها القضائية تجاه رعاياها .
وإذا ماتمعنا النظر فى الفقرة ( 10) من ديباجة النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية , نجدها تؤكد وبما لايدع معه مجالا للغموض – أن المحكمة الجنائية الدولية , ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية , وفى ذات السياق نجد أن المادة (7) تنص على أنها : ( لاتحل محل الإختصاصات القضائية الوطنية ( أى المحكمة الجنائية الدولية ) , وإنما تتدخل حصرا حينما لاتتوافر لدى الدول الرغبة , أو القدرة فى الإطلاع بالإجراءات اللازمة تجاه مرتكبى الجرائم الدولية التى تختص بها المحكمة الجنائية الدولية من الناحية الموضوعية .
الحصانة المرتبطة بالصفة الرسمية :
نقصد هنا الحصانة المرتبطة برؤساء الدول , والمسئولين الحكوميين , والبرلمانيين , حيث نجد المادة ( 27) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية , والذى هو بعنوان: ( عدم الإعتداد بالصفة الرسمية ) – حيث تنص المادة على أنه : ( لايجوز الإعتداد بالصفة الرسمية بأى حال من الأحوال للإعفاء من المسئولية الجنائية , وجعلها سببا لتخفيف العقوبة ) , ويلاحظ أن الغرض من الحصانة , هو إفساح المجال للنواب البرلمانيين , والمسئولين الحكوميين بأداء مهامهم بكل حرية , ولكن إذا ماتعلق الأمر بجرائم دولية فإن تلك الحصانة تجرد , ويقدم الشخص المعنى إلى القضاء سواء كان قضاء وطنيا , أم قضاء أجنبيا .
فقد الحصانة :
الحصانة وفقا للقانون الدولى ليست مطلقة ( طبقا للفقه السائد فى القانون الدولى ) , فإن الحصانة لا تسرى فى الأحوال الأتية :
- أولا : عندما يكون هناك إعلان محدد من الدولة بالتنازل عن الحصانة , أو رفع القيود .
- ثانيا : عندما توجب إحدى الإتفاقيات الدولية على الأطراف الموقعة عليها – أن تجرم فعلا معينا , وأن توقع العقوبة وفقا لتشريعاتها الداخلية – ووفقا للقانون الدولى السائد فإن مرتكب الجريمة الدولية لايستطيع أن يتزرع بموقعه الرسمى لكى يفر من العقاب خلال الإجراءات القضائية المناسبة .
- ثالثا : يلا حظ أن لجنة القانون الدولى التابعة للأمم المتحدة ذكرت : أن مرتكب الجرائم الدولية لايستطيع أن يفلت من العقاب , حتى ولو كان رئيس دولة , أو أى شخص يتقلد أى منصب من المناصب القيادية فى الدولة .
- رابعا: يمكن أيضا أن نستدل بالسوابق القضائية فى هذا المجال – حيث إستدعى جهة الإدعاء فى محكمة يوغسلافيا السابقة – الرئيس اليوغسلافى السابق – ( سلوبدان ملوسيفيتش ) .
مدى مسئولية القادة عن الجرائم الدولية :
تناولت المادة (28) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية – المسئولية المتعلقة بقادة القوات المسلحة , والأشخاص الذين يتمتعون بالمناصب القيادية العليا فى الدولة , والحالات التى يكون فيها الرئيس مسئولا عن أفعال مرؤسيه , حيث ذكرت المادة - الحالات التى يكون فيها الرئيس أو القائد مسئولا مسئولية تامة عن أفعال مرؤسيه , وذلك فى حال ما إذا أصدر القائد , أو المسئول الأوامر والقرارات العسكرية , أو المتعلقة بتنفيذ أفعال إجرامية – أو فى حال ماذا خطط القائد أو نفذ الجرائم وفقا لسياسات الدولة , وبالتالى فإن المسئولية تقع على الأشخاص مصدرى الأوامر , حيث أن المسئولية تشمل من هم فى التسلسل العسكرى القيادى بدء من أعلى مستويات مصدرى القرارات العسكرية مرورا بالضباط والجنود .
هل المحكمة الجنائية الدولية مختصة فى أزمة إقليم دارفور :
للإجابة على هذا التساؤل يجب أن نتتبع الأحداث فى إقليم دارفور منذ البداية حتى تاريخ اللحظة وذلك على هذا النحو :
أولا :
منطقة دارفور هى منطقة نائية مهمشة تقع فى أقصى غرب السودان , ويسكنها قرابة السبعة مليون نسمة , وتساوى مساحتها ثلث مساحة جمهورية مصر العربية- وتساوى مساحة فرنسا .
ثانيا :
يسكن فى الإقليم مزيج من القبائل كلهم أفارقة سود – يتحدثون العربية , وبعض القبائل مازالت تحتفظ بلغاتها المحلية – جميع أهل دارفور مسلمون .
ثالثا :
شهد الإقليم موجات عنف بين القبائل المختلفة , وكان السبب فى ذلك هو تعارض المصالح , وفى الثمانينات تم تسليح جزء من القبائل فى دارفور بواسطة حكومة الديمقراطية الثالثة . حيث وقعت أحدأث عنف دامية وبإيعاز من الحكومة فى ذلك الوقت .
رابعا :
فى منتصف التسعينات إندلع تمرد بقيادة المهندس – داؤد يحيا بولاد – ولكن تم وأد تمرده قبل أن يأخذ مساره للإعلام العالمى , والمحلى – وتم القبض على السيد – بولاد وأعدم خارج نطاق القضاء .
خامسا :
فى بداية العام 2003 م إندلع تمرد عنيف فى دارفور – فشلت الحكومة السودانية التعامل مع المتمردين – إستعانت الحكومة ببعض القبائل التى تطالب بالهوية العربية من داخل وخارج السودان – والتى عرفت مؤخرا بالجنجويد( هى مليشيا تمطتى ظهور الخيل والجمال , إرتكبت أعمال وحشية ضد السكان المدنيين العزل فى الإقليم ).
سادسا :
أصدر مجلس الأمن عدة قرارات كان فى مجملها التعبير العميق عن الحالة الإنسانية المتردية فى الإقليم , والإنتهاكات الجسيمة ضد القانون الدولى الإنسانى , والقانون الدولى لحقوق الإنسان . وأن النزاع فى إقليم دارفور يهدد الأمن والسلم الدوليين .
سابعا :
روجت بعض المنظمات العالمية والاقليمية الغير حكومية , والتى لها وجود فى الإقليم – بأن جريمة الإبادة الجماعية ترتكب فى الإقليم من قبل حكومة السودان , وبعض المليشيات العربية ضد القرويين السود فى الإقليم .
سابعا :
إجتمع مجلس الأمن على عجل , وأصدر القرار رقم ( 1556 ) – (2004 ) , وفى ذات السياق كلف مجلس الأمن السكرتير السابق للأمم المتحدة ( السيد – كوفى عنان ) , بتشكيل لجنة دولية لتقصى الحقائق حول مزاعم الإبادة الجماعية فى الإقليم , ويجب ان نلاحظ أنه حتى تاريخ تشكيل اللجنة لم تفكر حكومة السودان بمحاكمة المجرمين الذين إقترفوا جرائم دولية خطيرة ضد المدنيين العزل فى الإقليم .
ثامنا :
بالفعل قام الأمين العام بتشكيل لجنة دولية برئاسة القاضى ( أنطونيو ) , وعضوية أخرين , وبعد ثلاثة أشهر تقريبا أنهت اللجنة الدولية عملها , وقدم السيد – كوفى عنان تقريره إلى مجلس الأمن كان فى مجملها – أن إقليم دارفور تشهد إنتهاكات خطيرة تتثمل فى الجرائم ضد الإنسانية , وجرائم الحرب , إلا أن التقرير إستبعد أن يكون جريمة الإبادة الجماعية قد وقعت , إلا أنه أكد وبما لايدع مجالا للشك – أن بعض الأفراد التابعيين للحكومة السودانية يقومون بإرتكاب الجرائم بنية الإبادة الجماعية . وفى ذات السياق فإن اللجنة كانت قد أعدت قائمة بأسماء سودانيين ممن تعتقد أنهم مجرمو الحرب . وفى نهاية التقرير أوصت اللجنة بضرورة إحالة ( الحالة فى إقليم دارفور ) الى المحكمة الجنائية الدولية – ويجب أن يلاحظ حتى تاريخ تقرير اللجنة لم تفكر الحكومة السودانية بمحاكمة المجرمين – بل كانت تشجع على الإفلات من العقاب . بل أن سلوك الحكومة السودانية كانت تؤكد عدم رغبتها , وقدرتها فى محاكمة المجرمين .
تاسعا :
فى العام 2005 م , أصدر مجلس الأمن القرار 1593 م , والذى أحال بموجبة أزمة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية .
عاشرا:
فى العام 2005 م , أعلن السيد – لويس مورينوا أوكامبو – بفتح التحقيق فى أزمة أقليم دارفور – إعتبارا من العام 2002 م .
حادى عاشر :
فى اليوم التالى مباشرة , وبعد ثلاثة أشهر من القرار 1593 – أعلنت الحكومة السودانية بإقامة محاكم خاصة فى دارفور لمحاكمة المجرمين – ( نيالا – الفاشر – الجنينة ( حواضر ولايات دارفور الثلاثة ) ) , وكانت المحاكم بمثابة تمثيلية سيئة الإخراج , لعرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية , ولم يعترف المجتمع الدولى بالمحاكم الخاصة التى كانت كرست لثقافة الإفلات من العقاب .
ثانى عشر :
فى العام 2007 تقدم المدعى العام بطلب إلى الدائرة التمهيدية – يطلب فيه إصدار أمر قبض فى حق كل من السيد – أحمد هارون – والسيد – على كوشيب – وذلك إعتقادا منه أن الشخصان يتحملان المسئولية فى إرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فى الإقليم.
ثالث عشر :
فى ذات العام أصدرت الدائرة التمهيدية أمر قبض فى حقهما- إلا أن الحكومة السودانية ترفض تسليمهما حتى اللحظة, وبهذا فإن الحكومة السودانية تخالف بشدة قرارات الشرعية الدولية .
رابع عشر :
فى 14 – يوليو – من العام 2008 م – تقدم السيد – لويس مورينو أوكامبوا بطلب إلى الدائرة التمهيدية – يطلب فيه إصدار أمر قبض فى حق الرئيس السودانى – البشير – وذلك إعتقادا من المدعى أن ( البشير ) مسئولا مسئولية شخصية عن جرائم الإبادة الجماعية ضد قبائل – الزغاوة – المساليت – والفور – وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب . ومن المتوقع أن تصدر الدائرة التمهيدية قرارها خلال الأيام القليلة القادمة .
خامس عشر :
لا أحد فوق القانون – فى ذات السياق تقدم المدعى بطلب ثالث إلى الدائرة التمهيدية يطلب فيها – إصدار أمر قبض فى حق ثلاثة من المتمردين . ليس هناك إزدواجية فى المعايير لدى السيد – أوكامبوا – بل لابد من ان ينال كل شخص جزاؤه سواء كان متمردا , أو رئيس دولة – نعم يجب مكافحة الإفلات من العقاب فى ظل جرائم الإبادة الجماعية فى إقليم دارفور .
إستنادا إلى ماسبق فإننا نعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية مختصة بالنظر فى أزمة إقليم دارفور – ويجب على جميع الأطراف المعنية التعاون مع القضاء الجنائى الدولى – ( الحكومة السودانية – المتمردين – دول الجوار السودانى – المجتمع الدولى – منظمات المجتمع المدنى ... الخ ) .

مشاركة مميزة