الأحد، 11 سبتمبر 2011

نحن لسنا عورة



kolonagaza7

د. ديما طهبوب / كاتبة صحفية وناشطة في جبهة العمل الإسلامي

قد يسافر المرء حول العالم فيرى من جمال الخضرة و ترقرق الماء و مباهج الحياة ما يسعد العقل و القلب، و لكن المرء لا يبلغ السعادة الحقيقية الا برحلة يغذي فيها الروح و الجسد، يكاد فيها لفرط شوقه يسبق الطائرات و المركبات، و كأنه ترك روحه في ذلك المكان و هو عائد للاجتماع بها، ينسى المسافر في رحلة العمرة و الحج كل متاعب السفر و مشقة الرحلة و مقارعة البشر فهو ذاهب للتطهير من كل أدران الحياة ينتظر تلك اللحظة التي تكتحل عينيه بالبيت الحرام و روضة المصطفى صلى الله عليه و سلم فيبلغ قدر التشريف و المهابة و الجلال الذي يدعو به كل من يزور المسجد الحرام" اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيماً وتكريماً ومهابة وأمناً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبِراً"هي رحلة يقطع لها البعض أكباد الإبل محبة و طوعا و كرامة، فالمسافة لا تشكل عائقا في قاموس المرتحل، و في سالف الزمان كان الحاج يُوَدّع كأنه لن يرجع بسبب مخاطر الطريق و طول مدة السفر و لم يكن ذلك يثني الراغبين و المقبلينو نحن النساء لنا وضع خاص فالمشاعر عندنا فياضة، و بمجرد نية العمرة أو الزيارة تجد القلوب قد حنت و العيون قد ذرفت، و الأرواح و الأبدان قد استعدت، و لكننا للأسف إذا وصلنا الحرمين وجدنا من التضييق ما يجعلنا نحس أننا أقل بشرية و إيمانا و عملا و أجرا!!نقطع المسافات لتقرّ عيوننا برؤية الكعبة المشرفة فنمنع من الصلاة أمامها، و نوضع في شبه قفص بعيدا عنها و عن صحن الكعبة!! الكعبة التي يجب أن لا تفارق ناظرينا حتى نستحق فضل الرحمات و الأجور التي خصصها الله للناظرين لا نكاد نراها الا إذا أردنا الطواف!! و الحجة درء المفاسد و ستر النساء عن أعين الرجالّ!! و السؤال: أليس هذا موطن الستر؟ و إذا لم يكن الستر في بيت الله الحرام فأين نجده؟ هل يعقل أن تحس النساء في بيت الله الحرام انهن لسن أكثر من عورة يجب سترها حيث الستر الحقيقي هو أكثر من حجاب خارجي و حجز و سجن في مواضع معينة بل لباس تقوى و باطن إنابة و اخبات و ترفع عن محارم الله هي جميعها أساس المفاضلة بين عباد الله رجالا و نساءا؟ هل يُعقل أن تحس المرأة انها أمام الله أقل درجة من الرجال في التكليف و الأجر بسبب جنسها الذي لم تملك الخيار فيه؟؟عندما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا نمنع إماء الله مساجد الله هل قيد الأمر بشروط غير الأمان و لزوم المرأة لحجابها؟ الأ تسقط بعض اعتبارات منع الاختلاط و مفاسده في هذا المكان فيطوف الرجال بجانب النساء دون التفات الى شهوات الجسد؟ فالمقام مقام تقوى لا مقام دنيا و الكل متوجه الى الله بكليتيه ينادي نفسي نفسي طلبا للهداية و الرحمة و المغفرةقد يكون في المكان بعض ضعاف النفوس، و لكن هل يُعطى ضعاف النفوس المجال للتأثير على القوانين و التشريعات، قيؤخذ البار بذنب الفاجر، و يؤخذ بسوء الظن لا حسنه في أطهر بقاع الأرض؟إن السوءة و العورة الوحيدة التي يجب أن يلتفت إليها من يحجرون على النساء في الحرمين هي سوءة الذنوب و التي هي أصل الفواحش، فقد نزع الله عن آدم و حواء الستر لما عصيا الله، و سُترا بعد الاستغفار عن الذنب و التوبةإن كل من يفد على الله في بيته الحرام رجالا و نساء يأتي و قد كشفته الذنوب و فضحته فيما بينه و بين الله، يأتي ليطلب الستر لذا كان من مأثور الدعاء "اللهم استرنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض عليك" و الرجال و النساء في ذلك سواسيةإن الحجاب الذي تلبسه الكثير من المسلمات عن قناعة و ليس فقط زيا خارجيا تتنوع أشكاله بشرط أن لا تختلف صفاته من أن لا يصفّ و لا يشف و لا يكون لباس شهرة ، انه مع هذه كلها حجاب عن الخضوع بالقول، حجاب عن الاختلاط في غير داع، حجاب يحفظ الحرمات و العورات و الأسرار التي سترها الله فقد مدح الله المؤمنات بقوله"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"إن الحجاب ما لم يكن لباس تقوى في القلب، و لباس ستر للجسد، و لباس قناعة في العقل لن يستر إمرأة لا تريد الستر و ستبقى عورة ظاهرة و لو لبست من الثياب أذرعا و حُبست وراء الجدرانو الأمر ليس أحسن حالا في روضة المصطفى فبينما هي مفتوحة للرجال على مصراعيها في معظم الأوقات، تفتح في أوقات قليلة و مساحات محددة للنساء، و يحتاج الوصول اليها الفوز بسباق ماراثوني و دفس و رفس كل من يعترض طريقنا و هذا يتنافى مع أخلاق الرحمة و خلق عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، و قد كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يرفعون صوتا في حضرة الرسول و نحن نصيح و نتسابق حتى ندرك موضع قدم لنصلي في الروضة، هذه الروضة التي هي من رياض الجنه ندخلها و قد قُطعت أنفاسنا من كثرة الركض و نصلي فيها و نحن نُدفع يمنة و يسرة و قد تُداس رؤوسنا بالأقدام بسبب الاكتظاظ و الدفع، كان من النساء الكثيرات من كبيرات السن اللواتي لا يستطعن المشي الا قليلا، و كان الوصول شبه مستحيل عليهن فجلسن في زاوية يذرفن الدموع على العجز و الكبر، إيمان العجائز الذي دعى الصالحون بمثله قعد بهن في عصرنا الذي ُيضيق فيه على المرأة و تحرم من بلوغ روضة الحبيب، و أيضا في هذه الحالة من ضيق المكان و الوقت تحملت كل النساء وز بعض المخطئات و متبعات البدعإن سياسة التعامل و قوانين الحرمين لا يجب أن تخضع لآراء حركة دينية واحدة مهما كان فضلها الاصلاحي على الاسلام، بل عليها أن تتبع سيرة محمد صلى الله عليه و سلم الذي لم يؤخر النساء لا في حل أو ترحال أو حرب أو سلم، بل كانت صفوف النساء في المسجد تلي صفوف الرجال، و كانت النساء يخرجن للمسجد و الصلوات و ما منعن من ذلك لانهن إناث أو عورة يجب إخفاؤهاقد نلتمس العذر نحن المسلمات ابا عن جد، و قد نفهم الحال و المقاصد العليا و لكن ماذا عن الأجنبيات اللواتي أسلمن حديثا و المسلمات اللواتي التزمن حديثا بالدين؟ القادمات من مجتمعات المرأة فيها في الصفوف الاولى و مراكز القيادة، هل نقول لهن الاسلام يؤخركن حتى بين يدي الله و في بيته الحرام و مسجد نبيه؟معاذ الله أن نخرج على الشرع كما فعلت بعض النساء بالمطالبة بمنازعة الرجال الإمامة، و لكننا نعلم أن الله أمرنا بالحجاب و ليس بالاحتجاب، و الفارق بينهما كبير، فالحجاب حفظ و كرامة و تشريف و الاحتجاب حجر و انتقاص و عزلالنساء لسن عورة، و لسن أقل درجة أو استحقاقا أمام الله و صدق سبحانه" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" -->

مشاركة مميزة