السبت، 10 سبتمبر 2011

التطرف والإرهاب.. تهمة جاهزة للإسلاميّين في الأقطار المحرّرة



kolonagaza7

al-aman

يستمر «ربيع الثورات العربية» في تقدمه. فقد تجاوز الصيف ولامس الخريف وقد يعانق الشتاء دون أن يتوقف مساره، بعد عقود من الركود أو تزوير إرادات المواطنين فيما سمي «ثورات عربية»، بينما هي مجرد انقلابات عسكرية، تحولت فيما بعد الى أنظمة ملكية غير دستورية، تقوم على حكم الفرد والأسرة، دون حدود ولا ضوابط.
وقد أثبت «النظام العربي» في الأقطار التي تساقط فيها أو اهتزت أركانه، أنه غير قادر على الاستمرار، ولا على توفير القناعة للجماهير بأهليته وكفاءته ونزاهته، لذلك فهو يحاول اقامة سواتر ترابية أو حواجز حديدية دون الوصول الى ما هو أفضل. وقد شهدت «ثورة يناير» المصرية عمليات اشاعة الفوضى في الشارع المصري عن طريق اطلاق «البلطجية» ليقتلوا ويحرقوا ويدمروا، ثم اطلاق الجمال والبغال في ميدان التحرير، وتعطيل أداء الأجهزة الأمنية واغلاق المخافر وسحب شرطة المرور.. كل ذلك من أجل اقناع الناس بأن النظام الحاكم هو الخيار الوحيد المتاح أمام الناس، وإلا فمن بعدي الطوفان.
لكن توجهاً جديداً بات شائعاً في ساحة الثورات العربية، هو اثارة الحساسيات الطائفية والتحذير من وصول الإسلاميين الى مواقع السلطة. حصل هذا في مصر حين مارس النظام السابق وفلوله حملة اعلامية ضد التيارات الاسلامية والسلفية في الشارع المصري. وبما أن معظم عناصر هذه التيارات لا تحمل مشروعاً سياسياً ولا ترغب في أي ممارسة سياسية، فقد توجهت المؤامرة الى التيار الاسلامي الأبرز والأعرق الذي يحمل مشروعاً سياسياً قديماً، وقد تعرض لاضطهاد وقمع النظام على مدى العقود الماضية، وهو جماعة الاخوان المسلمين. وعلى الرغم من تشكيل الاخوان حزباً سياسياً، واعلانهم أنهم لن يرشحوا أحداً في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما لن يرشحوا في دوائر الانتخابات النيابية سوى ما دون 50٪، حتى يشكلوا مجرد معارضة برلمانية دون الوصول الى الحكم، وانتدبوا شخصية قبطيّة ليكون نائب رئيس حزب «العدالة والحرية»، رغم كل هذا فالحملة ما زالت مسعورة في الشارع المصري وعبر وسائل الاعلام ضد أي مشاركة للاسلاميين في الحياة السياسية.
أما في ليبيا فقد كانت التيارات الاسلامية كلها مضطهدة وملاحقة، سواء في ذلك السلفيون أو الجهاديون أو الاخوان المسلمون. وكانت ممارسة أي نشاط اسلامي محصورة ضمن اطار «جمعية الدعوة الاسلامية»، وإلا فالسجن أو الهجرة. ورغم كل هذا فإن الطابع العام للشارع الليبي أنه ملتزم اسلامياً، وقد عاد الى ليبيا عدد كبير من المهاجرين الذين اكتسبوا خبرات واسعة، سواء في المهاجر أو في السجون الليبية أو الغربية. ولعل البارز بين هؤلاء هو عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس، وقد سبق للسلطات البريطانية والأمريكية أن سلمته الى السلطات الليبية عام 2004 ليتعرض للتعذيب الشديد، فضلاً عن عدد من الشخصيات الاسلامية الأخرى التي انضمت مؤخراً الى المجلس الوطني الانتقالي.
في تونس جرى طيّ هذه الصفحة، ربما اعلامياً فقط، لأن حركة النهضة الاسلامية التونسية استطاعت استيعاب معظم قياداتها الذين كانوا مبعدين خارج تونس، وهم يتمتعون بقدرات وتجارب سياسية عالية، فاستطاعوا بعد انتصار الثورة ورحيل ابن علي نشر وعي ثقافي وسياسي اسلامي، مما جعل الحركة في طليعة القوى السياسية التونسية، لا سيما عندما واجهوا الحملة المسعوردة ضدهم في ما يتعلق بحقوق المرأة ومشاركتها السياسية.
أما في سوريا فالقضية مطروحة في السجالات السياسية، ويستغلها النظام والعاملون في أجهزته الاعلامية بشكل واسع. ويبدو أن الدوائر الغربية تستغل اثارة المشاعر الطائفية والمذهبية، على اعتبار أن الشعب السوري متديّن بطبعه، والمسيرات الشعبية كانت تخرج من المساجد بعد صلاة الجمعة في مختلف المدن السورية، وخلال شهر رمضان باتت تخرج من المساجد بعد صلاة التراويح، وفي درعا بعد قيام الليل في ليلة القدر. لكن هذه التوجهات الاسلامية ليست حزبية ولا متطرفة. ورغم كل هذا فالذي يبدو أن الدوائر الغربية، لا سيما الفرنسية والأمريكية، مسكونة بهاجس الخوف من الاسلاميين، ربما لأنهم أكثر من تلقى قمع النظام واضطهاده. وما زلنا نذكر أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أجابت أحد الاعلاميين حين سألها عن الموقف الأميركي من النظام في سوريا، بأن الأهم من هذا هو من سيكون البديل عن الرئيس الأسد. وقد بدأت مؤخراً موجة من إثارة مشاعر الطوائف السورية، مسيحية أو درزية فضلاً عن العلوية، من احتمال تحكم المسلمين بالقرار السياسي اذا سقط نظام آل الأسد. وليس مجرد صدفة أن يجيب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لدى خروجه من لقاء الرئيس الفرنسي ساركوزي على سؤال حول سوريا بقوله: «اننا نخاف من أمرين، الوصول الى حرب أهلية، أو أن نصل في سوريا أو غيرها الى أنظمة أكثر تشدداً وتعصباً..»، وهذا التوجه يبدو جديداً بالنسبة للبطريرك، ولا بدّ أنه جاء نتيجة لقائه بالرئيس الفرنسي. يضاف الى هذا موقف أعلنه اميل حكيم، وهو باحث في الشؤون الأمنية خلال مؤتمر صحفي عقده معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، قال فيه: «ان الاسلاميين سوف يستفيدون مما وقع في المنطقة. لا أقول ان اعمالاً ارهابية ستحصل، لكن سقوط دول أمنيّة سوف يتيح بالتأكيد فرصاً أمام هذه المجموعات الاسلامية للتحرك»، وتابع: «حتى فترة قصيرة كانت المجموعات الجهادية تعتقد أنها غير قادرة على القيام بأي نشاط في بلادها، لذلك قاتلت في أماكن أخرى».
وحتى لا تستهلكنا تداعيات الثورات العربية على المستوى العالمي، يهمنا التأكيد على أن ما يسمى «الارهاب» لا مكان له في الأنظمة الديمقراطية المنفتحة، وأن بعض المجموعات الاسلامية التي يمّمت شطر أفغانستان أو الشيشان ما كان لها أن تفعل ذلك لو وجدت بيئة حرة في بلادها. لذلك فإن الأجواء الحرة القادمة (ان شاء الله) سوف تفتح آفاق العمل الايجابي البناء أمام الإسلاميين في خدمة المجتمع، دون الحاجة الى الارهاب والتطرف. ولسوف تبرهن الحركة الاسلامية في مختلف الساحات العربية أنها حركات بناء وليست حركات هدم أو ارهاب، ولا داعي ولا مبرر لهواجس البعض من حصول التيارات الاسلامية على حريتها في أي من الأقطار العربية - لا سيما في سوريا، لأن الحركة الاسلامية فيها عريقة، وهي تملك تجربة غنية في اطار العمل السياسي الديمقراطي منذ خمسينات القرن الماضي، الى أن فرض القمع نفسه على الجميع.

مشاركة مميزة