السبت، 22 أكتوبر 2011

ليس دفاعاً عن إيران.. في محاولة اغتيال السفير السعودي



kolonagaza7

Al-Aman

بقلم: ياسر الزعاترة
تثير محاولة الاغتيال التي اتهمت بها السلطات الإيرانية في الولايات المتحدة الكثير من الأسئلة التي لم تجب عنها حشود التصريحات والتنديدات التي أطلقها مسؤولون أميركيون وسعوديون (دخل على الخط أوروبيون أيضاً).
إيران ليست مبتدئة في أعمال العنف الخارجي، وهي ليست عاجزة عن تنفيذ عملية تفجير أو اغتيال هنا أو هناك من دون ترك خيط يدل عليها، وعماد مغنيّة كان الابن الأكثر إخلاصاً للمؤسسة الثورية الإيرانية، ولعله استقى الكثير من خبراته من تلك المؤسسة قبل أن يغدو ركناً مهماً من أركانها في العمل الخارجي، فضلاً عن حضوره الهام في مطاردة العدوّ الصهيوني في لبنان.
من هنا، فإن قدرة إيران على القيام بعملية اغتيال داخل الولايات المتحدة وخارجها ليست عادية، لكن الأهم في هذا السياق يتعلق بأمرين: الأول أن لا تبدو العملية ذاتها عبثية، إذ أية فائدة ستجنيها إيران من اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في هذا الوقت بالذات، حتى لو كان رجلاً له نفوذه وحضوره السياسي في العلاقة بين واشنطن والرياض (السفير عادل الجبير).
ثم إن إيران تعرف أكثر من غيرها حجم الاحتياطات الأمنية التي تتخذها الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من أيلول، وهي تعلم تبعاً لذلك حجم التبعات التي يمكن أن تترتب على جريمة من هذا النوع.
دعك هنا من حكاية عصابات المخدرات المكسيكية التي دخلت على خط عملية الاغتيال، واستخدمتها إيران حسب الرواية الأميركية، وهي رواية تبدو فارغة إلى حد كبير، لأن إيران لن تضع نفسها رهينة بيد عصابة يمكن أن تبتزها في أي وقت من أجل تنفيذ عملية اغتيال لا تبدو مهمة على الصعيد السياسي والأمني.
كان لافتاً بالطبع أن يأتي الإعلان عن العملية بعد تصعيد سعودي إيراني جاء على خلفية أحداث قرية العواميّة (الشيعية) في محافظة القطيف، التي اتهمت طهران بالوقوف خلفها، مما لا يبدو مقنعاً، رغم اقتناعنا بأن إيران تستخدم الأقليات الشيعية لحساباتها السياسية والأمنية.
نقول ذلك لأن بوسع إيران لو أرادت أن تحرك أعمال عنف أكثر تأثيراً من تمرد عشرات من الشبان بطريقة بدائية لا تؤثر على الأمن السعودي الذي تعامل معها بكل بساطة، فيما استخدمتها دوائر السياسة في سياق معروف الوجهة لكثير من المراقبين، أعني بث الشعور بأن دعاوى الإصلاح يمكن أن تكون النافذة التي يتسلل منها الشيعة لإثارة المشاكل في البلاد وحرمانها الأمن والأمان.
لا حاجة إلى كثير من المتابعة فضلاً عن الذكاء كي يدرك المراقب حجم التصعيد الخليجي ضد إيران، وقد زاد الأمر وضوحاً بعد الربيع العربي وأحداث البحرين، فيما تجد دول الخليج في هذا التصعيد فرصة لإبعاد أي حديث عن الإصلاح السياسي.
لكن ذلك لا ينفي أن هناك صراعاً حقيقياً بين دول الخليج (ومعها عدد من الدول العربية) وبين إيران، لا سيما في العراق، وبالضرورة في لبنان، والآن في سوريا، وإن جاءت الأخيرة على نحو ربما لم تكن بعض دول الخليج تتمناه، لأن نجاح الثورة يعني أن مسلسل الثورات سيستمر ولن يتوقف عند حد، وإن كان الكثيرون يفضلون توقفه تماماً.
خلاصة القول أننا إزاء تصعيد مع إيران، تتلوه عملية تحريض عليها، ولا شك في أن إيران لم تمرّ خلال العقود الثلاثة الأخيرة بمرحلة هي فيها مكروهة في العالم العربي كما هي حالها هذه الأيام، بما في ذلك أيام الحرب العراقية الإيرانية.
ولا خلاف على أن دعم طهران للنظام السوري هو السبب الرئيسي في ذلك، معطوفاً على تورّطها في ممارسات تفوح منها رائحة المذهبية، خاصة في عراق ما بعد الاحتلال.
هي إذن الأجواء المناسبة لعمل عسكري إسرائيلي ضد إيران إذا سمحت بذلك الولايات المتحدة، والتقارير الإسرائيلية اليوميّة تشير إلى ذلك بهذا القدر أو ذاك، بل إن محللين إسرائيليين لم يترددوا في القول إن تجرّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو لكأس السم الذي تنطوي عليه صفقة شاليط كان في شق منه تمهيداً لعملية ضد إيران، التي تتّهم بأنها استفادت من الانشغال الدولي بالربيع العربي في تسريع خطوات بناء برنامجها النووي.
لا يعني ذلك أن العمل العسكري بات مؤكداً، والسبب بالطبع هو التردد الأميركي، لكن ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام نتن ياهو واللوبي الصهيوني على مرمى الانتخابات الجديدة قد يفضي إلى تمرير شيء كهذا، وإن تكن الحسابات كلها معقدة، بما فيها الأمنيّة والعسكرية الإسرائيلية (هناك معارضة أمنية وعسكرية وسياسية للضربة العسكرية ودعوات لمنع نتن ياهو من التورط فيها).
ومع ذلك لا نستبعد تورطاً أميركياً مباشراً في العملية يتجاوز منحها الغطاء السياسي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى رفع أسهم أوباما في ظل حالة الضعف التي يعيشها وتعيشها المنطقة عشية الانسحاب الأميركي من العراق الذي وقع رهينة بيد إيران، فضلاً عن الفشل المزمن في أفغانستان.
إذا وقع العدوان الإسرائيلي على إيران (مهما كانت طبيعته)، فإن التداعيات ستكون كبيرة، سواء على الصعيد العسكري والأمني (ردود إيران وحلفائها)، أم على الصعيد السياسي، لكن الواضح أن الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي لن يربحا من هذه اللعبة حتى لو خسرت إيران، بصرف النظر عن نتائج المعركة.
وليس السبب في ذلك فقط أن لدى إيران الكثير من أوراق الردّ التي يعرفها الجميع وأهمها العمليات الخارجية ضد مصالح أميركية وإسرائيلية، فضلاً عن ضرب القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في الخليج، بل أيضاً لأن أميركا والدولة الصهيونية لم تقوما بأي خطوة منذ عشرين سنة، فكانت نتيجتها النجاح، منذ مؤتمر مدريد إلى غاية الآن.
ربما كان على إيران أن تدرك التداعيات المتوقعة لعزلتها عن الجوار العربي والإسلامي، وهي تداعيات قد تفوق إنقاذها للنظام السوري، فكيف إذا كانت مهمة الإنقاذ تلك مستحيلة النجاح إلى حد كبير.
نقول ذلك لأن أي ردود من قبلها مهما كانت مؤثرة على الضربة، فهي لن تغير في حقيقة أنها ستتضرر، حتى لو اكتفت واشنطن وحلفاؤها بعقوبات اقتصادية من اللون القاسي الذي لا يمكن استبعاده حتى لو عارضته روسيا والصين، مع أن ذلك ليس مؤكداً في ظل صفقات سياسية واقتصادية محتملة بين الجانبين.

مشاركة مميزة