الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

قباقيب وحرق وسحل



kolonagaza7

بقلم/ توفيق أبو شومر

يا أبناء يعرب، لماذا أعدتم لي صورة التمثيل بجثث الأموات؟
لماذا أحبطتموني، وأنا المشجعُ لثوراتكم، الراعي لربيعكم العربي؟
لماذا مثَّلتم بجثة الغابر القذافي؟
ولماذا أسدلتم الستار على جرائمه بهذه الطريقة البشعة؟
لماذا حولتموه من سفَّاح مجرم قاتل، إلى ضحية وجثة مسكينة تستدر العطف والشفقة من الناس؟
لماذا أرجعتمونا قرونا طويلة، لا لنتذكر بساطة العرب وكرمهم، وعبقرياتهم، وأثرهم في حضارة العالم، بل لنتذكر أحداث الإجرام والقتل والسحل والتمثيل بالجثث؟
أنا أعرف بأن تاريخ كل الأمم مملوء بأحداث فظيعة، غير أن أكثر الأمم استفادتْ من تجاربها، وعدَّلتْ مسارها،وعلَّمتْ أبناءها كيف يصنعون من تاريخهم السالف حضارة وعدلا ورفعة، حضارة أساسها الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة.
يا أحفاد موقعة ذي قار، لماذا جعلتموني أسترجع طريقة موت محمد بن أبي بكر في زمن الخلفاء الراشدين، بسبب مشاركته في مقتل الخليفة عثمان، على يد الوالي معاوية بن حديج، فبعد أن قتله طعنا، وضع جثته في جوف حمار، ثم أشعل فيها النار!!
يا أبطال اليرموك كيف جعلتموني أستعيد واقعة مقتل نابغ عالمي، كان يستحق جائزة نوبل، لو بقي حيا بيننا، فبدلا من أن نبني له الصروح التي تخلده، جعلنا الخليفة المنصور في القرن السابع الميلادي يأمر (الحاقد) والي البصرة سفيان المهلبي بالتخلص منه!!
ولم يكتفٍ بقتله بل،قال لأصدقائه قبل أن يقتله بفخر:
" والله لأقتلنَّه قِتلةً لم يسبقني إليها أحدٌ من قبل!!
فأمر بلسانه أولا فقُطع، ثم بدأ يقطع أطرافه جزءا جزءا، ثم يشويها أمامه،ويطعمه منها كأبشع قتلة في التاريخ، لأنه شتم أمَّ المهلبي واتهمها بالفسوق"!!!!!
يا أبنا يعرب بن قحطان الشجاع المغوار، لماذا أعدتم لي صورة الأحداث المأساوية التي جرتْ في عصر بني العباس في القرن السابع الميلادي، حين أقدم أبو العباس السفاح على جريمة كبرى، وهي نبش قبور بني أمية وصلبهم وحرقهم: فقد جاء في كتاب الكامل لابن الأثير،ومروج الذهب للمسعودي:
" نُبش قبرُ معاوية ويزيد فلم يجدوا فيهما سوى الرماد، وكذلك عبد الملك وسليمان، فأخرجوا عظامهما وأحرقت العظام، أما جثة هشام بن عبد الملك فهي الوحيدة التي كانت ( تصلح) لأن تُجلد ثمانين جلدة، ثم تصلب منتنة"!!
ولم يكتفٍ السفاح بذلك بل إنه أعطى الأمان للأمويين ساكني يافا بفلسطين، ودعاهم للغداء فلبوا، وما إن ظفر بهم حتى قتلهم بالأعمدة، ثم فرش فوقهم وتناول ( ألذَّ) وجبة طعام في حياته وهو يسمع أنينهم"!!
أيها العرب الأقحاح أبناء عدنان الهمام، كيف سمحتم بأن تُقْتَلَ أبرز نساء التاريخ، التي حَمتْ مصر من غزو الأعداء في القرن الحادي عشر، واخفتْ موتَ زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب، حتى لا تهتزَّ معنويات الشعب، ونجحت في صد الغزاة، وحكمت مصر شهرين، وسيرتْ شؤون الدولة بكفاءة!!
كيف سمحتم لضرتها أم علي وأعوانها المماليك أن يقتلوها بالقباقيب، نعم بالقباقيب، ولم تكن هناك كاميرات لتصور لنا مرحلة ما بعد القباقيب!!ّ
يا وارثي مجد صلاح الدين الأيوبي، وصولا إلى الزعيم جمال عبد الناصر، لماذا أعدتم لي صورةً،كنتُ أظُنُّ أنني نسيتها مذ كنت في العقد الأول من عمري، وهي صورة زعيم عراقي راحل تولى منصب رئاسة الوزارة أربع عشرة مرة في العراق من عام 1932-1958 ، حين ألقى أعوانُ عبد السلام عارف القبض عليه، ولم يكتفوا بقتله، بل سحلتْه الجموعُ في الشوارع، وهي ترقص طربا!!
ثم ادَّعى المسؤولون بأنه مات بعد أن قاوم معتقليه، ووصل الأمر بلجان التحقيق أن قالوا إنه هو قاتلُ نفسه، ولم يقتله أحد!!
فمَنْ يجرؤ على نبش الملفات العربية، إنْ كانتْ هناك ملفات في الأصل!!
إليكم هذا السؤالَ المزعج المُكرَّر:
إلى متى سيظل تاريخنا العربي-للأسف- تاريخا شفويا مجهولا لأبنائنا؟
أيكون ذلك مقصودا كي نعيده من جديد في كل وقت وأوان، ولا نستفيد من تجاربنا وأخطائنا؟!!

مشاركة مميزة