الجمعة، 28 أكتوبر 2011

المفاجآت الستة للإنتخابات التونسية

kolonagaza7

عد أن فاجأ التونسيون أنفسهم والعالم بإقبال غيْـر مسبوق في تاريخ الإنتخابات بتونس والعالم العربي على صناديق الاقتراع يوم الأحد 23 أكتوبر، جاءت النتائج حبْـلى بالمفاجآت والتحديات، ممّـا جعل تونس تتصدّر مرة أخرى نشرات أخبار وتعاليق مُـختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية. فما الجديد يا ترى؟ يجري الحديث منذ إغلاق مكاتب الاقتراع عن حصول تجاوزات هنا وهناك. هذا ما أكّـده ممثلو الأحزاب والقائمات المستقلّـة في الكثير من الدوائر. وتجري الاستعدادات حاليا من قبل مختلف الجهات المحلية والدولية التي راقبت الانتخابات التونسية، لإصدار تقاريرها النهائية، لكن يبدو أن الملاحظات الأولية والطعون المقدّمة من قِـبل البعض على أهميتها، لا ترتقي إلى درجة الطّـعن في مصداقية ونزاهة العملية الإنتخابية برمّـتها. هذا ما أشار إليها الكثير من الملاحظين الأجانب، وهو ما يفسِّـر أيضا تأكيد معظم قادة الأحزاب الخاسرة أو التي أصيبت بانتكاسة، بأنهم يقبلون النتائج وينحنون أمام إرادة التونسيين. كما أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أثبتت حياديتها وأسهمت في إنجاح أول انتخابات ديمقراطية في العالم العربي، يتم تنظيمها بعيدا عن كواليس وزارات الداخلية. مع ذلك فإن التقييم النهائي الذي سيقوم به مختلف المراقبين المحليين والأجانب، سيشكل قاعدة هامة للإرتقاء بمستوى الممارسة الإنتخابية في تونس مستقبلا. مفاجآت متعدِّدة في الواقع، تعدّدت المفاجآت في الانتخابات التونسية بشكل أضفى عليها مزيدا من الأهمية والحيوية. وأولى هذه المفاجآت، النسبة العالية التي حصلت عليها حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية. فالجميع كان يعتقد بأن هذه الحركة ستتصدّر بقية الأحزاب، لكن الحجْـم المُـرتقب كان مقدّرا في حدود 25% وربما ثلاثين، غير أن النسبة التي كشفت عنها الصناديق كادت تقترب من النصف، وهو ما فاجأ الذين وضعوا القانون الإنتخابي الخاص بهذه الإنتخابات، حين اعتقدوا بأنه كان كافيا للحيلولة دون أن يهيْـمن أي طرف حِـزبي على المجلس. هذه المفاجأة أربكت البورصة، التي لم تستعد حيوتها النسبية، إلا بعد أن وجهت قيادة حركة النهضة رسالة طمأنة للأطراف الدولية. أما المفاجأة الأخرى، فقد تمثلت في التراجع الدّرامي للحزب الديمقراطي التقدّمي، الذي كانت عمليات سبْـر الآراء تضعه في المرتبة الثانية بعد حركة النهضة، إلا أن مكانته قد اهتزّت بشكل ملحوظ، مما جعله ينزل بقوة إلى المرتبة الرابعة وربما الخامسة في الترتيب، الأمر الذي سيدفع بقيادته وقواعده إلى التفكير ملِـيا في أسباب هذه النكسة. وفي المقابل مالت الرياح لصالح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي احتلّ المرتبة الثانية، بعد أن كان يُـنظر إليه كحزب صغير. ولا شك في أن موقِـعه الحالي يمكِّـنه من لعب دوْر المفاوض من موقع مريح، وقد يصبح هو حلقة الوصل بين حركة النهضة وعدد من الأطراف المعارضة داخل المجلس التأسيسي. المفاجأة الثالثة، التي لم تكن واردة في كل الحسابات، تخصّ قائمات (العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية)، التي يقودها السيد الهاشمي الحامدي من لندن عبْـر قناته التلفزيونية "المستقلة" والتي احتلت المرتبة الثالثة. فالجميع يتساءل: كيف تمكّـن هذا الطرف من أن يحصد كل هذه المقاعد وأن يتمكن من تهميش حركة النهضة في دائرة سيدي بوزيد مثلا؟ وإذا كان ذلك قد يكون مفهوما، انطلاقا من عوامل جهوية وقبلية، فكيف يُفسّـر الأمر في مناطق أخرى، مثل مدن المنستير وباجة وسوسة وغيرها. لا شك في أن العامل الجهوي له دور في ذلك، لكن الخطاب الشعبوي، الذي اعتمده الحامدي، والوعود التي غازل بها ذوي الدخل المحدود والمناطق النائية، قد ساعدت على تحويله إلى "القوة الثانية" بالمجلس التأسيسي. هذا الأمر، دفع البعض إلى العمل على إسقاط قائمات العريضة الشعبية، بحجّـة أن الحامدي خالف القانون واستمر في محاولة التأثير على التونسيين عبْـر "المستقلة" طيلة أيام الحملة الانتخابية. المفاجأة الرابعة، تمثّـلت في السقوط المُـدوِّي لحركات اليسار والقِـوى الحداثية عموما، وبالأخص أحزاب أقصى اليسار، التي وجدت نفسها أقلية ضئيلة جدا داخل المجلس الـتأسيسي. هذه القوى مدعُـوّة اليوم إلى القيام بجرْد حساب، لتحديد أسباب عجْـزها عن منافسة خصْـمها التاريخي، الممثل في حركة النهضة، إلى جانب عدم قُـدرتها على إقناع التونسيين بخطابها السياسي والأيديولوجي، وذلك بالرّغم من مجال الحرية الواسع التي تمتّـعت به طيلة الأشهر الماضية. الإنحسار شمِـل أيضا النقابيين الذين شاركوا في الإنتخابات، سواء في قائمات مستقلة أو ضمن الأحزاب التي وُلِـدت من رحِـم الإتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية الرئيسية في البلاد) على أيْـدي كوادر نقابية معروفة. فالإتحاد الذي كان يُـقرَأ له حساب في مختلف المحطات والذي كان حاضرا بقوة بعد 14 يناير، اختفت آثاره تماما في هذا الحدث المفصلي الذي شهدته تونس، حيث لن يكون للنقابيين أي دور في المجلس التأسيسي الثاني، خلافا لدورهم المِـحوري الذي لعِـبوه بالمجلس الأول (التأم من 1956 إلى 1959). مجلس تأسيسي مُـغلق أخيرا، عجَـز المستقلون عن إقناع الناخبين بالدور الذي كان يُـفترض أن يقوموا به في صياغة الدستور الجديد، مثلما فعل نظراؤهم في تجارب أخرى عديدة. واستوى في ذلك المستقلون من مختلف التيارات والاتجاهات، بمَـن فهم أعضاء (التحالف الديمقراطي المستقل) الذي تشكَّـل حول المحامي الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي قرّر أن يخوض الإنتخابات بشكل مستقِـل عن حركة النهضة. فالحركة التي أسسها، قدّمت عليه السيدة سعاد عبد الرحيم، التي تمّ اختيارها لمنافسته في دائرة تونس 2، رغم كونها غير محجّـبة وليست عضوا بالحركة، وتلك هي حسابات السياسة التي تختلف في أحيان كثيرة عن أي معطيات أخرى. وبالرغم من أن حظوظ الائتلاف كانت واعدة، على الأقل في حدود بعض الدوائر، إلا أن الإستراتيجية الإنتخابية التي تبنَّـتها حركة النهضة، إلى جانب ضعف الإمكانيات البشرية والمالية للمنافسين، شكَّـلا عقبة أمام فُـرص الوصول إلى مجلس تأسيسي متنوّع يستفيد من خِـبرات الكثير من الكفاءات الوطنية. فكانت النتيجة، قيام مجلس مُـغلق تتحكّـم في مصيره الأحزاب فقط. تشكيك، مرارة، خوف.. وخطوة نحو الديمقراطية الآن، يشعر التونسيون بأنهم قد دخلوا مرحلة جديدة ومثيرة، ستقودها وجوه وقِـوى سياسية مختلفة، كانت مهمشة من قبل. فالإسلاميون نقلتهم الإنتخابات من المعتقلات والملاجِـئ ومواقع الظل إلى مواقع المسؤولية والسلطة والنفوذ. لن يكونوا وحدهم بطبيعة الحال، حيث أكّـدوا بأنهم سيتعاونون مع البقية، لكنهم إن تنازلوا عن رئاسة الجمهورية لغيرهم (الباجي قايد السبسي أو أحمد المستيري أو مصطفى بن جعفر)، فإنهم يعتبرون بأن من حقِّـهم التمسّـك برئاسة الحكومة التي رشحوا لها المهندس حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة. وبقطع النظر عن نتائج المفاوضات، التي انطلقت مبكّـرا من أجل التوصل إلىتشكيل حكومة ائتلافية، فالمؤكّـد أن تونس قد بدأت تشقّ طريقها نحو الخُـطوة الأولى من بناء نظام ديمقراطي، رغم تشكيك البعض وشعور آخرين بالمرارة والخوف.

سويس إنفو

مشاركة مميزة