kolonagaza7
الاعلام العربي سلطوي، خذل الربيع ولم ينصر الخريف
توطئة
بتاريخ 18 ايلول المنصرم، اجرى الاديب والاعلامي العراقي الاستاذ عباس يوسف آل ماجد، حوارا لصالح جريدة (الشرق) البغدادية مع نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، عن تجربته مع السياسة والاعلام، بالاضافة الى رؤيته عن الاعلام العربي، وما اذا كان قد نجح في تبيين حقائق الثورات العربية التي اطاحت لحد الان بعدد من الانظمة السياسية الديكتاتورية الفاسدة.
كما جرى الحديث في هذا الحوار عن علاقة الاعلام بالحداثة، ومدى تاثر الاول بالاخير، بالاضافة الى الحديث عن رؤية الاعلام الاميركي المستقل عن المسلمين، ومدى التفاوت في هذه النظرة.
الجدير بالذكر ان جريدة (الشرق) نشرت نص الحوار اليوم الاحد (2 تشرين الاول 2011)
ادناه، نص الحوار:
السؤال الاول: متى بدات النشأة الثقافية للاستاذ نــــزار حيدر؟ وما هي الظروف التي دفعتكم الى تبني الاعلام والعمل السياسي؟.
الجواب: كانت البدايات مبكرة جدا، فمنذ نعومة اظفاري عشقت القراءة والمطالعة، الى جانب ذلك كنت احاول دائما ان افكر وانا اقرا، بمعنى انني لم اشا ان اكتفي بالقراءة او حفظ ما تمر عليه عيناي، وانما كنت اسعى دائما لان افكر فيما اقرا، وكان يدفعني الى ذلك حديث كنت قد قراته عن الصحابي الجليل والعظيم ابو ذر الغفاري رضي الله عنه، والذي يقول {كان اكثر عبادة ابي ذر رحمه الله التفكر والاعتبار} الى جانب حفظي للحديث الشريف عن رسول الله (ص) الذي يقول {تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة}.
ان اكثر الناس يكتفون بالقراءة والمطالعة وقليلون هم الذين يفكرون بما يقراونه، ومن الواضح جدا فان القسم الاول لا ينتجون فكرا وانما يحفظون او يرددون ما يقراونه، او كما يشبههم البعض بالملائكة النقالة، فهم لا يجيدون الا نقل آراء من يقرؤون لهم، اما القسم الثاني فهم الذين بامكانهم ان ينتجوا فكرا اذا ما قرروا ذلك، لان التفكر ينشط العقل ويثيره لانتاج الافكار، ولذلك فان القران الكريم كثيرا ما يستخدم عبارة (يتفكرون) في اشارة الى اهمية التفكير وضرورته الحيوية.
وبالتفكر يحيا الانسان وليس بالقراءة او الحفظ، فالانسان الذي يفكر او يتفكر في الامور هو الذي يميز صحيح الامور من سقيمها، وبالتالي فهو بالتفكر يرتب اثرا ما على ما يقرا، اما الذي لا يفكر فانه لا يرتب شيئا على ما يقرأه، او انه يقلد غيره فقط، ولذلك فهو كما يحمل اسفارا او ينقل كتبا لا غير.
ولقد لخص امير المؤمنين عليه السلام ذلك بقوله {اعقلوا الخبر اذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فان رواة العلم كثير، ورعاته قليل}.
ان طريقة القراءة والمطالعة التلقينية، تضر اكثر مما تنفع، ولذلك اكتشف التربويون في اكثر من بلد عربي، وبعد عقود طويلة من الزمن، ان طريقة التعليم في المدارس، وربما في المعاهد والجامعات، فاشلة لانها تعتمد طريقة التلقين، ولهذا السبب يجب ان نغير من طريقة التعليم والقراءة والمطالعة، ونستبدلها بالطرق التعليمية الحديثة المنتشرة اليوم في العالم المتحضر.
من جانب آخر، فلقد اعتمدت طريقة قراءتي ومطالعاتي على اساسين مهمين، هما:
الف: ان لا احمل في ذهني حكما مسبقا لما ساقراه، ولمن ساقرا، ولذلك لم اشا يوما ان اضع خطا احمر على كتاب او كاتب، ولهذا السبب تنوعت قراءاتي ان بنوعية الكتاب او بنوعية الكاتب.
ان الاحكام المسبقة تحول عادة بين المرء وبين الاستيعاب وتاليا التفكر.
كما ان الالتزام بقراءة نوع معين من الكتب او الكتاب، بتشديد التاء، يحبس العقل في صندوق قلما يتحرر منه المرء، كما ان القراءة احادية البعد تسلب من المرء القابلية على ضرب الافكار ببعضها لاستنتاج افضلها.
باء: لم اشا يوما ان اضع خطوطا حمراء على ما افكر فيه، فليس عندي مناطق لا مفكر فيها، بل على العكس، احاول دائما ان اقتحم اللامفكر فيه، بغض النظر عما اذا كنت ساعلن النتائج التي توصلت اليها ام لا؟ فذلك امر آخر يعتمد الزمان والمكان والظرف، ولذلك قيل (لكل مقام مقال) الا ان الشئ المهم هو انني اسعى دائما الى ان افكر في كل شئ، الامر الذي ساعدني، ربما، في انتاج الافكار الجديدة، ويبقى الحكم هو القارئ وليس انا.
هذان الاساسان علماني ان لا امسك القلم لاكتب الا اذا كان عندي شيئا جديدا ساكتبه، محاولا تحاشي التكرار والاجترار وتقليد الاخرين او حتى الكتابة الانشائية، فالكاتب اذا لم يكن لديه جديدا يقوله، فان من الافضل له ان يلجم قلمه من ان يكتب اي شئ.
على الكاتب الحقيقي ان يفكر كيف يترك بصمة على الواقع الثقافي بكل مقال او بحث يكتبه، وهذا يتطلب منه ان يسعى لتكون كتاباته نوعية وليست كمية، ولا يمكنه ذلك الا اذا كانت قراءاته اكثر من كتاباته.
ولقد زاد اهتمامي بالقراءة عندما تعرفت في نهايات العام 1971 الى اخي المجاهد البطل والشجاع والشهيد السعيد السيد قاسم هادي السندي رحمه الله (اعدمه نظام الطاغية الذليل مع زوجته وشقيقين وشقيقتين) والذي كان معروفا عنه انه يحب الكتاب حبا جما ويعشق القراءة بشكل غريب، فنشا مثقفا ومتعلما وخلوقا، الامر الذي ميزه عن الكثير من اقرانه في ذلك الوقت.
لقد رعاني الشهيد ثقافيا وفكريا، فعلمني كيف اقرا وكيف اختار الكتاب المفيد وكيف استوعب المادة الفكرية او الثقافية التي اقراها؟ وكيف اناقش الفكرة من دون تعصب او تزمت؟ وكيف احاور معتمدا على قوة المنطق؟ وكل ذلك، على الرغم من صغر عمري، الذي يدفع بصاحبه عادة الى اللعب واللهو، الا ان مزاملتي للشهيد علمتني الجدية في الحياة وكيف استغل فرصة العمر التي يلزم ان لا اضيعها بالتوافه من الامور.
لقد كان الشهيد وقتها يدس الي الكتاب بشكل سري، خشية رصد عيون ازلام النظام لنا، والذي كان يحارب الكتاب ويمنع القراءة الا بما يفرضه على المجتمع فرضا، فلم يكن النظام يمنح الناس حرية القراءة وحرية اختيار الكتاب او المجلة او الصحيفة التي يتصور انها مفيدة اكثر من غيرها، بل كان يفرض علينا حتى الصورة والكلمة والخبر، فكان يستخدم احدث الاجهزة للتشويش على الاذاعات الاجنبية، كما انه كان يمنع الكتاب المفيد عن المكتبات، خاصة في مدينتي كربلاء المقدسة التي كان يعتبرها النظام مصدر قلق وازعاج دائمين له.
ولا انسى هنا ما كان لعلاقتي المتميزة بخالي الكبير وقتها من تاثير على اهتمامي بالقراءة والذي تعلمت منه الجدية والمثابرة والقراءة والمطالعة، عندما كان يدفع لي باعداد مجلة (العربي) الكويتية التي كان يحتفظ بها من دون ان يفلت منها حتى عدد واحد، ولقد ساعدني الاستمرار في مطالعتها على توسيع آفاق المعرفة لدي بشكل كبير، لما كانت تحويه وقتها من ابحاث وتحقيقات وحوارات غنية بالمعلومات والمعارف وفي شتى المجالات.
وفي ذلك الوقت كنت كثير التردد على المكتبة المركزية في المحافظة، والتي كانت قريبة جدا من بيتنا، وهي كانت ثرية بالكتب الثقافية والادبية.
حتى اذا بدات حياتي الجامعية في جامعة السليمانية عام 1976 حاولت ان ابدا بالكتابة بعد ان شعرت بالقدرة على ذلك لما تجمع عندي من مخزون ثقافي ومعرفي وجدته مناسبا اذا شرعت بالكتابة، وبالفعل فلقد كتبت وقتها اول خمسة مقالات نشرت جميعها في مجلة (الاوراق الثائرة) السرية التي كانت تصدرها الحركة الاسلامية آنئذ، والتي كان يشرف عليها ويصدرها الشهيد البطل فلاح عبد الكريم القباني الذي كان يسهر الليل ليستنسخها بخط يده الجميل، اذ لم يكن يمتلك وقتها آلة طابعة او استنساخ، في وكره السري في العاصمة بغداد.
ولقد باشرت في الكتابة السرية لانني لم افكر حتى لحظة واحدة في ان اكتب في صحف النظام، لانني كنت اشعر بمدى عمق التناقض بين ما اؤمن واعتقد به من افكار وآراء ومنهج، وبين ما كان يروج له اعلام النظام الذي كان استبداديا وديكتاتوريا ومشخصنا يسعى لصناعة ديكتاتور ويكرس مفهوم عبادة الشخصية بامتياز كما هو معروف.
وواصلت الكتابة في الصحافة السرية، حتى اشتد الخناق علينا بسبب التصعيد الامني الذي بداه النظام ضد كل من تشم منه رائحة المعارضة له، وذلك ابان وصول الطاغية الذليل الى السلطة في 17 تموز عام 1979 مما اضطرتني الظروف الامنية القاسية بعد اقل من عام الى ان اترك العراق مهاجرا الى حيث ارض الله الواسعة، وذلك في العام 1980 بحثا عن الحرية وعن الظرف الذي يمكنني من مواصلة المشوار.
وعلى الرغم من ان عيون النظام كانت تلاحقنا في بلاد الهجرة اينما حللنا وارتحلنا، فكان يغتال من يظفر به او يختطفه الى بغداد بالحقيبة الدبلوماسية، كما حصل ذلك لكثيرين، او على الاقل يدس اليه السم عن طريق ازلامه ليشله عن الحركة كما حصل ذلك للاخ المجاهد والبطل صادق الشكرجي في السويد في العام 1982 والذي لا زال يعاني من آثار ذلك السم، الا انني، وبفضل الله تعالى علي، نجحت في الاستمرار في نشاطي الاعلامي والسياسي، وبالكتابة الى يومنا هذا، ومنه تعالى المنة والفضل.
هذا على صعيد الكتابة، اما على صعيد السياسة، فلقد اثرت في شخصيتي لقطتان لا اعتقد بانني سانساهما ما حييت.
اللقطة الاولى، كانت في العام 1963، وكان عمري وقتها اربع سنوات فقط، عندما اصطحبتني والدتي رحمها الله الى خارج المنزل لبعض شؤونها، فمررنا على صبية يسحلون تمثالا للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كان قد اسقطه الناس على الارض.
وقتها لم افهم ماذا يعني هذا، الا ان الصورة تفاعلت في ذهني لتتحول بمرور الايام الى تساؤل عريض جدا عن سبب اسقاط تمثال من كان الى الامس القريب الزعيم الاوحد الذي يرى الناس صورته في القمر وفي السماء وفي كل مكان، فما الذي جرى ليعامل تمثاله بهذه الطريقة المزرية، فما بالك بشخصه؟.
اما اللقطة الثانية، فكانت في العام 1968، وقد كان عمري وقتها تسعة اعوام فقط، وتحديدا صبيحة السابع عشر من تموز من ذلك العام، عندما اضطر والدي رحمه الله الى ان يعود بي الى المنزل ولم نذهب الى المحل، وعندما سالته عن السبب اجابني بان انقلابا عسكريا حصل في بغداد، وعلينا ان لا نذهب اليوم الى المحل بل يجب على الجميع ان يمكثوا في منازلهم، واضاف قائلا: الله يستر.
وقتها، كذلك، لم افهم معنى كلمة (الانقلاب العسكري) ولماذا يجب ان نمكث في المنزل اذا حصل مثل هذا الامر، لاعرف فيما بعد بان (الانقلاب العسكري) يعني ان ثلة من اللصوص المسلحين يقتحمون القصر الجمهوري ليسرقوا البلد وما فيه، ومن ثم ليفرضوا ارادتهم على الناس بالحديد وبالقوة والقتل والملاحقة والاعدام والسجن.
لم يمر وقت طويل الا وقد وجدت نفسي في معمعة العمل السري اجاهد واناضل ضد الاستبداد والديكتاتورية، ولذلك حديث آخر طويل طويل، ارجو ان يسعفني الوقت في يوم من الايام لارويه كتجربة مواطن عراقي مع الديكتاتورية.
هاتان اللقطتان ساهمتا في صياغة حالة من التمرد على الظلم والديكتاتورية والاستبداد والعدوان في نفسي، فتحول هذا التمرد الى ثقافة ووعي وادراك في شخصيتي، بلورها وحدد وجهتها انتمائي الى صفوف الحركة الاسلامية المجاهدة في بدايات العام 1972.
ومنذ ذلك الحين وانا اناضل ضد نظام الطاغية الذليل صدام حسين حتى سقوط الصنم في بغداد الحبيبة في التاسع من نيسان عام 2003، والحمد لله الذي اراني نتيجة ما ناضلت من اجله.
السؤال الثاني: هل واجهتم صعوبات في بدايات النشاط الاعلامي؟ وما هي ابرزها؟.
الجواب: بالتاكيد، ففي ظل نظام استبدادي ديكتاتوري شمولي يعد انفاس الناس ويكمم الافواه ويمنع الكتاب ويصادر حرية الراي وحرية القراءة وحرية اختيار الكتاب، في ظل مثل هذه الاجواء البوليسية، كان من الصعب جدا، ان لم يكن من المستحيل، على الانسان ان يختار العمل في مجال الفكر والثقافة والاعلام، الا ان الاصرار والعزيمة واعتماد مبدا ان الكتابة مسؤولية اولا وقبل اي شئ آخر، الى جانب حب الثقافة والفكر والكتابة لدرجة الوله، حال دون الاستسلام للظروف القاسية.
لقد حكم العراق نظام قرر ان تكون فيه عقوبة حمل الكتاب او حمل القنبلة اليدوية سيان، وهو الاعدام، وتصفية اقارب المعدوم الى الدرجة الثالثة وربما اكثر، ولك ان تتخيل مدى عظمة التحدي الذي كان سيواجهه المرء اذا ما قرر ان يتبنى منهج الفكر والثقافة والكتابة فما بالك بالاعلام؟ فلقد كان المرء امام احد خيارين لا ثالث لهما، فاما ان ينخرط في جوقة المطبلين للنظام، او ان يحافظ على سرية عمله فينخرط في صفوف الحركات السرية.
وانني اتذكر جيدا وقتها كيف كنا ايام الدراسة الجامعية نحاول ان نتشكل كعصبة من المثقفين فينا الكاتب وفينا الاديب وفينا الشاعر كالشهيد البطل علي الرماحي رحمه الله، والذي قض مضاجع ازلام النظام وقتها بشعره الشجاع، نتبادل الكتاب والمعلومة ونتداول الافكار، وكان الامر الذي يجمعنا هو اننا ضد النظام الديكتاتوري، فلم يشأ اي احد منا ان يتعامل معه ابدا، فلم يرد في بالنا ان نكتب في وسائله الاعلامية على الرغم من الاغراءات الكبيرة جدا التي كان يقدمها لمن يمدحه ببيت من الشعر مثلا او بمقال او ما اشبه، الا ان مبدئيتنا وشجاعتنا في آن هي التي حرضتنا على مقاطعة الطاغوت وعدم الانخراط في وسائله الاعلامية ولو بشق كلمة، فكنا كعصبة نسعى لملء الفراغ فيما بيننا.
وكنا وقتها نحصل على الكتاب المطلوب بشق الانفس، كما كنا نحرص على ان لا تتسرب منا قصاصة فيها بيت شعر مثلا او مقال او قطعة نثرية او اي شئ آخر لان مثل ذلك يعني نهاية الواحد منا، بل ربما كلنا اذا ما انهار احدنا تحت سياط التعذيب في غياهب السجون، كما حصل ذلك لكثيرين.
السؤال الثالث: ما هو تقييمك الحالي للاعلام في العراق مقارنة بالعقدين الماضيين؟.
الجواب: ليس هناك من وجه مقارنة ابدا، فالعراق منذ سقوط الصنم احتضن محاولات عديدة ورائعة في مجال الاعلام، فعلى الرغم من عظم التحديات التي تواجهه حاليا، والتي يمكن قراءته من خلال قافلة الشهداء الابطال الذين سقوا شجرة الاعلام الحر عبر الموقف الشجاع والكلمة الحرة والراي الجرئ، مع كل ذلك، الا ان الاعلام الحر سجل تقدما مشهودا ولايزال.
الا انني اخشى ما اخشاه على الاعلام في العراق الجديد هو تاميمه من قبل مؤسسات الدولة والاحزاب واصحاب النفوذ، وهو الامر الذي سيدمره اذا ما تم، ولذلك يجب علينا جميعا ان ننتبه الى خطورة هذا الامر، والسعي للحفاظ على الاعلام حرا غير مؤمم وغير خاضع لاحد، الا للضمير.
ان مما لا شك فيه هو ان في العراق اليوم متسع كبير جدا لحرية التعبير عن الراي، على الرغم من كواتم الصوت وحمايات المسؤولين، الا ان الاصرار والعزيمة على ان يبني العراقيون تجربة جديدة في الاعلام الحر، ستنتصر في نهاية المطاف على سلطة الكاتم، الذي ليس بوسعه ان يفعل ما فعله الطاغية الذليل في اصحاب الاقلام الحرة والنزيهة، فاين الطاغية واين القلم الحر؟.
ان سلطة القلم ستفرض ارادتها في نهاية المطاف رغما عن انف الكاتم واليد التي تمسك به وتحركه وتحرض عليه، فمهما تفرعنت الاخيرة، فانها ستنهزم امام سلطة الكلمة الحرة والقلم الشجاع والراي السديد.
السؤال الرابع: بمن تاثرت من الاعلاميين؟.
الجوب: لم اتاثر باحد على وجه التحديد، فلقد اتبعت طريقة في تنمية قدراتي الاعلامية والكتابية قد تختلف مع ما يتبعه الناشئون في مجال الكتابة والاعلام، عادة.
ولقد اعتمدت طريقتي هذه التي انتهجتها في بداية مشواري في الكتابة والاعلام على امرين:
الاول؛ هو المتابعة اليومية المكثفة لعشرات المقالات المترجمة من مختلف اللغات ولمختلف وسائل الاعلام العالمية، والتي تفرد لها بعض الصحف العربية اليومية عادة صفحتين او اكثر.
فكنت اقرا يوميا واتابع هذه المقالات المترجمة لوسائل اعلام اميركية وبريطانية وفرنسية ويابانية وروسية وصينية وتركية واسبانية ولبنانية ومصرية ومن مختلف الدول، وبينها مقالات منشورة في الصحف اليومية او في المجلات الشهرية او البحثية او في وكالات الانباء او في محطات التلفزة او غيرها.
وكنت عندما اطالع هذه المقالات لا اركز على المادة بقدر تركيزي على الاسلوب، اسلوب الكتابة، الامر الذي اكسبني خبرة متنوعة ومتراكمة على صعيد فن الكتابة.
بعبارة اخرى، فانا بهذه الطريقة تعلمت فن الكتابة (العالمية) ان صح التعبير، والذي اضفت اليه الخصوصيات الشرقية التي لا مناص منها.
الثاني؛ هو ملازمتي لكتاب نهج البلاغة لسيد البلغاء وامير البلاغة علي بن ابي طالب عليه السلام، فمنذ ان قرات النص المدرسي عندما كنا طلابا في المتوسطة، على ما اظن، بعنوان (ضرار يصف عليا) كمقطوعة بلاغية يحفظها الطلاب، وانا الازم نهج البلاغة كملازمة الظل لصاحبه.
والى هذه اللحظة فان نهج البلاغة لم يفارقني ابدا، فانا كثير القراءة فيه وبشكل يومي، وليس غريبا ابدا ان اكتشف يوميا في كل نص او حتى في كل قول من اقوال الامام شيئا جديدا في فن صياغة الجمل وبلاغة الكلمات، على الرغم من انني ربما مررت على هذا النص او القول عشرات وربما مئات المرات، الا ان الامر العظيم في النهج هو انه كالشمس يشرق يوميا على الحياة بلا ملل او تكرار ابدا.
ولقد تعلمت من ملازمتي للنهج الكثير من البلاغة والادب والاسلوب احاول دائما ان اوظفها في الكتابة، فضلا عن الخطابة.
السؤال الخامس: باعتبارك مديرا لمركز الاعلام العراقي في واشنطن، ما هي نظرة الاعلام الاميركي المستقل للمسلمين؟ وهل يوجد تباينا في ذلك؟.
الجواب: الاعلام الاميركي كاي اعلام آخر ينقسم الى ثلاثة اقسام، وهي الاعلام المنحاز او العدائي، والاعلام المحايد، والاعلام المناصر.
ولقد اتضحت هذه الاقسام من الاعلام الاميركي بعد احداث الحادي عشر من ايلول بشكل واضح، على اعتبار ان الحدث كان فرصة للمعنيين من اجل:
اما استغلاله للطعن بالاسلام وهو ما يفعله اعلام التيارات المتطرفة، لدرجة ان احدى المحطات الاذاعية المشهورة تتعامل مع المسلمين واخبارهم بحقد لا مثيل له، ولقد اسميتهم ذات مرة بانهم (تنظيم القاعدة) الاميركي على صعيد الاعلام.
او من اجل توظيف الحدث بطريقة من الطرق لتعميق فكرة الحوار بين الاديان والحضارات، وهو الذي يفعله اعلام التيارات المعتدلة التي تحرص على ان لا يصل الامر في العلاقة بين الاديان الى مرحلة الصدام، ليس بالضرورة بسبب ايمانها بالاسلام كدين سماوي، وانما من باب ان مصلحة الولايات المتحدة الاميركية تقتضي ان لا يحدث مثل هذا الصدام بين الشرق والغرب، لانه سوف لن يكون لصالح احد من الفرقاء، خاصة الغرب الذي سيخسر الكثير اذا ما خسر الشرق.
السؤال السادس: هل تمكن الاعلام العربي من اعطاء الصورة الحقيقية للثورات التي حدثت في كل من تونس ومصر وليبيا والبحرين؟.
الجواب: لقد اثبت الاعلام العربي وبشكل لا يدع مجالا للشك من انه اعلام سلطوي بامتياز مهما حاول ان يظهر بالاستقلالية، كما اثبت انه اعلام غبي لدرجة كبيرة.
انه اعلام سلطوي يتعامل مع الحدث بقرار سياسي من الدولة التي ترعاه ان لم تكن تمتلكه، ولذلك رايناه كيف تعامل مع هذه الثورات بازدواجية مفرطة، فهو قد تعامل بطائفية مع ثورة وبقيم الديمقراطية مع اخرى، كما انه استنفر كل قواه مع ثورة، فيما اغمض عينيه ازاء اخرى.
انه توسل بالكذب والتزوير وما يسمونه بالدعاية السوداء لتمرير الاجندات السياسية للمالك او الراعي.
ولذلك فان الاعلام العربي فقد ما كان قد بقي من مصداقيته، لدرجة ان بعضه خسر حتى اقرب العاملين فيه، عندما اكتشفوا اخيرا اليد الخفية التي تحرك خيوطه، وكيف انهم كانوا العوبة رخيصة بيد تلك الخيوط الخفية، ينفذون اجنداتها من حيث لا يشعرون او بسبب اغراء المال والجاه.
كما انه خسر الكثير من الشارع بعد ان اكتشفت الشعوب العربية كيف انه يحاول ان يوظف ثوراتها لصالح صراعات سياسية بين هذا النظام العربي او ذاك، فهو لم يتعامل مع الثورات كحدث انساني تاريخي يسعى لتغيير وجه العالم العربي المسكون بالنظام السياسي العربي الفاسد بنظام ديمقراطي يعتمد الحرية والكرامة والشفافية والتنمية في بناء البلدان.
لقد خذل هذا الاعلام الربيع العربي بشكل مخزي، وسيكتب التاريخ كيف انه فشل في تسويق الربيع العربي بقيمه الانسانية العظيمة، كما ان التاريخ سيدون كيف ان هذا الاعلام تورط بدماء الشعوب العربية التي حاولت ان يكون ربيعها ابيضا، سلميا، الا ان الاعلام ورطها بالدم فسال انهارا.
لقد ظن هذا الاعلام بانه سينصر الخريف العربي، واقصد به النظام السياسي العربي الفاسد، اذا ما خذل الشعوب وثوراتها، الا ان الحقيقة الدامغة ظهرت للعيان بلا نقاش، عندما تبين لكل ذي عينين بان هذا الاعلام الذي خذل الربيع العربي فشل في نصرة الانظمة، وها هي الان تتهاوى الواحد تلو الاخر.
لقد ظن هذا الاعلام بانه سيتمكن من اخماد جذوة ثورة شعب البحرين البطل على الاسرتين الفاسدتين آل سعود وآل خليفة، اذا ما تحزب ضده، الا انه فوجئ باستمرار الثورة على الرغم من كل هذا التعتيم والحصار الاعلامي المرعب، الى جانب القمع الوحشي الذي تمارسه قوات الاسرتين الفاسدتين ضد تطلعات الشعب المسالم والحضاري.
ولعل من سمات الربيع العربي هو انه لم يسقط النظام السياسي العربي فحسب، وانما سيسقط كذلك، الاعلام العربي الفاسد بالاضافة الى المؤسسة الدينية الفاسدة هي الاخرى، ولذلك فانا على يقين من ان هذا الربيع سيبني اعلاما حضاريا انسانيا جديدا على انقاض الاعلام السلطوي الفاسد، كما يفعل العراقيون اليوم منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003.
السؤال السابع: هل يتاثر الاعلام بالحداثة؟ وما هو مدى هذا التاثر؟.
الجواب: ان اعلاما لا يتاثر بالحداثة لهو اعلام متخلف ومتقهقر ابدا، وهل يمكن ان لا يتاثر الاعلام بالحداثة؟.
ان الاعلام الذي يتشكل من شيئين، المادة والاداة، يتاثر بالحداثة بشكل كبير ومتسارع، ففي ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة، يكون الاعلام في مهب التاثر لا اراديا، ان صح التعبير.
على صعيد المادة، فان الاعلام الذي يستعصي على عملية تطوير المحتوى، ان بالمادة الصحفية او الصورة او الوثيقة او الاسلوب او ما الى ذلك، فان من الصعب عليه ان يحتفظ بمتلقيه، خاصة وانه يعيش تنافسا عظيما مع كم هائل من وسائل الاعلام الاخرى.
على صعيد الاداة، فان عليه كذلك ان يكون دائم البحث عن الاحدث في كل شئ، من خلال توظيف التطور التكنلوجي المذهل الذي يشهده العالم اليوم.
وبهذه المناسبة، فانا اعتقد ان على الاعلام العراقي ان يكتسب المهارات اللازمة على الصعيدين معا، من اجل ان ينجح في سوق المنافسة والا فانه سيجد نفسه عاجلا وقد طرد من حلبة المنافسة والصراع شاء ذلك ام ابى.
ان على الدولة العراقية ان تساهم في تحقيق ذلك، من خلال تعبيد الطريق امام الاعلاميين وتسهيل الامور لهم ليتمكنوا من اكتساب المهارات سواء في داخل العراق او خارجه، فالاعلام عصب التنافس اليومي الذي تمر به الدولة العراقية، فاذا نجح الاعلام الوطني تمكنت الدولة من بناء نفسها، والعكس هو الصحيح، فاذا فشل هذا الاعلام، فهذا يعني ان الدولة ستفشل، لان اعلام الاخر ليبذل كل ما في وسعه من اجل افشالها وافشال كل التجربة العراقية الجديدة الرامية الى بناء نظام ديمقراطي لا مركزي وتعددي، يعتمد حرية الاختيار لدى المواطن كمقياس للتداول السلمي للسلطة.
اخيرا: اشكر الاخ والزميل العزيز الاستاذ عباس يوسف آل ماجد، لاجرائه هذا الحورا الذي فسح لي المجال لاتحدث فيه عن جوانب من تجربتي الخاصة في مجالي الاعلام والسياسة، بالاضافة الى امور اخرى، اتمنى ان تكون محل اهتمامات القارئ الكريم.
وما توفيقي الا بالله العلي العظيم، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
2 تشرين الاول 2011مع الشكر والتقدير سلفا
توطئة
بتاريخ 18 ايلول المنصرم، اجرى الاديب والاعلامي العراقي الاستاذ عباس يوسف آل ماجد، حوارا لصالح جريدة (الشرق) البغدادية مع نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، عن تجربته مع السياسة والاعلام، بالاضافة الى رؤيته عن الاعلام العربي، وما اذا كان قد نجح في تبيين حقائق الثورات العربية التي اطاحت لحد الان بعدد من الانظمة السياسية الديكتاتورية الفاسدة.
كما جرى الحديث في هذا الحوار عن علاقة الاعلام بالحداثة، ومدى تاثر الاول بالاخير، بالاضافة الى الحديث عن رؤية الاعلام الاميركي المستقل عن المسلمين، ومدى التفاوت في هذه النظرة.
الجدير بالذكر ان جريدة (الشرق) نشرت نص الحوار اليوم الاحد (2 تشرين الاول 2011)
ادناه، نص الحوار:
السؤال الاول: متى بدات النشأة الثقافية للاستاذ نــــزار حيدر؟ وما هي الظروف التي دفعتكم الى تبني الاعلام والعمل السياسي؟.
الجواب: كانت البدايات مبكرة جدا، فمنذ نعومة اظفاري عشقت القراءة والمطالعة، الى جانب ذلك كنت احاول دائما ان افكر وانا اقرا، بمعنى انني لم اشا ان اكتفي بالقراءة او حفظ ما تمر عليه عيناي، وانما كنت اسعى دائما لان افكر فيما اقرا، وكان يدفعني الى ذلك حديث كنت قد قراته عن الصحابي الجليل والعظيم ابو ذر الغفاري رضي الله عنه، والذي يقول {كان اكثر عبادة ابي ذر رحمه الله التفكر والاعتبار} الى جانب حفظي للحديث الشريف عن رسول الله (ص) الذي يقول {تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة}.
ان اكثر الناس يكتفون بالقراءة والمطالعة وقليلون هم الذين يفكرون بما يقراونه، ومن الواضح جدا فان القسم الاول لا ينتجون فكرا وانما يحفظون او يرددون ما يقراونه، او كما يشبههم البعض بالملائكة النقالة، فهم لا يجيدون الا نقل آراء من يقرؤون لهم، اما القسم الثاني فهم الذين بامكانهم ان ينتجوا فكرا اذا ما قرروا ذلك، لان التفكر ينشط العقل ويثيره لانتاج الافكار، ولذلك فان القران الكريم كثيرا ما يستخدم عبارة (يتفكرون) في اشارة الى اهمية التفكير وضرورته الحيوية.
وبالتفكر يحيا الانسان وليس بالقراءة او الحفظ، فالانسان الذي يفكر او يتفكر في الامور هو الذي يميز صحيح الامور من سقيمها، وبالتالي فهو بالتفكر يرتب اثرا ما على ما يقرا، اما الذي لا يفكر فانه لا يرتب شيئا على ما يقرأه، او انه يقلد غيره فقط، ولذلك فهو كما يحمل اسفارا او ينقل كتبا لا غير.
ولقد لخص امير المؤمنين عليه السلام ذلك بقوله {اعقلوا الخبر اذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فان رواة العلم كثير، ورعاته قليل}.
ان طريقة القراءة والمطالعة التلقينية، تضر اكثر مما تنفع، ولذلك اكتشف التربويون في اكثر من بلد عربي، وبعد عقود طويلة من الزمن، ان طريقة التعليم في المدارس، وربما في المعاهد والجامعات، فاشلة لانها تعتمد طريقة التلقين، ولهذا السبب يجب ان نغير من طريقة التعليم والقراءة والمطالعة، ونستبدلها بالطرق التعليمية الحديثة المنتشرة اليوم في العالم المتحضر.
من جانب آخر، فلقد اعتمدت طريقة قراءتي ومطالعاتي على اساسين مهمين، هما:
الف: ان لا احمل في ذهني حكما مسبقا لما ساقراه، ولمن ساقرا، ولذلك لم اشا يوما ان اضع خطا احمر على كتاب او كاتب، ولهذا السبب تنوعت قراءاتي ان بنوعية الكتاب او بنوعية الكاتب.
ان الاحكام المسبقة تحول عادة بين المرء وبين الاستيعاب وتاليا التفكر.
كما ان الالتزام بقراءة نوع معين من الكتب او الكتاب، بتشديد التاء، يحبس العقل في صندوق قلما يتحرر منه المرء، كما ان القراءة احادية البعد تسلب من المرء القابلية على ضرب الافكار ببعضها لاستنتاج افضلها.
باء: لم اشا يوما ان اضع خطوطا حمراء على ما افكر فيه، فليس عندي مناطق لا مفكر فيها، بل على العكس، احاول دائما ان اقتحم اللامفكر فيه، بغض النظر عما اذا كنت ساعلن النتائج التي توصلت اليها ام لا؟ فذلك امر آخر يعتمد الزمان والمكان والظرف، ولذلك قيل (لكل مقام مقال) الا ان الشئ المهم هو انني اسعى دائما الى ان افكر في كل شئ، الامر الذي ساعدني، ربما، في انتاج الافكار الجديدة، ويبقى الحكم هو القارئ وليس انا.
هذان الاساسان علماني ان لا امسك القلم لاكتب الا اذا كان عندي شيئا جديدا ساكتبه، محاولا تحاشي التكرار والاجترار وتقليد الاخرين او حتى الكتابة الانشائية، فالكاتب اذا لم يكن لديه جديدا يقوله، فان من الافضل له ان يلجم قلمه من ان يكتب اي شئ.
على الكاتب الحقيقي ان يفكر كيف يترك بصمة على الواقع الثقافي بكل مقال او بحث يكتبه، وهذا يتطلب منه ان يسعى لتكون كتاباته نوعية وليست كمية، ولا يمكنه ذلك الا اذا كانت قراءاته اكثر من كتاباته.
ولقد زاد اهتمامي بالقراءة عندما تعرفت في نهايات العام 1971 الى اخي المجاهد البطل والشجاع والشهيد السعيد السيد قاسم هادي السندي رحمه الله (اعدمه نظام الطاغية الذليل مع زوجته وشقيقين وشقيقتين) والذي كان معروفا عنه انه يحب الكتاب حبا جما ويعشق القراءة بشكل غريب، فنشا مثقفا ومتعلما وخلوقا، الامر الذي ميزه عن الكثير من اقرانه في ذلك الوقت.
لقد رعاني الشهيد ثقافيا وفكريا، فعلمني كيف اقرا وكيف اختار الكتاب المفيد وكيف استوعب المادة الفكرية او الثقافية التي اقراها؟ وكيف اناقش الفكرة من دون تعصب او تزمت؟ وكيف احاور معتمدا على قوة المنطق؟ وكل ذلك، على الرغم من صغر عمري، الذي يدفع بصاحبه عادة الى اللعب واللهو، الا ان مزاملتي للشهيد علمتني الجدية في الحياة وكيف استغل فرصة العمر التي يلزم ان لا اضيعها بالتوافه من الامور.
لقد كان الشهيد وقتها يدس الي الكتاب بشكل سري، خشية رصد عيون ازلام النظام لنا، والذي كان يحارب الكتاب ويمنع القراءة الا بما يفرضه على المجتمع فرضا، فلم يكن النظام يمنح الناس حرية القراءة وحرية اختيار الكتاب او المجلة او الصحيفة التي يتصور انها مفيدة اكثر من غيرها، بل كان يفرض علينا حتى الصورة والكلمة والخبر، فكان يستخدم احدث الاجهزة للتشويش على الاذاعات الاجنبية، كما انه كان يمنع الكتاب المفيد عن المكتبات، خاصة في مدينتي كربلاء المقدسة التي كان يعتبرها النظام مصدر قلق وازعاج دائمين له.
ولا انسى هنا ما كان لعلاقتي المتميزة بخالي الكبير وقتها من تاثير على اهتمامي بالقراءة والذي تعلمت منه الجدية والمثابرة والقراءة والمطالعة، عندما كان يدفع لي باعداد مجلة (العربي) الكويتية التي كان يحتفظ بها من دون ان يفلت منها حتى عدد واحد، ولقد ساعدني الاستمرار في مطالعتها على توسيع آفاق المعرفة لدي بشكل كبير، لما كانت تحويه وقتها من ابحاث وتحقيقات وحوارات غنية بالمعلومات والمعارف وفي شتى المجالات.
وفي ذلك الوقت كنت كثير التردد على المكتبة المركزية في المحافظة، والتي كانت قريبة جدا من بيتنا، وهي كانت ثرية بالكتب الثقافية والادبية.
حتى اذا بدات حياتي الجامعية في جامعة السليمانية عام 1976 حاولت ان ابدا بالكتابة بعد ان شعرت بالقدرة على ذلك لما تجمع عندي من مخزون ثقافي ومعرفي وجدته مناسبا اذا شرعت بالكتابة، وبالفعل فلقد كتبت وقتها اول خمسة مقالات نشرت جميعها في مجلة (الاوراق الثائرة) السرية التي كانت تصدرها الحركة الاسلامية آنئذ، والتي كان يشرف عليها ويصدرها الشهيد البطل فلاح عبد الكريم القباني الذي كان يسهر الليل ليستنسخها بخط يده الجميل، اذ لم يكن يمتلك وقتها آلة طابعة او استنساخ، في وكره السري في العاصمة بغداد.
ولقد باشرت في الكتابة السرية لانني لم افكر حتى لحظة واحدة في ان اكتب في صحف النظام، لانني كنت اشعر بمدى عمق التناقض بين ما اؤمن واعتقد به من افكار وآراء ومنهج، وبين ما كان يروج له اعلام النظام الذي كان استبداديا وديكتاتوريا ومشخصنا يسعى لصناعة ديكتاتور ويكرس مفهوم عبادة الشخصية بامتياز كما هو معروف.
وواصلت الكتابة في الصحافة السرية، حتى اشتد الخناق علينا بسبب التصعيد الامني الذي بداه النظام ضد كل من تشم منه رائحة المعارضة له، وذلك ابان وصول الطاغية الذليل الى السلطة في 17 تموز عام 1979 مما اضطرتني الظروف الامنية القاسية بعد اقل من عام الى ان اترك العراق مهاجرا الى حيث ارض الله الواسعة، وذلك في العام 1980 بحثا عن الحرية وعن الظرف الذي يمكنني من مواصلة المشوار.
وعلى الرغم من ان عيون النظام كانت تلاحقنا في بلاد الهجرة اينما حللنا وارتحلنا، فكان يغتال من يظفر به او يختطفه الى بغداد بالحقيبة الدبلوماسية، كما حصل ذلك لكثيرين، او على الاقل يدس اليه السم عن طريق ازلامه ليشله عن الحركة كما حصل ذلك للاخ المجاهد والبطل صادق الشكرجي في السويد في العام 1982 والذي لا زال يعاني من آثار ذلك السم، الا انني، وبفضل الله تعالى علي، نجحت في الاستمرار في نشاطي الاعلامي والسياسي، وبالكتابة الى يومنا هذا، ومنه تعالى المنة والفضل.
هذا على صعيد الكتابة، اما على صعيد السياسة، فلقد اثرت في شخصيتي لقطتان لا اعتقد بانني سانساهما ما حييت.
اللقطة الاولى، كانت في العام 1963، وكان عمري وقتها اربع سنوات فقط، عندما اصطحبتني والدتي رحمها الله الى خارج المنزل لبعض شؤونها، فمررنا على صبية يسحلون تمثالا للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كان قد اسقطه الناس على الارض.
وقتها لم افهم ماذا يعني هذا، الا ان الصورة تفاعلت في ذهني لتتحول بمرور الايام الى تساؤل عريض جدا عن سبب اسقاط تمثال من كان الى الامس القريب الزعيم الاوحد الذي يرى الناس صورته في القمر وفي السماء وفي كل مكان، فما الذي جرى ليعامل تمثاله بهذه الطريقة المزرية، فما بالك بشخصه؟.
اما اللقطة الثانية، فكانت في العام 1968، وقد كان عمري وقتها تسعة اعوام فقط، وتحديدا صبيحة السابع عشر من تموز من ذلك العام، عندما اضطر والدي رحمه الله الى ان يعود بي الى المنزل ولم نذهب الى المحل، وعندما سالته عن السبب اجابني بان انقلابا عسكريا حصل في بغداد، وعلينا ان لا نذهب اليوم الى المحل بل يجب على الجميع ان يمكثوا في منازلهم، واضاف قائلا: الله يستر.
وقتها، كذلك، لم افهم معنى كلمة (الانقلاب العسكري) ولماذا يجب ان نمكث في المنزل اذا حصل مثل هذا الامر، لاعرف فيما بعد بان (الانقلاب العسكري) يعني ان ثلة من اللصوص المسلحين يقتحمون القصر الجمهوري ليسرقوا البلد وما فيه، ومن ثم ليفرضوا ارادتهم على الناس بالحديد وبالقوة والقتل والملاحقة والاعدام والسجن.
لم يمر وقت طويل الا وقد وجدت نفسي في معمعة العمل السري اجاهد واناضل ضد الاستبداد والديكتاتورية، ولذلك حديث آخر طويل طويل، ارجو ان يسعفني الوقت في يوم من الايام لارويه كتجربة مواطن عراقي مع الديكتاتورية.
هاتان اللقطتان ساهمتا في صياغة حالة من التمرد على الظلم والديكتاتورية والاستبداد والعدوان في نفسي، فتحول هذا التمرد الى ثقافة ووعي وادراك في شخصيتي، بلورها وحدد وجهتها انتمائي الى صفوف الحركة الاسلامية المجاهدة في بدايات العام 1972.
ومنذ ذلك الحين وانا اناضل ضد نظام الطاغية الذليل صدام حسين حتى سقوط الصنم في بغداد الحبيبة في التاسع من نيسان عام 2003، والحمد لله الذي اراني نتيجة ما ناضلت من اجله.
السؤال الثاني: هل واجهتم صعوبات في بدايات النشاط الاعلامي؟ وما هي ابرزها؟.
الجواب: بالتاكيد، ففي ظل نظام استبدادي ديكتاتوري شمولي يعد انفاس الناس ويكمم الافواه ويمنع الكتاب ويصادر حرية الراي وحرية القراءة وحرية اختيار الكتاب، في ظل مثل هذه الاجواء البوليسية، كان من الصعب جدا، ان لم يكن من المستحيل، على الانسان ان يختار العمل في مجال الفكر والثقافة والاعلام، الا ان الاصرار والعزيمة واعتماد مبدا ان الكتابة مسؤولية اولا وقبل اي شئ آخر، الى جانب حب الثقافة والفكر والكتابة لدرجة الوله، حال دون الاستسلام للظروف القاسية.
لقد حكم العراق نظام قرر ان تكون فيه عقوبة حمل الكتاب او حمل القنبلة اليدوية سيان، وهو الاعدام، وتصفية اقارب المعدوم الى الدرجة الثالثة وربما اكثر، ولك ان تتخيل مدى عظمة التحدي الذي كان سيواجهه المرء اذا ما قرر ان يتبنى منهج الفكر والثقافة والكتابة فما بالك بالاعلام؟ فلقد كان المرء امام احد خيارين لا ثالث لهما، فاما ان ينخرط في جوقة المطبلين للنظام، او ان يحافظ على سرية عمله فينخرط في صفوف الحركات السرية.
وانني اتذكر جيدا وقتها كيف كنا ايام الدراسة الجامعية نحاول ان نتشكل كعصبة من المثقفين فينا الكاتب وفينا الاديب وفينا الشاعر كالشهيد البطل علي الرماحي رحمه الله، والذي قض مضاجع ازلام النظام وقتها بشعره الشجاع، نتبادل الكتاب والمعلومة ونتداول الافكار، وكان الامر الذي يجمعنا هو اننا ضد النظام الديكتاتوري، فلم يشأ اي احد منا ان يتعامل معه ابدا، فلم يرد في بالنا ان نكتب في وسائله الاعلامية على الرغم من الاغراءات الكبيرة جدا التي كان يقدمها لمن يمدحه ببيت من الشعر مثلا او بمقال او ما اشبه، الا ان مبدئيتنا وشجاعتنا في آن هي التي حرضتنا على مقاطعة الطاغوت وعدم الانخراط في وسائله الاعلامية ولو بشق كلمة، فكنا كعصبة نسعى لملء الفراغ فيما بيننا.
وكنا وقتها نحصل على الكتاب المطلوب بشق الانفس، كما كنا نحرص على ان لا تتسرب منا قصاصة فيها بيت شعر مثلا او مقال او قطعة نثرية او اي شئ آخر لان مثل ذلك يعني نهاية الواحد منا، بل ربما كلنا اذا ما انهار احدنا تحت سياط التعذيب في غياهب السجون، كما حصل ذلك لكثيرين.
السؤال الثالث: ما هو تقييمك الحالي للاعلام في العراق مقارنة بالعقدين الماضيين؟.
الجواب: ليس هناك من وجه مقارنة ابدا، فالعراق منذ سقوط الصنم احتضن محاولات عديدة ورائعة في مجال الاعلام، فعلى الرغم من عظم التحديات التي تواجهه حاليا، والتي يمكن قراءته من خلال قافلة الشهداء الابطال الذين سقوا شجرة الاعلام الحر عبر الموقف الشجاع والكلمة الحرة والراي الجرئ، مع كل ذلك، الا ان الاعلام الحر سجل تقدما مشهودا ولايزال.
الا انني اخشى ما اخشاه على الاعلام في العراق الجديد هو تاميمه من قبل مؤسسات الدولة والاحزاب واصحاب النفوذ، وهو الامر الذي سيدمره اذا ما تم، ولذلك يجب علينا جميعا ان ننتبه الى خطورة هذا الامر، والسعي للحفاظ على الاعلام حرا غير مؤمم وغير خاضع لاحد، الا للضمير.
ان مما لا شك فيه هو ان في العراق اليوم متسع كبير جدا لحرية التعبير عن الراي، على الرغم من كواتم الصوت وحمايات المسؤولين، الا ان الاصرار والعزيمة على ان يبني العراقيون تجربة جديدة في الاعلام الحر، ستنتصر في نهاية المطاف على سلطة الكاتم، الذي ليس بوسعه ان يفعل ما فعله الطاغية الذليل في اصحاب الاقلام الحرة والنزيهة، فاين الطاغية واين القلم الحر؟.
ان سلطة القلم ستفرض ارادتها في نهاية المطاف رغما عن انف الكاتم واليد التي تمسك به وتحركه وتحرض عليه، فمهما تفرعنت الاخيرة، فانها ستنهزم امام سلطة الكلمة الحرة والقلم الشجاع والراي السديد.
السؤال الرابع: بمن تاثرت من الاعلاميين؟.
الجوب: لم اتاثر باحد على وجه التحديد، فلقد اتبعت طريقة في تنمية قدراتي الاعلامية والكتابية قد تختلف مع ما يتبعه الناشئون في مجال الكتابة والاعلام، عادة.
ولقد اعتمدت طريقتي هذه التي انتهجتها في بداية مشواري في الكتابة والاعلام على امرين:
الاول؛ هو المتابعة اليومية المكثفة لعشرات المقالات المترجمة من مختلف اللغات ولمختلف وسائل الاعلام العالمية، والتي تفرد لها بعض الصحف العربية اليومية عادة صفحتين او اكثر.
فكنت اقرا يوميا واتابع هذه المقالات المترجمة لوسائل اعلام اميركية وبريطانية وفرنسية ويابانية وروسية وصينية وتركية واسبانية ولبنانية ومصرية ومن مختلف الدول، وبينها مقالات منشورة في الصحف اليومية او في المجلات الشهرية او البحثية او في وكالات الانباء او في محطات التلفزة او غيرها.
وكنت عندما اطالع هذه المقالات لا اركز على المادة بقدر تركيزي على الاسلوب، اسلوب الكتابة، الامر الذي اكسبني خبرة متنوعة ومتراكمة على صعيد فن الكتابة.
بعبارة اخرى، فانا بهذه الطريقة تعلمت فن الكتابة (العالمية) ان صح التعبير، والذي اضفت اليه الخصوصيات الشرقية التي لا مناص منها.
الثاني؛ هو ملازمتي لكتاب نهج البلاغة لسيد البلغاء وامير البلاغة علي بن ابي طالب عليه السلام، فمنذ ان قرات النص المدرسي عندما كنا طلابا في المتوسطة، على ما اظن، بعنوان (ضرار يصف عليا) كمقطوعة بلاغية يحفظها الطلاب، وانا الازم نهج البلاغة كملازمة الظل لصاحبه.
والى هذه اللحظة فان نهج البلاغة لم يفارقني ابدا، فانا كثير القراءة فيه وبشكل يومي، وليس غريبا ابدا ان اكتشف يوميا في كل نص او حتى في كل قول من اقوال الامام شيئا جديدا في فن صياغة الجمل وبلاغة الكلمات، على الرغم من انني ربما مررت على هذا النص او القول عشرات وربما مئات المرات، الا ان الامر العظيم في النهج هو انه كالشمس يشرق يوميا على الحياة بلا ملل او تكرار ابدا.
ولقد تعلمت من ملازمتي للنهج الكثير من البلاغة والادب والاسلوب احاول دائما ان اوظفها في الكتابة، فضلا عن الخطابة.
السؤال الخامس: باعتبارك مديرا لمركز الاعلام العراقي في واشنطن، ما هي نظرة الاعلام الاميركي المستقل للمسلمين؟ وهل يوجد تباينا في ذلك؟.
الجواب: الاعلام الاميركي كاي اعلام آخر ينقسم الى ثلاثة اقسام، وهي الاعلام المنحاز او العدائي، والاعلام المحايد، والاعلام المناصر.
ولقد اتضحت هذه الاقسام من الاعلام الاميركي بعد احداث الحادي عشر من ايلول بشكل واضح، على اعتبار ان الحدث كان فرصة للمعنيين من اجل:
اما استغلاله للطعن بالاسلام وهو ما يفعله اعلام التيارات المتطرفة، لدرجة ان احدى المحطات الاذاعية المشهورة تتعامل مع المسلمين واخبارهم بحقد لا مثيل له، ولقد اسميتهم ذات مرة بانهم (تنظيم القاعدة) الاميركي على صعيد الاعلام.
او من اجل توظيف الحدث بطريقة من الطرق لتعميق فكرة الحوار بين الاديان والحضارات، وهو الذي يفعله اعلام التيارات المعتدلة التي تحرص على ان لا يصل الامر في العلاقة بين الاديان الى مرحلة الصدام، ليس بالضرورة بسبب ايمانها بالاسلام كدين سماوي، وانما من باب ان مصلحة الولايات المتحدة الاميركية تقتضي ان لا يحدث مثل هذا الصدام بين الشرق والغرب، لانه سوف لن يكون لصالح احد من الفرقاء، خاصة الغرب الذي سيخسر الكثير اذا ما خسر الشرق.
السؤال السادس: هل تمكن الاعلام العربي من اعطاء الصورة الحقيقية للثورات التي حدثت في كل من تونس ومصر وليبيا والبحرين؟.
الجواب: لقد اثبت الاعلام العربي وبشكل لا يدع مجالا للشك من انه اعلام سلطوي بامتياز مهما حاول ان يظهر بالاستقلالية، كما اثبت انه اعلام غبي لدرجة كبيرة.
انه اعلام سلطوي يتعامل مع الحدث بقرار سياسي من الدولة التي ترعاه ان لم تكن تمتلكه، ولذلك رايناه كيف تعامل مع هذه الثورات بازدواجية مفرطة، فهو قد تعامل بطائفية مع ثورة وبقيم الديمقراطية مع اخرى، كما انه استنفر كل قواه مع ثورة، فيما اغمض عينيه ازاء اخرى.
انه توسل بالكذب والتزوير وما يسمونه بالدعاية السوداء لتمرير الاجندات السياسية للمالك او الراعي.
ولذلك فان الاعلام العربي فقد ما كان قد بقي من مصداقيته، لدرجة ان بعضه خسر حتى اقرب العاملين فيه، عندما اكتشفوا اخيرا اليد الخفية التي تحرك خيوطه، وكيف انهم كانوا العوبة رخيصة بيد تلك الخيوط الخفية، ينفذون اجنداتها من حيث لا يشعرون او بسبب اغراء المال والجاه.
كما انه خسر الكثير من الشارع بعد ان اكتشفت الشعوب العربية كيف انه يحاول ان يوظف ثوراتها لصالح صراعات سياسية بين هذا النظام العربي او ذاك، فهو لم يتعامل مع الثورات كحدث انساني تاريخي يسعى لتغيير وجه العالم العربي المسكون بالنظام السياسي العربي الفاسد بنظام ديمقراطي يعتمد الحرية والكرامة والشفافية والتنمية في بناء البلدان.
لقد خذل هذا الاعلام الربيع العربي بشكل مخزي، وسيكتب التاريخ كيف انه فشل في تسويق الربيع العربي بقيمه الانسانية العظيمة، كما ان التاريخ سيدون كيف ان هذا الاعلام تورط بدماء الشعوب العربية التي حاولت ان يكون ربيعها ابيضا، سلميا، الا ان الاعلام ورطها بالدم فسال انهارا.
لقد ظن هذا الاعلام بانه سينصر الخريف العربي، واقصد به النظام السياسي العربي الفاسد، اذا ما خذل الشعوب وثوراتها، الا ان الحقيقة الدامغة ظهرت للعيان بلا نقاش، عندما تبين لكل ذي عينين بان هذا الاعلام الذي خذل الربيع العربي فشل في نصرة الانظمة، وها هي الان تتهاوى الواحد تلو الاخر.
لقد ظن هذا الاعلام بانه سيتمكن من اخماد جذوة ثورة شعب البحرين البطل على الاسرتين الفاسدتين آل سعود وآل خليفة، اذا ما تحزب ضده، الا انه فوجئ باستمرار الثورة على الرغم من كل هذا التعتيم والحصار الاعلامي المرعب، الى جانب القمع الوحشي الذي تمارسه قوات الاسرتين الفاسدتين ضد تطلعات الشعب المسالم والحضاري.
ولعل من سمات الربيع العربي هو انه لم يسقط النظام السياسي العربي فحسب، وانما سيسقط كذلك، الاعلام العربي الفاسد بالاضافة الى المؤسسة الدينية الفاسدة هي الاخرى، ولذلك فانا على يقين من ان هذا الربيع سيبني اعلاما حضاريا انسانيا جديدا على انقاض الاعلام السلطوي الفاسد، كما يفعل العراقيون اليوم منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003.
السؤال السابع: هل يتاثر الاعلام بالحداثة؟ وما هو مدى هذا التاثر؟.
الجواب: ان اعلاما لا يتاثر بالحداثة لهو اعلام متخلف ومتقهقر ابدا، وهل يمكن ان لا يتاثر الاعلام بالحداثة؟.
ان الاعلام الذي يتشكل من شيئين، المادة والاداة، يتاثر بالحداثة بشكل كبير ومتسارع، ففي ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة، يكون الاعلام في مهب التاثر لا اراديا، ان صح التعبير.
على صعيد المادة، فان الاعلام الذي يستعصي على عملية تطوير المحتوى، ان بالمادة الصحفية او الصورة او الوثيقة او الاسلوب او ما الى ذلك، فان من الصعب عليه ان يحتفظ بمتلقيه، خاصة وانه يعيش تنافسا عظيما مع كم هائل من وسائل الاعلام الاخرى.
على صعيد الاداة، فان عليه كذلك ان يكون دائم البحث عن الاحدث في كل شئ، من خلال توظيف التطور التكنلوجي المذهل الذي يشهده العالم اليوم.
وبهذه المناسبة، فانا اعتقد ان على الاعلام العراقي ان يكتسب المهارات اللازمة على الصعيدين معا، من اجل ان ينجح في سوق المنافسة والا فانه سيجد نفسه عاجلا وقد طرد من حلبة المنافسة والصراع شاء ذلك ام ابى.
ان على الدولة العراقية ان تساهم في تحقيق ذلك، من خلال تعبيد الطريق امام الاعلاميين وتسهيل الامور لهم ليتمكنوا من اكتساب المهارات سواء في داخل العراق او خارجه، فالاعلام عصب التنافس اليومي الذي تمر به الدولة العراقية، فاذا نجح الاعلام الوطني تمكنت الدولة من بناء نفسها، والعكس هو الصحيح، فاذا فشل هذا الاعلام، فهذا يعني ان الدولة ستفشل، لان اعلام الاخر ليبذل كل ما في وسعه من اجل افشالها وافشال كل التجربة العراقية الجديدة الرامية الى بناء نظام ديمقراطي لا مركزي وتعددي، يعتمد حرية الاختيار لدى المواطن كمقياس للتداول السلمي للسلطة.
اخيرا: اشكر الاخ والزميل العزيز الاستاذ عباس يوسف آل ماجد، لاجرائه هذا الحورا الذي فسح لي المجال لاتحدث فيه عن جوانب من تجربتي الخاصة في مجالي الاعلام والسياسة، بالاضافة الى امور اخرى، اتمنى ان تكون محل اهتمامات القارئ الكريم.
وما توفيقي الا بالله العلي العظيم، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
2 تشرين الاول 2011مع الشكر والتقدير سلفا