kolonagaza7
د. أفنان القاسم
في مقاله الأخير الصادر في القدس العربي اللندنية بتاريخ 2011.10.19، ونقلاً عن نشرة منظمة التحرير الفلسطينية المطبلة للنظام السوري، المرسلة إليّ من منظمة التعبيد دون أن أطلب ذلك، فأنا لا أقرأ هذه أو تلك من ورق المراحيض، يقول رشاد أبو شاور إنه لا يصدق حرص دول مجلس التعاون الخليجي على دم الشعب السوري، ويذهب في تحليل لاهث لبديهيات يعرفها الكل عن أنظمة عميلة لأمريكا تقوم وتقعد في غائط القرون الوسطى رغم حداثة اصطناعية من ورائها الذهب الأسود من وجوه القيمين عليها، لا ليصل إلى حقائق سياسية لا سمح الله، ولا حتى إلى افتراضات سياسية، ولكن إلى دعم النظام السوري، تحت شعاروية ثورجية تتكلم عن حقوق الشعب السوري، وحراك شعبي سوري، وحرية، وديمقراطية، وإنهاء فساد، وسيادة، كما يقول، مقابل تسويق إعلامي لمخطط التدخل الخارجي المنفضح، وتلخيص لجرائم دكتاتورية عمرها يزيد عن الأربعين عامًا بكلمتي "الخيار الأمني" الممجوجتين. مع نصائح أبوية لنظام مغتصب للسلطة جاء بانقلاب، وفاقد للشرعية ليس منذ اليوم، وغير قادر على الإصلاح لأن الإصلاح مفردة غريبة في قاموس المؤسسة المخابراتية والقمعية القائم عليها، ولأن بنية الإصلاح لا تجد مكانها في هيكلية عسكرية فاشية يتوافق فيها كل شيء يصب في مصلحة الكمشة الحاكمة ما عدا الإصلاح –يقول رشاد أبو شاور منح الشعب السوري كافة حقوقه دون مماطلة- فالإصلاح نفي لما لا يصلح، بمعنى نفي للمؤسسة الحاكمة، ومنح الحقوق للشعب نفي لما لا يمنح، بمعنى نفي للحقوق المغتصبة. لهذا من يعول على ذلك من أجل حل للمسألة السورية لهو كمن يعول على الضبع في التخلص من نتانته، والثعلب من مكره، والأسد من جبروته.
دول مجلس التعاون الخليجي في موقفها المعارض للنظام السوري ليس بسبب حرصها على دم الشعب السوري، كما يقول رشاد أبو شاور، ولا بسبب لهفتها على منحه ديمقراطية تتناقض مع دولها العشائرية الوراثية، وحرصها على تمتعه بفضاء رحب للحرية، كما يضيف الصديق رشاد، فكل ما في الأمر أن هناك أنظمة دكتاتورية تخلت عن نظام دكتاتوري مثلها لأنه في سلوكه الدموي قد تجاوز الحد الأقصى لسلوك أي نظام دكتاتوري –للملاحظة هتلر تخلى عن موسوليني في آخر أيام حكمه- ولأن صمود الشعب السوري وتضحياته وصرخاته لم تترك لها أقل هامش للمناورة، فكان موقفها السياسي إلى جانبه، وكان موقفنا السياسي إلى جانبها في الملف السوري، وضدها في الملف البحريني. لأن السياسة ابنة وقتها، وليست لائحة من المواقف الأخلاقية التي لا أحد يعاكس رشاد فيها عندما عرض لسفلة القوم في اليمن وفلسطين والعراق، السياسة ابنة وقتها، وابنة وقتها في مكان محدد ذي شروط محددة، سوريا الثائرة اليوم، وليس سوريا الحضارات والأمجاد، كما يقول رشاد، سوريا الأمجاد والحضارات هذه لا وجود لها إلا في الخيال الروائي، الخيال الميثي، سوريا هذه لا تساوي قطرة دم واحدة تهرق على أيدي شبيحة النظام. شروط سوريا اليوم واضحة كالشمس، أن يرحل النظام بشتى السبل، حتى بحرب العصابات كما ارتأيت في مقال سابق لي، وكل المؤشرات اليوم تؤكد ما ارتأيت، حتى بهدم أعمدة تدمر على تدمر، فتدمر مجاز لنظام أسد الذي هو من وراء هذا الهدم، حتى بالتدخل الأجنبي، كما رحل النظام الليبي بفضل هذا التدخل، وتم مصرع القذافي خلال كتابتي لهذه السطور. هذا لا يعني أن هناك مؤامرة خارجية كما يروج النظام وأذياله، لأن الخروج اليومي للسوريين إلى الشوارع لا يمكن أن يتم بمخطط، ولأن الإنهاء على النظام السوري لا يعني نهاية المشروع العربي، الحضاري كما يقول رشاد، لا يعني الإنهاء على سوريا، فسوريا ليست النظام السوري، وسوريا ليست العراق، والعراق لم يكن بإمكان أمريكا تدميره لولا بعض أبنائه من المرتزقة، اللاهثين على السلطة، البائعين للوطن بتنكة بنزين.
ما يدعوه رشاد أبو شاور بمعارضي الفضائيات فيه من الصواب الشيء الكثير، لكن التعامل مع هؤلاء المعارضين سيكون أمرًا مختلفًا عندما نأخذ بعين الاعتبار الدينامية التي تتسع في سوريا يومًا عن يوم تبعًا لتضحيات الشعب السوري اليومية. شخصيًا أنا لا تحيرني عشرات آلاف المتظاهرين المؤيدة للنظام في دمشق أو حلب، ولا أقول كما يقول معارضو الفضائيات كلهم من موظفي الدولة، إذ هناك فئات عريضة شعبية ومتوسطة مؤيدة للنظام، كما رأينا مع نظام القذافي، وكما نرى إلى اليوم في ألمانيا من مؤيدي النظام النازي على قلتهم، هذه الفئات منها المستلبة وجوديًا، ومنها العائشة على الفتات اقتصاديًا، الفتات حتى ولو كان مكسبها الكثير من النقود، فهي ستظل فتاتًا بالنسبة لما يسرقه لصوص النظام، ومع التغيير القادم ستنهي هذه الظاهرة نفسها بنفسها: في طرابلس الغرب بعد تحريرها لم نر أحدًا يتظاهر دعمًا للقذافي وأولاده. أود الوصول إلى أن المعارضة السورية في الخارج التي التم شتيتها في المجلس الوطني الانتقالي، لا تتحكم بالثورة، وإنما الثورة هي التي تتحكم بها. عملنا سويًا أنا وبرهان غليون، رئيس المجلس، وأنا أكثر من يعرفه، ماوي قديم ومتسلق عرفاتي وانتهازي سلطوي، يأتي إلى الفضائيات، ويتهته، لا يعرف قول كلمتين صح، ويلخبط سياسيًا، فهل نستبدل متهتهًا (بشار الأسد) بمتهته أردأ (برهان غليون)؟ أقول نعم، لأن الأسد يتهته باسم طبقة حاكمة، وغليون باسم طبقة ثائرة في ديناميتها المتزايدة لسوف تمثل ذات يوم كل فئات الشعب السوري وأطيافه السياسية متجاوزة غليون وغير غليون. غليون يعتبر الإسلاميين وطنيين متناسيًا من هم الإسلاميون في غزة وإيران وطالبان، ويرى نهاية النظام بانقلاب –بمعنى كما جاء- متجاهلاً عزم وإصرار الشعب السوري، ويستلم أوامره وأمواله من قطر –حتى ولو كان قطران معلهش في المرحلة القائمة- لكننا نقف إلى جانبه اليوم، لأن هدفه إسقاط النظام، وهو هدف الشعب السوري. هكذا تفرض الشروط الجديدة لسوريا علينا العمل اليوم، وهكذا يعمل الغرب اليوم، مصالحه بقيت ذاتها، لأن السياسة مصالح، لكنه بدلاً من أن يكون إلى جانب الحاكم، غدا إلى جانب المحكوم، إلى جانب الشعوب التي نهضت، واضطرته إلى الوقوف إلى جانبها. أعتقد أن أعضاء المجلس الوطني المؤقت واعون لهذه المسألة، وواعون لمدى وقوف الغرب إلى جانبهم وكيفية هذا الوقوف، والأهم من كل هذا هم واعون لمشروعهم في الحكم عندما ينادون بحكم مدني لا ديني، لكنهم يقولون بحكم مدني، ويتناسون أن الحكم المدني عليه أن يكون حكمًا علمانيًا وإلا ما كان مدنيًا، وما معنى أن يكون مدنيًا دون أن يكون علمانيًا، فالعلمانية ليست أبدًا ضد الدين، بشرط أن يكون الدين للعبادة... فقط.
كلمة قبل أخيرة حول إيران التي ينظر إليها رشاد أبو شاور نظرة "زرادشتية" يحذر من المساس بنارها القدسية، والمقصود بالطبع ليس إيران، ولكن النظام الإيراني، نظام الملالي. خذ هذه اللائحة غير القدسية عن هذا النظام: بفضل إيران تحقق لأمريكا احتلال العراق، وإيران اليوم هي الحاكم الفعلي في العراق، بفضل إيران تحقق لحزب الله –مقاومة وكلام فارغ وكله مدروس لحماية إسرائيل- احتلال لبنان، وإيران اليوم الحاكم الفعلي في لبنان، بفضل إيران –بعد فضل إسرائيل- تحقق لحماس احتلال القطاع، وإيران اليوم الحاكم الفعلي في القطاع، إيران كهدف جيوبوليتيكي أمريكي عليها أن تكون قوية أقوى من كل العرب وأقل قوة من إسرائيل، وإذا ما فكرت أمريكا في ضربها بعد كوميديا محاولة اغتيال السفير السعودي، فلتحقيق هدف سياسي مشترك بينها وبين الملالي، أن ترتفع أوراق أوباما لدى جمهوره لكسب الانتخابات القادمة، وأن يتم تثبيت نظام الملالي "المعتدى عليه" في الأرض ضد إرادة الشعب الإيراني في التغيير.
كلمة أخيرة حول تقصير رشاد أبو شاور بعد أن جعلناه يورد الإبل ككاتب مخضرم ولم يحسن القيام عليها، حول الموقف السياسي المائع له، على عكس مواقف أبطاله الواضحة المتمردة في العشاق والرب لم يسترح في اليوم السابع والبكاء على صدر الحبيب، مذكرني بسيلين وجينيه ودرويش الذين كان الموقع الأدبي لديهم شيئًا والموقف السياسي شيئًا آخر، والذين كان الهرب إلى الأمام والهرب إلى الوراء هربهم الحياتي المزدوج: لم يدن النظام السوري، مجرد أن يكون هذا النظام في الحكم منذ أكثر من أربعين عامًا يوجب الإدانة، فلا وطنية تبقى، ولا تقدمية، ولا نهارات مشرقة، بل استبداد، وانتحارات جماعية، وظلام داكن. اترك العسل أربعين عامًا في الظلام يصبح علقمًا، واجعل العنادل تغني أربعين عامًا في الغابات يتحول صوتها إلى نشاز، وابق على الحب أربعين عامًا يغدو كرهًا وضغناء. إذن مجرد البقاء في الحكم كل هذا الوقت يستوجب الإدانة مرة، ودون تحرير الجولان، تحرير سوريا، تحرير فلسطين، عشرات المرات، كل هذه السنين العجفاء تطيح بكل أوهام عروبية النظام وصموده الفكاهي في وجه "الإمبريالية والصهيونية" الحليفتين الحقيقيتين. وبدلاً من أن يطالب رشاد أبو شاور هذا النظام القمعي الاستبدادي القروسطوي بالتفضل بمنح الشعب السوري كافة حقوقه دون مماطلة –يا سلام حلوة هادي دون مماطلة- لتنافي ذلك مع بنيته المخابراتية العسكرية، لماذا لم يطالبه بالرحيل، فيوفر على الشعب السوري معاناته في عشرات آلاف الشهداء كما حصل في ليبيا، وحرب أهلية، لا أحد في الكون معها إلا إذا اضطر الشعب السوري إلى خوضها، وهو سيخوضها إذا ما فرضت عليه، وسيكسبها كما كسب الشعب الليبي حربه المفروضة عليه، وحرر ليبيا من طغاتها، فكل الطغاة من نيرون إلى أسد مرورًا بصالح وبوتفليقة والقذافي وليس آخرهم محمد السادس لا يترددون عن إحراق روما التي يعتبرونها ملكًا لهم، حظيرة بهائم يموتون على ألا يتخلوا عنها... لم يحتج على الأقل من أجل المساجين السياسيين، لم يكشف على الأقل عن اقترابه من الإخوان المسلمين (خطابه الديني)، لم يدن النظام الأوسلوي، لم يدن النظام الحماسي –هذان النظامان رشقهما بما لا يكفي من كاتب بمعياره، عموميات لا أكثر- لم يدن أي نظام عربي، فهو لم يسم حتى دول مجلس التعاون الخليجي، لم يقل السعودية، لم يقل خادم الأمريكتين الشريفتين، لم يسم الكويت، عًمان، الإمارات، البحرين فك عتب، وخاصة قطر، ممولة الجريدة التي يعمل فيها والتي أسسها الموساد... في مكان آخر قدمت كل الوثائق التي تثبت ذلك، وتدين صاحبها الأستاذ عطنان، هذا الشخص الذي ساهم في مصرع ناجي العلي.
ramus105@yahoo.fr
في مقاله الأخير الصادر في القدس العربي اللندنية بتاريخ 2011.10.19، ونقلاً عن نشرة منظمة التحرير الفلسطينية المطبلة للنظام السوري، المرسلة إليّ من منظمة التعبيد دون أن أطلب ذلك، فأنا لا أقرأ هذه أو تلك من ورق المراحيض، يقول رشاد أبو شاور إنه لا يصدق حرص دول مجلس التعاون الخليجي على دم الشعب السوري، ويذهب في تحليل لاهث لبديهيات يعرفها الكل عن أنظمة عميلة لأمريكا تقوم وتقعد في غائط القرون الوسطى رغم حداثة اصطناعية من ورائها الذهب الأسود من وجوه القيمين عليها، لا ليصل إلى حقائق سياسية لا سمح الله، ولا حتى إلى افتراضات سياسية، ولكن إلى دعم النظام السوري، تحت شعاروية ثورجية تتكلم عن حقوق الشعب السوري، وحراك شعبي سوري، وحرية، وديمقراطية، وإنهاء فساد، وسيادة، كما يقول، مقابل تسويق إعلامي لمخطط التدخل الخارجي المنفضح، وتلخيص لجرائم دكتاتورية عمرها يزيد عن الأربعين عامًا بكلمتي "الخيار الأمني" الممجوجتين. مع نصائح أبوية لنظام مغتصب للسلطة جاء بانقلاب، وفاقد للشرعية ليس منذ اليوم، وغير قادر على الإصلاح لأن الإصلاح مفردة غريبة في قاموس المؤسسة المخابراتية والقمعية القائم عليها، ولأن بنية الإصلاح لا تجد مكانها في هيكلية عسكرية فاشية يتوافق فيها كل شيء يصب في مصلحة الكمشة الحاكمة ما عدا الإصلاح –يقول رشاد أبو شاور منح الشعب السوري كافة حقوقه دون مماطلة- فالإصلاح نفي لما لا يصلح، بمعنى نفي للمؤسسة الحاكمة، ومنح الحقوق للشعب نفي لما لا يمنح، بمعنى نفي للحقوق المغتصبة. لهذا من يعول على ذلك من أجل حل للمسألة السورية لهو كمن يعول على الضبع في التخلص من نتانته، والثعلب من مكره، والأسد من جبروته.
دول مجلس التعاون الخليجي في موقفها المعارض للنظام السوري ليس بسبب حرصها على دم الشعب السوري، كما يقول رشاد أبو شاور، ولا بسبب لهفتها على منحه ديمقراطية تتناقض مع دولها العشائرية الوراثية، وحرصها على تمتعه بفضاء رحب للحرية، كما يضيف الصديق رشاد، فكل ما في الأمر أن هناك أنظمة دكتاتورية تخلت عن نظام دكتاتوري مثلها لأنه في سلوكه الدموي قد تجاوز الحد الأقصى لسلوك أي نظام دكتاتوري –للملاحظة هتلر تخلى عن موسوليني في آخر أيام حكمه- ولأن صمود الشعب السوري وتضحياته وصرخاته لم تترك لها أقل هامش للمناورة، فكان موقفها السياسي إلى جانبه، وكان موقفنا السياسي إلى جانبها في الملف السوري، وضدها في الملف البحريني. لأن السياسة ابنة وقتها، وليست لائحة من المواقف الأخلاقية التي لا أحد يعاكس رشاد فيها عندما عرض لسفلة القوم في اليمن وفلسطين والعراق، السياسة ابنة وقتها، وابنة وقتها في مكان محدد ذي شروط محددة، سوريا الثائرة اليوم، وليس سوريا الحضارات والأمجاد، كما يقول رشاد، سوريا الأمجاد والحضارات هذه لا وجود لها إلا في الخيال الروائي، الخيال الميثي، سوريا هذه لا تساوي قطرة دم واحدة تهرق على أيدي شبيحة النظام. شروط سوريا اليوم واضحة كالشمس، أن يرحل النظام بشتى السبل، حتى بحرب العصابات كما ارتأيت في مقال سابق لي، وكل المؤشرات اليوم تؤكد ما ارتأيت، حتى بهدم أعمدة تدمر على تدمر، فتدمر مجاز لنظام أسد الذي هو من وراء هذا الهدم، حتى بالتدخل الأجنبي، كما رحل النظام الليبي بفضل هذا التدخل، وتم مصرع القذافي خلال كتابتي لهذه السطور. هذا لا يعني أن هناك مؤامرة خارجية كما يروج النظام وأذياله، لأن الخروج اليومي للسوريين إلى الشوارع لا يمكن أن يتم بمخطط، ولأن الإنهاء على النظام السوري لا يعني نهاية المشروع العربي، الحضاري كما يقول رشاد، لا يعني الإنهاء على سوريا، فسوريا ليست النظام السوري، وسوريا ليست العراق، والعراق لم يكن بإمكان أمريكا تدميره لولا بعض أبنائه من المرتزقة، اللاهثين على السلطة، البائعين للوطن بتنكة بنزين.
ما يدعوه رشاد أبو شاور بمعارضي الفضائيات فيه من الصواب الشيء الكثير، لكن التعامل مع هؤلاء المعارضين سيكون أمرًا مختلفًا عندما نأخذ بعين الاعتبار الدينامية التي تتسع في سوريا يومًا عن يوم تبعًا لتضحيات الشعب السوري اليومية. شخصيًا أنا لا تحيرني عشرات آلاف المتظاهرين المؤيدة للنظام في دمشق أو حلب، ولا أقول كما يقول معارضو الفضائيات كلهم من موظفي الدولة، إذ هناك فئات عريضة شعبية ومتوسطة مؤيدة للنظام، كما رأينا مع نظام القذافي، وكما نرى إلى اليوم في ألمانيا من مؤيدي النظام النازي على قلتهم، هذه الفئات منها المستلبة وجوديًا، ومنها العائشة على الفتات اقتصاديًا، الفتات حتى ولو كان مكسبها الكثير من النقود، فهي ستظل فتاتًا بالنسبة لما يسرقه لصوص النظام، ومع التغيير القادم ستنهي هذه الظاهرة نفسها بنفسها: في طرابلس الغرب بعد تحريرها لم نر أحدًا يتظاهر دعمًا للقذافي وأولاده. أود الوصول إلى أن المعارضة السورية في الخارج التي التم شتيتها في المجلس الوطني الانتقالي، لا تتحكم بالثورة، وإنما الثورة هي التي تتحكم بها. عملنا سويًا أنا وبرهان غليون، رئيس المجلس، وأنا أكثر من يعرفه، ماوي قديم ومتسلق عرفاتي وانتهازي سلطوي، يأتي إلى الفضائيات، ويتهته، لا يعرف قول كلمتين صح، ويلخبط سياسيًا، فهل نستبدل متهتهًا (بشار الأسد) بمتهته أردأ (برهان غليون)؟ أقول نعم، لأن الأسد يتهته باسم طبقة حاكمة، وغليون باسم طبقة ثائرة في ديناميتها المتزايدة لسوف تمثل ذات يوم كل فئات الشعب السوري وأطيافه السياسية متجاوزة غليون وغير غليون. غليون يعتبر الإسلاميين وطنيين متناسيًا من هم الإسلاميون في غزة وإيران وطالبان، ويرى نهاية النظام بانقلاب –بمعنى كما جاء- متجاهلاً عزم وإصرار الشعب السوري، ويستلم أوامره وأمواله من قطر –حتى ولو كان قطران معلهش في المرحلة القائمة- لكننا نقف إلى جانبه اليوم، لأن هدفه إسقاط النظام، وهو هدف الشعب السوري. هكذا تفرض الشروط الجديدة لسوريا علينا العمل اليوم، وهكذا يعمل الغرب اليوم، مصالحه بقيت ذاتها، لأن السياسة مصالح، لكنه بدلاً من أن يكون إلى جانب الحاكم، غدا إلى جانب المحكوم، إلى جانب الشعوب التي نهضت، واضطرته إلى الوقوف إلى جانبها. أعتقد أن أعضاء المجلس الوطني المؤقت واعون لهذه المسألة، وواعون لمدى وقوف الغرب إلى جانبهم وكيفية هذا الوقوف، والأهم من كل هذا هم واعون لمشروعهم في الحكم عندما ينادون بحكم مدني لا ديني، لكنهم يقولون بحكم مدني، ويتناسون أن الحكم المدني عليه أن يكون حكمًا علمانيًا وإلا ما كان مدنيًا، وما معنى أن يكون مدنيًا دون أن يكون علمانيًا، فالعلمانية ليست أبدًا ضد الدين، بشرط أن يكون الدين للعبادة... فقط.
كلمة قبل أخيرة حول إيران التي ينظر إليها رشاد أبو شاور نظرة "زرادشتية" يحذر من المساس بنارها القدسية، والمقصود بالطبع ليس إيران، ولكن النظام الإيراني، نظام الملالي. خذ هذه اللائحة غير القدسية عن هذا النظام: بفضل إيران تحقق لأمريكا احتلال العراق، وإيران اليوم هي الحاكم الفعلي في العراق، بفضل إيران تحقق لحزب الله –مقاومة وكلام فارغ وكله مدروس لحماية إسرائيل- احتلال لبنان، وإيران اليوم الحاكم الفعلي في لبنان، بفضل إيران –بعد فضل إسرائيل- تحقق لحماس احتلال القطاع، وإيران اليوم الحاكم الفعلي في القطاع، إيران كهدف جيوبوليتيكي أمريكي عليها أن تكون قوية أقوى من كل العرب وأقل قوة من إسرائيل، وإذا ما فكرت أمريكا في ضربها بعد كوميديا محاولة اغتيال السفير السعودي، فلتحقيق هدف سياسي مشترك بينها وبين الملالي، أن ترتفع أوراق أوباما لدى جمهوره لكسب الانتخابات القادمة، وأن يتم تثبيت نظام الملالي "المعتدى عليه" في الأرض ضد إرادة الشعب الإيراني في التغيير.
كلمة أخيرة حول تقصير رشاد أبو شاور بعد أن جعلناه يورد الإبل ككاتب مخضرم ولم يحسن القيام عليها، حول الموقف السياسي المائع له، على عكس مواقف أبطاله الواضحة المتمردة في العشاق والرب لم يسترح في اليوم السابع والبكاء على صدر الحبيب، مذكرني بسيلين وجينيه ودرويش الذين كان الموقع الأدبي لديهم شيئًا والموقف السياسي شيئًا آخر، والذين كان الهرب إلى الأمام والهرب إلى الوراء هربهم الحياتي المزدوج: لم يدن النظام السوري، مجرد أن يكون هذا النظام في الحكم منذ أكثر من أربعين عامًا يوجب الإدانة، فلا وطنية تبقى، ولا تقدمية، ولا نهارات مشرقة، بل استبداد، وانتحارات جماعية، وظلام داكن. اترك العسل أربعين عامًا في الظلام يصبح علقمًا، واجعل العنادل تغني أربعين عامًا في الغابات يتحول صوتها إلى نشاز، وابق على الحب أربعين عامًا يغدو كرهًا وضغناء. إذن مجرد البقاء في الحكم كل هذا الوقت يستوجب الإدانة مرة، ودون تحرير الجولان، تحرير سوريا، تحرير فلسطين، عشرات المرات، كل هذه السنين العجفاء تطيح بكل أوهام عروبية النظام وصموده الفكاهي في وجه "الإمبريالية والصهيونية" الحليفتين الحقيقيتين. وبدلاً من أن يطالب رشاد أبو شاور هذا النظام القمعي الاستبدادي القروسطوي بالتفضل بمنح الشعب السوري كافة حقوقه دون مماطلة –يا سلام حلوة هادي دون مماطلة- لتنافي ذلك مع بنيته المخابراتية العسكرية، لماذا لم يطالبه بالرحيل، فيوفر على الشعب السوري معاناته في عشرات آلاف الشهداء كما حصل في ليبيا، وحرب أهلية، لا أحد في الكون معها إلا إذا اضطر الشعب السوري إلى خوضها، وهو سيخوضها إذا ما فرضت عليه، وسيكسبها كما كسب الشعب الليبي حربه المفروضة عليه، وحرر ليبيا من طغاتها، فكل الطغاة من نيرون إلى أسد مرورًا بصالح وبوتفليقة والقذافي وليس آخرهم محمد السادس لا يترددون عن إحراق روما التي يعتبرونها ملكًا لهم، حظيرة بهائم يموتون على ألا يتخلوا عنها... لم يحتج على الأقل من أجل المساجين السياسيين، لم يكشف على الأقل عن اقترابه من الإخوان المسلمين (خطابه الديني)، لم يدن النظام الأوسلوي، لم يدن النظام الحماسي –هذان النظامان رشقهما بما لا يكفي من كاتب بمعياره، عموميات لا أكثر- لم يدن أي نظام عربي، فهو لم يسم حتى دول مجلس التعاون الخليجي، لم يقل السعودية، لم يقل خادم الأمريكتين الشريفتين، لم يسم الكويت، عًمان، الإمارات، البحرين فك عتب، وخاصة قطر، ممولة الجريدة التي يعمل فيها والتي أسسها الموساد... في مكان آخر قدمت كل الوثائق التي تثبت ذلك، وتدين صاحبها الأستاذ عطنان، هذا الشخص الذي ساهم في مصرع ناجي العلي.
ramus105@yahoo.fr