السبت، 22 أكتوبر 2011

حروب الفايروسات الرقمية



kolonagaza7

بقلم / توفيق أبو شومر
لم يعد تحوُّل الإعلام من رسالة ثقافية وتوعوية سامية جليلة ، هدفها تثقيف المجتمع وتحضيره وجعله قادرا على الرقي والإنتاج وصولا إلى الرفاهية، إلى جهاز حربي سلطوي، أو إلى فرقة عسكرية خاصة لخدمة الحاكم أو الحزب الشمولي، أمرا خافيا على كثيرين، فقد تحوَّل الإعلامُ بالفعل إلى جهاز سياسي وعسكري، وصار أقوى من كل الجيوش ، ولم تعد كاميرات التصوير مرايا عاكسة توثيقية تحفظ الملفات، بل أصبحت فوهات مدافع وراجمات صواريخ وقاذفات للثورات من الدرجة الأولى!
وقد انتبهت دولُ عديدة إلى أهمية الإعلام، وصاغت سياستها وفق منزلة الإعلام في الألفية الثالثة، فجعلته دولٌ عديدة (سلاحا) ضمن أسلحتها الحربية، فأسستْ فرقا خاصة للإنترنت ضمن فرقها العسكرية، وعلى رأس تلك الدول كانت أمريكا ، وهي مؤسِّسة الشبكة العنكبوتية بالفعل عام 1969 عندما صممتها لخدمة الاتصالات العسكرية، وقد أظهرت الشبكة الجديدة بعد سنوات فعاليتها في الاتصالات، واستخدمت في الجامعات ومراكز الأبحاث، ثم تمردت شبكة الإنترنت على مبتدعيها.وخرجت من قمقمها في ثمانينيات القرن الماضي، وصارتْ جزءا من الفضاء العالمي، لتصبح أحدث أسلحة العصر، وأشدها تأثيرا وفتكا.
ولم تألُ دولُ العالم جهدا في إعادة اللجام لحصان الشبكة الجامح،وظلتْ تسعى لإعادة ترويضه لهدف السيطرة عليه، وبخاصة في الدول السلطوية الديكتاتورية، فقد واظبت الأنظمة السلطوية على اعتبار الإعلام عازفا على نغمات الأوتار السلطوية. وقامت الدول الليبرالية باحتكاره أيضا باستخدام تكنيكات أخرى مختلفة عن الأنظمة السلطوية، فأخضعته لسياسة السوق ولأنظمتها التجارية، أو أنها بعبارة أخرى وظَّفته لتحقيق غايات تجارية وسياسية واجتماعية،مستفيدة من النقمة الشعبية على الأنظمة السلطوية!
ومن هنا فإننا نؤكد أولا على أن الإعلام كرسالة ثقافية سامية، هدفها تطوير المجتمع وتثقيفه، سيظل شعارا مرفوعا في ألفيتنا الراهنة، بدون أن يتحقق بالفعل على أرض الواقع، وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود إعلام حر في عالم اليوم ، غير أن الإعلام الحر المتوفِّر في عالم اليوم لا يخرج عن كونه اجتهادات شخصية أو مغامرات من بعض المفكرين والواعين، أو أنه داخلٌ في إطار الروابط الثقافية، والجمعيات الخدماتية ، فالإعلام الثقافي الحر لم يشكل بعدُ ظاهرةً في عالم اليوم.
ويمكنني أن أضع تعريفا لهذا الإعلام التوعوي المنشود :
فهو الإعلام القادر على تحقيق (لوبي) ثقافي اجتماعي يتمكن من منافسة الإعلام السلطوي المسيَّر لغايات سياسية أو تجارية!
ومن خصائص الإعلام التوعوي الثقافي أن له رسالةً ثقافية واضحة ومحددة، تُنفَّذ ضمن برامج ثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية، لها اتصال بأساليب الحياة.
ولا يمكن لهذا الإعلام أن يقوم بدوره في المجتمع بدون أن يؤثر في المناهج التربوية والتعليمية المختلفة،تمهيدا لتأسيس البنية الأساسية لجيلٍ جديدٍ قادرٍ على الرقي والتطور والإنتاج والمشاركة في روافد الحضارة العالمية.
فما يزال كثيرون - وبخاصة في العالم العربي – (يستهلكون) الإنتاج الإعلامي، أكثر من كونهم (ينتجون) صناعات إعلامية، فهم ما يزالون يستهلكون منتجات شبكة الإنترنت والفضائيات، فتُؤخذُ أخبارهم في صورتها (الخام الخبري) وتعود إليهم مُصنَّعة من جديد عبر الشبكة فيدفعون أثمانها باشتراكات نقدية!
فما أكثر القصص الإعلامية التي نُصدرها من الوطن العربي، فتعود إلينا عبر وكالات الأنباء في صورة تحقيقات إعلامية وريبورتاجات فنشتريها باشتراكنا في خدمات وكالات الأنباء وشبكة الإنترنت!
ولم نتمكن بعد من فهم تكنيك الإعلام (الحربي) الحديث بعد أن تغيُّر مفهوم الإعلام من صيغته القديمة وهي أنه كان ناقلا ومسجلا للحدث ، ثم انتقل إلى مصور لإحداثها التي تجري بالفعل، وها هو اليوم قد انتقل بالفعل إلى أخطر أدواره، صناعة الحدث.
وأصبح التفوق الإعلامي لا يُقاس بالرسالة التي ينقلها، وهل هي مؤثرة تأثيرا ثقافيا وتوعويا وإرشاديا ، بل يُقاس في عصرنا الراهن بالسبق والسرعة في نقل الأحداث، بغض النظر عن الآثار الجانبية والأعراض المصاحبة لهذه السرعة!
وتمكنت إسرائيل من توظيف الإعلام بأشكاله الحديثة لمصلحتها، فقد كانت إسرائيل هي الدولة الأولى في استخدام النظام الرقمي في جيشها، فقد استخدمت المايكرو كمبيوتر منذ ستينيات القرن الماضي، وأدخلت الحوسبة إلى كل القطاعات العسكرية، وخصصت شطرا كبيرا من إبداعات وادي السيلكون في نهاريا لخدمة الجيش، ويجب أن نُقر بأن دخل إسرائيل الرئيس في عالم اليوم، ليس من آبارها النفطية والغازية ولا من مناجمها الطبيعية، ولكن دخلها الرئيس هو من تجارة الرقميات والسوفت وير بمختلف أشكالها وأنواعها.
ويجب أن نستدرك في البداية أن إسرائيل ظلتْ تعمد إلى التهويل من قدراتها الإلكترونية لغرض إرهاب جيرانها، وإحداث صدمة نفسية في نفوس الفلسطينيين والعرب، غير أن ذلك لا يعني ألا نرصد قدراتها المتاحة لنا عبر الصحافة لنتمكن من فهم آليات وطبيعة عمل إعلام الخوذات العسكرية الإسرائيلية!
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما جرى في الأشهر الأولى من هذا العام عندما أنتجت المعامل الرقمية الإسرائيلية فايروسات خاصة لتدمير العقل النووي الإيراني، وجرَّبت هذا الفايروس على مفاعلات ديمونا في النقب طوال شهور عديدة ، كما أشارت التقارير الصحفية، وأعتبرُ هذا العمل هو بداية لتغيير مفاهيم الحروب التقليدية، من حروب بالمتفجرات والرؤوس الحربية، إلى حروب بالفيروسات الرقمية!
وكانت إسرائيل قد سخَّرت التكنولوجيا الرقمية في عملية الرصاص المصبوب على غزة في ديسمبر 2008 ، فقامت بإلغاء كل الاتصالات الهاتفية وعطَّلت شبكة الإنترنت وعزلت غزة بالكامل عن العالم، مما أسهم في إحداث الصدمة في نفوس الفلسطينيين.
وقد نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا خاصا عن قدرات إسرائيل في المجال الرقمي، فأشارت في عددها نوفمبر 2010 إلى قدرات إسرائيل على التنصت على كل الشبكات الهاتفية ، ليس على الدول العربية فقط، بل شملت قدراتها التكنلوجية قارة آسيا بالكامل، فرصد التقرير محطة (أوريم) للتجسس والتي تقع بالقرب من غزة ، وهي تزوِّد أجهزة المخابرات الإسرائيلية في حولون بكل المعلومات المرصودة ، واعتبرتْ الصحيفة هذه المحطة، هي أكبر محطة تجسس في العالم بعد محطة (أيكلون) الأمريكية!
كما أن إسرائيل شرعت أيضا في العام الماضي في ضم التكنولوجيا الرقمية لأسلحتها العسكرية، فقد شرع جيش الدفاع الإسرائيلي في تأسيس فرقة الإنترنت ، وذلك لغرض الوصول إلى الرأي العام العالمي ، صرح بذلك الناطق الرسمي باسم الجيش العميد الركن آفي بنياهو في مؤتمر للصحفيين في إيلات.
وكانت الفكرة قد طرحت من قبل وزارة شؤون المهاجرين منذ عام مضى مستفيدة من عملية الرصاص المصبوب على غزة لغرض فرض احترام إسرائيل على الرأي العام في شبكة الإنترنت، وللتصدي لكارهيها .
وستكون الفرقة قادرة على التعامل مع المشكلات في شبكة الإنترنت ، وسوف يُختار لهذا الغرض شباب من كل القطاعات العسكرية ، وسوف يتلقون تدريبات خلال شهور وقال :
لقد اتصلنا بعدد من المدونيين ممن يؤثرون في الرأي العام وأرسلنا إليهم معلومات وصورا مباشرة.
قال رئيس هيئة الاتصالات في الجيش عوفر كول :
إن الغرض من تأسيس الفرقة هو الوصول إلى المتابعين في العالم وإظهار عمليات جيش الدفاع بدون فلترة .(هارتس1/12/2009)
ولم تكتفِ إسرائيل بتأسيس فرقة الإنترنت في الجيش بل إنها تواظب على متابعة كل ما يجري في شبكة الإنترنت:
"فقد نجحت كتيبة الإنترنت بقيادة عضو الكنيست من حزب كاديما آفي دختر في إزالة موقع حسن نصرالله من الفيس بوك ، حيث بلغ عدد زائري الموقع تسعة آلاف.وتتلخص مهمة الكتيبة في محاربة اللاسامية والإرهاب من الشبكة.أرسلت الكتيبة مائة ألف رسالة لحشد الدعم، قال دختر:
لا يجوز السماح للإرهابيين أمثال نصرالله وبن لادن وآخرين للتواجد على صفحات الإنترنت.وكانت الفيس بوك قد أزالت أيضا صفحة إسماعيل هنية أيضا.
قال مساعد دختر نيسان زئيفي:
بدلا من أن ينشغل أطفالنا بالشراب والدخان عليهم محاربة نصرالله عبر الشبكة، هذه المعركة تشبه معركة إسرائيل مع العماليق الواردة في التوراة، وعلينا تدمير العماليق في مواقعهم النفسية والإلكترونية.
وإذا لم تُزل الفيس بوك الصغحات من مواقعها، فسوف تتولى الكتيبة هذا الأمر.
وكانت الكتيبة قد نجحت في فلترة موقع لحزب الله بلغ عدد زواره مائة وثمانية عشر ألف زائر، وما يزال أمامنا مواقع أخرى لحزب الله وحماس والجهاد"
( جورسلم بوست 29/7/2009)
يجب أن يقوم الفلسطينيون ، وهم من أكثر شعوب العالم استخداما لشبكة الإنترنت بتوظيف الكفاءات الفلسطينية ، وهي بالمناسبة كثيرة العدد وتمتاز بالمهارة، لتحقيق أهدافنا الوطنية عبر خطة وطنية شاملة تأخذ في اعتبارها:
- السعي لتنظيم جهود المبدعين الفلسطينيين وتأطير جهودهم في مجموعات ومؤسسات وجمعيات ونقابات.
- وضع القوانين واللوائح ومواثيق الشرف اللازمة لتنظيم العمل، وتأصيل لوائح وقوانين حفظ الحقوق والملكيات الفكرية، لكسب ثقة العالم.
- اكتشاف المهارات والكفاءات الفلسطينية في مجالات الإعلام والبرمجة الرقمية .
- دمج المقررات التعليمية بالبرامج الرقمية، وتوظيف الشبكة العنكبوتية في مجالات التربية والتعليم.
- إحداث لجان استشارية إعلامية تضم المفكرين والمثقفين وقادة الرأي لغرض وضع سياسة إعلامية وطنية تلائم المرحلة النضالية الفلسطينية.
- حفظ حقوق الإعلاميين الفلسطينيين باعتبارهم مناضلين من الدرجة الأولى، ومنحهم المميزات والحوافز ، وإبعادهم عن المنافسات الحزبية الضيقة، وتجريم اضطهادهم وسجنهم على خلفية حرية الرأي والتعبير.
- تعزيز قدرات الإعلاميين في مجال اللغات والترجمة، لغرض مخاطبة الرأي العام العالمي بلغاته المختلفة.

مشاركة مميزة