الاثنين، 7 نوفمبر 2011

ثورة شعب سورية.. ومبادرة السياسة العربية.. الثورة أوصدت نهائيا أبواب المراوغة على حساب إرادة الشعب



kolonagaza7
نبيل شبيب

ليس صحيحا أن ما يسمّى النظام الحاكم في سورية لم يردّ سريعا على مبادرة جامعة الدول العربية، وأن الردّ الرسمي هو ما يجري تقديمه في اللقاء الوزاري الذي يُفترض أن يبدأ في القاهرة بعد تسجيل هذه السطور بحوالي ساعة واحدة، وهو ردّ لم يعلن شيء عن فحواه، بينما أعلن ما يكفي عن عناوين سطور تلك المبادرة. وهي أربعة، لا تحتمل أجوبة من قبيل: "نعم.. ولكن"، فإما التلبية أو الرفض:
1- وقف آلة العنف تقتيلا وسحبها من المدن والقرى.. وجاء الرد بتصعيد استخدامها.
2- فتح ابواب المعتقل الكبير لدخول منظمات ووسائل إعلام من خارج الحدود.. وجاء الردّ ببقاء الأبواب مؤصدة
3- إخلاء سبيل جميع المعتقلين.. وجاء الرد باعتقال المزيد.
4- الحوار مع المعارضة في القاهرة.. وهنا جاء الردّ المراوغ: لا حوار إلا " تحت سقف الوطن" أي داخل المعتقل الكبير. لغة السياسيين
رغم ظهور واقع الردّ الفعلي على الأرض من جانب ما يسمّى النظام السوري على ما يوصف بمبادرة الفرصة الأخيرة، من جانب مجموعة الدول العربية، يمكن أن نواكب بلغة التحليل السياسي مجرى اللعبة السياسية -وإن كانت دماء الشهداء وأوضاع الشعب الثائر هي التي تشغل عن سواها- فنجد أن الطرفين في مأزق حقيقي، طرف ما بقي من النظام وقد أصبح مقتصرا على دبابات وشبيحة، وطرف الديبلوماسية العربية التي تمثل الحكومات العربية الأعضاء في الجامعة.
1- آخر ورقة سياسية وإعلامية تضليلية في يد بقايا النظام هي أن في الشارع السوري، أي في الشعب، مؤيدين ومعارضين، بدليل مظاهرات التأييد.. ولو استجاب لمطلب واحد من مطالب "المبادرة": وقف آلة التقتيل والاعتقال والتعذيب، لتحوّلت المدن والقرى السورية، كبيرها وصغيرها، عربا وأكرادا وسواهم، مسلمين ومسيحيين وغيرهم، إلى "ميدان تحرير" يضم بضعة وعشرين مليون إنسان، بمن في ذلك النسبة الأعظم ممّن يشاركون بالترغيب والترهيب، من نفعيين وخائفين، فيما يوصف بمظاهرات التأييد، أي المظاهرات المتنقلة من محافظة إلى أخرى.
2- آخر وسيلة من وسائل إعطاء الحلفاء الإقليميين والدوليين ذريعة لعدم التحوّل المطلق -أما التحوّل الجزئي فقد ظهر بالفعل- إلى إعلان القطيعة مع بقايا النظام، هي التشبّث الاعتباطي بأنّ ما يجري ليس كما تتناقله مئات المصوّرات اليومية، وتشهد عليه الجنازات اليومية، وترصده المنظمات السورية والعالمية، وتنقله الفضائيات الناطقة بالعربية، بالبث المباشر في كثير من الأحيان.. بل هو مؤامرة وعصابات مسلحة وعنف ضد عنف، ولو استجاب ما يسمّى نظاما حاكما في سورية ففتح الأبواب أمام "أعين العالم" لفقد آخر ذريعة يعطيها لحلفائه للحيلولة دون سقوطه أو إسقاطه.
3- آخر وسيلة من وسائل الحيلولة دون تحوّل مظاهرات الشعب الثائر من الألوف وعشرات الألوف إلى مئات الألوف والملايين، هي حملات الاعتقال والتعذيب والترهيب، وغير ذلك من الإجرام الهمجي اليومي.. بينما ظهر للعيان أن الشعب لا يخاف، وأن التعويض عن المعتقلين بمزيد من الثائرين وضع السجّانين في دوّامة، فكيف لو خطت الثورة الشعبية خطوة أعظم، إذا ما كسر ما يسمّى نظاما حاكما هذه الحلقة المفرغة بنفسه، وأصبح الإنسان المواطن في سورية لأول مرة منذ خمسين سنة، مطمئنا إلى أن باستطاعته أن يتظاهر ويحتج ويقول لا، أو يقول: إرحل! أو يقول: الشعب يريد إسقاط النظام، دون أن يجد نفسه في الأغلال وتحت التعذيب، هذا إذا نجا من مصير حمزة الخطيب ومن قبله ومن بعده من الشهداء؟..
عبثية الحوار
لقد حاول من وضع صياغة المبادرة في جامعة الدول العربية استبقاء نقطة واحدة أمام بقايا النظام السوري في دمشق -وهذا ما ردّ عليه إردوجان واقعيا بقوله هذا نظام لا شرعية له، يقتل شعبه، ويجب اتخاذ إجراءات ضدّه-
وهي النقطة المتعلقة بالحوار، مع اشتراط أن يكون ذلك تحت سقف جامعة الدول العربية.
ومن المؤكّد -وهذا الكلام قبل أن تظهر نتائج اجتماع يوم الأربعاء 2/11/2011م- أنّ هذه الثغرة ستكون محور ما تتعلّق به بقايا النظام، ليمكنها الاستمرار في عملية التقتيل التي تتقنها، بدلا عن حوار لا تتقنه، ولا يمكن أن يفيد أيّ طرف بعد أن أصبحت الثورة على أبواب إسقاط المزيد من بقايا النظام.
ولكنها ثغرة أمامها عوائق كبيرة:
1- لا يمكن أن يجري أيّ حوار ما دامت تلبية المطالب الثلاثة الأولى مرفوضة على أرض الواقع، وهي شروط أي حوار، بغض النظر عن مضمونه، وإن جرت تلبيتها انتهت المشكلة التي تتستّر المبادرة بردائها الشفاف، بانتهاء القدرة على مواصلة تضليل مكشوف حول حقيقة الثورة، وحقيقة مجراها.
2- كل سياسي سوري من المعارضة التقليدية المدعوة إلى "حوار"، داخل الحدود أو خارج الحدود، يعلم علم اليقين، أنّه يصبح جزءا من النظام الذي تجرف الثورة بقاياه، إذا قبل بأيّ حوار ينطوي على إنقاذ تلك البقايا من السقوط، بدعوى امتلاكها ما يكفي من قوة لإجرامية مسلّحة لمواصلة التقتيل، أو ينطوي على مشاركتها في رسم معالم ما بعد الثورة، من دستور أو قوانين أو انتخابات أو أحزاب، أو ماشابه ذلك.
3- ربما كان من دوافع أصحاب المبادرة من جانب جامعة الدول العربية من وراء طرح الحوار بالصيغة التي تسرّبت الأنباء حولها دون إعلانها رسميا، هو إعطاء بقايا النظام فرصة أخيرة للنجاة من محاكمات قادمة، مقابل التوقف عن ارتكاب مزيد من الجرائم، وطرح ذلك التصوّر -كما صُنع مع ثورة اليمن- أنه من باب الحرص على دماء شعب سورية.. أو ربما كان من الدوافع إسقاط آخر أوراق التضليل والمراوغة في أيدي بقايا النظام.. سيّان ما هي الدوافع، الحوار مستحيل، لأنه عبثي، ومسار الثورة بكل ما ينطوي عليه من تضحيات وبطولات، لا يمكن أن يتبع حوارا يتخذ اتجاها عبثيا.
4- لا يمكن أن يجري حوار تقبل به الثورة الشعبية، أو يفضي إلى نتيجة أصلا، إذا كان على قدم المساواة، بين من يتصدّون للعمل السياسي المعارض باسم الثورة، وهم يعلمون أنه ليس لديهم سواها ما يتحدّثون باسمه، وبين من فقدوا أي صفة سياسية معتبرة من بقايا النظام، فذلك أشبه بمشاركة القاتل في هيئة قضاء مستقلة لمحاكمته على جريمته.
لغة الثوار
الحوار الوحيد الممكن هو الحوار على نقل السلطة، من بقايا النظام، إلى قيادة سياسية من المعارضة -فقط- بمشاركة أساسية ومباشرة من جانب القيادات الميدانية للثوار، ولا يمكن أن يجري ذلك إلا بعد وقف آلة القتل، وفتح أبواب المعتقل الكبير -أمام المشرّدين والمغتربين أيضا- والإفراج عن المعتقلين، أي هو حوار حول كيفية الاستسلام مع وضع حدّ لعملية الانتقام التي يمارسها النظام البائد، والتي تسبّب المزيد من الشهداء والضحايا والدمار.. أما البديل عن حوار عبثي مستحيل، فهو استمرار فعاليات الثورة.
لا يمكن لمبادرة جامعة الدول العربية أن تجد أي فرصة لنجاح جزئي أو كبير، إلا من خلال تجاوز الحكومات الأعضاء في الجامعة لنفسها، ومخاوفها من أي نوع، ومن خلال استيعابها أنّ الثورة الشعبية في سورية -كما في اليمن- ماضية حتى النصر.
لا يمكن أن تساهم الجامعة فعلا في وقف مسلسل عمليات الإجرام الجارية بحق الشعب الثائر في سورية، إلا من خلال اتخاذ موقف واضح قاطع إلى جانب الثورة والشعب، دون ثغرة تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا النظام. والمطلوب بتعبير آخر، هو أن تعرض على بقايا النظام أحد خيارين دون أي مراوغة عنهما:
1- إمّا التوقف عن متابعة مسلسل الإجرام، والدخول في حوار استسلام أمام الشعب الثائر، وتسليم السلطة حقنا لمزيد من الدماء، وحفاظا على سورية وطنا وشعبا بعد كلّ ما أصابها في نصف قرن من الا ستبداد الإجرامي المتسلّط عليها..
2- أو التحوّل المباشر إلى قطيعة كاملة مع ذلك الاستبداد، ودعم عربي رسمي علني، بمختلف أشكاله السياسية والعسكرية والمالية، غير مشروط، ولا محدود، للشعب الثائر، تجنّبا لما يوصف بتدويل قضية سورية.. قضية تحرّر شعب سورية من الاستبداد وبقايا نظامه غير المشروع منذ نشأته إلى يوم سقوطه.
قد لا تكون جامعة حكومات الدول العربية على استعداد لذلك.. وسيّان ما هي الأسباب، المهمّ ألا يجد فريق صغير أو كبير، من المعارضين السياسيين التقليديين، عبر مبادرة الجامعة، ثغرة لأنفسهم.. وليس للثورة، فيستجيبوا بذريعة من ذرائع المراوغات والمساومات السياسية، لحوار عبثي، لا يمكن أن يفضي إلا إلى إطالة أمد المأساة الإجرامية.
أمّا الثورة فقد تخسر بعض السياسيين المعارضين آنذاك، أو تعايش مزيدا من التمحيص، ولكنّها مستمرة، لأن الشعب الثائر انتزع بدمائه لنفسه زمام كلّ مبادرة ترتبط بمستقبله، ولن يفلتها، بحال من الأحوال، وقد اندلعت ثورته من تحت رماد حرائق خمسين سنة من الإجرام، ضد من يملك آلة مواصلة الإجرام ولا يتورّع عن استخدامها، ولهذا فثورته ماضية، دون أيّ خطوة نحو الوراء، حتى يتحقق النصر للشعب، والوطن، والأمة، ولإنسانية الإنسان، على همجية الاستبداد، سواء سمّي نظاما، أو سياسة، أو حمل أي اسم آخر، ممّا لا ينبغي أن يكون لمن فقد أي أثر لإنسانية الإنسان.

مشاركة مميزة