الأربعاء، 18 يناير 2012

تحت سقف السجن درس علم التاريخ والسياسة وفي غزة يطرق باب علم الإعلام



kolonagaza7
مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الأنسان

المحرر جرادات: الفلسطينيون قدموا أجمل هدية للسجن يتمتع بها السجان
تقرير : هدى أبو قينص
انبثقت من السجن حكايات الأبطال التي يسير عدد كبير منهم اليوم بين أبناء شعبهم بعد سنين السجن التي قضوها وزرعوا بها الكثير وأتو بالثمار إلى العالم الكبير, ليبدءوا زراعة جديدة حيث آن الأوان لتحقيق الطموح...ولعلنا هنا ننقل حكاية بطل الأسر والإرادة القوية الذي نزع علم التاريخ في السجن واليوم يطرق باب آخر ليحقق حلمه في دراسة الصحافة والإعلام.
مواقف كثيرة وانجازات عديدة يسلطها مركز احرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان في لقائه مع أحد نجوم السجن الذي يتلألأ في سماء غزة اليوم حراً وإن كان بعيداً عن اهله.
أيام التعذيب
المحرر هلال جرادات " 45 عام", واحداً من هؤلاء الذين يتنسمون هواء الحرية بمدينة غزة ويعتبرونها وطن لهم بعد ان كانت القيود عائقاً امامهم هناك خلف القضبان, ابن مخيم جنين الذي أصبح اليوم مواطناً غزياً يعيش بين أبناء شعبه الذين يحاولون تعويضه غياب الأهل وفراق الأحباب, يحمل رواية من روايات السجن الكثيرة والمتنوعة, حيث قضى خلف القضبان 27 عام بدأها منذ أن كان لم يتجاوز العشرين من عمره, وقضى حكماً بالمؤبدات العالية لكن إرادة الله وعبر صفقة وفاء الاحرار خلصته من القيود ليصبح حراً ولكن مبعداً عن بلدته الأصلية ليعيش في بلد آخر داخل وطنه الحبيب.
تحدث المحرر "لمركز احرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان" عن حياة السجن وحياة الحرية, عائداً إلى الوراء يتذكر بداية حياته في السجن بدءاً بلحظة الاعتقال التي بدأت بعد دقائق من تنفيذه لعملية عسكرية أودت بحياة خمسة جنود إسرائيلين لينتقل بعدها إلى الأسر, وليبدأ مشوار جديد تحت سقف التعذيب الذي تختبئ أسفله الآهات وشتى أنواع العذاب دون ان يسمعها أحد من العالم.
يروى جرادات بدايته مع التعذيب محاولاً أن ينقل جزءاً من الصورة التي تعجز الأقلام عن التعبير عنها:" لقد استخدموا ألواناً وأساليباً مختلفة من التعذيب , التي لا أستطيع أن أصفها سوى بالقاسية والظالمة والمتنوعة, منها الجسدية التي توجع الجسد ومنها النفسية التي تقتل الروح", مضيفاً:" كنت أواجه عذاب نفسي يحاول أن يقتلي مائة مرة باليوم لكني كنت صامداً, أحاول أن أكتم أوجاعي أمامهم, رغم آهات الصراخ التي لن انساها في تلك الأيام من شدة الوجع وألم التعذيب, لقد من الله علي بالصبر".
يتطرق المحرر جرادات إلى الحديث عن أهمية التربية الأمنية التي تعلم الإنسان قوة التحمل وتجعله يصبر على الآلام بقدر ما يستطيع مقابل ألا يدلي للاحتلال بأي معلومة, حيث يتفنن المحققون الإسرائيليون بأساليب التعذيب المختلفة ضد الأسرى الفلسطينيون.
يتابع حديثه:" يجب أن ندرك مامعنى الأمن القرآنى وما معنى الثقافة الأخلاقية ويجب أن نتدرب عليها سواء داخل أوخارج السجن أو عبر وسائل الإعلام, ولا أنكر أن الفلسطينيين يتمتعون بذلك لكن أرغب في أن نعزز ذلك في أنفسنا".
هدية السجن
وفي حديثه عن الحياة داخل السجن, يبين أن التعاون أجمل سمة توجد داخل السجون, فالأسرى كالجسد الواحد هناك يتقاسمون كل شيء وتجد الانا معدومة هناك حيث كل يبدي غيره على نفسه في أي شيء, ولكن هناك غصة أصابتهم وأصبحت جزء من معاناتهم بدأت منذ الانقسام الفلسطيني الذي ولد خلافات كثيرة بين الأسرى, يقول:" بعد أن كان الأسرى أسرة واحدة تغيظ السجان جاء الانقسام الذي اعتبره أجمل هدية بالنسبة للاحتلال قدمها له الفلسطينيون".
لقد أثر الإنقسام على الأسرى داخل السجن, فأصبح هناك ابن فتح وآخر ابن حماس, فكانت آثاراً سلبية دفعت ثمنها الحركة الأسيرة , والأصعب من ذلك على الأسرى أن الاحتلال استغل هذا الانقسام من خلال تعميق الفجوة, وكما وصف الأسير احساسه قائلاً :" كم كنت أتألم لذلك".
يضيف:" إن أكثر ماكان يعمق الانقسام داخل السجن في صفوف الأسرى هو بعض الشخصيات التي لم تكن تتفاعل مع قضية المصالحة والتي تولد الأفكار المختلفة بين الأسرى وبالتالي تصنع الحزازيات والأمور الحساسة".
الدراسة داخل السجن
ولأن المحرر جرادات قضى معظم سنوات عمره خلف القضبان كان لابد من أن يتلقى تعليمه الجامعي تحت سقف السجن, حيث درس التاريخ والعلوم السياسية فقضى حياة جامعية داخل أجواءه, وهناك عشق العلم والإطلاع والقراءة حيث يشهد له الجميع بثقافته الواسعة, يقول في هذا الشأن"ّ لن تقتصر دراستي على تخصص التاريخ بل كنت ادرس عدة قضايا علمية وطبية وبيئية واجتماعية كنت أحاول أن اجمع كل الثقافات, لقد علمني السجن كيف استغل الوقت وهناك أدركت قيمة العلم" .
تنسم جرادات الحرية في المرحلة الأولى من صفقة وفاء الأحرار ليعود إلى وطنه وأحبائه, ولكن ليست بأرض أهله وذويه بل شاء القدر أن يكمل حياته في الشق الآخر من الوطن بين أبناء شعبه في مدينة غزة, فأتى إليها حاملا أفكاره الوطنية وعشقه لفلسطين وكله أمل في أن يقدم شيئا لأرضه فوق حريته وسنين عمره التي التي دفعها ثمنا للوطن, يقول: " لسنا ضد اليهود كديانة إنما ضد الاحتلال كمغتصب لأرضنا وعدو يتربص لأبنائنا فهذه هي قضيتنا" .
خرج جرادات ليكمل بقية حياته في العالم الكبير, حاملاً بعنقه أمانة ثقيلة كانت بالنسبة له مزيج من الحزن اختلط بفرحته بالحرية, حيث ترك رفقاء قضى معهم سنين طويلة ومنهم من كان على أمل بالحرية ولكن الصفقة لم تشمله فكان نصيبه البقاء بالسجن برفقة الأمل الذي لن يفارقه, يقول:" هذه هي الغصة التي تنخز قلبي كل يوم, لن أشعر بالسعادة مادام لي رفقاء هناك بالمكان الذي كنت به, فكم تقاسمنا اللقمة سوياً وتألمنا نفس الألم وشاركتنا فرحة معاً, بينما أتى اليوم وأنا هنا حر أسير أين ما أريد وهم لا يزالون هناك".
ويطالب كل العالم وأبناء الشعب الفلسطيني بدءاً من الإنسان العادي وحتى المسئولين والمهتمين بشئون الأسرى بضرورة النظر إلى حال الأسرى والتضامن معهم عبر وسائل الإعلام والفعاليات أو حتى صغائر الأمور حيث الأسرى يشعرون بالقوة حينما يجدون أبناء شعبهم هكذا.
ووينوه أيضاً إلى ضرورة الاهتمام بالمحررين أيضاً, حيث الاحتلال يترصد لهم واستدعى بعضهم في الضفة الغربية, ويراقب المحررين في قطاع غزة, مؤكداً على ضرورة متابعة المحررين أمنياًّ لاسيما في قطاع غزة حيث يعتقد البعض أنهم بعيدين عن عيون الاحتلال ولكن الحقيقة غير ذلك.
ويذكر الأسير موقفاً حدث معه أثار شكوكه, حيث أصر على ذكره عبر مركز احرار, يقول:" الآن أمكث في شقتي وبدأت أدمج نفسي مع الشعب الغزي, فهو حقاً شعباً طيباً وأهله كرماء وأنا سعيد بالعيش بينهم, ولكن ما يقلقني أنني لا أزال أشك بأن الاحتلال يترصد لي, فكثيراً ما يدق بيتي في ساعات متأخرة بالليل وحينما أخرج لا أجد أحد, في البداية أخذت الامر بشكل طبيعي ولكن تكرر الأمر وأتى في وقت تعرض فيه منزل عائلتي للاقتحام من قبل قوات الاحتلال في جنين, مما جعلني أتيقن أن الاحتلال لا يزال يترصد لنا".
وتلك هي حكاية أحد هؤلاء الأبطال حيث هم من يدركون قيمة العلم واستغلال الحياة بما يصب في بناء ذاتهم لتكتمل فلسطين التي تأويهم بينما الأمل بالحرية والتحرير لن ينقطع مهما كبرت الأمور, وطموحهم لن يتوقف مادام هناك حياة.

مشاركة مميزة