الاثنين، 23 يناير 2012

الناشط الحقوقي محمود أبو رحمة لم يقترف جرماً



kolonagaza7
بقلم: حسـين حمّاد
لكل منا رأي وموقف وانتماء ومن الممكن أن يختلف أو يتفق فيها مع آخرين، وأن حرية التعبير عن الرأي حق مكفول في الأديان السماوية وفي الأعراف والتقاليد وفي القوانين الأساسية وفي قانون حقوق الإنسان، فيمنع ويحرم ويجرم كل من يصادر إنسان هذا الحق.
وفي هذا السياق أسترشد بقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين نهانا عن التبعية للآخرين وتقليدهم على غير علم ودراية وبصيرة، وعلمنا وجوب تكوين الرأي المستقل، والإرادة الحرة في التفكير والتعبير، فقال: "لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنَّا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا"، رواه الترمذي.
وبما روي عن أنه جاء رجل لخليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يوماً، فقال له على رؤوس الأشهاد: اتق الله يا عمر، فغضب بعض الحاضرين من قول الرجل، وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها. وفي رواية أخرى نقلت عن حذيفة بن اليمان، قال فيها: دخلت على عمر بن الخطاب وهو قاعد على جذع في داره، يحدث نفسه، دنوت منه فقلت: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين ، فقال : هكذا بيده، وأشار بها، قلت : ما الذي يهمك؟ والله لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك، قال: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمراً تنكرونه لقومتموه ؟ فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك، ففرح عمر بذلك فرحاً شديداً، وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمراً ينكره قومني، رواه ابن أبي شيبة.
ومن ذلك نفهم ونعي أن حرية الرأي والتعبير في ديننا الإسلامي الحنيف هي فريضة على الحاكم والمحكوم، يطالب بتنفيذها الحاكم عن طريق تحقيق العدل والمساواة وإتاحة فرص التعبير عن الآراء- أعامة كانت أو سياسية أو حزبية أو قومية- وفتح باب المشاركة أمام الجميع، وغير ذلك من الطرق التي تجعلها ممكنة، بحيث لا تخاف الرعية من ظلم كبت أو انتهاك أو تكميم للأفواه أو فقر أو تهميش إذا ما مارستها، وعلى المحكوم- أفراداً وجماعات- أن يمارسها في المجالات كافة، تجاه الحاكم وتجاه الآخرين، فالمسلم مطالب بعدم كتمان الشهادة- السياسية والاجتماعية والقضائية- على حد سواء، قال تعالى: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) سورة البقرة، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "الدين النصيحة"، قال من حوله: لمن؟ فقال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
ومن هذا المنطلق يتوجب على الجميع تجريم كل ما هو غير منسجم مع تعاليم ديننا الحنيف وسنة نبيه الكريم واجتهاد صحابته الأجلاء، وكل ما غير ملتزم بالقوانين والأحكام والأعراف السائدة، خاصة ما تعلق بحرية التعبير عن الرأي فيها، ومنه ما حدث مع الناشط الحقوقي والزميل: محمود أبو رحمة، الذي تعرض لاعتداء آثم استخدم الجناة خلاله الأدوات الحادة، ليس لشئ إلا لأنه عبر عن رأيه بكل قوة وصراحة ووضح من خلال مقال رأي عنونه "بالحماية الغائبة: المواطن والحكومة والمقاومة"، نشره في أواخر العام 2011، ليتلقى بعد نشره سيلاً من التهديدات، ثم أقدم جبناء يختفون وراء قناع، على الاعتداء عليه ممزقين جسده، محاولين قتله، بهدف كتم صوته، وانتهاك حريته في التعبير وإسداء النصيحة، وذلك أثناء إيابه إلى منزله الكائن في حي تل الهوا بمدينة غزة، فقد تناول محمود في مقاله قضايا عامة تمس كل فلسطيني يعيش في القطاع، سكت عنها الكثير ولم يتناولوها لحاجات تخصهم، فكان صوتاً ومنبراً ومدافعاً يشار إليه بالبنان. ووفقاً لهذا ينبغي علينا جميعاً أن نقف أمام مسئولياتنا، ونستنكر ونشجب ونرفض ونستهجن هذا الفعل، الذي قام به أشخاص مضللون، بعيدون عن ثقافتنا وأخلاقنا وديننا، أن نواصل ممارسة حقوقنا كافة بحرية، وأن نطالب السلطات المعنية بالقيام بواجبها والقبض على الجناة ومحاكمتهم على الملأ.
ودعونا نتوقع أنه إذا ما اهتم أصحاب الشأن بأمر ما فإنهم بالتأكيد سوف يحققونه ويصلون إلى الحقيقة كاملة، مع الإشارة إلى أنهم مقيدون دائماً بتطبيق بالقانون واحترام أحكامه، واحترام حقوق الإنسان. وعليه دعونا نتفق أن المجرم مجرم كيفما كانت صفته، والفعل الإجرامي هو كذلك، وهم مشجوب مستنكر، يخضع لأحكام القضاء، كيفما كانت طريقة تنفيذه. لذا نطالب أن يحاسب المعتدون على محمود أبو رحمة في أسرع وقت، دون مبررات. وإن كان محمود قد تلقى الطعنات والضربات لأنه صرح برأيه دون خوف، فإن محمود قد أضحى بطلاً، وأبلغ الرد على أولئك إعلان أننا جميعاً محمود، نتفق معه فيما طرح، ونؤيد وجهة نظره، ونؤكد أن أمهاتنا ولدتنا أحراراً، ولن يكتم أي كان أصواتنا.



مشاركة مميزة