السبت، 28 يناير 2012

ضريبة أملاك على منطقة محتلة

kolonagaza7

عودة عريقات

إن فهم الحقيقة والتحديق والاعتراف بها خير من التحليق وراء هدف لم يتحقق بعد وغمض العيون عن الواقع المأساوي للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على بقية فلسطين منذ نصف قرن تقريبا ولا أفق للخلاص ظاهر للعيان القريب،
حيث لا زالت المنطقة الفلسطينية الواقعة شرقي الجدار العنصري شرقي القدس الشريف ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي حيث السيطرة الأمنية الشاملة في منطقة أبوديس والعيزرية والسواحرة الشرقية لجيش الاحتلال الإسرائيلي،
وبالرغم من وجود مكتب للشرطة الفلسطينية باللباس المدني ووجود عدة مكاتب للداخلية والارتباط المدني تقدم الخدمات ومكاتب للضريبة ووجود مجلس محلي من فئة ب إلا أنها لا تشكل مظهرا للسيادة،
لأن هذه المنطقة غير محررة وغير مسلمة للسلطة الوطنية الفلسطينية وأمن المواطن بيد المحتل يتحكم به بالإضافة إلى مظاهر غياب القانون المختلفة مما يعني أن الأمن الشخصي للإنسان مهدد لولا ما يتمتع به قسم كبير من الناس بحس ديني وأخلاقي وروابط مجتمعية وعشائرية وحزبية ومكتب شرطة بلباس مدني يقدم واجبه وكلها مجتمعة تسعى للردع والتخفيف من حدة هذه المظاهر،
بالإضافة إلى افتقاد المنطقة للمرافق الصحية المهمة جدا مثل المستشفى ولا يوجد شبكة مجاري للصرف الصحي وهل يعقل في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين أن تفتقد بوابة القدس الشرقية لمستشفى يسعف المرضى وتفتقد شبكة مجاري وغيابها استنزف جيب المواطن في الذهاب للمستشفيات البعيدة في المدن الأخرى وفي حفر الآبار للصرف الصحي ونضحها بالإضافة لتلويث البيئة،
وغياب الخدمات الأخرى مثل رعاية المسنين ورعاية الشباب العاطلين عن العمل ورعاية المرأة والأمومة والطفولة بالصورة المطلوبة وغياب أفق وبرنامج محدد لدعم صمود المواطنين في هذه المنطقة حيث صمد المواطنون منذ الاحتلال في عام 1967 بسبب صبرهم واعتمادهم الذاتي على أعمالهم وعلاقاتهم وروابطهم العائلية والمجتمعية،
واستمرار الهجمة الاستعمارية الاستيطانية المستعرة على المنطقة بعد بناء جدار الفصل العنصري الذي ابتلع أراضي المنطقة والاستمرار في مصادرة الأراضي وتنفيذ المخططات الاحتلالية وهناك مخطط لبناء جدار آخر بحجة الأمن يفصل المنطقة الفلسطينية المذكورة عن ما يسمى منطقة معالي أدوميم ويرافقه تغيير تعسفي لمسار الطرق إلى رام الله وإلى أريحا،
والمنطقة الشرقية لحدود القدس الشرقية هي منطقة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة وعلى سبيل المثال بلدة أبوديس كانت مساحة أراضيها أكثر من ثلاثين ألف دونم لم يتبقى منها سوى أربعة آلاف دونم وكان عدد سكانها في عام 1922 خمسمائة نسمة ولديهم 25 ألف رأس من الأغنام والمواشي بسبب وجود المراعي الواسعة والأراضي الزراعية وكانت تزود القدس بشقيها بالحليب ومنتجات اللبن والجبن ،
واليوم عدد المواطنين يقرب من عشرين ألف نسمة و يقدر فيها ما يقرب من 500 رأس من المواشي فقط ومثلها في المأساة جاراتها العيزرية والسواحرة الشرقية وحوت الاستيطان الإسرائيلي يبلع كل شيء أمامه فلا يبقي ولا يذر،
وبالتالي فإن هذه المنطقة الفلسطينية والتي سلخت عن القدس الشريف بعد بناء جدار الفصل العنصري منكوبة من الدرجة الأولى حيث افتقدت كثيرا من المرافق والخدمات والفرص الاقتصادية الكثيرة وافتقدت التواصل شريان الحياة مع القدس،
ولهذا فهذه المنطقة بحاجة ماسة لدعم صمودها جديا من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال تعزيز الوجود الوطني الفلسطيني من خلال تعزيز صمود وبقاء المواطن الفلسطيني في حالة جيدة ماديا ومعنويا لأنه متواجد وصامد على ثغر مهم قبالة القدس الشريف،
وبدلا من تعزيز صمودهم تفرض وزارة المالية الفلسطينية ضريبة أملاك على المواطنين في هذه المنطقة والتي لم يفرض عليها الاحتلال ضريبة أملاك منذ عام 1967 وهذا أمر يشكل استنزاف آخر لقدرات المواطنين الفلسطينيين في ظل احتلال فعلي وحصار للمنطقة ما بين الجدار ومستعمرات منطقة معالي أدوميم،
وتم تقدير الضريبة وفقا للقانون الأردني لضريبة الأملاك لعام 1955م والذي أكل عليه الدهر وشرب وقيمة الضريبة 17% من قيمة التقدير الضريبي بينما هذه النسبة أقل بكثير في الأردن وفقا لتقسيم المناطق حيث تم تعديل القانون خلال سنوات الاحتلال الخمسة والأربعين الماضية،
وأيضا تم فرضها في غياب المجلس التشريعي وبدون مرسوم من الرئيس ومن قبل حكومة تسيير أعمال مستقيلة منذ مدة وبدون مشاورة ومقدمات مع أهالي المنطقة ودون عمل أي تسوية مساحة للأراضي وحصر الملكيات من قبل دائرة الأراضي وتم تقدير الضريبة عشوائيا من قبل موظفي الضريبة و موظفي مجلس أبوديس المحلي الذي يديره موظف معين من وزارة الحكم المحلي ،
والحقوق يقابلها واجبات وإذا كانت الضريبة واجب على المواطن فإن له حقوق في المقابل وأهمها الأمن الحياتي والغذائي فهل هي موفرة له وهل تم تحرير البلد والممتلكات المفروضة عليها الضرائب من الاحتلال وهل قرار فرضها يتصف بالشرعية والصواب وفقا لما سبق ذكره،
وهناك خطورة في فرض ضريبة الأملاك على منطقة أبوديس المحتلة مع السيطرة الأمنية الشاملة لجيش الاحتلال رغم أنها تصنف منطقة ب وذلك قبل إجراء تسوية شاملة فيها للأراضي المتبقية بعد المصادرات الإسرائيلية وقبل حصر الأملاك لملاكها الشرعيين وفقا للمستندات الرسمية التي بحوزتهم وتتمثل الخطورة بشكل مختصر بما يلي:
1. في أوراق تقدير الضريبة الموزعة على المواطنين تم وضع أرقام جديدة للأحواض وأرقام للقطع وهي مغايرة تماما للسجلات التركية والانجليزية والأردنية وهذا أمر يصب في مصلحة الاحتلال للتلاعب بالسجلات.
2. هناك أملاك للغائبين الذين نزحوا في عام 1967 وممن تركوا الوطن للدراسة أو العمل في البلدان الأخرى وإرسال التقدير الضريبي لأقاربهم المتواجدين أو للمشترين للأملاك من وارث واحد يضيع عليهم أملاكهم لأن هؤلاء المرسل إليهم التقدير سيسارعون للدفع لتثبيت الملكية لهم.
3. منذ عام 1967 لم يرغم الاحتلال الإسرائيلي أبناء المنطقة على دفع ضريبة أملاك وبالتالي فإن فرض ضريبة أملاك على هذه المنطقة يعني تهيئة الإحصاءات والسجلات الضريبية الجاهزة مجانا ولقمة سائغة للاحتلال في حالة إعلان الاحتلال رغبته واتخاذ قرار بضم المنطقة للقدس المحتلة أو ضمها لمنطقة معالي أدوميم لأن أفق الانسحاب الإسرائيلي من هذه المنطقة ما زال بعيدا عن العيان.
ولما سبق ذكره يأمل معظم المواطنون في منطقة أبوديس المنكوبة من صاحب القرار الحكومي التراجع عن قراره بفرض ضريبة أملاك على منطقة منكوبة ومحتلة لأن المكان والزمان غير مناسب ،
ولأن المنطقة تفتقد كثيرا من الخدمات والمرافق الحيوية الكثيرة والمفروض أن توفرها الحكومة كحقوق مستحقة للمواطنين إذا كانت الحكومة صاحبة سيادة علي المنطقة ولأن فرض الضريبة من سمات وعلامات السيادة،
والمواطن الفلسطيني في ظل ظروف الاحتلال الصعبة لم يعد بئر نفط أو منجم ذهب لاستثماره فاقتصاد السوق الحر والضريبة المضافة على كل السلع والخدمات والقطاع الخاص عصر المواطن الفلسطيني بما فيه الكفاية والواقع المعاش أبلغ من أي كلام أو خطاب.
28/1/2012

مشاركة مميزة