kolonagaza7
بقلم / توفيق أبو شومر
أعادني خبر قرأته في صحيفتي هارتس ويديعوت أحرونوت، ولم يتمكن إعلامنا الفلسطيني من تسليط الضوء على ما جاء في الخبر للأسف الشديد، لانشغالنا ( بالشعارات السياسية الفاقعة والفارغة والخاوية!!)
الخبر يتعلق بأن البرلمان الفرنسي أوفد مبعوثا ليتقصى الحقائق في الضفة الغربية ، وكان الوفد برئاسة رئيس لجنة الخارجية( جين كالفاني ) وكان وزيرا للزراعة في حكومة فرانسو ميتران.
قام عضو البرلمان الفرنسي بعمل دراسة غير مسبوقة خلصت إلى أن إسرائيل تستخدم سلاح المياه لتعزيز نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، كما فعلت جنوب إفريقيا، فهي تجبر الفلسطينيين على البحث عن مياه الينابيع غير الصحية، وتستأثر بمخزون المياه الجوفية، حتى أنه قال إن إسرائيل ترى أن مياه الضفة الغربية أشد خطرا عليها من صواريخ الكاتيوشا، وأشار عضو البرلمان إلى أن جدار الفصل، أقامته إسرائيل لتعزيز الأبارتهايد المائي!!
لم ينته الخبر عند ذلك، فقد انتهى الخبر عندنا نحن فقط، أما في إسرائيل فقد أشعل معد التقرير الضوء الأحمر ، فنددت وزارة الخارجية بمعد التقرير، وفتح الإعلام الإسرائيلي ملفه:
(( فجين كلافاني، نسخة من القنصل الفرنسي في سوريا عام 1840 الذي أعدم اليهود بتهمة قتل قس مسيحي،لاستخدام دمه في خبز البيسح، إذن فجين كلافاني متهم بأنه ليس لا ساميا فقط ، بلا إنه متهم بتلطيخ وجه إسرائيل بفرية الدم)) من مقال للكاتب الإسرائيلي جوليو موتي يديعوت 20/1/2012 .
ولأجل هذه الهجمة أعلن أعضاء لجنه البرلماني الفرنسي جين كلافاني براءتهم من معدِّ التقرير، وأنا أعتقد بأن التقرير سوف يسحب عاجلا أم آجلا من ملفات البرلمان الفرنسي!
وللعلم فإن إسرائيل من الدول القليلة في المنطقة التي استطاعت أن تنجز مسحا شاملا للمياه في المنطقة العربية المحيطة بها ، ويمكن القول بأنها هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعرف المخزونات المائية في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن ومصر ، وقليلون يعرفون بأن إسرائيل أسست كل مستوطنات قطاع غزة بعد حرب عام 1967 فوق البحيرة المائية النقية الضخمة في رمال خانيونس وبيت لاهيا، وأن كل المستوطنات التي بنيت هناك كانت مستوطنات مائية (تكتيكية) وهي المستوطنات الإسرائيلية الوحيدة التي كانت تمنح للمستوطنين بأسعار رمزية لا للإقامة ، بل لتكون (مظلات) واقية لهذا المخزون المائي الجوفي
وقليلون يعرفون أيضا بأن أكثر من نصف سكان إسرائيل كانوا يشربون ماء هذه البحيرة التي كانت تضخ عبر الشبكة المركزية الإسرائيلية ، وكان التحكم في تلك الآبار يتم ألكترونيا من مقر الشركة في تل أبيب .. وأشارت إحصاءات عام 2004 بأن استهلاك الفرد الإسرائيلي اليومي يصل إلى أربعمائة وسبعين لترا ، في حين يصل استهلال الفرد الفلسطيني إلى أقل من أربعين لترا من المياه الأخرى غير الصالحة للشرب .
ولست مقتنعا بأن إسرائيل حين تركت هذا المكان ، قد تخلت عن هذا المخزون المائي الهائل ، وليس غريبا أنها تمكنت من تأسيس نظام تحت الأرض لامتصاص هذا المخزون اعتمادا على جهلنا بالأمر ، وعدم قدرتنا على رصده ومتابعته ، بالنظر إلى الخبرات الإسرائيلية الهائلة في هذا المجال.
كانت إسرائيل قبل خروجها من المستوطنات عام 2005 تضع شروطا قاسية على حفر الآبار الارتوازية ، لا لهدف المحافظة على المخزون المائي في غزة ، بل للمحافظة على النظام البيئي المائي في المنطقة كلها ، لأن من يدرس المخزونات المائية يعرف بأنها لا تنتمي إلى حدود دولة من الدولة ولا تعترف إلا بنظامها المائي فقط.
وما أن خرجت إسرائيل من غزة حتى شرع كل بيت وكل عمارة سكنية وكل صاحب مزرعة صغيرة في حفر بئره الجوفي الخاص به ، بحيث صارت مياه قطاع غزة اليوم تماثل تماما مياه بحر غزة في ملوحتها بعد استنزافها ، أما عن التلوث فحدث ولا حرج لأن غزة تعيش فوق مجاريها ، وتنام فوق فضلاتها ، وتسير على بقاياها ، وهذا بالطبع جعل البحر شاطئا من شواطيء المجاري ، ووصل التلوث إلى المخزون المائي الجوفي كذلك.
إن الشعارات السياسية ، والدعايات الحزبية والخطابات البلاغية لايمكنها في الألفية الثالثة أن تسقى مائة ألف طفل مياها عذبة نقية ، ولا يمكنها أن تؤسس إلا دولة العطش !
لقد أدرك عالم الفضاء والجغرافيا د. فاروق الباز ذلك ، وأدرك بأن الجهل والتخلف والمرض في جنوب السودان ناتج من نواتج المياه ، والعكس صحيح أيضا لأن الماء مسؤولة عن التأسيس الثقافي والعلمي في أي بلد من البلدان ، وأدرك بحاسته الفائقة خطورة النقص المائي لأن المياه هي المسؤولة عن الحروب ، وهي التي ستصوغ خريطة العالم بعد الاقتتال المقبل على المياه .
ولا يمكن لعاقل أن يصدق بأن السودان تعاني من ضائقة مائية ، على الرغم من أن النيل يمر في شرايينها ويتغلغل في جوفها .
أليس جديرا بنا أن نقوم بإعادة النظر في أولويات النمضال الفلسطيني، وأن نتوافق على أن إبراز عنصرية الاحتلال، ليست فقط بإبراز قصف مدننا وقرانا ، وقتل أبنائنا فقط، بل في قتل الحياة في حياتنا نفسها، فيجب أن نضع استراتيجية نضالية جديدة، تركز على جرائم الاحتلال في حق المياه والبيئة، وأن نُبرز للعالم بأن حصارنا لا يعني منعنا من السفر فقط، بل يمنعنا من التنفس هواءً نقيا، فالجدار مثلا أصبح ثانويا بالنسبة لنا، ولم تعد لنا رغبة في الحديث عن مصائبه وكوارثه، مع العلم بأن الإسرائيليين يواصلون بناءه، أما نحن فنواصل تجاهل أضراره!!
أعادني خبر قرأته في صحيفتي هارتس ويديعوت أحرونوت، ولم يتمكن إعلامنا الفلسطيني من تسليط الضوء على ما جاء في الخبر للأسف الشديد، لانشغالنا ( بالشعارات السياسية الفاقعة والفارغة والخاوية!!)
الخبر يتعلق بأن البرلمان الفرنسي أوفد مبعوثا ليتقصى الحقائق في الضفة الغربية ، وكان الوفد برئاسة رئيس لجنة الخارجية( جين كالفاني ) وكان وزيرا للزراعة في حكومة فرانسو ميتران.
قام عضو البرلمان الفرنسي بعمل دراسة غير مسبوقة خلصت إلى أن إسرائيل تستخدم سلاح المياه لتعزيز نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، كما فعلت جنوب إفريقيا، فهي تجبر الفلسطينيين على البحث عن مياه الينابيع غير الصحية، وتستأثر بمخزون المياه الجوفية، حتى أنه قال إن إسرائيل ترى أن مياه الضفة الغربية أشد خطرا عليها من صواريخ الكاتيوشا، وأشار عضو البرلمان إلى أن جدار الفصل، أقامته إسرائيل لتعزيز الأبارتهايد المائي!!
لم ينته الخبر عند ذلك، فقد انتهى الخبر عندنا نحن فقط، أما في إسرائيل فقد أشعل معد التقرير الضوء الأحمر ، فنددت وزارة الخارجية بمعد التقرير، وفتح الإعلام الإسرائيلي ملفه:
(( فجين كلافاني، نسخة من القنصل الفرنسي في سوريا عام 1840 الذي أعدم اليهود بتهمة قتل قس مسيحي،لاستخدام دمه في خبز البيسح، إذن فجين كلافاني متهم بأنه ليس لا ساميا فقط ، بلا إنه متهم بتلطيخ وجه إسرائيل بفرية الدم)) من مقال للكاتب الإسرائيلي جوليو موتي يديعوت 20/1/2012 .
ولأجل هذه الهجمة أعلن أعضاء لجنه البرلماني الفرنسي جين كلافاني براءتهم من معدِّ التقرير، وأنا أعتقد بأن التقرير سوف يسحب عاجلا أم آجلا من ملفات البرلمان الفرنسي!
وللعلم فإن إسرائيل من الدول القليلة في المنطقة التي استطاعت أن تنجز مسحا شاملا للمياه في المنطقة العربية المحيطة بها ، ويمكن القول بأنها هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعرف المخزونات المائية في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن ومصر ، وقليلون يعرفون بأن إسرائيل أسست كل مستوطنات قطاع غزة بعد حرب عام 1967 فوق البحيرة المائية النقية الضخمة في رمال خانيونس وبيت لاهيا، وأن كل المستوطنات التي بنيت هناك كانت مستوطنات مائية (تكتيكية) وهي المستوطنات الإسرائيلية الوحيدة التي كانت تمنح للمستوطنين بأسعار رمزية لا للإقامة ، بل لتكون (مظلات) واقية لهذا المخزون المائي الجوفي
وقليلون يعرفون أيضا بأن أكثر من نصف سكان إسرائيل كانوا يشربون ماء هذه البحيرة التي كانت تضخ عبر الشبكة المركزية الإسرائيلية ، وكان التحكم في تلك الآبار يتم ألكترونيا من مقر الشركة في تل أبيب .. وأشارت إحصاءات عام 2004 بأن استهلاك الفرد الإسرائيلي اليومي يصل إلى أربعمائة وسبعين لترا ، في حين يصل استهلال الفرد الفلسطيني إلى أقل من أربعين لترا من المياه الأخرى غير الصالحة للشرب .
ولست مقتنعا بأن إسرائيل حين تركت هذا المكان ، قد تخلت عن هذا المخزون المائي الهائل ، وليس غريبا أنها تمكنت من تأسيس نظام تحت الأرض لامتصاص هذا المخزون اعتمادا على جهلنا بالأمر ، وعدم قدرتنا على رصده ومتابعته ، بالنظر إلى الخبرات الإسرائيلية الهائلة في هذا المجال.
كانت إسرائيل قبل خروجها من المستوطنات عام 2005 تضع شروطا قاسية على حفر الآبار الارتوازية ، لا لهدف المحافظة على المخزون المائي في غزة ، بل للمحافظة على النظام البيئي المائي في المنطقة كلها ، لأن من يدرس المخزونات المائية يعرف بأنها لا تنتمي إلى حدود دولة من الدولة ولا تعترف إلا بنظامها المائي فقط.
وما أن خرجت إسرائيل من غزة حتى شرع كل بيت وكل عمارة سكنية وكل صاحب مزرعة صغيرة في حفر بئره الجوفي الخاص به ، بحيث صارت مياه قطاع غزة اليوم تماثل تماما مياه بحر غزة في ملوحتها بعد استنزافها ، أما عن التلوث فحدث ولا حرج لأن غزة تعيش فوق مجاريها ، وتنام فوق فضلاتها ، وتسير على بقاياها ، وهذا بالطبع جعل البحر شاطئا من شواطيء المجاري ، ووصل التلوث إلى المخزون المائي الجوفي كذلك.
إن الشعارات السياسية ، والدعايات الحزبية والخطابات البلاغية لايمكنها في الألفية الثالثة أن تسقى مائة ألف طفل مياها عذبة نقية ، ولا يمكنها أن تؤسس إلا دولة العطش !
لقد أدرك عالم الفضاء والجغرافيا د. فاروق الباز ذلك ، وأدرك بأن الجهل والتخلف والمرض في جنوب السودان ناتج من نواتج المياه ، والعكس صحيح أيضا لأن الماء مسؤولة عن التأسيس الثقافي والعلمي في أي بلد من البلدان ، وأدرك بحاسته الفائقة خطورة النقص المائي لأن المياه هي المسؤولة عن الحروب ، وهي التي ستصوغ خريطة العالم بعد الاقتتال المقبل على المياه .
ولا يمكن لعاقل أن يصدق بأن السودان تعاني من ضائقة مائية ، على الرغم من أن النيل يمر في شرايينها ويتغلغل في جوفها .
أليس جديرا بنا أن نقوم بإعادة النظر في أولويات النمضال الفلسطيني، وأن نتوافق على أن إبراز عنصرية الاحتلال، ليست فقط بإبراز قصف مدننا وقرانا ، وقتل أبنائنا فقط، بل في قتل الحياة في حياتنا نفسها، فيجب أن نضع استراتيجية نضالية جديدة، تركز على جرائم الاحتلال في حق المياه والبيئة، وأن نُبرز للعالم بأن حصارنا لا يعني منعنا من السفر فقط، بل يمنعنا من التنفس هواءً نقيا، فالجدار مثلا أصبح ثانويا بالنسبة لنا، ولم تعد لنا رغبة في الحديث عن مصائبه وكوارثه، مع العلم بأن الإسرائيليين يواصلون بناءه، أما نحن فنواصل تجاهل أضراره!!