الخميس، 9 فبراير 2012

من كان يعبد مجلس الأمن

kolonagaza7

لم يكن مفاجئاً لي ألبتة، أن تصوت روسيا والصين ضد مشروع القرار الخاص بسورية في مجلس الأمن. ولقد حمدت الله على ذلك. فقد كان القرار خطيراً على الثورة والثوار، إذ يصفهم بالجماعات المسلحة، ويطالبهم بوقف العنف. كما أنه لا يشير إلى مسألة تسليم السلطة لنائب الرئيس، ولا الجداول الزمنية الخاصة بذلك. ناهيك عن أنه لا يحظر وصول الأسلحة الروسية والإيرانية إلى النظام، تلك الأسلحة التي تقتل شعب سورية صغارها وكبارها.لم نتوقع يوماً ولن نتوقع أن ينصف مجلس الأمن الشعوب العربية، وهو الذي خذل الشعب الفلسطيني عشرات المرات، وما حدث في ليبيا من إقرار مشروع أممي للقضاء على القذافي ما حركه إلا النفط الليبي الغزير وليس دماء أهل بني غازي. إذ لن يكون الدم العربي أغلى عند أعضاء المجلس من النفط. وهذا مما يفسر تراخي المجتمع الدولي أمام رجل يقتل شعبه ويقصفه بالطائرات والدبابات، لا لسبب اللهم إلا أن للحفاظ على كرسيه. قد تكون المسألة بالفعل تبادل أدوار، أمريكا تحافظ على الكيان الصهيوني من خلال حق النقض الفيتو، وروسيا تحافظ على حكم الأسد، الذي يدعم أمن الكيان بكل ما أوتي من قوة، وقد تكون المسألة أيضاً أن أمريكا والغرب فرحون بما تقوم به روسيا، فهي تنقذ نظام الأسد المقاوم لشعبه، وبنفس الوقت تنقذ حكومات هذه الدول أمام شعوبها، إذ سيتم اتهام روسيا والصين بعرقلة القرار ويتم تبرئة الحكومات الغربية أمام الرأي العام في تلك البلاد. ذلك قد يكون صحيحاً كما أسلفت، ولكن الصحيح الذي ثبت عندي وعند غيري، أن أعضاء مجلس الأمن الدائمين لم يتخذوا قراراً طيلة عقود إلا في سبيل حماية الكيان الصهيوني. وبالتالي فإن فيتو أمس لم يكن إلا في هذا السياق، ولا هدف له بشكل رئيس إلا حماية "إسرائيل". فالأسد الأب والابن، حكما سورية ما يزيد على أربعين سنة، تم فيها التخلي عن الجولان أو بيعه. ثم هدأت جبهة القتال لعشرات السنين، ولم تطلق طلقة واحدة تجاه العدو، بل ومنع السوريين من الوصول إلى الجولان للقيام بعمليات ضد الصهاينة، ووصل الأمر إلى اعتقال من يحاول فعل ذلك. وبالفعل استقر الكيان أمنياً وذهب يبني قوته ويزيد بها، وما حصل له ذلك إلا بصمت الحكام في سورية ومصر طبعاً. فلنعترف أن حافظ الأسد وابنه ساهما في تقوية الكيان الصهيوني وتحويله إلى" إسرائيل". بينما انشغل الحاكمان باعتقال من يفتح فيه، أو من يصلي في المسجد أو من تضع الحجاب أو من يرى في الأسد أقل من إله. ولهذا كان لا بد من فيتو يحافظ على بشار الأسد في السلطة، فانهيار هذا الحاكم، سيؤدي إلى نتائج عكسية على الكيان الصهيوني، وعلى أمنه واستقراره، ولهذا حذر بشار بشكل واضح من هذا الأمر عندما قال أركان حكمه وبمنتهى الوقاحة إن أمن " إسرائيل من أمن سورية" تماماً كما قالها القذافي من قبله. بل تعدى الأمر ذلك إذ قرر الأسد فجأة بيع فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وأعلن دونما مسوغ، بأن سورية تعترف بدولة فلسطينية على حدود 1967. كل هذه الممانعة والمقاومة الكاذبة، هي من نصر الأسد في مجلس الأمن. فمن أين للصهيونية حارساً كالأسد، يمنع السوريين من دخول قرى الجولان إلا بتصريح حفاظاً على أمنها. لقد رضي الذل والمهانة مقابل كرسيه، ولو كان الأمر غير ذلك ما سمح للطائرات المعادية بقصف دير الزور وعين الصاحب والعربدة فوق الأجواء السورية محتفظاً بحق الرد إلى يوم القيامة. بالطبع ليس ما ذكرته هو السبب الوحيد للفيتو الروسي، ولكنه السبب الأهم، ومن بعده تأتي الأسباب الأخرى الاقتصادية والسياسية، وقد أشبع المحللون هذه الأسباب تفصيلاً وشرحاً، ولكنني أعرج بسرعة على أهمها، إذ لم يتبق لروسيا موطئ قدم في هذا الشرق إلا سورية، فهي تبيعها السلاح بمليارات الدولارت. وإن الفيتو الروسي يضمن للكرملين بيع سلاح أكثر فهم يعلمون أن الشعب سيرد على الفيتو بالدفاع عن نفسه وعندها سيطلب الأسد مزيداً من الأسلحة لقمع الشعب. فمن مصلحة روسيا استمرار هذا الوضع في سورية إلى ما لا نهاية، وإن سورية غير مستقرة يقاتل فيها الحاكم شعبه الثائر خير لروسيا والصهيونية من شعب متحرر سيسارع إلى القصاص من مغتصبي فلسطين. يدرك الروس تماماً أن موافقتهم على القرار الأممي كانت ستؤدي على الفور إلى انشقاق أعداد كبيرة من ضباط الجيش عن الأسد، وكثير من الموظفين السياسيين، فاستخدموا حق النقض ليمنعوا مثل هذه الانشقاقات. وهم يعرفون أن الأمر سينتهي بمنطقة عازلة ستجعل الأسد يقاتل وحده وماهر أخوه وآصف صهره واثنان آخران. وسينتهي للأبد. فوقفت ضد القرار. على المجلس الوطني اليوم وعلى المعارضة الحرة، وعلى الشعوب العربية أن تعلن روسيا دولة معادية للتحرر ومعادية للشعوب العربية وللحرية، وهي جزء من الطغيان، وهي مشاركة فعلياً بالقتل مثلها مثل حزب الله وإيران، وعليهم مقاطعة المنتجات الروسية والصينية والإيرانية مهما كانت ضرورية. بالمقابل ومع كل ما تقدم، فيجب أن يعرف العالم أجمع أن أطفال درعا، لم يكونوا لينتظروا أي دعم من مجلس الأمن، عندما كتبوا وقرروا " جاك الدور يا دكتور". وأن أهل حمص لم يعولوا على مجلس الأمن ولا على الجمعية العامة، ولا على الجامعة العربية لا بأمينها العام ولا بمراقبيها، مع التقدير الكامل بالطبع للدول العربية التي وقفت مع الثورة السورية وساندتها. ثورتنا ليست أقل من الثورة الفرنسية بل أعظم منها، وشعبنا ليس أقل من الشعب الفيتنامي، ستتحرر سورية من جلاديها شاء مجلس الأمن أم لم يشأ. فليس من أحد في سورية إلا ويعول على الله أولاً ثم على الجيش الحر واستمرار الثورة حتى سقوط النظام، ومن كان يعبد مجلس الأمن فإن مجلس الأمن قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا

مشاركة مميزة