الأحد، 5 فبراير 2012

الليرة السورية والريال الإيراني.. تناغم الخراب



kolonagaza7

حسناً.. ليست الليرة السورية ومعها الريال الإيراني عملة موحدة، وليستا ضمن آلية صرف واحدة، وليستا وليدتان مصرف مركزي واحد، وليستا مرتبطتان باقتصاد مشترك، لكنهما “ملتحفتان” بمصير واحد، فرضته سياسة مشتركة لنظامين، قررا التخاصم الدائم مع المجتمعات المحيطة بهما، وبعدها المجتمع الدولي. كرها التعاون والحوار والحلول الهادئة. والحقيقة أن هذه السياسة ليست سوى سلوكيات مريعة، تستحق بجدارة توصيف “سلوكيات الخراب” نالت من الشعبين السوري والإيراني أولاً وأخيراً. وكما كل الأنظمة التي تختار فقط ما ترغب من الواقع والحقيقة، ولا تتعاطى معهما بكل عناصرهما ونتائجهما ودلالتهما وتبعاتهما ومسراتهما ومصائبهما، كذلك نظامي الأسد وأحمدي نجاد، اللذان تفرغا للجدل والصراع مع المنطق، ولا بأس من ضربه، سواء سنحت لهما الفرصة أم لم تسنح، بصرف النظر عن النتائج، وهي دائماً، محصلة كارثية عليهما وعلى شعبيهما.
سلوكيات الخراب، أوجدت بصورة طبيعية معها تناغم الخراب، حول كل شيء وأي شيء. ومن الطبيعي أن تكون العملتان السورية والإيرانية في عينه. وإذا كانت العملات–بشكل عام- تشكل رموزاً للهيبة الوطنية، ومن أجل ذلك تسعى الدول بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على مكانتها، فإن الأمر ليس كذلك في حالتي ليرة سورية وريال إيران، فقد أصبحتا رمزاً من رموز الانهيار الاقتصادي، والهموم المعيشية، والمصائب اليومية. أصبحتا جزءاً أصيلاً من آليات التمرد والغضب، التي تقود أوتوماتيكياً إلى عصيان مدني، متعدد الأشكال. ففي شهر واحد فقط خسرت الليرة السورية 20 في المائة من قيمتها، بعد أن خسرت على مدى الأشهر الأربعة التي سبقته قرابة 40 في المائة. وفي الشهر نفسه خسر الريال الإيراني أكثر من 30 في المائة من قيمته. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الأسعار ارتفعت بصورة جنونية، وأن المواطن في كلا البلدين، مضطر ليس إلى تقليل حجم مشترياته (بما في ذلك مشترياته من المواد الغذائية الأساسية)، بل إلى التخلي عن عدد منها! ومع كل انخفاض في قيمة العملتين، ترتفع معدلات الغضب لدى الشعبين. وفي الوقت الذي تشهد فيه سوريا ثورة شعبية سلمية عارمة، طلباً لحرية اغتصبت فيها على مدى أكثر من أربعة عقود، بدأت بوادر الغضب تظهر في إيران، من خلال صدامات بين أفراد الشرطة ومواطنين في مدينة قم، وتوتر شعبي هنا وآخر هناك، وسط أجواء مشحونة أصلاً من سياسات محلية اقتصادية وغير اقتصادية.
لا شك أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على كل من سوريا وإيران، ساهمت بصورة كبيرة في انخفاض قيمة عملتي البلدين، وأن مزيداً منها سيسرع وصولهما إلى الحضيض. لكن هل كانت هذه العقوبات هي السبب الوحيد؟ السبب الأساسي هو السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظامين السوري والإيراني على مدى أكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك عمليات السرقة والنهب والفساد. ففي منتصف سبعينات القرن الماضي كان الدولار الأميركي يساوي 2,5 ليرة سورية، وبلغ الآن أكثر من 80 ليرة. وفي الفترة نفسها كانت قيمة الدولار توازي 70 ريالاً إيرانياً، وهي اليوم 18 ألف ريال! المواطنون في كل من سوريا وإيران، يقومون منذ أشهر بتخزين المواد الغذائية، ليس خوفاً من فقدانها في السوق، بل تفادياً لارتفاع أسعارها. فما تشتريه الليرة والريال اليوم، لن يشترياه غداً. وغداً يعني بالفعل بعد 24 ساعة، وليس توصيفاً مجازياً. ولأن الخراب الاقتصادي في كلا البلدين بات جزءاً من الأداء العام، فلم ينفع في سوريا قرار تعويم العملة، بل جاءت نتائجه عكسية، وفشلت كل المحاولات الإيرانية الرامية لرفع قيمة الريال أو إيقاف تدهوره، بما في ذلك رفع نسبة الفائدة عليه. الذي يحدث، أن السوريين يتخلصون بأسرع وقت ممكن وبأي ثمن كان من عملة بلادهم التي يملكونها، والأمر كذلك مع الإيرانيين.
نعم لقد نجحت العقوبات الغربية المفروضة على نظامي بشار الأسد المتهاوي من جراء قتله لشعبه، وأحمدي نجاد المرتعد خوفاً من تبعات شر أعماله، في رفع وتيرة الغضب الشعبي، لكن التي سبقها في “النجاح”، سياسات اقتصادية لا دخل للغرب ولا غيرهم بها. سياسات وضعت مصالح الشعبين في ذيل القائمة، هذا إن دخلت أصلاً إلى القائمة. سياسات لم يكن نظاما الأسد الأب والابن، ومعه نظام الملالي بحاجة إلى إخضاعها للتجربة أكثر من ثلاثة عقود، لمعرفة نتائجها. هذه السياسات أسست لواحد من أسوأ التحالفات في المنطقة، بين نظام سوري غير شرعي، ونظام إيراني يرى الواقع وهماً، ويرى الوهم واقعاً. وها هو الأسد الابن ومعه نظام خامنئي، يقطفان ثمرات هذا التحالف، الذي أوجد –من ضمن ما أوجد- اقتصاداً فريداً من نوعه، مبني على اقتصادين منفصلين لا يشبهان بعضهما البعض، ولا يرتبطان بالحد الأدنى من الروابط المشتركة. فلا غرابة إذن أن تكون النتيجة اقتصاد خراب، نال من شعبي البلدين، وينال الآن من نظاميهما.
محمد كركوتي

مشاركة مميزة