الجمعة، 3 فبراير 2012

ألعلاقة بين آلسّياسة و آلأخلاق .. مَنْ يحكم مَنْ!؟



kolonagaza7

عزيز الخزرجي

كلّ المنصفين يعترف اليوم بأنّ عبارات ألحزبي و آلقومي و آلوطني و آلرفيق و آلمناضل و آلثوري و آلمجاهد و ما في سياقها قد أصابها آلتشويه و أضحتْ مصطلحات للسخرية و التهكم, و يعود كلّ ذلك بإعتقادي إلى إنحطاط الأخلاق ألسّياسية و القيم الانسانية في عموم العالم و في الوطن العربي خصوصاً ألذي أصبحت فيه الأمة لا تدري عن ماذا تبحث و إلى أين تتّجه في خضم الفوضى و الأضطرابات و آلّلوبي ألوهّابي ألسّلفي!لقد تعرّضت ألمنظومة الأخلاقية و آلأدبية في الأمّة الأسلاميّة بسبب سياسة و جشع ألمتصدين فيها إلى تغييرات جذريّة منذ القدم و مروراً بالسّقيفة و إلى يومنا هذا .. بل إن المفاهيم الاسلامية ألتي تحوي أمثل المنظومات الأخلاقية إنقلبتْ إلى الضّد من آلتعاليم الأسلامية الواضحة في مجال التربية و حقوق الأنسان و كرامة المواطن العربي و المسلم و العلاقات الاجتماعية, بمعنى صار الكذب حلالاً و الصدق نشازاً؛ و الحلال حراماً و الحرام حلالاً و المعروف منكراً و المنكر معروفاً, بحيث صارتْ معلماً من معالم السياسي النشط في هذا العصر, و قد لا أُجانب الحقيقة لو قلتْ بأنّ آلسّياسيون تجاوزوا نظريات ميكافللي الأيطالي ألذي نظرياته تعتمد بآلأساس على قوانين النظرية السياسية الواقعية المعروفة و آلأساليب الخادعة للوصول إلى السلطة و الحفاظ على المنصب بكل الوسائل الممكنة لأنّ الغاية تبرر الوسيلة, و آلمُطّلع على كتب ميكافيللي يرى أنّه شرّع نظريّاته آلتي في النهاية تضرّ بمجموعات و شرائح من المجتمع لكنها بآلمقابل تصبّ لصالح شريحة أخرى عادّةً ما تكون مؤتلفة في القرار و الحكم و الأولويات.بآلطبع نحن الأسلامييون .. و بما أنّنا نؤمن بآلمبادئ الأسلامية السّمحاء ألتي حدّدها أئمة أهل البيت الطاهرين لا نعترف مبدئياً بأكثر القوانين ألتي توصل إليها ميكافيللي ذلك المفكر الأيطالي الغريب ألذي يعتمد نظرياته اليوم جميع الأنظمة الغربية .. تلك المبادئ ألتي نعتبر أكثرها غير أنسانية و لا تصب لصالح الفقراء خصوصاً! إنّ مشكلتنا العظمى كانت تكمن في عدم إمتلاكنا لتجربة إسلاميّة واضحة المعالم في الحكم خصوصاً مع تقدم الفكر الأنساني و تغيير وسائل الأنتاج و أنظمة البنوك و آلعلاقات و المعاملات الدولية المعقدة و حقوق الأنسان خصوصاً ما يتعلق بآلمرأة, فدولة الأمام علي(ع) في الكوفة ألتي كانت صورة منسوخة طبق الاصل عن دولة المدينة المنورة ألتي أسسها الرسول الأعظم(ص) يعدّها حتى الموالوان لأهل البيت بأنّها كانت دولة مثالية لا طاقة حتى لنبي مرسل من إعادتها بنفس الكيفية بسبب تطبيقه – أي الأمام عليّ(ع) للعدالة الالهية إلى أبعد الحدود. أمّا دولة الخلفاء وبآلرغم من عمرها الطويل نسبياً و الذي تجاوز العشرين عاماً فأنّها لم تعطي الصورة الواضحة للعدل كتطبيقات بل ربما حدث العكس و في منعطفات كثيرة و من البداية حين كانت نتائجها إراقة آلدماء البريئة كدم الصحابي ألجليل مالك بن نويرة و عشيرته و بإشراف الخليفة الأول ألذي أمر خالد بن الوليد بذلك, بل بقي مدافعاً عن المجرم القاتل حتى وفاته, ثم بروز و نمو الطبقية و حالة الثراء الفاحش لبعض المقربين من آلحكومة في ظل الخلفاء الثلاثة و المظالم التي حدثت بحق أهل البيت(ع) كلها تُدلل عن نواقص تلك التجربة و بآلتالي عدم إمكانية إعتبارها نموذجاً للحكم ألأسلامي العادل مائة في المائة! أما دولة الأمام علي(ع) ألتي إشتعلت فيها الفتن بسبب أرتال المنافقين و المرتدين الذين تربوا على الطبقية و آلثراء و الفوقية و الأستحواذ على حصة الاسد من بيت المال أمثال عمر بن العاص و طلحة و الزبير و من قبل المارقين و القاسطين و الناكثين بجانب إنفصال معاوية في الشام عن آلدولة الاسلامية المركزية لأنه كان إمتداداً و معتمداً من الخلفاء السابقين و من مدرستهم .. كلّ ذلك لم يترك مجالاً كافياً للأمام عليّ ألمظلوم كي يغني التجربة الأسلامية على أرض الواقع من خلال الحكم حتى إستشهد في محرابه, و على الرغم من كل تلك المحن ألمؤسفة فأنّ ما قام به سلام الله عليه خلال فترة قياسية لم تتجاوز ألأربعة سنوات و ثلاثة أشهر قضى أكثرها في الحروب ألظالمة التي فُرضت عليه, و ما كتبه في نهج البلاغة يُمكن إعتبارها صورةً أولية و أساسية للنظام الأسلامي في العصر الحديث, و لعل قرار هيئة الأمم المتحدة عام 2002م كان صائباً و في محله حين ألزم كوفي عنان حكومات العالم بضرورة الأقتداء بنهج الأمام كأعدل حكومة في التأريخ الأنساني. إنما أراد أن يقول السيد كوفي عنان للعالم بأن الحاكم العادل لا بُد و أن يتّصف بالأخلاق و التواضع و مشاركة الناس همومهم و العيش مثلهم بل و بمستوى أقل منهم و لا يتكبر على أحد من الرعية و تلك هي العناوين الكبرى لعدالة الحاكم و الحكومة و شرعيتها ألتي تمثلت في شخصية عليّ(ع) حصراً!لكن و مع هذا التقرير و المقدمة و إعتماداً على النتائج ألعلمية التي توصلنا إليها عن طريق البحث الأستقرائي عن ماهية الديمقراطية ألمتبعة اليوم في العالم عموماً و الغربي منه خصوصاً و منذ عصر النهضة و نمو البرجوازية ألتي بدأت قبل ثلاثة قرون كواجهة للرأسمالية ألتي تسلّطت بآلمال و الشركات فيما بعد على معظم منابع الأقتصاد العالمي و ثرواته؛ مع كل هذا فأنّ آلأخلاق السياسية – ألظاهرية منها على الأقل – و على الرغم من كلّ مساوئها التي بيّنتها تفصيلاً في بحوث سابقة .. هي بمثابة الجّنة بآلنسبة لجهنم الأنظمة المُتّبعة في عالمنا الشرقي و آلأسلامي بإستثناء إيران, لأننا نقارن السيئ بآلأسوء مع الفارق!إنّ أكثر سياسيّنا لا يعرف أنّ كلّ نظام إجتماعيّ سياسيّ يقوم على نظام أخلاقي .. بلْ الأخلاق في النهاية هي المعيار الذي على أساسه يتمّ تقيّم الأنسان و صيانة كرامته من قبل الحكومة بحسب آلظروف الزمكانية – أي الزمان و المكان – و بآلتاي يمكننا تقييم الوضع الأجتماعي ككل في بلد من البلدان على أساس ذلك.إن إنتهاكات حقوق الأنسان ليس مستحدثاً في الارض, بل هي آلسمة الغالبة لكل الأمم التي حكمت الأرض منذ القدم كحموراب و نبوخذنصر و الأكديين و السومريين و الفراعنة و السلالات الشاهنشاهية التي حكمت أرض فارس و آلصين و الهند و غيرها, و لا فرق في ذلك بين فرس و لا رومان و لا صينيين و لا تتار و لا صليبيين و لا إنكليز و لا أمريكان و لا يهود .. إنها النتيجة الحتمية للأهواء التي عادة ما تلجأ للقوة و الغدر و المؤآمرات لتسيطر على الكرسي, و هكذا كل السياسيين و الحكومات المعاصرة حين تُنزع من قلوبهم الرحمة و التواضع و الايمان الحقيقي بآلغيب!و الذي يحزننا حقاً هو ما نراه متفشياً في بلاد المسلمين و العرب بشكل خاص, على الرغم من أن الله تعالى أنعم عليهم برحمة و نعمة الأسلام العزيز ألذي يفسره كل حزب و مذهب و مرجع كما يحلو له و يضمن مصالحه, بعيداً عن حقوق الانسان و المجتمع, حيث نرى قمة القساوة و الظلم و العنف في أوساط المسلمين .. بينما نرى أن الأسلام و منذ أول آية نزلت تشع و تحثّ على الرحمة و التواضع كسمة رئيسية للأنسان المسلم, حيث قال تعالى: "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"(1), و الاسلام لا يقبل الظلم بأية صورة من الصور خصوصاً ما يتعلق بآلآخرين, و قد قال تعالى:" يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي, و جعلته بينكم مُحرّماً, فلا تظلموا"(2).و بنظرة للتأريخ نرى أن جميع الأنظمة التي قامت .. كانت على أساسات معينة؛ كآلقومية و الوطنية و الدينية أو ألدين -مقراطية و الديكتاتورية و الملكية و بغض النظر عن مدى نجاح تطبيقاتها في المجال الأجتماعي بإتجاه التكامل و السعادة المثلى؛ و لعل افضلها نسبياً بإستثناء حكومة الأمام عليّ(ع) كانت تلك التي تقوم على أساس المواطنة بما هي فضيلة الدولة الجمهورية, فآلاستبداد - الفردي - الجماعي - وحده إنتهاك لأساس المبادئ الأنسانية و للمنظومة ألأخلاقية ككل و هو السبب في تفسخ القيم الأخلاقية و شيوع الأرهاب و الظلم و الطبقية, و تلك إهانة كبرى و واضحة للكرامة ألأنسانية ألتي لا تعادلها كل الوجود!إنّ النقد الواضح ألذي وجههه آلأشتراكيون العقلانيون و كذا الفلاسفة الاسلاميون(3)؛ لعلاقات الأنتاج الراسمالية كان يتّجه مباشرة إلى ضمور المسألة الأخلاقية ألأنسانية و جفائها في تلك العلاقات, بل و أنعدامها, خصوصاً حين يغلب الأحتكار على المنافسة العادلة لهذا تجسد النقد الأسلامي في قيم الحرية و العدالة و المساواة(4), تلك القيم العالية التي وحدها ترفع البشرية إلى نيل الكمال مادةً و معنى.و تلك قبل كل شيئ قيمٌ أخلاقية و أدبية منشأها الدين بقدر ما هي إجتماعية و سياسية, و من الخطأ و الظلم فصل ما هو إجتماعي أو إقتصادي أو سياسيّ بما هو أخلاقي خصوصاً و نحن اليوم و ريث تجارب تأريخية و حاضرة نعيشها اليوم و قد رأينا بوضوح ما آلت إليها تلك التجارب خصوصاً التجربة الأوربية التي أصبحت اليوم تقف أمام مفترق طرق, خصوصاً في الجانب الأقتصادي و العجز المالي و أزمة البطالة و التفكك الأسري!؟أنّه من الواجب علينا اليوم إستثمار ألجوانب الأيجابية منها و نبذ و ترك السلبية منها, و التي أخطرها ما نشهده اليوم من سيطرة المجموعة الاقتصادية الظالمة على مقدرات العالم بآلقوة و بدكتاتورية السوق و تحديد أرزاق الناس و قوتهم(لقمة العيش)!أن تلك الديكتاتورية المُقنونة و الملونة من الخارج بألوان زاهية تحت مسمى الديمقراطية من قبل المجموعة الأقتصادية العالمية ألتي تسلّحتْ بآلديمقراطية كسلاح بتار لا يعلم من يمسك بقبضته من الخلف في الحقيقة؛ تلك المجموعة ما كانت لتتسلط و تستبد و تبلغ ما بلغتها من التكبر و العنجهية لولا إنتهاك النظام الأخلاقي للمجتمع و إزدراء النظام الأخلاقي العام, بحيث باتتْ لا تطيق أنْ ترى شعباً واحداً أو أمة كـ (إيران) مثلاً تريد النهوض نحو السماء و الوقوف بوجه الظلم ألذي يأتي من مصادرهم و عملائهم, حتى وصل الأمر لأن تُعلن و بكل صلافة الحرب و الحصار عليها و العالم كلّه يتفرج و كأنّه معتوهٌ و مُعوّق بآلقيود و السلاسل و الحديد!إن النظام العالمي المتكبر توحّد بإتجاه تدمير الأسلام ألذي هو الآخر تعرض للدس و التخريب و التزوير كما أسلفنا للاسف من قبل طلاب الخلافة و السّلطان, حيث كان يتطلب و من أجل الحفاظ على مناصبهم و أهوائهم تكذيب حتّى الرسول(ص) و إطلاق التهم ضدّه في حياته و حين كان على فراش الموت و هو يطلب آلقلم و الدواة التي منعوها عنه للأسف الشديد, بل تمادى الأمويون و العباسيون من بعدهم ليزوروا مئات الآلاف من الأقوال و الأحاديث التي كانت تصب لصالحهم, مما أوقعت تلك الخيانات تدميراً شبه كامل للنظرية الأسلامية و من الأساس و تركت إلى يومنا مخلفات مؤسفة يتمسك بها خطوط عديدة من السلفيين المتحجريين, و بات من الصعب عليهم تغيير معتقداتهم التي عادة ما أخذوها من أبائهم و مدارسهم جيلاً بعد جيل! لذلك كان من السهل تجنيد السلفيين الراديكاليين من قبل المخابرات العالمية ألأستكبارية لأشاعة القتل و الذبح بين المسلمين و تكفيرهم, و الغريب أن السلفيين ألذين مُسخت أخلاقيتهم؛ في الوقت الذي نرى أن بلدانهم و مواطن آبائهم و أجدادهم مستعمرة من مستعمرات الأستكبار و أساطيلهم نراهم يفجرون أنفسهم و يقتلون عباد الله في بلدان أخرى كآلعراق و إيران و باكستان بحجة تطهيرها من آلمتعاونيين مع المستكبرين!إن تلك المنظومة العالمية قد تقنونتْ آليوم بإتجاه تدمير الأسلام و بآلذات دولة ولاية الفقيه ألتي وحدها تحتوي على المنظومة الأسلامية الأخلاقية الكاملة التي تحقق آلكمال و السعادة الأنسانية في المجتمع من دون فرق بين رئيس و مرؤس و عالم و جاهل, و لذلك صبّ آلأستكبار ثقلها اليوم من أجل ألقضاء على ولاية الفقيه ألتي هي بمثابة الرأس و المثل الأعلى للأخلاق و التقوى والعدالة و الأدب و العلم و العرفان في آلأمة الاسلامية.لذلك رأينا من الواجب تسليط الضوء على معنى و فلسفة هذا المبدء الحيوي الأساس و ألأهم و الأكبر من كلّ الموضوعات و آلأحكام الأسلامية و الأحداث اليومية و التحليلية التجزيئية و التصريحات ألمتناقضة و ألتي أفضلها قد تعالج موقف أو حادث أو إجتماع معين أو مؤتمر أو صفقة أو ما شابه ذلك من الموضوعات العادية التي لا تخدم مصير و كرامة الأمة بل قد تكون بضررها لأنّها تسير من الأساس بالأتجاه الخطأ لفقدانها البوصلة الفكرية و الأخلاقية ألمتمثلة بولي الفقيه ألذي يعلم أسرار و طرق تطبيق العدالة و نشرها, لأنه هو آلرّاسخ في العلم و في أحكام القرآن و الشرع .. و المُؤيد من قبل صاحب العصر و الزّمان(عج) طبقاً للنظام الالهي الذي شرعه الرسول(ص) و بيّن تفاصيله ألأئمة الاثني عشر الاوصياء من بعده ليتحدّد مسؤولية تطبيق الاسلام من خلال من اوصانا ألألتزام بنهجهم و خطهم كنواب لصاحب الأمر(عج), و هذا ما يجهله أكثر العراقيين و عموم العرب للأسف بسبب الجهل و التعتيم الأعلامي الموجه من قبل المتسلطين عليهم بآلحديد و النار.فمن هو ولي الأمر؟و ما هي مواصفاته في هذا العصر؟و هل واجب على المسلمين إتباع أوامره؟و من هو المرشح لنيل هذا المنصب الالهي الحساس لخلاص الأمة و العراق بآلذات من المحن؟و هل هو الوحيد ألذي يُمكّن ألأخلاق للتحكم في السياسة!؟و لماذا يخاف بعض السياسين ألمغرضين من ولاية الفقيه بما فيهم ألكثير من الأسلاميين الذين وجدوا حلّاً بتصورهم حين إعتبروا آلداعية حرّاً في إنتخاب مرجعه و يكفي ذلك لرفع الأشكال الشرعي في العمل السياسي كيفما كان في محاولة لأقناع المغفلين ألبسطاء ألذين يفصلون الدين عن السياسة!؟هذا ما سنتاوله في الحلقة القادمة أن شاء الله و أسأله تعالى أن يوفقنا للألتزام بنهج ولي الأمر ألرّاسخ في العلم و التقوى لنكون من الفرقة الناجية أن شاء الله يوم لا ينفع مال و لا بنون, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(1) حديث قدسي



.(2) الأنبياء / 107.(3) للاطلاع على المزيد راجع كتاب: [إقتصادنا] و [فلسفتنا] للأمام الفيلسوف محمد باقر الصدر.(4) للأطلاع على المزيد راجع كتاب: [مستقبلنا بين الدين و الديمقراطية] للكاتب.
--

مشاركة مميزة