الاثنين، 6 فبراير 2012

أمريكا تزداد تدينا وتصدر لنا العلمانية !!!



kolonagaza7

الكاتب / يحيي البوليني
تثبت الولايات المتحدة كل يوم أن هناك أفكارا ومعتقدات تؤمن بها حقيقة وتدافع عنها في مجتمعها المحلي , بينما توجد أفكار أخرى مضادة تصدرها لغيرها من المجتمعات وتدافع عنها بقوة وتدعمها ماليا ومعنويا لإغراق تلك المجتمعات في مستنقعات ومهالك تنجي الولايات المتحدة نفسها منها .
والعلمانية كمثال لهذه الأفكار ; يتبرأ منها المجتمع الأمريكي في كل مناسبة في واقعهم المحلي , بينما يدافع عنها النظام الأمريكي بشراسة لفرضها على الشعوب المستضعفة - وخاصة المسلمة - وينشئ المعاهد ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني وينفق عليها الملايين لدعم الفكرة العلمانية والترويج لها ولدعم المنخدعين والطامعين والمبهورين بتلك الثقافة الغربية المستهلكة .
والمجتمع الأمريكي لا يفتأ ترديد أن دولتهم دولة دينية حتى النخاع , وإنها دولة تهتم بالدين كأساس في كل التعاملات بدئا من اختيار رئيس الجمهورية إلى اختيار أصغر المسئولين , ولابد لكل مرشح لأي انتخابات أمريكية لكي يربح ثقة ناخبيه أن يعلن وثيق صلته بالدين , وتكون أكثر الأصوات لأكثر المرشحين الذين يقنعون الناخب الأمريكي أنهم أكثر تدينا .
فعندما جاء أوباما للعالم الإسلامي ليسوق له الوهم العلماني الأمريكي ويعلن أن في عام 2009 أن أمريكا ليست دولة مسيحية بل هي دولة علمانية ثارت عليه كل القوى الأمريكية التي أبت هذا النعت لها , وأبت أيضا أن لا يُطلق عليها دول مسيحية واعتبرت أن كلمة "علماني " أحد الاتهامات الموجهة لأوباما .
والمفاجئ لناس كمسلمين - يراد بنا تقبل العلمانية في بلدنا – أن المهاجمين لأوباما لم يكونوا من اليمين المتدين فقط , فكتب الجمهوري نيوت جينجريتش -رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق 1995 : 1999 والمرشح لمنافسة أوباما على الرئاسة الثانية - وهو يدافع عن اتهامه لأوباما بالعلمانية فقال : إن ما قاله الرئيس كان بمثابة تزوير للتاريخ , وأن الولايات المتحدة نشأت كبلد ديني يؤمن بأن حقوقنا تأتى من الله ، بما في ذلك حقنا في التعبد بالشكل الذي تمليه علينا معتقداتنا " !! .
وهذا ما أكده أيضا صاحب نظرية صدام الحضارات عالم السياسة الأمريكي "صامويل هنتجتون " الذي وصف بلاده بأنها " أمة تحيا بروح كنيسة ".
والواقع الأمريكي يؤكد ذلك دوما في كل تصرفاته وأقواله وأفعاله .
فأي علمانية تلك التي تجعل الكونجرس يبدأ جلساته بالصلاة , وأن يصدر قرارا إلزاميا عام ١٩٥٢ باعتبار الأسبوع الأول من مايو من كل عام أسبوعا للصلاة ويلزم الرئيس الأمريكي – أيا كان حزبه أو توجهاته – أن يطلب رسميا من الأمريكيين الصلاة فيما صار يعرف من وقتها باسم " اليوم الوطني للصلاة" ؟؟ !
وأي سياسة تدعو لفصل الدين عن الدولة التي تسمح بوجود ودعم أكثر من ألفى محطة مرئية ومسموعة دينية لا تكف أبدا في برامجها وأخبارها وتحليلاتها عن خلط الدين بالسياسة ؟!!
وأي علمانية هذه التي تجعل خطاب الرئيس – جمهوريا كان أو ديمقراطيا – متشابها تماما مع العظة التي يسمعونها في الكنائس , فتحفل دوما بالمفردات والتعبيرات الدينية والتي جعلت من بوش الابن مثلا يسمي تحرك الجيوش الأمريكية نحو المنطقة الإسلامية بأنها حرب صليبية جديدة ؟؟
وأي علمانية تسمح بأن تنمو وتزيد في عصر أوباما - المتهم بكونه علمانيا- تمويلات الحكومة الفيدرالية للمؤسسات الدينية على نحو لم يسبق له مثيل , وألا يصاحب ذلك أدنى اعتراض من الناخب الأمريكي دافع الضرائب ؟؟ .
ولا يمل الساسة الحاليون من ترديد تدينهم ليثبتوا للناخب الأمريكي جدارتهم باستحقاق المناصب التي يشغلونها , فها هي كلينتون تكرر دوما إشاراتها بتربيتها الميتودية – وهو مذهب ينتمي للبروتستانتية أسس في انجلترا عام 1722م – وتذكر دوما شغفها بالصلاة وتكرر أن قبولها بنوع من لاهوت الغفران كان أساسيا لإنقاذ زواجها الذي تعرض أكثر من مرة للانهيار .
ولم يكف أوباما أبدا عن تأكيد إيمانه المسيحي وأنه اهتدى إليه – كما قال - في كهولته ويردد بكثرة اسم القس " جيريميا رأيت " قس كنيسته في شيكاغو الذي يقدمه دوما كمرشد روحي له .
ولا يزال أوباما يكرر ذلك في كل محفل , ففي يوم الخميس 2/2/2012 قال أمام حشد لأكثر من 3000 أمريكي خلال حفل إفطار سنوي أقيم بأحد فنادق واشنطن كما نقلت وكالة رويترز : أنه " يصلي كل صباح وإنه رسم عناصر سياساته الاقتصادية وفقا لتعاليم السيد المسيح , وأن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة تحتاج منه أن يستمع إلى الرب وأن يتفادى التدين الزائف " .
وشرح أوباما برنامجه اليومي قائلا " أستيقظ كل يوم وأتلو صلاة قصيرة وأقضي بعض الوقت في قراءة الكتاب المقدس" وأضاف أن كهنة يمرون على المكتب البيضاوي من حين لآخر ويتصلون به هاتفيا ويراسلونه بالبريد الإلكتروني ليصلوا معا.
فإذا كان هذا حال المجتمع الأمريكي بناخبيه وساسته المنتمين لليمين واليسار وقادته ورئيسه ووزيرة خارجيته وهم يعلنون جميعهم تدينهم وارتباطهم بدينهم في كل سياساتهم الداخلية والخارجية وينفقون أموالهم وفقا لهذه المعايير ويدعمون بها المؤسسات الدينية ; فلماذا تُصدر لنا تلك الثقافة الرافضة للإسلام وتدخله في شئون الحياة ؟ ولماذا يتبناها بعض مثقفينا ؟ وهل هناك ارتباط بين تصديرها لنا وتمسكهم هم بدينهم ؟
ألا يحتاج مثقفونا ممن يتبنون الفكرة العلمانية الليبرالية في بلادنا العربية والإسلامية أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة ليتبينوا : هل يعملون حقا لمصالح أممهم ولرضا ربهم أم يستوردون بضاعة بالية لفظها أصحابها , وهل يقودون أمتهم – كمثقفين- نحو التقدم أم يقودونها فكريا نحو الهاوية ؟
المصدر مركز التأصيل للدراسات والبحوث--

مشاركة مميزة