الأربعاء، 9 مايو 2012

إسرائيل: حكومة وحدة وطنية، كلاب تعوي معاً !

kolonagaza7

د. عادل محمد عايش الأسطل
ربما الغوغاء والجلبة التي اعتادتها إسرائيل، هي من الأسباب المقنعة والكافية، في حصول الاتفاق المفاجئ، بين حزبي التكتل "الليكود" والتقدم "كاديما"، لتشكيل حكومة وحدة وطنية – السادسة في تاريخ إسرائيل- حيث لم يكن في الأفق ما يشير إلى ذلك، سواءً من حيث درجة العداء السياسي بين الحزبين، والذي ظهر بعد قطع الطريق من قبل "بنيامين نتانياهو" على حزب كاديما "الأولى" بتشكيل الحكومة، لحصول الأخير على نسبةٍ أعلى من الأصوات، من خلال دعم المستوطنين له، حيث ارتأت رئيسة الحزب "كاديما" أنذاك وزيرة الخارجية السابقة "تسيبي ليفني" الجلوس في المعارضة، ورفضها دخول حكومة ائتلافية برئاسة "نتانياهو" وظلت العلاقة بينهما "صراعية أكثر" طيلة السنوات الأربع الفائتة.
ومن ناحيةٍ أخرى، التباعد الواضح بين برامجهما الانتخابية – المفاجئة أيضاً - بالنظر إلى أن "كاديما" هو انشقاق عن "الليكود"، إضافةً إلى أنه لم يمض وقت يُذكر، على إجراء الانتخابات الداخلية لحزب "كاديما" واستطاع "شاؤول موفاز" وزير الدفاع السابق، من الفوز برئاسة "كاديما" وبالتالي، إزاحة المرأة القوية " لفني" وبصورة غير متوقعة في أوساط الحزب على الأقل، وكأنها كانت العقبة في حصول مثل هذا التوافق، بالرغم من أن أول ما كان تفوّه به "موفاز" هو توعده بإسقاط "نتانياهو" وحكومته، وحتى إنهاءه سياسياً وإلى الأبد.
عُهد عن إسرائيل، وعند وقوعها في المآزق الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية، وخاصة التي تتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، أن تلجأ إلى تبكير الانتخابات، حيث توفر لها متنفساً جديداً، وحياةً أخرى تمكنها من المناورة من جديد اتجاه العرب، وبقية العالم، بما فيه الولايات المتحدة، بعد أن كانت اللعبة ذاتها ستبدأ بعد إعلان "نتانياهو" عن تبكيرها، وضرب أيلول/سبتمبر القادم موعداً لإجرائها، بالرغم من استطلاعات الرأي التي كانت أشارت إلى تفوقه بنسبة عالية، في حال أجريت في الموعد ذاته، لكن هذه المرة رأينا العكس، وهو تمديد عمل حكومته الحالية، إلى حين انتهائها قانونياً، أواخر عام 2013، بعد الاتفاق مع "كاديما" على تشكيل حكومة الوحدة هذه.
لا شك بأن "نتانياهو" و"موفاز" كما أغلب قادة إسرائيل، الذين يوصفون بالمكر وانتهاز الفرص التي تأتي فجأة، ودفعة واحدة، ومرة واحدة أيضاً، ولكن ما هي تلك الفرص أو الأمور الدافعة، التي جعلت الرجلين يفاجئان العالمين الدولي والإقليمي قبل مفاجأة الجمهور الإسرائيلي نفسه بهذا الاتفاق.
ربما ليس كما يعتقد البعض، في أن عقد "موفاز" لهذه الصفقة مع "نتانياهو" لإعادة تقسيم الغنيمة الحكومية بينهما، أو بشأن إثبات أنه سياسي محنك وداهية عسكرية، بل من أجل تقوية الحكومة، في مواجهة الأزمات المحدقة كافة السياسية منها والاقتصادية وحتى الاجتماعية، حيث راقت الفكرة للأخير، الذي كان يرغب في ذلك أولاً ومنذ البداية، فعقد الصفقة على عجل، وهو يعلم بأنه سيعطي الفرصة التاريخية، للعدو القديم "موفاز" بالتربع على الجزء الأكبر على عرش الحكم، وتنفيذ بعض سياساته، باعتباره رجلاً زاد قوةً على قوته، عسكرياً وسياسياً وإدارياً- وهذا مكسبه المهم- بعد أن فرضه "نتانياهو" على نفسه، وعزائه على ما يبدو نيّته الزّج به في الوزارات الاجتماعية، التي تتعامل مع الجمهور الإسرائيلي - الغاضب اقتصادياً-  بشكلٍ أكثر صلابة، بهدف اتقاء نار المعارضة الشعبية، والتخفيف من حدّتها، ومن ناحيةٍ أخرى، الاحتماء به من نار الغرب والولايات المتحدة، – وهذا مكسبه الأهم- في هذه المرحلة على الأقل، كون "موفاز" في نظرها، أقل تشدداً وأقرب إليها، لا سيما بعد تصريحاته أوائل أبريل/نيسان الماضي، بشأن موافقته على إعطاء الفلسطينيين 100% من طلباتهم.
بالتأكيد، فإن هناك متطلبات داخلية، اجتماعية واقتصادية، وأخرى خارجية سياسية وأمنية، كانت وراء الدوافع الرئيسية والمباشرة، التي أوجبت تلك الصفقة، فالمتطلبات الداخلية، التي تهم الجمهور الإسرائيلي بشكلٍ عام، هي المشكلات الاجتماعية التي كانت عصفت بإسرائيل مؤخراً، وكان من بينها، الأحداث التي وقعت بين المتدينين والعلمانيين، وكان لها تداعياتها المؤلمة، بدا أقلّها في شق بعض المدن فيها إلى نصفين، وكذلك مسألة اتساع رقعة الفروقات الإثنية والعرقية داخل المجتمع الإسرائيلي، وانعكاساتها المقلقة، ويمكن إضافة مسألة موضوع الاستيطان وخاصةً "العشوائي" كعقبة كأداء أمام الحكومة، على أساس سهولة حل هذه المسائل، من خلال حكومة الوحدة، لاسيما وأنها ستضمن ما يقارب من 100 عضو كنيست، من أصل 120 مجموع أعضاء الكنيست الإسرائيلي.
وهناك مسألة الرفاه، التي تستند إلى الاستمرار في عملية إغداق الأموال في الجيوب الإسرائيلية، ومصدرها أوروبا الغربية والولايات المتحدة، حيث سيساهم "موفاز" في الحصول على المزيد من الأموال، من خلال السماح لأتباع الحزب في أوروبا والولايات المتحدة، بمعاودة ضخ الأموال المحتجزة، والتي من شأنها، تهدئة الاحتجاجات الشعبية لدي الجمهور الإسرائيلي، وخاصةً لدي الفقراء اليهود، وتطييب خاطر بعض الفئات العرقية المغضوب عليها لاسيما وأن "موفاز" من أصول شرقية – يهودي إيراني- تم المراهنة عليه في قدرته على مساومة المستوطنين لإخلاء بعض المستوطنات، بهدف إبعاد المتشددين من الوزراء عن مركز الاهتمام الدولي، ومن ثم لتسويق الأمر عالمياً، وإظهار أن حكومة الوحدة قادرة على مواجهة المستوطنين،
وأما السياسية، فتبدو من خلال ورود اتجاهات سياسية جديدة، تكون أقل خشونة باتجاه المجتمع الدولي، بعد أن غلب على حكومة "نتانياهو" الضيقة، صفة "اليمينية الأشد تطرفاً" نظراً لسياساتها المتشددة، وخاصةً سياسة خارجتها بزعامة "أفيغدور ليبرمان" قائد حزب "يسرائيل بيتنا" الذي كان له الفضل الأكبر في تخريب الصورة النمطية لإسرائيل المهترئة أصلاً، أمام العيون الدولية.
ومن الدوافع، التي تخص القضية الفلسطينية، فبالرغم من أنها لا تبدو الآن على شأن، في الأجندة الإسرائيلية، إلاّ أن اقتراب ميعاد رد "نتانياهو" على رسالة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بشأن العملية السياسية، والتهديد بالعودة للأمم المتحدة، سّهل عملية التوصل إلى الاتفاق، حيث أن من شأن ذلك الإجراء، أن يتم تغيير أسلوب الرد أو الإبطاء فيه أو حتى نسف قواعد اللعبة.
وأما أمنياً، وبشأن الاعتقاد بأن تلك الصفقة، جاءت كتمهيدٍ لتنفيذ ضربة إيران، فإن ذلك يبدو مستبعداً في تلك الظروف على الأقل، بسبب عددٍ كبيرٍ من التحسّبات، وأهمها التي تتعلق بمصير الدولة الإسرائيلية، وفي مرتبةٍ ثانية، رفض الولايات المتحدة إلى الآن، وضع العمل العسكري محل الرضا، وقدّمت الحلول الدبلوماسية أولاً، إذ لو كان بمقدورها الإقدام على مثل ذلك العمل لما أرجأته لحظة. كما أن إسرائيل تفضل الآن، وأكثر من أي وقتٍ مضى، انتظار الدبلوماسية الغربية والأمريكية، وفاعلية العقوبات الدولية، إضافةً إلى عدم رغبة الجمهور الإسرائيلي في خوض حرب غير محسومة، وهناك الآمال المعلقة، على نتائج الانتخابات الإيرانية المقبلة، حيث تأمل في تغيرات جذرية في السياسة الإيرانية، من خلال بروز قيادة إيرانية جديدة تكون أقل استفزازاً، لإسرائيل والغرب بقيادة الولايات المتحدة، وصولاً إلى إنهاء صفحة المواجهة العسكرية بين البلدين، حيث توقعت بعض الاستطلاعات سقوط الرئيس "أحمدي نجاد" وانتهاء سيطرة المحافظين في الداخل الإيراني.
كما أن الاعتقاد، بأن الاتفاق جاء كمقدمة، لحرب ضد حركة "حماس" في قطاع غزة، فإن ذلك أيضاً غير دقيق ليحدث كل هذا، لا سيما وأن "نتانياهو" لا يحتاج إلى هذه الدرجة، كي يقضي بيديه على جزءٍ كبير من زعامته للدولة، وحتى في حالة ضمان نجاحه ضد "حماس"، إذ كان في السابق وحتى اليوم، يأخذ على عاتقه مع وزير دفاعه "إيهود باراك" في تنفيذ الهجوم على منشآت إيران النووية، ودون اللجوء إلى التحالف مع أحزاب إسرائيلية أخرى، وربما غلبت عليه الفكرة التي تقول: "كلب يعوي معك، أفضل من آخر يعوي عليك".
وعلى أية حال، فقد يكون وراء هذه الصفقة رؤية أمريكية جديدة، تضاف إلى رؤاها المتلاحقة، لمقاصد وأهداف سياسية واقتصادية أخرى، وترتيب سياسة أكثر حداثة خاصة بالمنطقة، لا سيما وأـن هناك توقعات متقدمة لدى قادة إسرائيل، بأن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" سيفوز بفترة رئاسية ثانية، الذي ولا شك سيجعل نصيباً للقضية الفلسطينية، على هامش أجندته السياسية، وبالتالي ستكون الحكومة الائتلافية الجديدة جاهزة، لتليين نبرتها السياسية، باتجاه الفلسطينيين، خلال مفاوضات قادمة، تمتد في أعماق الغيب.  
القاهرة
الأربعاء 9/5/2012

مشاركة مميزة