السياسة
الخارجية التركية ج1
أحمد
منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم من Ankara
Palace في العاصمة التركية أنقرة
وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود، أصبحت السياسة الخارجية التركية تشكل
حجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما بعدما نجحت في السنوات القليلة الماضية في إنهاء كثير من
مشكلات تركيا مع جيرانها ضمن سياسة صفر مشكلات والعمق الاستراتيجي التي وضعها وزير
الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، لكن الدنيا تغيرت بعد قيام الثورات العربية وتغير
الأنظمة في مصر وليبيا وتونس واليمن لكن المواجهات في سوريا بين الشعب والنظام لا زالت في أوجها وفي حلقة اليوم نحاول
فهم أبعاد السياسة التركية تجاه ما يحدث في المنطقة العربية مع وزير الخارجية
التركي أحمد داود أوغلو، دكتور مرحباً بك.
أحمد
داود أوغلو: مرحباً بكم.
أحمد
منصور: بعد عشر سنوات من حوارنا الماضي في بلا حدود نرحب بك بلا
حدود.
أحمد
داود أوغلو: شكراً كثيراً
العمق
الإستراتيجي لتركيا ونظرية تصفير المشكلات
أحمد
منصور: أود أن أبدأ معك من الموضوع الذي أثرته معك قبل عشر سنوات هو العمق
الاستراتيجي لتركيا وصفر مشكلات تلك النظرية التي طرحتها في ذلك الوقت ونجحت في
تطبيقها بشكل كبير، لكن الدنيا تغيرت بعد قيام الثورات العربية هل تعتقد أن تركيا
بحاجة إلى سياسة خارجية جديدة؟
أحمد
داود أوغلو: مساء الخير لكل مشاهدينا، قبل عشر سنوات كان لدينا هدف واضح جداً عندما
طرحنا مبدأ صفر مشكلات مع الجيران وأردنا وضع مبدأ يغير طريقة التفكير التركية
الإستراتيجية والسياسة الخارجية التركية من الجذور، أن ثورة في طريقة التفكير لأنه
وللأسف كانت السياسة الخارجية التركية ولعقود طويلة قد تشكلت بمنطق الحرب الباردة
وكأنه بينها وبين جيرانها جدران، في ذلك الوقت كان الاتحاد السوفيتي والدول التابعة
له بلغاريا في مثال كانت في كتلة وتركيا في كتلة أخرى، كانت هنالك انفصام غير طبيعي
على طوال حدودنا مع جيراننا، ومن هذا المنظور كان المجتمع التركي ينظر للجيران على
أنه خطر محتمل من ناحية السياسة الخارجية، كان علينا أن نغير هذه النظرة من الأساس
كنا بحاجة إلى ثورة في طريقة التفكير نحو جيراننا من الناحية الواقعية نعلم انه لا
يمكن تصفير المشاكل بين الأشقاء في العائلة الواحدة لذا لم نكن نهدف لإلغاء المشاكل
كلها مع الجيران، وضعنا معادلة قائمة على مقاربة بسيطة وهي إيجاد حلول للمشاكل
الأساسية مع جيراننا، بعد ذلك طورنا هذه المقاربة وندعو الآن للتكامل التام مع
الجيران أي مع الاعتراف المتبادل بالحدود مع الجيران فإننا نريد سياسة خارجية لا
تعترف بأي حدود مع الثقافة والاقتصاد نريد سياسة خارجية وبنية لدول مندمجة بالكامل،
بالتأكيد الأحوال تتغير في العالم الظروف بين الدول ديناميكية وعلى المبادئ أن
تتكيف حسب الظروف، عند مراجعة السنوات العشر الماضية نرى إننا وجدنا حلولا للقسم
الأعظم من المشاكل مع الجيران ودخلنا في تعاون عن كثب، كانت علاقاتنا مع الاتحاد
السوفيتية وروسيا مليئة بالمشاكل لكن العلاقات وصلت لمستوى ممتاز خلال السنوات
العشر الأخيرة كما وحسّنا العلاقات مع اليونان وبلغاريا والكثير من الدول الأخرى
التي كنا نعاني من المشاكل معها أما الآن فإننا نرى بأن العلاقات في طريقها للتكامل
التام، بالتأكيد الموضوع السوري يشكل المشكلة الأكبر كنا قد حققنا قفزة كبرى في
علاقات مع سوريا كنا قد وقعنا مع كل دول الجوار على اتفاقيات التجارة الحر ورفع
التأشيرات وحققنا ذلك مع سوريا أيضا لكن الأزمة التي نعيشها حاليا مع سوريا ليست
نابعة من مبدأ صفر المشاكل، تنبع المشكلة من أن النظام في سوريا وعلى الرغم من كل
تحذيراتنا اتبع طريقا خطأ للغاية وهو محاربة الشعب وممارسة الظلم على إخوتنا
السوريين، لذا فان مبدأ صفر المشاكل مع الجيران ما زال ساري المفعول وهو مبدأ يمشي
على صعيد صحيح للغاية، الموقف مع سوريا مؤقت ونابع من الوضع الحالي إن شاء الله
عندما يستعمل الشعب إرادته الذاتية فان علاقاتنا مع النظام السوري الجديد ستكون في
أفضل مستوى، دعونا نعطيكم عده أمثله عن الموضوع: خلال الشهريين الماضيين أسسنا
مجلسين للتعاون الاستراتيجي عالي المستوى مع كل من أوكرانيا وأذربيجان، في الأسبوع
المقبل سنجتمع مع الوزراء الروس في مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى، بالأمس
اتفقنا مع مصر مع السيد مرسي وسنجتمع في القاهرة في مجلس تعاون استراتيجي عالي
المستوى بمشاركة 12 وزير من كل طرف، لا نضع حدودا لعلاقاتنا مع أي طرف حتى أننا
رفعنا التعامل بجوازات السفر مع جورجيا نعبر الحدود بالهويات الشخصية فقط، في
الأسبوع القادم سأذهب لليونان وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سننظم اجتماعا
استراتيجيا عالي المستوى هناك، لذا فإن علاقاتنا مع جيراننا كلهم في أحسن مستوى
لها، بالنسبة لإيران هنالك اختلافات في الرأي، فمساعد رئيس الجمهورية الإيراني
السيد رحيمي سيزور تركيا خلال يومين أو ثلاثة ونحن على علاقات ثنائية في أفضل مستوى
معهم، العراق على الرغم من بعض المشاكل معهم إلا أنه وكما رأيتم بالمؤتمر بالأمس
شارك السياسيون من أعلى المستويات في مؤتمر حزب العدالة والتنمية إذن لا توجد بيننا وبين أيٍّ من جيراننا مشاكل
دائمة أو مزمنة، المشكلة مع سوريا نابعة تماما من أن النظام في سوريا يظلم
شعبه.
أحمد
منصور: سآتي بالتفصيل ولكن الآن أنت تقول كلاما مغايرا تماما لما تقوله المعارضة
ولما يقوله كُتابها، هم يتهمونك بأنك دمرت سياسة تركيا الخارجية وأنك تنتهج سياسة
ضبابية وأنك تضع تركيا في مأزق كبير وربما قدموا لك البرلمان استجوابا في الجلسة
الأولى للبرلمان حول هذا الموضوع.
أحمد
داود أوغلو: بالطبع تركيا دولة ديمقراطية لذا فإن بإمكان الكل انتقاد أي شيء لذا
فإنه من الطبيعي أن تنتقد المعارضة وبعض الكتاب سياساتنا الخارجية وسياساتنا الأخرى
كذلك، لكن هناك اختلاف أساسي بيننا وبينهم فيما يتعلق بالربيع العربي بشكل خاص،
وذلك إننا نتبع وسائل مختلفة عن وسائل المعارضة، ذلك إننا أخذنا موقفا واضحا وصريحا
لصالح الربيع العربي ولصالح الشعوب العربية، في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقدناه في
الأسبوع الذي أحرق البوعزيزي نفسه في تونس أخذنا في ذلك الاجتماع قرارا مبدئيا بأن
تركيا ستكون بجانب مطالب الشعوب العربية المحقة وفعلنا قرارنا المبدئي هذا بكل
الأصعدة وكل الظروف، واستخدمنا كافة الوسائل الدبلوماسية في سبيل تحقيق مرحلة
انتقالية سلمية في هذه البلاد، منذ ذلك اليوم ولليوم اتبعت تركيا سياسة مبدئية في
تونس واليمن ومصر وليبيا والمغرب دعمت المرحلة الانتقالية فيها، وسعت تركيا دوما
بأن تكون المرحلة الانتقالية سلمية واتبعنا السياسة نفسها في سوريا أيضا، كانت
المعارضة قد انتقدتنا عندما انتقدنا مبارك وقتها كما وانتقدت أيضا خطاب السيد رئيس
الوزراء الذي قدم فيه دعمه للمتجمعين في ميدان التحرير، وقالت المعارضة وقتها بأن
هذا الموقف خاطئ، أما الآن فهناك قطاعات تصف وقوفنا مع الشعب السوري وسياساتنا تجاه
سوريا بأنه خاطئ، الفرق بيننا نابع من طريقة التفكير كنا دوما مع مطالب الشعب
الديمقراطية وللأسف في تركيا كما هو الحال في خارجها هنالك من يقفون عكس تيار
التاريخ يجب أن نعتبر هذه الانتقادات طبيعية، التاريخ والزمن سيقرران من المحق ومن
المخطئ.
أحمد
منصور: لكن تحديدا لم يتوقف كمال كلشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري عن انتقاد
سياستك الخارجية يشن عليها حملة قوية منظمة ويتهمك بأن سياستك لسوريا تحديدا هي
سياسة مذهبية عثمانية؟
أحمد
داود أوغلو: لا يمكن القبول بذلك، ولا يمكن القبول ولهذا فقد طرحنا مثال مبارك
عندما خرج الشعب والشباب المصري لميدان التحرير للمطالبة بحقوق الإنسان والحرية
والديمقراطية كان موقفنا ضد مبارك واضح، مبارك سني المذهب وقتها مسؤولو الحزب
الجمهوري طلبوا تبريرا لموقفنا حتى أنهم صرحوا بأن علينا أن نتحدث لمبارك بدلا من
انتقاده، مبارك سني وانتقدناه ووقفنا ضده، نفس الشكل القذافي سني وانتقدناه وبن علي
سني وانتقدناه وصدام سني وانتقدناه أيضا، لكن تركيا لم تكن في يوم من الأيام إلى
جانب من يقاتل شعبه من اجل التشبث بالسلطة، لذا فإن كون بشار الأسد والنظام في
سوريا هو أغلبية نصيرية لا يشكل معيارا لنا، بل على العكس نحن إلى جانب شعوب الشرق
الأوسط الشقيقة مهما كان موقعها ومذهبها أو إثنيتها، الشعب السوري بسنته ونصيريه
ومسيحيه ودروزه وعربه وتركمانه وكرده يتعرض للظلم اليوم، الجيش الذي يقصف حلب
بالطائرات ويدك حمص بالمدافع يضرب الشعب السوري كله دون تفرقة مثلا، نحن مع الطلبات
المحقة لشعوب الشرق الأوسط، للأسف المعارضة في تركيا ترفع هذه الشعارات الذي يرفعها
بشار الأسد نفسه، بشار الأسد يقول الشيء نفسه يحاولون تضليل الناس حول ما يحصل من
أمور، الموقف التركي المبدئي واضح كل هذه الانتقادات ممكن ورودها المهم هنا ما نقوم
به وما نتبع من مبادئ إذ أن المبادئ التي نعمل بموجبها شاملة لكل شعوب المنطقة،
وتنظر لكل شعوب المنطقة بالمنظار نفسه دون وضع حدود مذهبية أو
إثنية.
أحمد
منصور: ما مصلحة حزب الشعب الجمهوري في تفعيل صراع مذهبي الآن وتصعيده بهذا الشكل،
واتهامكم بأنكم مذهبيين في نظرتكم إلى سوريا ؟
أحمد
داود أوغلو: في الحقيقة هذا الموضوع كله انتقاد يخص السياسة الداخلية، في الأنظمة
الديمقراطية تنتقد المعارضة الحكومة هذا أمر عادي، الانتقادات الواردة هنا لا مجال
لها من الصحة وهي نابعة من إرادة المعارضة لإنهاء الحكومة، وهي انتقادات غير صحيحة
البتة نحن نجيبهم على الموضوع في كل الأصعدة.
علاقة
تركيا مع العالم العربي المتغير
أحمد
منصور: هل أنتم في هذه المرحلة بصدد صياغة لسياسة خارجية تركية جديدة أم أنكم
ستسيرون على نفس السياسة التي وضعتموها قبل عشر سنوات
أحمد
داود أوغلو: عندما صرحنا عن مبادئنا الرئيسية الستة في سياساتنا الخارجية قبل عشر
سنوات قلنا بأن هذه المبادئ مرنة وتتشكل مع ديناميكيات الزمن، المبدأ الأول مبدأ
التوازن بين الحرية والأمن يعني إنشاء توازن بين الحرية والأمن داخل البلاد وخارجها
وقطعنا شوطا كبيرا في هذا المجال خلال السنوات العشر الماضية، المبدأ الثاني هو
تصفير المشاكل مع الجيران والتكامل لأقصى حد وقد قطعنا شوطا بعيد المدى كما قلنا
قبل قليل.
أحمد
منصور: تقولون الآن أن المشاكل بينكم وبين الجيران أصبحت بدل صفر مشكلات بقت ألف
مشكلات؟
أحمد
داود أوغلو: ليس صحيحا كما قلت قبل قليل وعدا عن اختلافات وجهات النظر الطفيفة ليس
لدينا توترات جادة مع أي من جيراننا سوى سوريا، قلت قبل قليل طوال سنوات الحرب
الباردة كانت بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة الأكثر مشاكل معنا، الآن لا توجد
بيننا وبين روسيا تأشيرات دخول، علاقاتنا ارتفعت إلى أعلى حد من خلال اتفاقيات
التجارة الحرة وباقي التطبيقات، كما أن بروسيا اكبر شركة تركية، كانت اليونان
الدولة التي نعاني من أكثر المشاكل معها كنا على وشك الحرب، الآن علاقاتنا مع
اليونان في أعلى مستوى، في الشهر القادم سيكون هنالك اجتماع مشترك لمجلس وزراء
الدولتين في إطار مجلس التعاون الاستراتيجي، كانت هناك مشاكل بيننا وبين جورجيا
كونها قطعة من الاتحاد السوفيتي، أما الآن فقد تكامل الاقتصاد التركي والجورجي بشكل
تام يتم العبور عبر المعابر بدون جوازات سفر، تركيا وأذربيجان كانا يتمتعان بعلاقات
متجذرة وفي هذا العام وقعنا على اتفاقيات "تاناب" وأصبحنا متكاملين بالكامل من
ناحية الطاقة، كانت لدينا مشاكل مع بلغاريا في سنوات الثمانينات والآن نحن ننظم
اجتماعات مجلس وزراء مشتركة مع بلغاريا، لدينا مشاكل مع سوريا بسبب حالة الاضطراب
التي وقعت فيها سوريا لكن وعدا عن ذلك لا توجد لدينا مشاكل دائمة أو مطلقة مع أيّ
من جيراننا هناك اختلافات في وجهات النظر مع العراق وإيران في بعض الأحيان، لكن هذا
لا يشكل أزمة دائمة في علاقاتنا معهم، ونحن مستمرون في لقائهم لإيجاد حل لاختلافات
الرأي هذه لذا فإن هذا مبدءا غير قابل للتطبيق في أي وقت من الأوقات، بل على العكس
هذا المبدأ فتح الآفاق أمام تركيا وهناك مبدأ ثالث متعلق بهذا الموضوع وهو أن تتخذ
تركيا على عاتقها سياسة إقليمية نشطة أي أن تتبع سياسة حل المشاكل الحاصلة في
البلقان في القوقاز في الشرق الأوسط وفي
وسط آسيا وفي دول الجوار، و قطعنا شوطاً طويلا في هذا المضمار أيضا مبادئنا تتكيف
حسب الظروف، كما تعلمون فلقد تم تأسيس آلية العمل الثلاثية بين تركيا والبوسنة
والهرسك وصربيا وحاولنا حل الكثير من مشاكل بين صربيا والبوسنة والهرسك من خلال هذه
الآلية وبشكل مشابه ساهمنا في وضع حلول لمشاكل القوقاز والشرق الأوسط وسنستمر في
ذلك، مبدأ رابع هام هو انفتاح تركيا على مناطق جديدة أي مناطق إفريقيا وأميركا
اللاتينية وشرق أسيا خلال ثلاث سنوات قمنا بفتح 23 سفارة في أفريقيا لوحدها و5
سفارات في أميركا اللاتينية و 2 بآسيا بمجموع 30 سفارة خلال 3 سنوات، حالياً تركيا
إحدى الدول العشر الأكثر تمثيلا في العالم ولهذا فقد وسعنا من مجال سياساتنا
الخارجيةّ، مبدأ خامس هام آخر وهو نشاط تركيا في المنظمات الدولية أصبحنا عضوا
مؤقتا من مجلس الأمن في الأمم المتحدة ونحن نعمل لكي نكون عضوا في المجلس مرة آخري
في السنوات 2015 و 2016 متواجدون في كافة أصعدة الأمم المتحدة عندما تحدث مشاكل في
الصومال وفي ميانمار تكون تركيا الدولة الأولى التي يطرق بابها نحظى بصفة المراقب في كافة المنظمات الإقليمية
من الاتحاد الإفريقي إلى أسيا من أمريكا اللاتينية وأكواس في إفريقية وحتى مجموعة
شنغهاي للعمل المشترك ونطور علاقات الشراكة والعضوية مع كل المنظمات، الجامعة
العربية هي المنظمة التي طورنا معها علاقات الشراكة أكثر من غيرها المبدأ الأخير هو
تغيير الانطباع السائد عن تركيا في العالم نريد أن نشكل انطباعا جديداً عن تركيا في
العالم يتمحور حول قوتها الناعمة كما وقطعنا مسافة جدية في هذا الموضوع أيضا لماذا
أذكر المبادئ لأقول بأن المبادئ التي طرحناها قبل عشرة سنوات قطعنا فيها شوطاً
كبيرا وسنستمر بالعمل في هذه المبادئ من خلال تكييفها مع الظروف المتغيرة في سبيل
جعل تركيا قوة عالمية.
أحمد
منصور: الآن أنا أتفهم هذا في البند الثالث أو الرابع في هذه السياسة ما يتعلق بأن
تكونوا دولة فاعلة ومتحركة، كان لكم علاقة سابقة قوية مع نظام مبارك مع نظام
القذافي مع نظام بن علي وكلها أنظمة سقطت الآن، الآن الأنظمة الجديدة بدأتم تنسجوا
علاقات جديدة معها هل يمكن باختصار شديد
وأنت لعبت الدور بين النظامين السابق والحالي في الثورات العربية أن تقل لنا ما هي
الفوارق التي لمستموها كحكومة تركية بين الأنظمة التي سقطت والأنظمة التي
قامت؟
أحمد
داود أوغلو: بالتأكيد لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول لا دخل لنا في الأمور
الداخلية في الدول بأي شكل، لذلك فلقد حاولنا تطوير العلاقات مع الدول بغض النظر عن
الأنظمة الحاكمة لكن عندما وضعنا أمام خيار أن نختار بين إرادة الشعوب في هذه الدول
بصفتنا دولة ذات مبادئ ديمقراطية وذات انتخابات عادلة وحرة وتعتمد على مبدأ احترام
حقوق الإنسان كنا دائماً إلى جانب مطالب الشعوب، في الماضي حاولنا تطوير العلاقات
الجيدة مع الدول التي ذكرتها مع مصر وليبيا لكن دعني أكون صريحا معك كانت هناك
مسافة بيننا وبينهم لكن بعد الربيع العربي وبعد تأسيس حكومات بإرادة الشعب شهدنا
تطورا ممتازا بين تركيا وهذه الدول، العلاقات التركية المصرية حاليا والعلاقات
الليبية ومع تونس ومع المغرب اكتسبت تسارعاً كبيرا ذلك أن أنظمة هذه الدول تدافع عن
القيم المشتركة وعن قيم الديمقراطية وحق الشعب في الاختيار لهذا وكما رأيتم في الرسائل التي أعطاها رئيس
الدولة المصرية السيد مرسي خلال زيارته بالأمس فإن رسائله هذه ورسائل السيد أردوغان
في المؤتمر كانت دليل على أن الدولتين تنظران للعالم من نافذة واحدة، أؤمن بأن
العلاقات التركية المصرية ستحقق قفزة كبيرة في عهد هذه الحكومة التي جاءت بإرادة
الشعب، لم تكن علاقات عادية بين دولتين عاديتين ستتحول إلى اتفاقية شراكة
إستراتيجية كبيرة، نحن مصممون على خطو خطوات هامة في هذا المجال بما في ذلك اتفاقية
منح القروض التي وقعت بالأمس، بالأمس أيضا السيد مرسي مع السيد رئيس الجمهورية و
رئيس الوزراء قاموا.
التعاون
الاستراتيجي بين مصر وتركيا
أحمد
منصور: أريد أن أفهم هذا يعني في هذه النقطة تحديداً أنت التقيت مع الرئيس محمد
مرسي أكثر من مرة ذهبت إلى مصر عدة مرات الرئيس مرسي جاء وحضر المؤتمر الرابع للحزب
والتقى معك ومع رئيس الحكومة أردوغان، أنت أعلنت في زيارتك السابقة إلى مصر أن هناك
ملياري دولار سوف تضخوها إلى مصر وهذا ما ثار قلقا عند المصريين لأن رؤية العالم
للأتراك أنهم يبيعون ولا يشترون، يأخذون ولا يعطون، فعلامات استفهام حول الملياري
دولار في ظل أن تركيا تواجه أزمة اقتصادية.
أحمد
داود أوغلو: أريد أن أقول بصراحة العلاقات الاقتصادية التي طورتها تركيا مع الدول
المجاورة والصديقة قائمة على المساعدة المتبادلة، نحن نريد دولا ذات اقتصاد قوي
حولنا وفي إطار المبادئ التي ذكرتها قبل قليل نريد علاقات اقتصادية متداخلة تماماً
مع كل دول الجوار وخاصة مع دولة هامة كمصر التي تربطنا بها علاقات تاريخية وطيدة،
الشركة التركية مفتوحة للشركات المصرية بالكامل إمكانيات تركيا كلها في خدمة مصر
وبالشكل نفسه نريد علاقات اقتصادية متبادلة ومتداخلة لدرجة أن..
أحمد
منصور: الهيمنة لكم.
أحمد
داود أوغلو: لا، لا هذا ليس موضوع نقاش حتى، العلاقات الاقتصادية لا تستند على
السيطرة في أي وقت من الأوقات نحن نطور علاقاتنا الاقتصادية مع روسيا أيضا، روسيا
تبيع الطاقة لنا ونأخذ الجزء الأعظم من طاقتنا من روسيا، لكن هذا لا يعني أن
الاقتصاد الروسي صار يهيمن على الاقتصاد التركي، الجانب الأكبر من العلاقات
الاقتصادية أنها قائمة على المصالح المشتركة وعلى العقلانية وعلى النظرة المستقبلية
الموحدة، تركيا لا تريد أن تنشئ هيمنتها على الآخرين من خلال الاقتصاد لا
يمكن.
أحمد منصور: بالنسبة لمصر
تحديداً.
أحمد
داود أوغلو: بالعكس تماماً، في علاقتنا مع مصر لو سألتم هذا السؤال لي لا بصفتي
وزيرا للخارجية بل بصفتي مثقفا يتهم بمستقبل المنطقة لأجبتكم بصفتي مصرياً وبصفتي
سورياً وبصفتي تركياً إن سألتني أي النجاحات أهم إليك لأجبت بأن نجاح مصر هو النجاح
الأهم بالنسبة لنا من المنطقة ذلك أن النجاح الاقتصادي لحكومة منتخبة بوسائل ديمقراطية في مصر سيؤدي لفتح آفاق باقي الدول،
لا يمكن لنا أن نضمر أي تفكير لمصر سوى نجاح الحكومة المصرية ومصر، تركيا ستكون
بجانب مصر بكل إمكانياتها حتى تحقق مصر نجاحها.
أحمد
منصور: إيه مصلحتكم في نجاح مصر؟
أحمد
داود أوغلو: منطقتنا كل المنطقة كانت مكان ظهور حضارات كبرى ونجاحات سياسية
واقتصادية وثقافية ومصر هي من أهم الدول في المنطقة، مصر من أقدر الدول في المنطقة
التي يمكنها تغيير سير التاريخ وأن تغير مصير المنطقة إن نجحت مصر فإن قيم الربيع
العربي كلها ستنجح، نجاح مصر نجاح لحركات الشعب التي قامت بهذه الثورات، إن لم تنجح
مصر يحفظها الله حفظنا الله لأن الشعوب
العربية وشعوب الشرق الأوسط ستعيش خيبة أمل كبرى، ما نرغب فيه في المنطقة هو علاقات
متساوية بين دول كلها متقدمة أن تكون كل دول المنطقة من أصغرها جغرافيا أو سكانيا
إلى أكبرها متساوية عندها لن تحاول دولة السيطرة على أخرى، علينا أن نرفع هذه
المنطقة بمساعدة كل فرد للآخر علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، الشرق الأوسط هو
الأغنى عالميا في المصادر الطبيعية والأغنى في المدن الأكثر تجدراً في التاريخ
وصاحب تراكم تاريخي كبير، السكان الأكثر دينامكية والأصغر سنا موجودون في الشرق
الأوسط، لماذا لا توجد أي دولة من دول
الشرق الأوسط بين الدول العشر الأفضل اقتصادياً؟ لماذا لا توجد أي دولة في الشرق
الأوسط عدا تركيا من بين الدول العشرين اقتصاديا؟ ما نريده هو أن جعل تركيا ومصر
وسوريا والعراق والسعودية وإيران والمنطقة كلها منطقة رفاه اقتصادي، وفي الوضع
الحالي وفي يومنا هذا تعتبر مصر الدولة الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لمستقبل
تركيا، نجاح مصر هام بقدر ما هو هام نجاح تركيا ولقد قال السيد رئيس الجمهورية
ورئيس الوزراء للسيد محمد مرسي بالأمس إن تركيا ستفعل كل ما يلزم وتستعمل كل
إمكانياتها لنجاح مصر، هذه مساعدة الأخ لأخيه هذه ليست علاقة سيطرة بل علاقة أخوة،
شعوب المنطقة كانت ومنذ التاريخ أشقاء لبعضها البعض وستبقى أشقاء فقط بعد
الآن.
أحمد
منصور: هذا كلام قوي جداً أن تقول أن تركيا تضع كل إمكانياتها من أجل إنجاح مصر
وسبق أن أعلنت أن مصر وتركيا سوف يعيدون بناء الشرق الأوسط الجديد هل يمكن أن
تعطينا باختصار ملامح للشرق الأوسط الجديد الذي تريد تركيا بناءه مع مصر والذي دفع
تركيا إلى أن تمول مصر بملياري دولار، مليار دفعت والمليار الأخرى ستكون على هيئة
مساعدات، أسمع الإجابة بعد فاصل قصير نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار
مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلوا فابقوا معنا .
قراءة
في الرؤية التركية للشرق الأوسط الجديد
أحمد
منصور: أهلا بكم من جديد بلا حدود في هذه الحلقة التي نستضيف فيها وزير الخارجية
التركي أحمد داود أوغلو حول سياسة تركيا الخارجية بعد الثورات العربية، معالي
الوزير كان سؤالي لك حول الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنتم عن بنائه مع مصر وتصريحك
القوي الآن بأن تركيا تضع كل إمكانياتها من أجل إنجاح الثورة
المصرية.
أحمد
داود أوغلو: قبل كل شيء عند سؤالكم السؤال استخدم عبارة أن تركيا ومصر ستنشئان
الشرق الأوسط الجديد، الصحيح أن كل الشعوب وكل الدول ستنشئه معاً تركيا ومصر سيكون
لهما دور قوي لكن كل الشعوب والدول ستتضافر معاً لإنشاء هذه الجغرافية الجديدة عند
تفحص العالم في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى كانت هنالك كتلتين كبريتين
ومرحلتين، المرحلة الأولى مرحلة الاستعمار في تلك الفترة كانت شعوب الشرق الأوسط
تحت ضغط كبير وكانت مفتوحة للتأثير الضار، وبعد معاهدة سايكس بيكو وضعت بين الدول
حدود لا تراه أي امتداد طبيعي وكان إبعاد الشعوب عن بعضها البعض، الحدود بين العراق
وسوريا وبين تركيا وسوريا وتركيا والعراق وبين الأردن وسوريا غير طبيعية في معظمها
والأمر نفسه ساري المفعول في شمال إفريقيا، الشعوب التي عاشت مع بعضها البعض لقرون
تم تقطيعها حتى في عصر ابن خلدون كان ابن خلدون ينتقل بين الدول بشكل أسهل، في
القرن الثالث عشر كان الناس أكثر تلاحماً وتلاقياً فجأة تم فصل الشعوب التي كانت
معاً، بعد الحرب العالمية الثانية انتهى عصر الاستعمار لكننا رأينا أن هنالك أنظمة
جاءت للحكم دون إرادة الشعوب ورأينا صراعات إيديولوجية أيضاً بسبب الخلاف بين البعث
السوري والبعث العراقي لم تتلاق دمشق وبغداد لعشرات السنوات، تأثرت العلاقات
التركية السورية والتركية العراقية بسبب الحرب الباردة، بعد هاتين المرحلتين الغير
الطبيعيتين في القرن العشرين أنا متفائل أنه سنرى مرحلة جديدة أن نرى إدارات
متصالحة مع شعوبها في القرن الـ 21، نجاح الديمقراطية في تركيا أدى إلى لقاء الشعب
بالحكومة، بالأمس كنتم تشاهدون المشاعر الجياشة في المؤتمر كان ذلك نتاج تلاقي
الشعب مع الدولة، نفس الشيء حصل في ميدان التحرير في مصر حيث انتهى القرن العشرين
الذي وصم بالاستعمار وعصر سيطرة الإدارات السلطوية على الشعب، الشعب المصري في
ميدان التحرير أثبت بأن الدولة دولته أراد ميدان التحرير أن يلاقي الدولة بالشعب
والسيد محمد مرسي هو من أول جاء رئيساً للجمهورية بالانتخاب وهو أول ما يمثل طريقة
التفكير هذه، إرادة الشعب كله هامة هنا ليست إرادة قطاع من الشعب أو جز منه، نفس
الشيء حدث في ليبيا بعد الكثير من الآلام لكننا رأينا أن نظاماً جديداً تنكون من
خلال إرادة الشعب، تونس أيضاً قبلت الموضوع نفسه، أحيي شباب التحرير بعد عامين أحيي
الليبيين الذين ثاروا في بنغازي، في تونس أحيي البوعزيزي وعائلته وكل من ثار
احتراما له، هم فتحوا لنا طريقاً جديداً نحن نحاول المضي في هذه الطريق، لهذه
الطريق خصوصياته إذ أن من يمشي فيه من الشباب يقولون بأنهم أصحاب هذه الدولة وأن
الدولة دولتهم هذه ثورة، هذه ثورة تابعتموها بكل احترام وكل تقدير وكل غبطة، ثورة
نشعر بالفخر بأن نكون فيها وندعمها، مصر أيضاً عاشت مثل هذه الثورة نتيجة انتخابات
رئاسة الجمهورية ليست مهمة، المهم هنا أن هناك رئيس جمهورية مصرية منتخب عندما وجه
رئيس وزرائنا نداء لمبارك بأن يترك المقعد ويرحل اعترض الجميع فقلنا لهم أن شعب مصر
أسس حضارة كبيرة و أن له تقاليده الخاصة به
ويستطيع أن يعين مصيره ومستقبله بنفسه انظروا الآن للمنظر العام الذي حصل
أتكلم من وجهة نظر العلاقات التركية المصرية فقط إن شاء الله وبواسطة اجتماعات مجالس الوزراء المشتركة سنزيل الحدود بين الدولتين من منظار احترامنا،
ستكون العلاقات التركية إلى مصر أهم عنصر بتشكيل النشاط في الممر الطويل من وسط
إفريقيا وحتى شمال البحر الأسود نخطط لمشاريع مواصلات من جنوب مصر وحتى شمال
تركيا؛ مشاريع زراعية مشتركة و..
أحمد
منصور: هل هذه هي الإستراتيجية الخارجية التركية الجديدة؟
أحمد
داود أوغلو: هذا أمر كنا نريده في السابق، لقد أسسناه مع دول أخرى أيضا لكن وللأسف
الشديد نظام مبارك لم يكن منفتحا لمثل هذا التعاون مع تركيا، أما ألان فهناك نظام
إدارة مصري منفتح على التعاون مع تركيا، كما إن هناك تركيا راغبة بفعل كل ما تستطيع
فعله من اجل مصر، أريد أن أقول شيئا لكل دولة شروطها الخاصة، مصر ستعيش تجربتها
الخاصة بها، لكن بالنسبة لنا عند اشتعال فتيل الثورة العربية أصدرنا تعليمات لكل
وزاراتنا وكل سفرائنا وقلنا لهم أن عليهم أن يقوموا بكل ما يستطيعون القيام به من
أجل المطالب المحقة والديمقراطية في هذه الثورات، وأن عليهم أن يقدموا كافة أنواع
الدعم، هذا دعم اخوي، قمنا بإصلاحات صحية في تركيا، إصلاحات زراعية، ثورات كبرى في
المواصلات، واتخذنا قرارا بمشاطرة تجاربنا في كل هذه الإصلاحات، كما وعرض علينا
السيد محمد مرسي القيام بمشاريع مشتركة
بأفريقيا، ونحن نقيمها بكل الشروط، سنعمل معا في السودان وليبيا ووسط إفريقيا عملا
بسياسة انفتاح جديدة لتركيا على إفريقيا،
هذه ليست مساعدة لأحد ما للأخر قد يأتي يوم وتساعد فيها مصر تركيا نحن نريد أن نكون
معا أقوياء بحيث يساعد الواحد الأخر عندما يحتاج احدنا للمساعدة، انظروا إلى
الاتحاد الأوروبي، الدول تتساعد في كافة المواضيع، الشرق الأوسط الجديد الذي نريده
قائم على إزالة الحدود التي تقيد حركة
البشر، نريد من الكل أن يذهب بكل يسر إلى كل مكان شرق أوسط بلا تأشيرات، البضائع
تتحرك دون قيود.
أحمد
منصور: التأشيرة بينكم وبين مصر لا زالت قائمة لم تلغ حتى الآن، هل قررتم إزالة
تأشيرة مع مصر؟
أحمد
داود أوغلو: طبعا.
أحمد
منصور: متى؟
أحمد
داود أوغلو: في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم سنكون في الاجتماع الاستراتيجي
عالي المستوى، وسيتم طرح هذه المواضيع على الطاولة لا نريد أي حدود قلتها قبل قليل، الحدود في الشرق الأوسط
مصطنعة لم تتشكل عبر ظروف الطبيعة، استندت
على تقسيم مناطق الاستعمار بعضها بريطاني وبعضها فرنسي والأخر ايطالي، لكن سنحترم
هذه الحدود الكل سيحترم حدود الأخر، ما
سنفعله أننا سنحترم هذه الحدود إلا أننا
لم نرض بحدود أمام العلاقات الثقافية والاقتصادية، إن كانت لديكم تأشيرة عند ذهابكم
إلى أوروبا بإمكانكم الذهاب من ألمانيا لفرنسا ومن ألمانيا إلى بولندا دون أن
تدركوا أنكم اجتزتم حدود أصلا، لكن عند
النظر في الخريطة فإن حدود ألمانيا واضحة
وحدود بولندا واضحة كما أنه ستكون حدود تركيا واضحة وحدود سوريا واضحة والعراق
كذلك، في الشرق أوسط الذي نريده سيكون..
أحمد
منصور: قل لي الشرق الأوسط إيه..
أحمد
داود أوغلو: من تركيا إلى حلب ومن مرسين إلى الإسكندرية بكل راحة وسهولة من القاهرة
لبنغازي ولطرابلس ولتونس وللمغرب بكل راحة وحرية هذا ما نريده لحلم الشرق الأوسط
بدل أن نتنافس مع بعضنا البعض..
أحمد
منصور: هذا حلم الآن!
أحمد
داود أوغلو: نعم، لكنه حلم قابل للتطبيق
في الأعوام 1950 كانت بعض الدول في أوروبا قد مرت بالآلام كثيرة وبعدما قتل ملايين
البشر فيها لو لم يكن بعض الناس قد حلموا بحلم الاتحاد الأوروبي ولم يكن هنالك مثل
هذا الحلم، لما تحقق الاتحاد الأوروبي، علينا الآن أن نفكر بالشرق الأوسط ما بعد
عشرين عاما كلنا على حافة هامة من التاريخ إما
أن تتضافر الشعوب كلها والمثقفين والمفكرين معا لجعل الشرق الأوسط مركزا
للحضارات والاقتصاد والسياسة الدولية وإما أن نعيش كلنا مآسي كبيرة، علينا أن
نختار، سيتم تشكيل تاريخ الشرق الأوسط في
القرن الواحد والعشرين في السنوات الخمس
إلى العشر القادمة ولهذا فإن على المثقفين
ورجال الدولة أصحاب الرؤى المستقبلة السليمة والمحبين إلى البشرية والأخيار أن يضعوا اختلافات وجهات النظر جانبا وعلى الأخص
أن يضعوا الفروق المذهبية والإثنية جانبا
بشكل تام، وأن يتحركوا معا لإنشاء منطقة رفاه كبيرة.
أحمد
منصور: نحن الآن أمام قوة إقليمية جديدة وليدة سيكون الاجتماع الذي سيعقد في نوفمبر
القادم للمجلس الاستراتيجي الأعلى بين تركيا ومصر هو نواة لهذه القوى الإقليمية
الجديدة؟
أحمد
داود أوغلو: نعم، تركيا ومصر لهما أهمية خاصة في حياة الأكاديمية وكنت قد أفردت لهما قسما خاصا في كتاب العمق الاستراتيجي، وقلت فيه أن
تركيا ومصر لعبتا دورا هاما في تاريخ
الحداثة والتقدم الحضاري في الشرق
الأوسط، كل الدول هامة لكن مصر توصف دوما
بأنها مخ العرب عقل العالم العربي، الكثير من الأفكار والتيارات يتم تشكيلها في مصر
وهي دولة تعكس ديناميكية العالم العربي وعندما تكون قوية فإنها ستحل الكثير من
المشاكل، كنت أفكر كالتالي تركيا ومصر تتنافسان إقليميا في المنطقة كونها قوتان إقليميتان، في مفهومنا
لا توجد منافسة في هذا المعنى إن تضافرت مساعي تركيا ومصر كلاهما سيشكلان مركز ثقل
قوي فيما يخص القضية الفلسطينية إن تضافرت مساعي تركيا ومصر فأنهما سيعطيان نماذج
نجاح جميلة وسيعيدان إن شاء الله بناء سوريا والعراق واليمن لا أريد أن استثني دولة
بالإمكان استخدام إمكانيات باقي الدول أيضا في المنطقة كلها يجب أن لا نقصر أنفسنا
على تركيا ومصر فقط لكن مصر هي احد أهم مراكز الحضارة في المنطقة والمركز الأخر هو بلاد ما بين
الرافدين والأناضول وبلاد الشام علينا أن نفعل إمكانياتنا كلها.
أحمد
منصور: هل ولادة المجلس الاستراتيجي الأعلى
بين مصر وتركيا يمكن أن تكون نواة لضم دول أخرى إلى هذا المجلس وتحقيق هذا
المشروع الجديد وهذه القوى الإقليمية الجديدة؟
أحمد
داود أوغلو: صحيح، بعد تأسيس المجلس الاستراتيجي الأعلى بين تركيا ومصر سننشأ مجلسا
مشابها مع ليبيا ومجلس مع تونس وسننشأ مجالس علاقات ثلاثية ورباعية لنشر التعاون،
ليس من الصحيح أن تبقى المجالس ثنائية كما تتذكرون كنا على وشك إنشاء منطقة تجارية
رباعية حرة بين تركيا وسوريا ولبنان والأردن مع الأسف تم وأد هذا المشروع عندما بدأ
النظام السوري بتطبيق الظلم الكبير على شعبه، وبشكل مشابه لدينا مشروع مشابه مع
العراق أيضا وهو مشروع حوض بلاد ما بين الرافدين، كل هذه محاولات تهدف لتحسين
العلاقات الثنائية والثلاثية الاقتصادية
منها والتجارية من القاعدة للأعلى، لا نريد أن نطرح شعارات كبيرة في الأعلى
لا تجد طريقا لها للأسفل بل على العكس علينا أن نتحرك لإنشاء شرق أوسط جديد من
القاعدة إلى الأعلى وبشكل مشابه لدينا آلية تعاون استراتيجي بيننا وبين دول مجلس
التعاون الخليجي أي أننا نريد إن ننشأ
تكاملا مع كل دول المنطقة عن قرب من خلال نماذج مختلفة من العلاقات الجيدة.
أحمد
منصور: هل هذا هو سر أن رئيس الوزراء في خطابه الذي ألقاه أمام مؤتمر الحزب لم
يتطرق إلى أوروبا وكانت وجهته كلها إلى هذه المنطقة التي تريد صناعة قوى إقليمية
جديدة من خلالها؟
أحمد
داود أوغلو: لا، بالنسبة إلينا إن أوروبا والشرق الأوسط ليسا خيارين بديلين عن بعضنا البعض نحن دولة أوروبية نحن جزء من تاريخ
أوروبا لا يمكن كتابة تاريخ أي من الدول الأوربية دون استخدام الأرشيف العثماني
في إسطنبول خصوصا تاريخ نصف الدول الأوروبية على الأقل لا يمكن كتابه سوى بالرجوع
إلى وثائق أرشيف اسطنبول، لذا نحن جزء من تاريخ أوروبا وجزء من تاريخ الشرق الأوسط
وجزء من تاريخ بلاد ما بين الرافدين وجزء من تاريخ وسط أسيا والقوقاز، تركيا العنصر
الأكثر أصالة في تاريخ أوروبا من هذا المنظور لم نبتعد عن هدفنا للاندماج مع
أوروبا، لكن وللأسف الشديد أوروبا مصابة بنقص حاد في الرؤية الإستراتيجية مما يقف
عائقا في مسيرة الاندماج التركي مع أوروبا، قبل عشر سنوات كنا أكثر رغبة في
الاندماج مع أوروبا ذلك أننا كنا نعتقد أن الساسة الأوروبيين سيدركون القيمة
الإستراتيجية العالية لتركيا للأسف في بعض الأحيان وجهنا تعصب ثقافي أعمى وبالأفكار
المسبقة وبمحاولات وصفنا بالأخر وفي أحيان أخرى وجهنا بالمخاوف السياسية الداخلية
مثلما حدث في الانتخابات الفرنسية وانتخابات بعض الدول الأخرى مما بطأ في مسيرة
اندماج تركيا في الاتحاد، في الموضوع
القبرصي اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارات
أحادية الطرف على الرغم من قبرص التركية قبلت بخطة الأمم المتحدة تم عزل الطرف
الأوروبي وتم قبول قبرص اليونانية في الاتحاد الأوروبي رغم رفضها لخطة أنان وبذلك
بدأت قبرص اليونانية في وضع العوائق تركيا في
كل مرحلة، للأسف تباطأت علاقاتنا مع هكذا اتحاد أوروبي تنقصه الرؤية
الإستراتيجية ومع ظهور الأزمة الاقتصادية تقوقعت أوروبا على نفسها في الوقت الحالي
هذا هو السبب، علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي وأوروبا لم تضعف بسببنا أو بسبب عدم رغبتنا سنبقى راغبين في الدخول في الاتحاد الأوروبي بنفس الاستقرار هذه أمور
مرتبطة..
أحمد
منصور: لكن أنتم بهذا تعطون ظهركم إلي أوروبا ربما أوروبا حينما تدرك القوى الوليدة
التي ستولد في المنطقة تعرف القوى الإستراتيجية
لتركيا التي أغفلتها؟
أحمد
داود أوغلو: لا نية لدينا لاستخدام قوتنا في الشرق الأوسط من أجل الدخول في أوروبا
أقول دوما لموظفينا في الحقل الدبلوماسي بأن علينا أن نتصرف مثل الأوروبيين في
بروكسل وكشرق أوسطيين ومصريين في القاهرة كشرق أوسطيين في سوريا ونتحدث كأحد
سكان بلاد ما بين الرافدين وكعراقيين في
بغداد، هذه ليست أمورا بديلة عن بعضها البعض، علينا أن نكون قوقازيين في باكو،
علينا أن نكون وسط آسيويون في كازاخستان تركيا لديها القدرة علي أن تكون كل هذا،
وهذه الأمور ليست بديلة عن بعضها البعض شخصيتنا متعددة الأوجه وهي تشكل قيمة كبيرة
وهذا مفيد في تنشئة الجسور بين المناطق وتوصيلها يبعضها البعض ليس لدينا أي تفكير
بأن نزيد من قوتنا في الشرق الأوسط لاستخدامها وسيلة لدخول الاتحاد الأوروبي نحن
أصلا أوروبيون نحن أصلا شرق أوسطيون نحن أصلا من وسط أسيا .
مستقبل
الأزمة بين تركيا وإسرائيل
أحمد
منصور: لا نستطيع أن نتكلم عن الشرق أوسط الجديد دون أن نتكلم عن إسرائيل التي تقع
في قلبه الآن، صحيفة ياني شفق المقربة من حزب العدالة والتنمية في عددها الصادر في
21 سبتمبر أشارت إلي دور استخباراتي إسرائيلي داعم لحزب العمال الكردستاني ضد
تركيا، هناك إشارات كثيرة إلى دور إسرائيلي استخباراتي في زرع القلاقل بداخل تركيا
رئيس الحكومة تحدث عن لقاء مع أكبر، أغنى أغنياء العالم من اليهود جاء والتقى فيه
حتى تعيد العلاقات مع إسرائيل توسطت دول كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة لإعادة
العلاقات مع إسرائيل، أين إسرائيل من هذه المنظومة الجديدة؟
أحمد
داود أوغلو: مع الأسف تأخرت إسرائيل في فهم ديناميكيات المنطقة وخصائص المنطقة
الآخذة بالتشكل ولم تفهمها حتى الآن وبدلا من تأسيس سلام دائم في المنطقة ارتأت
لنفسها موقفا يلفظها خارج المنطقة، لو كانت إسرائيل تريد السلام لكانت قبلت بمبادرة
السلام العربية عام 2002 ولكانت الآن تعيش في محيط أكثر أمنا لكن إسرائيل لم ترد
ذلك لم ترد السلام زادت من الضغط على الفلسطينيين، وطبقت الحصار على غزة وهي تسمم معيشة سكان
الضفة الغربية من خلال نقاط التفتيش المنتشرة في كل مكان والاهم من ذلك كله أن
إسرائيل تحاول تغير بنية القدس عاصمة
الدولة الفلسطينية في المستقبل؛ وذلك من خلال إنشاء نقاط استيطانية جديدة لتغيير
طبيعة القدس مما يثبت بأن إسرائيل لا نية لديها
ولا إرادة لتحقيق السلام، على إسرائيل أن تتخذ قرارا تاريخيا الآن، على
إسرائيل أن تحترم حقوق إخوتنا الفلسطينيين قبل كل شيء إن هي أرادت أن تحصل على مكان
لها في المنطقة الآخذة في التشكل، بعدها عليها أن تزيل العقبات في طريق إنشاء دولة
فلسطين المستقلة أن توقف الاستيطان عليها بأن تقبل أن القدس الشرقية هي عاصمة
الدولة الفلسطينية للأبد، أصلا هذه المبادئ
تم قبولها في اتفاقية أوسلو، من الواضح أن الديمقراطية تستند لإرادة الشعوب
وفي الوقت الحالي لم يستطيع أي نظام يحترم إرادة شعبه أن يحصل علي تصريح من شعبه
بأن يطور علاقات جديدة مع إسرائيل لذا فإن على إسرائيل أن تراجع موقفها، وعلى
إسرائيل أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني بأن يرى علم دولة فلسطين يرفرف أمام مبنى
الأمم المتحدة، وهو ما طالب به السيد محمود عباس في العام
الماضي.
أحمد
منصور: رئيس الحكومة التركية فرض عدة شروط الأزمة لا زالت متصاعدة ما مستقبل الأزمة
بين تركيا وإسرائيل إذا ظلت إسرائيل ترفض الشروط التركية؟
أحمد
داود أوغلو: مبدئنا في هذا الموضوع واضح جدا تعرضت قافلة بحرية مدنية تنقل
المساعدات الإنسانية في لإخوتنا في غزة لهجوم عسكري إسرائيلي، فتوجهنا للأمم
المتحدة وألقيت كلمة هناك، وهناك قرار صادر من الأمم المتحدة حول الموضوع نريد أن
يتم تطبيق كل المواد الواردة في قرار الأمم المتحدة، انصاعت إسرائيل لبعض مطالب القرار مثل إخلاء
سبيل المسافرين الموقفين وإرجاع سفينة مرمره، الآن بالنسبة لنا بقيت ثلاثة مطالب لم
تتحقق أولها: الاعتذار الرسمي لتركيا، الثاني: دفع التعويضات، والثالث: رفع الحصار
الظالم عن شعب غزة عن إخوتنا الفلسطينيين، هذه شروط هامة ولماذا هامة؟ إن كان هناك
قانون دولي فإن كل الدول متساوية أمام هذا القانون، لا تمتلك أي دولة حق خرق
القانون الدولي متى أرادت، للأسف وبينما تطلب إسرائيل من الدول الأخرى الانصياع
للقانون الدولي اعتادت هي على التحرك خارج القانون، واستمرت في موقفها هذا لأنها
اعتادت على أن تجد من لا يساءلها عن الخروقات التي قامت وتقوم بها، الآن نحن نريد
أن تتحول إسرائيل إلي دولة قابلة للمساءلة،
لا نريد أن يتم منحها وضعية الدولة التي لا تسأل عما تفعل، عليها أن تتحرك
كما تتحرك الدول الأخرى، هذا ما تدافع عنه تركيا منذ البداية إن لم يحدث تغيير في
هذه الشروط فإنه من غير الممكن توقع أي تحسن في العلاقات التركية الإسرائيلية، الكثير من الدول والكثير من رجال
الدولة من مختلف أنحاء العالم حاولت التوسط بيننا لتحسين العلاقات لكن ما يهمنا هو
تحقيق هذه الشروط الثلاث.
أحمد
منصور: أنت تقول بوضوح الآن إذا لم تمتثل إسرائيل للشروط التركية الثلاث فلن تعود
العلاقات؟
أحمد
داود أوغلو: لا عفوا، اقصد أنا ما قلته صحيح، على الشروط الثلاث أن تتحقق المهم هنا
إنه على إسرائيل أن تدرك أنها ستحاسب على ما تفعله وإن عليها أن تدفع ثمن تحركاتها
وأن تتصرف بناء على ذلك، لا يمكن لكم الحديث عن سلام في منطقة ما تحرم دولة ما على غيرها الحصول على القوة في الوقت الذي تقول فيه بأنها تسعى للقوة التي
تشاء وتستعملها كما تشاء، لا يمكن الاستمرار في نظام لا يحق فيه للطفل الغزي أن
يحلم بأي مستقبل له في الوقت الذي يتمتع فيه الطفل الإسرائيلي بكافة حقوقه، وهم على
بعد كيلومترات فقط من بعضهما البعض، ما الذي استفادت منه إسرائيل عندما حولت غزة
لسجن مفتوح! لم تسمح إسرائيل بعمل ميناء غزة وعطلت المطار أيضا وفرضت الحصار على
غزة، ألم يستطيع الغزيون العبور عبر الأنفاق؟ هل الأنفاق أكثر أمنا لإسرائيل، يجب
الاعتراف بحق الشعب الغزي بالتنقل، أريد التأكيد علي وقف الاستيطان في الضفة
الغربية والقدس الشرقية وتصفية وإغلاق المستوطنات القديمة بالشكل الذي ينص عليه
القانون الدولي، هذا الموضوع ذو أهمية اكبر في القدس الشرقية بشكل خاص حيث المسلمين
والمسيحيين واليهود يعيشون معا، إذن يجب عدم المساس بالبنية الأساسية لهذا الكنز
الثقافي يجب إيقاف الحفريات في المسجد الأقصى فورا، ويجب الحفاظ علي ميزات القدس
الشرقية هذا ما دافعنا عنه دوما، هناك مواضيع يتم التفاوض فيها بين فلسطين
وإسرائيل، مواضيع تدخل في مباحثات السلام بينهما، لكن هناك مواضيع أخرى تهم دولا
غيرهم مثل موضوع النازحين، موضوع النازحين
يهم لبنان وسوريا والأردن، عندما نتحدث عن
القدس فإن القدس تدخل في دائرة اهتمام
كل المسلمين وكل المسيحيين وكل اليهود ولهذا لا يمكن التزام الصمت إزاء أي
شيء يغير من الشخصية التاريخية للقدس.
أحمد
منصور: معالي الوزير الوقت انتهى ولكن الكل ينتظر المحور الأساسي وهو سوريا وحزب
العمال الكردستاني، اسمح لي أنا وضعت خطة حتى انتزع منك حلقة أخرى ولن أغادر أنقرة
حتى يعني نجري حوارنا حول سوريا، فسمح لي
في الحلقة القادمة نتحدث حول سوريا بالتفاصيل والموقف التركي وكل الاتهامات الموجهة
إليكم، وما دار بينك وبين أحمدي نجاد
وهيلاري كلينتون وخطابك في الأمم المتحدة وكل تفصيلات الموقف التركي من القضية
السورية وكذلك العرض الأخير الذي قدمه رئيس الحكومة بالنسبة لحزب العمال
الكردستاني، أشكرك شكرا كثيرا، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم ترقبونا في الأسبوع القادم لمواصلة هذا الحوار
حول السياسة الخارجية التركية مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، في الختام أنقل إليكم تحية فريقي البرنامج من
أنقرة والدوحة، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من Ankara
Palace في تركيا والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
المصدر:
الجزيرة
|