الأربعاء، 9 يناير 2019

تحديات الاستخبارات المغربية في مواجهة التطرف والإرهاب

kolonagaza7
image.png

إذا كانت أجهزة الاستخبارات في الماضي ينحصر دورها في التجسس على الأشخاص المعارضين ومتابعة تحركاتهم و التعرف على خططهم، فإن عملها تطور خلال السنوات الأخيرة وأصبحت في كثير من الدول تساهم في وضع السياسات العمومية وتقدم اقتراحات لصناع القرار، ودرء كل المخاطر التي قد تحدق بأمن الدول واستقراها من جراء تنامي ظاهرة الإرهاب وارتفاع نسبة الجريمة المنظمة. فهي أداة تستخدم جمع ومعالجة وتحليل ونشر المعلومات اللازمة لصياغة سياسات وخطط إستراتيجية فعالة على الصعيدين الوطني والدولي.
 ونرى في هذا الصدد أن المخابرات المغربية، تعد جهازا مؤهلا للقيام بهذا الدور، نظرا للتجربة والخبرة اللتين راكمتها، سواء تعلق الأمر بمكافحة التطرف أو الإرهاب أو محاربة الجريمة المنظمة أو العابرة للحدود، ما جعلها تحوز سمعة دولية؛ والدليل على ذلك ما جاء به تقرير الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان الصادر في شهر شتنبر 2015، عندما اعتبر أن المغرب "يتوفر على أقوى جهاز استخباراتي في العالم العربي، سواء من حيث مهنية واحترافية العاملين في صفوفه، أو في عملياته الاستباقية لإفشال العديد من المخططات الإرهابية ".
 فالمغرب أصبح مهددا من الداخل والخارج أكثر من أي وقت مضى، مما حتم على أجهزته الأمنية نهج أسلوب اليقظة والاستباق في الحصول على المعلومة واتخاذ الإجراءات السريعة والفعالة. كما عمل المغرب على إنشاء منظومة أمنية قوية، من خلال إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية، حصنته من تهديدات التنظيمات الإرهابية، كتنظيم القاعدة وتنظيم داعش في شمال إفريقيا، إضافة إلى تنظيمات أخرى تنتشر على الحدود في دول المغرب العربي و دول منطقة الساحل. وقد حققت السياسة الأمنية للمملكة المغربية في مجال مكافحة التطرف والإرهاب نتائج ملموسة، جعلها نموذجًا يحتذى به في دول المنطقة.
 وعلى هذا الأساس، فإن المخابرات المغربية تواجهها تحديات كبرى مستقبلا في ظل التحولات التي يعرفها العالم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، بفعل تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة والعدوان الخارجي والتدخل الأجنبي الذي يسعى إلى إثارة النزعات الطائفية والانفصالية، فضلا عن التطور السريع الذي عرفته تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال المختلفة، ما ساعد على ظهور ما سمي "الإرهاب الإلكتروني"، وأيضا تنامي قوة الشركات العابرة للقارات، والتي أصبح لها تأثير اقتصادي وسياسي على أنظمة الدول واستقرارها.
 وهذه التحديات المستقبلية التي تواجه الاستخبارات المغربية تستدعي اعتماد سياسة التخطيط الاستراتيجي، من خلال تحديد الجهات المعنية بمكافحة التطرف والإرهاب والاستعانة بالخبراء في المجال الأمني وجمع المعلومات المطلوبة وتشخيص الواقع وتحديد الرؤية والأهداف وعوامل النجاح والفشل وتحليل البيانات وتصميم الخطة الأولية وتنفيذها ومراجعتها وتوزيع الأدوار بين كافة المتدخلين في السياسة الأمنية وإجراء التقييمات أثناء تنفيذ الخطة .
فالتخطيط الاستراتيجي قد يتيح لجهاز الاستخبارات وضوح الرؤية والأهداف والاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات وتحديد الأولويات والأهداف حسب الاحتياجات وحصر المخاطر والأضرار للأنشطة التي قد تؤدي إلى التطرف وارتكاب الجريمة الإرهابية، وذلك من أجل تزويد أجهزة الدولة بالمعلومات الضرورية المهمة التي تمكّنها من صياغة سياسات أو اتخاذ قرارات حاسمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، بما يؤمن حماية الأمن والاستقرار في البلاد .

وينبغي أن يعتمد هذا التخطيط رؤية واضحة المعالم ترتكز على مجموعة من الوسائل، نذكر من بينها على سبيل المثال :
  .1بناء تعاون بين مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بالمغرب وتنسيق العمل فيما بينها لمواجهة الصعوبات والمشاكل ذات الاهتمام المشترك، نظرا لعدم القدرة على مواجهة التحديات بشكل منفرد.
  .2الاهتمام بأمن شبكة الانترنت أو بـ"الأمن المعلومياتي"، نظرا لقدرة التنظيماتالإرهابية على توظيف الإنترنت بطريقة تضر بأمن الدولة وواستقرارها .
  .3توظيف العنصر البشري الكفوء والمتميز وتطوير المهارات لديه، الثقافية والاقتصادية والسياسية والتقنية، حتى يتسنى له مواكبة التغييرات والتحولات التي حصلت على المستوى الوطني والدولي.
 كما تجدر الإشارة في الأخير، إلى أن إحداث المجلس الأعلى للأمن بمقتضى الفصل 54 من دستور 2011، سيكون له دور كبير في رسم السياسات الأمنية والتخطيط لها، وذلك لمواجهة التحديات الكبرى التي صار المغرب يعرفها في ظل التغييرات التي طرأت على الخريطة السياسية والأمنية على الصعيد الإقليمي، وكذلك مواجهة تحديات عولمة الإرهاب والجريمة المنظمة التي طورت من آليات عملها.
 خالد الشرقاوي السموني

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية.

مشاركة مميزة