الأربعاء، 29 أبريل 2009

حامد البيتاوي .. الرجل الإمام

بقلم النائب د. مريم صالح
لم يخطر ببالي يوما ً أن أكتب عن شيخنا المجاهد وأحد رموز شرعيتنا الفلسطينية الشيخ حامد البيتاوي، في أيام ٍ يتعرض فيها هذا الإمام لمحاولة اغتيال بأيدي فلسطينية . ولأقل بصراحة أكبر ، لم أكن لأتوقع في أكثر خيالاتي تشاؤما ً أن يأتي اليوم الذي تطال فيه أنياب الفوضى المسعورة الخط الأول من الشخصيات الفلسطينية المعروفة بوطنيتها ونزاهتها وتضحياتها القديمة الجديدة في سبيل الوطن . ولعلّ هذه الواقعة المخجلة، محاولة اغتيال الشيخ البيتاوي، تدفعني الى التساؤل عمّا تبقى من خطوط حمراء واعتبارات اخلاقية ووطنية أمام ثور الإنفلات الأمني الطاغي في هيجان حالته على أي حالة سياسية أخرى في وضعنا المحلي الفلسطيني .
لعله من المؤلم التذكير بأنّ هذا الاعتداء على الشيخ لم يكن الأول ، فمن أبرز الانتهاكات التي تعرض لها شيخنا الكريم من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية هي أنه بعد الإفراج الأخير عنه من سجون الاحتلال وافتتاحه لمكتبه النيابي بصفته نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، قامت تلك الأجهزة بمصادرة محتويات المكتب جميعها " بما فيها الستائر ! " وتركه ساحة خالية تماماً، علما ً بأنّ الشيخ بفتحه مكتبه ذاك كان قد فتح بيته وقلبه لكل أبناء الشعب الفلسطيني بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية . وفي هذا الصدد، فإنني أجد أنّ من واجبي اليوم كنائب في المجلس التشريعي أن أشهد على حرص النائب الشيخ البيتاوي على حضور اجتماعات المجلس التشريعي كاملة ً عند التئامها وتحمّل المشقة الكبيرة في سبيل ذلك من جراء اضطراره للسفر من نابلس الى رام الله والمرور عبر عدة حواجز عسكرية ، الأمر الذي كان يؤدي الى دوام سفره الى الاجتماع أكثر من يوم .
ولأنّ الشيخ كان من أحرص الشخصيات الفلسطينية على الوحدة الداخلية ، لم يمنعه عمره ووقاره ورفعة مكانته العلمية والشرعية بل والتشريعية من أن يذهب بعمته وجبته ، فور الإفراج عنه من سجون الإحتلال، إلى مقاطعة الرئيس في رام الله والالتقاء بأبو مازن ليقرر للعالم أننا أبناء شعب واحد ، وأننا نحن رمز الشرعية أكثر الناس احتراما ً للشرعية .
لن أستطيع هنا ، بطبيعة الحال، أن أوفي شيخنا البيتاوي حقه من الدفاع عن شخصه وتضحياته الشخصية والأسرية في سبيل الوطن لأنّ سجلّه المشرّف إن كان في العلم والتفقه أو في النضال والتضحية ، هو أكبر من أن تحويه وريقة أو عشرا .
هو العالم الجليل ، رئيس رابطة علماء فلسطين حتى عام 2006 ، تدرّجت رتبته في المحاكم الشرعية إلى أن أصبح رئيسا ً لمحكمة الاستئناف الشرعية في الضفة الغربية ، ثم ّعضواً في المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في فلسطين .
أحد الأسماء البارزة المساهمة في الصحوة الاسلامية المباركة في فلسطين ، من خلال الخطب والدروس والندوات واحياء المناسبات والمهرجانات . وأحد مبعدي مرج الزهور بجنوب لبنان في العام 1992 م .
وقد ألّف شيخنا المعروف بعلمه مؤلفات ٍ عدة منها : سلسلة خطب الداعية ، ذكريات الابعاد في مرج الزهور ، ذكرياتي في جماعة الاخوان المسلمين ، حقوق المرأة في الاسلام .. وغيرها الكثير .
ولم تمنع المكانة العلمية العالية لشيخنا الجليل من أن يكون أكثر الناس تواضعا ً في حديثه وسلوكه ومعاملته ، فأما بالنسبة لنا ، زملائه النواب في المجلس التشريعي، فلم نشعر يوما ً تجاهه إلا كشعورنا تجاه الأخ الأكبر لكل ٍ منا ، وأما موظفي المجلس الشريعي ، فيشهدون بتواضع الشيخ لهم فردا ً فردا ً ، وعدم توانيه لحظة عن الإصغاء لهم ومعاملتهم كأبنائه ، وما ذلك إلاّ لطيب نفس الشيخ وحنوّ قلبه وتواضعه .
الشيخ حامد البيتاوي ، الذي لم تقتصر معاناته على التنقل بين سجون الاحتلال ومعتقلات الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعرض أبناؤه الستة أيضا ً للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني وأمضوا فترات مختلفة من الاعتقال مابين ستة أشهر وسنوات ، وأخيرا تم اعتقال اثنين من أبنائه على يد السلطة الفلسطينية (جهازي المخابرات والأمن الوقائي )، حيث أمضى احدهما مدة عام تقريبا على مدى فترتين وأمضى الآخر مدة شهر . فيما تعرض بقية أبنائه للاستدعاء والمقابلة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية مرات عديدة .
ولم تشفع للشيخ حالته الصحية الصعبة في يوم ٍ ما أمام اعتداءات سلطات الاحتلال الاسرائيلي أو الأجهزة الأمنية الفلسطينية عليه .. فالشيخ البالغ من العمر حوالي 65 عاما يعاني من أمراض عديدة أهمها القلب والسكري، والتي تستدعي توفير العناية والرعاية الطبية المستمرة له ،كما أنه يعاني من وضع صحي غير مستقر وأمراض أخرى منها : ارتفاع حاد وعدم انتظام في سكر الدم يهدد شبكية العين والكلى والأطراف، حيث أدى هذا المرض إلى انسداد شرايين القدمين لديه بنسبة أكبر من 50 في المائة، مما أدى إلى بتر إصبعين من قدمه قبل سنتين ، وهو الآن ما يزال يعاني من مضاعفات بتر هذين الإصبعين، حيث امتدت التقرحات الناجمة عن عملية البتر إلى بقية القدم بما يهدد القدم بشكل كلي. ويعاني الشيخ البيتاوي من مرض القلب المزمن منذ عام 1995 ، حيث أجريت له العديد من العمليات الجراحية في شرايين القلب في المستشفيات الفلسطينية والأردنية، والتي كان آخرها في شهر آذار مارس2007 حيث تم تركيب شبكيتين لشرايين القلب لديه. علما أن سلطات الاحتلال كانت قد منعت الشيخ من السفر للأردن لغرض العلاج قبل عام. ويحتاج الشيخ البيتاوي بشكل يومي إلى إشراف طبي متخصص ورعاية خاصة من أجل السيطرة على نسبة السكر لديه ومتابعة وضع قلبه، وهو يتناول ما يزيد على 10 أنواع من الأدوية يومياً.
ولعلي قبل الختام أورد هنا رؤيا كان الشيخ الكريم قد حدثنا أنه رآها قبل عدة سنوات .. من قبل أن يُقعد المرض أرييل شارون ، ومن قبل انتخابات عام 2006 ... حيث يقول الشيخ : ( رأيتُ فيما يرى النائم أنني أقف وأخوة ً لي من أبناء هذه الشعب في منحدر ٍما ، وفي أعلى المنحدر كان يقف أرييل شارون وجنده على صخرة شاهقة ، ومن هناك كانوا يقومون برمينا بالقلاع والحجارة كبيرة الحجم . ووجدتُ نفسي أقوم بحثّ اخوتي على الرد على حجارتهم وقلاعهم بما تيسر تحت حول أرجلنا من حجارة ٍ صغيرة ٍ في المنحدر . فهممنا جميعا ً نضربهم بالحجارة الصغيرة حتى بدأ جند شارون بالتفرق من حوله إلى أن بقي وحيدا ً ، فبدأ حجمه بالتضاؤل شيئا ً فشيئا ً إلى أن أصبح بحجم الصرصار الصغير ..)
وحدث بعد ذلك ما لم يخف عليكم من تحقق للرؤيا بسقم شارون وتضاؤله النفسي والجسدي .. إلى أن أصبح اليوم في طور التلاشي من قبل أن يفارق الحياة ! .. ورأيتم ما رأيتم من انتصار للحق وأهله في الانتخابات التي جرت بعد سقم ذلك العليل وما أحدثته من قلب ٍ كبير ٍ على كافة المستويات .
إنّ حادثة الإعتداء على الشيخ حامد البيتاوي ومحاولة اغتياله تعد رمز لحالة الفوضى السياسية والأمنية التي نعيشها كفلسطينيين ، ولا يمكن بحال فصلها عن جذورها المتمثلة بالتحريض الداخلي من قبل جهات معينة ضد شخصيات بعينها معظمها اصلاحية ومعروفة بتاريخها الوطني والنضالي. وفي غمرة كل هذه التجاوزات نظلّ نعيش في غمرة السؤال الذي لا ينتهي:إلى متى ؟!
29/4/2009

مشاركة مميزة