الجمعة، 4 ديسمبر 2009

المساجد في السويد


اضغط وسط الصورة لتكبير الحجم




kolonagaza7
يحيى أبو زكريا
أصبح بإمكان الإنسان المسلم في السويد أن يمارس كافة فرائضه و واجباته الدينية دون أن يتعارض ذلك مع كونه من أصل سويدي أو يحمل الجنسية السويدية أو يقيم على الأراضي السويدية .بهذه العبارات يتحدث الدكتور يان ساميلسون –jan samuelsson المتخصص في الفلسفة وعلم الأديان في أخر كتاب له صدر في السويد وباللغة السويدية ويحمل عنوان :الإسلام في السويد ويعرف هذا الكتاب بالإسلام في كثير من أحكامه وواجباته , كما حوى الكتاب تعريفا بمختلف الجمعيات الإسلامية الموجودة في السويد والتي يزيد عددها عن العشرة ومعظمها يتلقى دعما ماليا من الحكومة السويدية .
وفي نفس الوقت صدر كتاب باللغة السويدية أيضا ويحمل عنوان : أزرق أصفر الإسلام ل: انفار سفانبيري ودافيد وسترليند Ingvar Svanberg ,David Westerlundو الكتاب يحوي تفاصيل كاملة عن الإسلام وتحليل واسع عن الإسلام بمدرستيه السنية والشيعية , بالإضافة إلى مختلف الفرق والتيارات التي تنتمي إلى الإسلام .وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية السويدية سبق لها وأن عقدت قبل سنوات مؤتمرا موسعا وكبيرا بعنوان: أوروبا والإسلام و قد شارك في هذا المؤتمر عشرات من رجال الفكر و الثقافة و الإعلام من العالمين العربي والإسلامي .و يتزايد الإهتمام بشكل ملفت للنظر بالإسلام في الجامعات السويدية والمعاهد الأكاديمية وفي مراكز الدراسات و الأسباب التي تملي على هذه المؤسسات إعادة تشريح الإسلام ودراسته بالتفصيل تعود إلى أسباب عديدة منها :
1 – أحداث العالم الإسلامي والقضايا المتفاعلة فيه وبروز تيارات الإسلام السياسي وموقفها من الغرب .2 – وجود عدد هائل من المسلمين في الغرب والذين بات وجودهم بارزا للعيان والذين رغم عدم فعاليّة الكثير منهم إلى أنهم يشكلون تحدى حقيقي على المدى المتوسط والبعيد خصوصا وأن العديد منهم بات يحمل الجنسية السويدية ويتمتع بنفس الحقوق والإمتيازات التي يتمتع بها أبناء أوروبا أنفسهم .3 – وجود كم هائل من المسلمين الأوروبين ضمن الخارطة الأوروبية في البلقان وغيرها من الخرائط المحسوبة على النسيج الجغرافي الأوروبي .4- وجود حركة من الأسلمة في الوسط الأوروبي –الغربي وقد بدأ العديد يقبل على الإسلام في ظاهرة باتت ملفتة للعيان .وغيرها من الأسباب التي جعلت تشريح الإسلام في الدوائر الغربية ضرورة استراتيجية !!و نظرا لإهتمام الحكومة السويدية بالاسلام فقد خصصت هذه الأخيرة مبلغ 300,000 كرونة سويدية لترجمة جديدة للقرآن الكريم , وكانت وزيرة الخارجية التي إغتيلت في 10 سبتمبر 2003 السيدة آنا ليند قد صرحت قائلة :أن الإسلام في طريقه ليصبح دينا سويديا مثل المسيحية واليهودية والترجمة ستصدر عن دار بروبريوس .ومن جهة أخرى فقد وافقت الحكومة السويدية على تقديم دعم كبير لبناء أكبر مسجد في مدينة يوتوبوري هذه المدينة التي وقعت فيها محرقة أودت بحياة 60 شابا من الأجانب وقد أرّقت هذه المحرقة السويديين وجعلت الملك السويدي كارل غوستاف يتوجه إلى عين المكان حيث قدم التعازي لأهالي الضحايا وأغلبهم من المسلمين ويقدّر هذا الدعم بحدود 20 مليون كرونة سويدية – كل 08 كرونات تساوي دولارا واحدا - كما أن المسجد الكبير في العاصمة السويدية ستوكهولم فتح للمصلين وهو من أكبر المساجد في كل السويد .
كما أن وزارة التربية والتعليم تقدم دعما ماليا كبيرا للمدارس العربية والإسلامية ولا تخلو مدينة سويدية من مدرسة عربية إسلامية أو من حضانة إسلامية .ومن جهة أخرى فان أبناء العرب والمسلمين الذين يدرسون في المدارس السويدية تقدم لهم وجبات طعام إسلامية حفاظا على معتقداتهم , كما يعطى أبناء المسلمين دروسا في اللغة العربية حتى يحافظوا على اللغة الأم .وتندرج هذه السياسة في نطاق ما يعرف في السويد بمجتمع متعدد الثقافات والمعتقدات ,والقانون يحمي الحرية العقائدية ولكل ديانة أو مذهب الحق في ممارسة الطقوس والشعائر .
ويحق للمسلم أن يلجأ إلى المحاكم إذا شعر أن هناك استهدافا لدينه وعقيدته على صعيد البرامج الإعلامية والثقافية وغيرها .وكان العديد من السويديين من أصول عربية وإسلامية من فلسطين ومصر وإيران وغيرها قد وصلوا إلى قبة البرلمان , وقد صرحت رئيسة البرلمان السويدي سابقا بيرجيتا دال : أنّه من المفترض وجود ممثلين أكثر للمهاجرين في البرلمان وفي المجالس النيابية البلدية .
و قد إزدهر بناء المساجد في السويد , و لا تخلو محافظة سويدية من مسجد يعبد فيه الله تعالى وتؤدى فيه المشاعر الإسلامية و الصلوات الخمس . بدايات إقامة المساجد في السويد . على الرغم من أنّ الاسلام يعتبر حديث العهد في السويد إلاّ أنّه تحولّ وبسرعة إلى الديانة الرسميّة الثانية في السويد بعد المسيحية التي يدين بها الشعب السويدي . والواقع أنّ المسلمين لم يجدوا صعوبة في أداء مناسكهم وإحياء شعائرهم الإسلامية وإقامة مساجدهم على إمتداد المحافظات السويدية , فالبرلمان السويدي – النظام السياسي في السويد برلماني أي أنّ البرلمان هو الذي يصنع القرارات والحكومة تنفذّها – أقرّ قانون حرية الأديان وحق أصحاب الديانات في أداء مناسكهم كاملة دون خوف من أحد , ولتأمين هذا الحق أوجد البرلمان السويدي قوانين رادعة لمن يقفز على هذا القانون والذي إستفادت منه كلّ الأقليّات . وقد بدأ وصول المسلمين إلى السويد في الخمسينيات وذلك بأعداد تحسب على أصابع اليد وكان بعضهم من سكان الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى والذين فروا من الحكم الماركسي , والبعض الأخر من اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم وتمكنوا من الوصول إلى شمال العالم وإلى السويد على وجه التحديد وفي أواخر الستينيات بدأ يفد إلى السويد المغاربة والعراقيون وجاليات أخرى من العالم العربي والاسلامي . وأول مسجد تمّ بناؤه في السويد كان في سنة 1976 في مدينة يوتوبوري وهي من أكبر المحافظات السويدية بعد العاصمة السويديّة ستوكهولم , وبعد ذلك تمّ بناء مسجد في محافظة مالمو القريبة من الدانمارك وتوالى بعدها بناء المساجد في معظم المدن السويدية الكبيرة كمحافظة أوبسالا وأخر مسجد كبير تمّ بناؤه في السويد هو المسجد العام في مدينة ستوكهولم والذي ساهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في بنائه و تحديدا رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان و يؤمّ المركز الإسلامي في ستوكهولم مئات المصلين بالإضافة إلى زيارات يومية يقوم بها سويديون إلى هذا المسجد بغية التعرف على الإسلام وحضارته . وقبل بناء المساجد بشكلها المعماري الإسلامي كان المسلمون يصلون في أماكن واسعة يتمّ استئجارها وتحويلها إلى مصليات و في المصليّات تؤدى الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة التراويح في شهر رمضان .
وقد مهدّ السويديون الذين إعتنقوا الإسلام في الخمسينيات الطريق للمسلمين القادمين من العالم العربي والإسلامي وأوجدوا الأرضية المناسبة حتى ينمو الإسلام نموا طبيعيا في السويد بدون منغصّات خصوصا وأن كتاباتهم ونشاطاتهم كشفت عن سموّ الإسلام وحضاريته . فالسويدي بيورن اسماعيل أريكسون Björn Ismail Ericsson لعب دورا كبيرا في تأسيس أوّل نواة إسلاميّة وكانت تحت عنوان : نادي المسلم ,وأقام أول مسجد في مدينة ستوكهولم وكان هذا المسجد عبارة عن قاعة كبيرة أرضيّة ضمن بناية عامة.
وبالإضافة إلى دور السويديين المسلمين فإنّ المسلمين من الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والذين كانوا خاضعين للسيطرة الماركسيّة , تمكنوا من تأسيس النواة الأولى أيضا للوجود الإسلامي في السويد , حيث أن العديد من هؤلاء فروا من الإتحاد السوفياتي السابق وأقاموا في السويد وأسسّوا ما عرف بالجمعية الإسلامية سنة 1949 .
وقد كانت المساجد في هذه المرحلة قليلة للغاية بسبب العدد القليل للمسلمين في ذلك الوقت , حيث أحصى المعهد الديني الاجتماعي عدد المسلمين في السويد سنة 1966 , فكان عددهم لا يتجاوز الألف – 1000 مسلما - . وحسب آخر الإحصاءات السويدية الرسمية فإنّ عدد المسلمين في السويد قد تجاوز 350000 مسلما وهو رقم كبير إلى حد ما خصوصا إذا علمنا أن عدد سكان السويد لا يتجاوز 9 ملايين نسمة .
وحسب بعض الباحثين السويديين المتخصصين في المجال الإسلامي وتحديدا المسلمين في السويد فيرون أنّ عدد المسلمين في إزدياد مستمر , خصوصا في ظلّ الحركة الإنجابيّة النشطة بين المسلمين , وفي ظلّ ارتفاع موجة المهاجرين المسلمين إلى السويد .
و كثير من المسلمين أقاموا دور العبادة في أماكن مستأجرة ويساهم المسلمون في دفع رسوم الإيجار من خلال إشتراكات وتبرعات , و في وقت لاحق إشترت بعض الجمعيات الإسلامية أراضي و شيدّت مساجد عليها حيث أصبحت المآذن ترتفع في كل المحافظات السويدية مجسدّة في لوحة فسيفيسائية رائعة مشروع المجتمع ذي الثقافات والحضارات المتعددّة الذي تتبنّاه السويد وتحرص على إنجاحه !الترجمة السويدية للقرآن الكريم . صدرت باللغة السويدية قبل فترة من الزمن الترجمة الكاملة والرائعة للقرآن الكريم , وقد إضطلع بهذه الترجمة الرائعة الحاج محمد كنيت برنستروم mohamed knut bernström , وقد استغرق هذا العمل الجبّار عشر –10- سنوات من البحث المتواصل والتعمق في قواميس اللغة لتكون الترجمة كاملة لا شائبة فيها .
و كنيت برنستوم قضى 16 سنة من حياته كسفير للمملكة السويدية في المغرب.و عن هذه الترجمة قال الديبلوماسي السويدي محمد برنستوم أنه عندما توجه إلى مكة في سنة 1988 بدأ يفكر في ماذا يجب عمله من أجل الإسلام بعد أن أسلم و كيف يقدم خدمة للإسلام ومن هنا بدأ تفكيره في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السويدية , وعندها بدأت رحلة الحاج محمد مع الألفاظ القرآنية حيث اشترى حاسوبا خاصا لهذا الغرض و بدأ يطلّع على عشرات الترجمات للاستفادة منها في عمله , وكانت نتيجة جهوده أن قدمّ ترجمة رائعة للقران الكريم وقد حازت الترجمة على موافقة الأزهر الشريف .غير أن رحلة العشر سنوات التي قضاها الديبلوماسي السويدي في ترجمة القران الكريم لم تكن يسيرة حيث أنه أضطر إلى التوقف كثيرا عند الألفاظ القرآنية التي تحمل أكثر من معنى و ذلك لانتقاء المعنى الصحيح و المراد من النص القرآني و إيصال كل ذلك إلى القراء باللغة السويدية , وقد تطلب ذلك العودة إلى التفاسير القرآنية .وتكتسي هذه الترجمة أهمية خاصة خصوصا إذا علمنا أنّه يوجد في السويد حوالي350,000 مسلم يتكلم معظمهم اللغة السويدية,كما أن أبناء المهاجرين في السويد لا يتكلمون لغتهم الاصلية فهم بالإجماع يتحدثون اللغة السويدية .و أعظم كلمة توقف عندها الديبلوماسي السويدي كما قال هي سبحانه , وهي كلمة اعجازية صغيرة في المبنى و كبيرة في المعنى وقد احتار في إيجاد لفظ مناسب لها من اللغة السويدية وبعد عناء طويل أصبحت كلمة سبحانه كالتالي باللغة السويدية –stor är du I din härlighet .و نفس الترجمة تكشف عن مدى بلاغة القران الكريم باللغة العربية حيث إعجازه لا يتم إلاّ بها .وتحدث هذا الديبلوماسي عن إقامته في المغرب حيث أشاد بالشعب المغربي و الحفاوة البالغة التي وجدها في المغرب. وعن مشروعه الكبير قال الحاج محمد كنيت برنستروم أنه قضى أربعين سنة في العمل الديبلوماسي وان فكرة الترجمة ولدت في مكة عندما كان يؤدي فريضة الحج .و بعد أن أكمل هذا المشروع و الذي صدر في حلّة قشيبة في العاصمة السويدية ستوكهولم وهي النسخة المعتمدة في السويد , هاهو الديبلوماسي السويدي البالغ من العمر 79 سنة يقول أن مشروعه المقبل سيكون ترجمة السنة النبوية إلى اللغة السويدية حيث سيعكف رغم كبر سنه على ترجمة الأحاديث النبوية إيمانا منه أن ما يفعله فيه خدمة للإسلام ومحاولة لتبديد ما علق في أذهان الغربيين من صور خاطئة عن الإسلام.و إذا كان الحاج محمد كنيت برنستروم وقد بلغ من الكبر عتيّا و هو في أوج العطاء و يواصل رحلة البحث , فلماذا شبابنا في العالم العربي والإسلامي يتقاعسون عن صناعة نهضتهم !
*مقال قديم متجدد للإعلامي الكبير يحيى أبو زكريا نعيد نشره في اطار سلسلة مقالات للكاتب نفسه تهم العرب في السويد وبموافقة كريمة ومشكورة وراقية منه.
المصدر : سويد بلاديت

مشاركة مميزة