السبت، 7 أغسطس 2010

الطبُّ "نئورا"


kolonagaza7
د. فايز أبو شمالة
سال دمع الطبيبة اليهودية "نئورا"، وهي تحاول وخز الحقنة في الوريد، فتفشل، ثم تعاود الوخز ثانية، وهكذا، لقد أفزعها منظر الدم الذي يسيل من اليد المقيدة بالسرير، ويصير بقعاً على الملاية البيضاء، وربما كان تقييد اليد في السرير سبباً لفشلها في العثور على الوريد بعد عدة محاولات، فسالت دمعتها، وهي تنظر إليّ، لتجدني مبتسماً، فقالت بحزن: أنت سجين، ومريض، ووحيد، ومقيد بالسرير، وتنزف، ومع كل ذلك تبتسم! ما هذا؟
كنت أثق أنني بين أيدٍ أمينةٍ، وعرفت من التجربة أن الطبيب اليهودي يقوم بعمله المهني دون الالتفات لشخصية السجين، ودون الانتباه للحكم الصادر بحقه، ودون السؤال عن تهمته، شهادة أوثقها بمسئولية، ولكنني أضيف: أن الذي يفسد عمل الطبيب اليهودي، ويعيق برّه بقسم "بوقراط"، ويحرف سلوكه من الخير إلى الشر، هو رجل المخابرات الإسرائيلية، الذي لا يحترم عمل الطبيب الإنساني، ويخالف ما أوصى به من علاج للمريض، بل ويوظف ذلك للضغط على السجين. أما إذا مارس الطبيب اليهودي عمله المهني متحرراً من ضغط المخابرات، فأشهد أنه إنسان، وبغض النظر عن العداوة والكراهية والأحقاد التي بيننا.
التقت الدكتور "نئورا" مع رئيس القسم في مستشفى "سوروكا" حول سريري، ولما كان الفحص يتطلب تعرية المريض، فلم يرق للطبية أن يظل الحارس "لويس" مصوباً بندقيته على الأسير المريض المقيد بالسرير، فهمست كلاماً في أذن رئيس القسم، فالتفت إلى السجان "لويس" وقال له بحزم: أخرج من الغرفة نريد تعرية السجين، وفحصه.
جن جنون السجان لويس، وقال بتحدٍ: إنه تحت مسئوليتي، ولن أرفع بصري عنه.
احتد رئيس القسم، وصرخ على السجان: بصفتي رئيس القسم، آمرك بالخروج من هنا. ولكن السجان "لويس" صوب بندقيته إلى صدري قائلاً: لن أبرح هذا المكان.
تدخل السجان الثاني: وأقنع "لويس" بالابتعاد عدة أمتار، والوقوف في البلكونة، خلف الساتر الزجاجي، وتصويب البندقية على السجين، ومراقبته عن بعد.
انتبهت الطبيبة "نئورا" لبندقية "لويس" المصوبة نحوي من خلف الزجاج، فتحركت بهدوء، وأغلقت الباب الزجاجي بالمفتاح، وبكل ثقة؛ أسدلت الستارة، فصرت مختفياً عن عين السجان "لويس"، الذي عجز عن فعل أي شيء.
ابتسمت، وشكرت الطبيبة، وأنا أدرك أن الطب مهنة إنسانية يتوجب ألا تحتك بالسياسة، وأن تظل العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة إنسانية، وألا يكون الطبيب داعية، أو متشدداً، أو باحثاً اجتماعياً، أو متعصباً تنظيمياً.

مشاركة مميزة