السبت، 28 أغسطس 2010

"الزُّغُل" يزور رام الله


kolonagaza7
د. فايز أبو شمالة
حتى اليوم لم يأذن السيد محمود عباس "للزغل" بزيارته، والجلوس معه لدقائق، وسماع حديثه، رغم تجربة الرجل المخزنة بالحكمة والعظة، وقديماً قالت العرب: إن العاقل من يتعلم من تجارب الآخرين، لهذا جاء "الزغل" إلى رام الله ليقول:
كنت أميراً في بلاد الأندلس، أقاتل الفرنجة، وأطاردهم في الجبال، رفضت كل دعوات وقف إطلاق النار، والتفاوض مع الأعداء، وظللت خنجراً مغروزاً في خاصرة تقدمهم في بلاد الأندلس، وظل جيشي يقاتل مفتخراً بعروبته، وظل شعبي موحداً من خلفي، حتى إذا جاء يوم ووقعت بالخطأ، وصدقت وعود الفرنجة، ودخلت في مفاوضات معهم، ومن ثم اعترفت بهم، وبعد ذلك وافقت على التنسيق الأمني معهم، وحرّمت على جيشي القتال، ومنعت شعبي من المقاومة، وكان شرطي هو أن أتسلم رواتب لعدد ألف رجل من أتباعي، وأن أتسلم معاشا ًكبيراً، وأن استقر في مدينة "أندرش" وضواحيها بلا إزعاج.
ما لم أكن أدركه، وما فاجأني فيه أعدائي، أنهم بعد أن استتب لهم الأمن، وتمكنوا من عنق المقاومة، وبعد أن تركوا قادة جيشي يلهثون خلف الأموال، وتفكك شمل شعبي الذي انفض من حولي: أوقف الفرنجة دفع المال لي، وطلبوا مني مغادرة بلاد الأندلس، وهددوني بالقتل أو الاعتقال لو تباطأت. ومن حسن تدبيري أنني كنت واعياً لخداعهم، وأعددت نفسي جيداً لمثل هذا اليوم، فقررت أن أركب البحر، وأن آخذ أولادي، ونسائي، وحاشيتي، وكل أموالي، وأغادر بلاد الأندلس إلى المغرب العربي، وأعيش هنالك أميراً بعيداً عن الفرنجة الذين غدروا، ونكثوا اتفاقياتهم معي.
لم أكن أعرف أن ملك المغرب كان يتابع أخباري، وعرف أنني توقفت عن حرب الفرنجة، ونسقت معهم أمنياً، وأنني تلقيت منهم راتباًً. لذا ألقى القبض عليّ مجرد وصولي إلى الشاطئ، وصادر كل أموالي: وبعد أن فقأ عينيّ، أصدر أمراً بأن أبقى حياً أتوسل لقمتي على قارعه الطريق، وأتقبل الصدقات، أنا "الزغل" الذي كنت أميراً مقاوماً ملقباً بالباسل، صرت أعمى متسولاً، أتمنى الموت ولا أصل إليه!.
جئت اليوم لمقابلة السيد محمود عباس في رام لله، ولقاء أعضاء اللجنة المركزية، وأعضاء اللجنة التنفيذية، جئت كي أحذرهم من المصير الذي يلحق بكل من يثق بالفرنجة، ومن يقابلهم، ويفاوضهم، ويتسلم رواتب موظفيه من خزائنهم.
تنويه: مأساة "الزغل" التي حصلت سنة 1490، وانقلها عن كتاب "العرب والمسلمون في الأندلس" للكاتب محمد عبد الله عنان، صفحه 227، أتمنى ألا تتكرر في فلسطين، في القرن الواحد والعشرين.

مشاركة مميزة