الأربعاء، 25 أغسطس 2010

قل اغتصاب ولا تقل توريث


kolonagaza7
امجاد العرب
يحيى القزاز
عندما امتلك أمرى أقاوم رغبة دفينة تدفعنى للكتابة. تتصارع القوة والمقاومة إلى أن تنتصر مقاومتى فى الممانعة على القوة فى الكتابة، وأشعر بلذة الانتصار على أمل أن تظل قوة المقاومة تلازمنى حتى نهاية العمر، لأننى لا أرى جديدا فميا أكتب. لو تذكرنا جيدا ما نقرأه من مقالات فى الثلاث سنوات الأخيرة، لرأينا أن كل المكتوب معاد، ولكن بأساليب مختلفة. والقضية الرئيسية فى تلك الفترة مجملة فى التغيير، ومفصلة فى التوريث وصحة الرئيس. وأرجو المعذرة كما أننى أشعر بالحرج عندما أنظر خلفى بخجل شديد، وأشير إلى مقال كتبته ونشرته منذ أربع سنوات ورجوت فيه أن نركز على دور جمال مبارك فى الحياة السياسية، وتكثيف الجهود لإزاحته عن المشهد العام لما له من طمع فى أن يرث اباه فى الحكم، مع الاستمرار فى ملاحقة والده مبارك. وحجتى أن الرئيس مبارك بحكم السن إلى زوال بيد القدر أو بأيدى البشر -إن أمكن- أوأيهما أقرب، وابنه جمال بحكم السن إلى امتداد (مالم يتدخل القدر)، مبارك يمثل الماضى البائد وابنه جمال يمثل المستقبل المخيف. كنت أريد أن أقطع دابر الفرع، من شجرة تأفل، قبل أن يأخذه جناينى القصر (وما أكثرهم) ويغرسه فى الأرض.. يجذره حتى يصير شجرة جميز بلا قلب. انهمك الراديكاليون منا فى مهاجمة الأب، وترك الإبن إلا قليلا حتى أصبح له أنياب. تجذرت أحلامه فى فراغ لايخلو من خيوط عنكبوتية تشد أزره وتدعم طموحاته البائسة. لا أريد الاستفاضة فكل ما يمكن قوله قد قيل، والموضوع معروف للجميع، ومثار فى تلك الأيام وبشدة، حملات دعم لــ "مبارك الابن" (الرئيس الفعلى) فى مواجهة "مبارك الأب" (الرئيس الصورى). القضية يعتبرها البعض صراع بين الحرس القديم (رجال مبارك) والحرس الجديد (رجال جمال مبارك). وهى تعكس حالة تخبط فى مؤسسة الحكم أكثر منها صراع. فالصراع هو صراع رؤى وسياسات ومصالح بين كتلتين مختلفتين أو أكثر، والتخبط هو نوع من التذبدب فى النفاق بين طرفين لإثبات الولاء حفاظا على الوجود وعلى امتيازات آنية وطمعا فى المزيد مستقبلا. والتخبط أطن أنه التوصيف المعقول فيما يدور بين عبيد الأب وعبيد الابن، لان الهدف اثبات الولاء، وحصيلة الغلة النهائية تصب فى حجر أسرة مبارك. والفائز هو مبارك سواء كان الأب أو الابن (يعنى زيتهم فى دقيقهم). والمشكلة أنهم –حتى هذه اللحظة- لايعرفون من القادم منهما بالتأكيد، وعندما يعرفون تجدهم جميعا متحدين، وكل لديه تبريراته، وقد يرى الفريق الخاسر أنه ما كان له أن يترك الأب أو الابن على اعتبار أن هذا نوع من الوفاء للأب أو الابن يشفع لهم عند أحدهما. إنهم عبيد من ملك، وكما كانوا مع من مضى فهم كذلك مع أى حاكم قادم يخدمونه حتى لو كان من بنى صهيون.
مجموعة الانتهازيين لهم عذرهم القبيح فى الحفاظ على "آل مبارك"، أما المعارضة فلاعذر لها عندما تجمل وجه النظام القبيح، وتلعب فى ملعبه وطبقا لقواعده التى يضعها. ولامبرر لتدحرج سقفها من التغيير الشامل لنظام مبارك إلى الشروط السبعة إلى البحث عن تحقيق شرط وحيد ويتيم وهو الحد الأدنى لضمان انتخابات حرة ونزيهة. معارضة تطلب ضمانات من نظام مستبد عميل فاقد الشرعية. حقا إنها مهزلة حقيقية أن تطلب المعارضة من الخصم أن يكون حكما. وينسون أنه فى وجود الضمانات الدستورية تم تزوير الانتخابات البرلمانية بفضيحة مدوية فجرتها المستشارة "نهى الزينى" عام 2005 عندما أعلنت تزوير دائرة دمنهور ضد الدكتور جمال حشمت مرشح الإخوان لصالح قطب الحزب اللا وطنى د. مصطفى الفقى (هذا نموذج واحد لأنه مشهور). لاتثريب على أحد ولا مزايدة، كل حر فيما يشاء، ويبقى الرجاء فى احترام العقول وعدم ادعاء الدفاع عن الوطن ومصالح المواطنين، ومن حق كل واحد أو حزب أو جماعة أو خلافه أن يدافع عن مصالحه بلا حرج، ومن حق من يرى عكس ذلك أن يقول بلا غضب. معارضة –دون أن تدرى- تمد فى عمر نظام مؤسس لفساد من نوع جديد ينتشر بأقصر الطرق مع عدم إضاعة الوقت: "تجريف لا تخريب"، نظرية اجتثاث الجذور والبذور لتبقى الأرض بورا بلا نسل ولا حرث. غدا ستحاسبنا الأجيال عمن فرط ومن باع ومن جمل وجه القبح ومد فى عمر الفساد. مايحدث من معارضة البحث عن الحد الأدنى من الضمانات يمنح شرعية لتزوير قادم فى انتخابات برلمانية ورئاسية قادمتين، وشرعية لمغتصب السلطة.
بإطلالة وإعادة نظر فيما يحدث من مشهد عبثى فى مصر أم الدنيا، والاطلاع على الدستور المشوه، والانتخابات المزورة، تتضح لنا الرؤية فى أن مايقال عنه توريثا للسلطة هو فى حقيقة الأمر اغتصاب للسلطة وانتهاك سيادة دولة وإهدار كرامة شعب أمام أعين الجميع. جمال مبارك ليس وريثا، فالوريث من يرث اباه فى حر ماله، ومن يرث عرش الملك بصحيح الدستور، إذن جمال مبارك مغتصب للحكم. ومن الأجدى قيام حمله لمحاسبته ومحاكمته على جرائمه التى ارتكبها وزراؤه (وزارة أحمد نظيف الذين اسمتهم صحيفة النيوزويك الأمريكية بحكومة جمال مبارك). جمال مبارك اغتصب ثروة مصر عندما ترك الحبل على غاربه لرجاله، والآن يستعد لاغتصاب الحكم. كل الثروات التى نهبت والأراضى التى اغتصبت علنا بأيدى رجاله، وسرا بيديه يجب وأن تسترد، ومنها ماهو منظور أمام القضاء، ويجب وأن يحاسب جمال مبارك على ماسببه من ضرر لمصر، فهو ليس على راسه ريشه، ويقدم للمحاكمة بتهم استغلال النفوذ والتسهيل والسماح لشلته بالتربح وتزاوج الثروة بالسلطة، والتغاضى عن نهب الدولة. لابد من محاكمته لأنه الحاكم الفعلى للدولة منذ اعتلى منصب أمين لجنة السياسات. إذا كان جمال مبارك نهب الدولة وبددها مستغلا نفوذ والده الرئيس، ولاسند له من قانون ولادور رسمى له فى الدولة، فماذا يصنع عندما يصير رئيسا (مغتصبا) للدولة؟ هل يبيع مصر إلى العدو الصهيونى؟ لا أعتقد أن هذا مستحيلا فى ظل ممارساته الحالية، ووقوفه بقوة وراء تصدير الغاز للعدو الصهيونى، وترك مصر تسبح فى ظلام دامس بسبب انقطاع التيار الكهربائى عنها، نتيجة عدم الوفاء بإمداد محطات توليد الكهرباء المصرية بالغاز، والوفاء بإمداد العدو الصهيونى بالغاز.. وهلم جرا.
فى القول المأثور من شب على شيء شاب عليه. ولا أعتقد أن شعبا محترما يقبل أن يكون رئيسه لصا ولا عميلا. القضية الحقيقية هى قضية اغتصاب وطن وليس توريث وطن، واغتصاب حكم وليس توريث حكم. قل اغتصاب ولا تقل توريث، فجمال مبارك مغتصبا لاوريثا شرعيا ولن يكون رئيسا دستوريا فى ظل دستور مشوه، فمصر ليست عزبة اللى خلفوه.. أفيقوا ياخلق ... ياناس.. ياهووووه... وحدوه.

مشاركة مميزة