الأربعاء، 18 أغسطس 2010

"القصيبي" لم يُقبّلْ جَبهةَ العارِ

kolonagaza7
د. فايز أبو شمالة
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي، والكونَ محبرتي، والأفقَ أشعاري. إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ، وإصرار. وكان يأوي إلى قلبي، ويسكنه، وكان يحمل في أضلاعهِ داري. وإنْ مضيتُ، فقولي: لم يكنْ بطلاً، لكنه لم يُقبّل جبهةَ العارِ.هذا هو الشاعر المبدع الدكتور "غازي القصيبي" الذي لم يُقبّل جبهة العار، ولم يَقبل على نفسه أن يكون أحد أركانها، فكتب قصيدته الشهيرة التي كلفته منصبه الدبلوماسي في لندن، لتجرَّ عليه غضب اللوبي اليهودي، ومن يدور في فلكه، من لندن كتب القصيدة التي رثى فيها الشهيدة "آيات الأخرس"، وهو يشدُّ على يد كل امرأة فلسطينية سارت على درب العطاء من "ريم الرياشي" وحتى "أم نضال فرحات"، والأسيرة قاهرة السعدي خلف الأسوار، يقول:
قل (لآيات) يا عـروسَ العوالي، كل حسن لمقلتيك الفـــداءُ
حين يُخصى الفحولُ صفوةُ قومي تتصدي للمجرمِ الحســـناءُ
تلثمُ الموتَ وهي تضـحكُ بشراً ومن الموتِ يـهربُ الزعماءُ
أما في فلسطين؛ فإن بعض الكتاب الذين يسمون أنفسهم شعراء، أو مبدعي فلسطين، أو مثقفي وكتاب فلسطين، فقد جبنوا عن تأييد العمليات الاستشهادية، وتخاذلوا عن ذكر مآثر العمليات الجهادية في كتاباتهم، التي يسمونها: شعراً حراً، أو شعراً نثرياً، وذلك لأنهم لا يرون في الدولة العبرية عدوة، وإنما هي طرف آخر، بينما الوزير السعودي الشاعر العربي الدكتور "غازي القصيبي" سجل رأيه بجرأة، وعبر عن قناعته العربية، وأعلن موقفه، وحدد رؤيته صوب الحق، فكتب للشهداء ولم يرتجف، ولم يتردد، ولو يتفلسف كأولئك الذين يصرون على تبرير تخاذلهم عن تأييد المقاومة، فراحوا يسمون العمليات الاستشهادية (العمليات الانتحارية)!! وقالوا عن العطاء بلا حدود: إنه الانتحار! الشاعر "القصيبي" أدرك بوجدانه وعقله أن واجب العربي مواجهة عدوه المدجج بالسلاح بما يمتلك من وسائل مقاومه، بما في ذلك العمليات الاستشهادية، ليبطل بذلك كل فتوى دينية تخفي أهدافاً آنية، يقول:
قل لمن دبّجوا الفتاوى: رويداً ربَّ فتوى تضجُّ منها السماءُ
حين يدعو الجهادُ لا استـفتاءٌ الفتاوى يوم الجهــادِ دماءُ
لقد أفتى الشاعر القصيبي" ببطلان كل فتوى لا تقطر دماً حين يدعو الجهاد، والجهاد فريضة على كل المسلمين، معنى ذلك؛ أن القضية الفلسطينية لا تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما تخص الأمة، وشهداؤها هم شهداء الأمة التي تنطق بلغة الضاد، ولا علاقة بين الاسم فلسطين وبين كل الأسماء الوافدة عليها، والمتمسحة فيها، ولا علاقة بين فلسطين، وبين كل تلك الأفكار المستوردة من بلاد الآخرين، والتي باعدت بين قداسة الأرض وكرامة الإنسان، وباعدت بين الفلسطيني وعمقه العربي والإسلامي، يقول:
يشهدُ الله أنكم شهداءُ يشهدُ الأنبياءُ والأولياءُ
مُتّم كيْ تُعزُّ كلمةُ ربّي في ربوعٍ أعزّها الإسراءُ
ولكن الشاعر يعرف أن الواقع العربي مسخرة، وغير مهيأ لتحمل المسئولية، وأن الخوف يقود الجيوش التي لم تجرد سيفاً لتحرير فلسطين، فيهزأ من حال العرب، ومن اتكالهم على الآخرين، ومن حالة الموت المهين، فيقول لشهداء فلسطين:
انتحرتم؟! نحن الذين انتحرنـا بحياة أمواتها أحيـــــاءُ
أيها القوم نحن متنا فهيـــّا نستمع ما يقول فينا الرثــاءُ
قد عجزنا حتى شكى العجز منا وبكينا حتى ازدرانا البكــاءُ
ولثمنا حذاءَ شـــارون حتى صاح: مهلاً؛ قطعتموني الحذاءُ
لم يبالغ الدكتور "غازي القصيبي" وهو يبلغ قمة التهكم والتهجم على الواقع العربي، فقد لثم العرب فعلاً حذاء "شارون" وأعلنوا عن مبادرة السلام العربية لحل الصراع مع إسرائيل، فكان رد "شارون" مزيداً من القتل، والتدمير، واحتلال مدينة "جنين" على مرأى، ومسمع من كل العرب الذين أصروا على التمسك بالمبادرة، والتمسح بحذاء شارون، وهو يصرخ فيهم: قطعتموني، لقد مل حذائي قبلاتكم، ومبادراتكم، ومفاوضاتكم، ولقاءاتكم!.
يتساءل القارئ، كيف استطاع شاعر عربي يقيم في لندن، ويعمل سفيراً لبلاده، أن يؤيد المقاومة بهذه الحدة؟ كيف تجرأ على قول مثل هذا الكلام. عن ذلك يجيب الشاعر:
إنْ سـاءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي ولم أدنسْ بسوقِِ الزيفِ أفكاريوإنْ مضيتُ، فقولي: لم يكنْ بَطَلاً وكان طفلي، ومحبوبي، وقيثاري
مضى رحمه الله، ولم يبع قلمه، ولم يُقبّل جبهةَ العارِ، وظل نغم الأوتارِ.

مشاركة مميزة