الاثنين، 13 سبتمبر 2010

القوات الأميركية تنسحب من عراق ممزق سياسياً وأمنياً


kolonagaza7
د. صالح بكر الطيار
نفذت واشنطن مضمون الإتفاق الذي صاغته مع السلطات العراقية وسحبت اواخر شهر اب / اغسطس 2010 قواتها من العراق تاركة فيه 50 الف جندي سيمكثون في قواعد محايدة ولا يتدخلون إلا عند الضرورة القصوى . ولقد جاء الإنسحاب في وقت تزداد فيه ازمة تشكيل حكومة في العراق رغم انتخابات تشريعية جرت منذ ثلاثة اشهر ، وفي وقت يرتفع فيه منسوب التوتر الأمني حيث تجري يومياً عمليات تفجير ومواجهات وتصفيات وإغتيالات . وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد وعد قبل احتلال العراق بأنه سيحرر هذا البلد من نظامه " الديكتاتوري " وسيكرس الحرية والديمقراطية والسلام ، ولكن اياً من هذه الشعارات لم تتحقق رغم بقاء القوات الأميركية زهاء السبع سنوات في العراق ، ورغم امساك واشنطن بكل مفاصل البلاد السياسية والإقتصادية والأمنية حيث كان ينتشر على ارض العراق نحو 160 الف جندي مزودين بأحدث انواع الأسلحة والتقنيات المتطورة . والذي حصل ان العراق تحول الى ساحة لتصفية الحسابات بين اطراف داخلية وكذلك بين قوى اقليمية ودولية الأمر الذي احدث ازمة اقتصادية خانقة في البلاد رغم غنائها بمادة النفط ، وتسبب بتوتير امني متصاعد اخذ ابعاداً طائفية ومذهبية في بعض نواحيه ، وخلق شرخاً كبيراً بين قواه السياسية الى حد لا يستطيع العراقيون الأن من تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد والعباد ، وخيم في الأجواء شبح التقسيم حيث يكثر الحديث عن امكانية قيام فيدراليات اتنية او دويلات طائفية . ازاء ذلك لم يكن امام الأميركيين إلا الإنسحاب ليس من منطلق حرصهم على ألا يكونوا قوات احتلال بل لأن الخسائر التي تكبدوها كانت مرهقة حيث خسرت اميركا طيلة سنوات احتلالها للعراق نحو 4500 قتيل و 32 الف جريح ، وكلفة حرب وصلت الى نحو 750 مليار دولار بعد ان كانت التقديرات تتحدث عن كلفة تتراوح في حدها الأقصى ما بين 50 و 60 مليار دولار . وكان لزاماً على الرئيس الأميركي باراك اوباما ان يتقيد بمضمون اتفاقية الإنسحاب من العراق التي سبق ووقعها سلفه جورج بوش لأن الخسائر البشرية باتت تشكل ازمة اجتماعية داخل الولايات المتحدة ، ولأن حجم الخسائر المادية بات يرهق الموازنة التي تعاني من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي اصابت اميركا منذ اكثر من سنة .
يضاف الى ذلك ان الرئيس اوباما اراد ان يستثمر الأنسحاب في الإنتخابات النصفية بعد ان تدنت شعبيته نتيجة كثرة الوعود التي اطلقها اثناء حملته الإنتخابية ، وقلة الإنجازات التي حققها منذ تسلمه مقاليد الحكم . والمؤسف ان السلطات العراقية قد اعدت نفسها بشكل سيء لإستلام مهام الأمن والإدارة في البلاد حيث انشأت جيشاً ضعيف التدريب وعديم الخبرة ، وشرطة تنتمي الى الميليشيات ، وأجهزة رسمية يعمها الفساد . ومن الصعب التأمل بإمكانية خروج العراق من النفق المظلم في المدى المنظور لأنه بنظر الأحزاب والتنظيمات والتكتلات الناشطة فيه كناية عن قطعة جبنة يريد الجميع ان ينال حصته منها دون ادنى اهتمام بما يهدد العراق من مخاطر وتحديات .
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

مشاركة مميزة