اثنين: 18 يوليو 2011
فى دراسة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية, تتناول الدراسة قضية القدس وتحاول القاء الضوء على الابعاد الاقليمية والدولية لها. وتنطلق الدراسة من تقرير واقع القضية الفلسطينية حيث تقول ان فلسطين قضية تحرير وطني ذات عمق عربي، وبعد روحي وأفق إنساني, وأنها مشكلة احتلال استيطاني، إجلائي، إحلالي، وفيها يتجلى أكثر ما يتجلى، جوهر قضية المستعمرات، والمعني به الأرض التي تتطلب التحرير ولا يصح معها الترقيع، أو الاكتفاء بالارتكان إلى قرارات المحافل الدولية، أو التواكل على جهود "معسكر السلام" في إسرائيل، أو التغني بقضيتنا العادلة، ناهيك عن التوسل والتسول. وتناولت الدراسة قضية القدس من مختلف اتجاهاتها السياسية والتاريخية عبر تسعة محاور، تبدأ بتفنيد الادعاءات الإسرائيلية بيهودية فلسطين بالأدلة التاريخية، وتأكيد أن العرب هم الذين بنوا القدس قبل نحو خمسة آلاف عام، وتأكدت عروبتها بظهور المسيحية فيها عام 30م، ثم الفتح العربي عام 638م، وأن أسماء المدينة ومواقعها الجغرافية تتصدى لكل محاولات تزوير تاريخها, وعبر خمسة آلاف سنة هي عمر القدس , تعرضت المدينة لأكثر من عشرين حصارًا وخمسة وعشرين احتلالاً كان أسوؤها الاحتلال الإسرائيلي الذي يفتقر لمسوغات ملكية هذه المدينة المقدسة ويلوذ بالدين اليهودي عله يسعفه ويمده بما يقطع الطريق على أصحاب الملكية الحقيقيين، فزعم أن الله وعده بأرض فلسطين كلها، ما دفع البعض إلى نفي صفة "سمسار أراض" عن الله سبحانه وتعالى، مؤكدين أن الصهاينة عادوا إلى فلسطين بوعد من بلفور وليس بوعد من الله.
ويتناول المحور الثاني بالرصد والتحليل موقف جامعة الدول العربية وقممها إزاء المدينة، بداية من بروتوكول الإسكندرية الصادر عن أعمال اللجنة التحضيرية لوضع النظام الأساسي لجامعة الدول العربية في أكتوبر 1944 والذي تضمن ملحقًا خاصًا بفلسطين يؤكد أن "حقوق العرب في فلسطين لا يمكن المساس بها، وأنه ليس أشد ظلمًا وعدوانًا من أن تحل مسألة أوروبا بظلم يقع على عرب فلسطين"، ومرورًا بقرارات مؤتمرات القمم العربية إزاء القدس والتي راوحت مكانها وافتقدت فعالياتها لسببين، أولهما: غياب إستراتيجية عربية بعيدة المدى للتعاطي مع الخطر الصهيوني، فجاءت تلك القرارات مجرد رد فعل على ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات ومصادرات ضد الفلسطينيين، ثانيهما: أن معظم قرارات الجامعة لم تجد طريقها للتطبيق لأنها افتقرت إلى آلية لتنفيذها أو لعدم الرغبة في تنفيذها مثل قرار إنشاء صندوق القدس الذي تأخر تنفيذه 35 عامًا إلى أن أنشأ عام 1998. أما المحور الثالث فيرصد موقف منظمة المؤتمر الإسلامي بالإشارة إلى غياب أي دور ملموس لها تجاه القدس، وإخفاقها في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها, وكان أداء لجنة القدس التابعة لها أشد تراخيًا وتقصيرًا، لأن تلك اللجنة تناست – كثيرا – أن لها مهمة محددة هي قضية القدس، فشغلت نفسها بقضايا أخرى, وهو ما يرجع إلى غياب الإرادة السياسية لدى قادة الدول الإسلامية وغلبة توجهات السيادة الوطنية والمصالح القطرية على الصالح الإسلامي العام.
ويستعرض المحور الرابع قرارات الأمم المتحدة تجاه القدس، سواء من خلال جهازها التشريعي "الجمعية العامة" أو جهازها التنفيذي "مجلس الأمن"، ويتطرق المحور الخامس إلى الموقف الأوروبي الذي اتسم بالانحياز لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتأثر تاريخيًا بالضغوط الأمريكية، ما جعل الخيارات المطروحة أمام الأوروبيين سواء فيما يتعلق بتقديم مبادرة سلام أو الضغط على، إسرائيل للوصول إلى تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، محدودة رغم المصالح المتعاظمة مع الدول العربية، وهو ما يؤكد أن الجماعة الأوروبية لن تهتم بتسوية القضية الفلسطينية إلا في حالة شعورها بقدرة الجانب العربي على تهديد مصالحها في المنطقة، فإذا كانت أوروبا قد طوت صفحة الاضطهاد الديني داخل أقطارها، وأدانت كل ما اقترن به من مفاهيم عنصرية، فلابد لها من إعادة النظر في موقفها من الصهيونية كحل عنصري يقوم على استلاب حقوق أصحاب فلسطين الشرعيين. أما المحور السادس فيناقش الموقف الروسي "إبان العهد الشيوعي وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي"، والذي مر بثلاث مراحل, الأولى: كان خلالها مؤيدًا لهجرة اليهود إلى فلسطين طوال النصف الثاني من حقبة الأربعينيات في القرن العشرين، وكانت النتيجة هي إسهامه في إقامة دولة إسرائيل بعد موافقته على قرار تقسيم فلسطين سعيًا لأن يكون له دور في الشرق الأوسط وتقويض الوجود البريطاني، وفي المرحلة الثانية التي امتدت خلال فترة الحرب الباردة من عام 1948 إلى عام 1991، تغير موقف الاتحاد السوفيتي بتأثير الصراع مع الكتلة الرأسمالية، والسعي نحو التواجد في المنطقة العربية، فتزايد التقارب السوفيتي مع الموقف العربي، وتحول موقفه من اعتبار القضية الفلسطينية مجرد مشكلة لاجئين إلى التأييد الكامل للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وفي المرحلة الثالثة التي تمتد من نهاية الحرب الباردة إلى الآن، فقد اتسم الموقف الروسي بالتناقض والتردد والضعف، ومحاولة الظهور بدور المحايد الذي يسعى إلى إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، إلا أنها في الوقت ذاته تنظر لمصالحها في المقام الأول، لهذا تتبنى من المواقف والأطروحات ما لا يكون على حساب علاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، كما تميل إلى ما يطلق عليه الحل الجغرافي والقانوني لمسألة القدس، والذي يقوم على التحول من مبدأ تدويل المدينة إلى مبدأ تجزئة السيادة عليها طبقًا لأوضاع 4 يونيو 1967، وأن تكون القدس الشرقية شاملة البلدة القديمة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. ويخلص المحور السابع والذي تناول"حركة المقاومة الوطنية في القدس"، إلى وجود وعي فلسطيني مبكر بخطورة المشروع الصهيوني وتدرج مقاومة هذا المشروع منذ عام 1886 حسب ازدياد خطورته العملية من هجرة واستيطان وبناء مؤسسات، وكانت القدس هي مركز قيادة الحركة الوطنية واللجنة التنفيذية العربية التي كانت تنبثق عن المؤتمرات الوطنية في فلسطين وتأخذ على عاتقها قيادة الحركة الوطنية المناهضة للمشروع الصهيوني. أما المحور الثامن فيرصد في شكل يوميات الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدسة بالمدينة منذ عام 1967 وحتى عام 2009. ويقدم المحور التاسع رؤية استشرافية تؤكد أنه لا مستقبل للقدس بغير تحرير فلسطين، وأن المدينة التي تتعرض لمؤامرة إسرائيلية متواصلة تستهدف طمس هويتها العربية والإسلامية في ظل غياب عربي وإسلامي ووسط جهود دولية وإقليمية لتصفية القضية الفلسطينية، كانت آخر مدن فلسطين احتلالاً وستكون آخرها تحريرًا
. المصدر: مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية