أ.د إبراهيم أبراش
قبل سنوات كتبنا مطالبين بتوطين أيديولوجية كل القوى السياسية الفلسطينية وخصوصا حركتي حماس والجهاد الإسلامي لتصبح جزءا من المشروع الوطني الفلسطيني لأننا نعيش مرحلة تحرر وطني تحتاج لإعلاء راية الوطنية والتمسك بالهوية والثقافة الوطنية ولخطورة رهن القضية الوطنية بأي أجندة خارجية،وتمنينا على حركة حماس أن توطن فكرها وأيديولوجيتها إن رغبت بأن تكون جزءا من النظام السياسي الفلسطيني و تقود الشعب الفلسطيني،فلا يجوز ولا نقبل لحركة سياسية تقول بأنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين وفرع من فروعها أن تحكمنا لأن ذلك يعني أن الأصل هو الذي يحكمنا أي نصبح محكومين ومسيرين لجماعة الإخوان المسلمين ويصبح مصير قضيتنا الوطنية رهن بما تأول إليه الأمور في هذه الجماعة ولحساباتها وتوازناتها ومصالحها الأممية.
أيضا فإن الإسلام دين كل المسلمين وهو حالة دائمة لا يرتبط وجوده بحزب أو شخص وهو منزه عن الأهواء والأغراض الشخصية والفئوية الضيقة ،بينما حركة حماس وجماعات الإسلام السياسي الأخرى، أحزاب سياسية لها مصالح بشرية ودنيوية، وقادتها ليسوا منزهين عن الخطأ ،كما أنها أحزاب معرضة للزوال في أية لحظة،لو عدنا للتاريخ السياسي الإسلامي لوجدنا آلاف الفرق والجماعات والأحزاب التي كانت تدعي بأنها تمثل الإسلام، وكلها اندثرت ولم تترك إلا الخراب ومزيدا من فُرقة المسلمين ومن تاريخ دام أسود. لكن يبدو أن البعض في زمننا هذا لا يريد تعلم الدروس والعبر من التاريخ السياسي للمسلمين ويُفضل أن يجرب المجرب ويبدأ دائما من نقطة الصفر،لأن توظيف الدين سياسيا بات صنعة من لا صنعة له وحرفة لا تحتاج لعقل أو علم بقدر ما تحتاج للديماغوجية والتلاعب بمشاعر العامة واستغلال فقرهم وجهلهم .
لو نظرنا للعالم من حولنا اليوم سنلاحظ أنه ما كان لحزب التنمية والعدالة التركي أن ينجح لو لم يوطن أيديولوجيته الدينية ويشتغل ضمن حدود الدولة القومية العلمانية وبما يخدم المصلحة الوطنية التركية دون ارتباط بأي إطار خارجي،نفس الأمر في إيران حيث تتوحد القومية الفارسية مع الإسلام الشيعي بل تعمل الأولى على توظيف الإسلام الشيعي خارج إيران لمصلحة الدولة القومية الفارسية.وفي الحالتين يجري تكييف الدين بما يخدم المصلحة الوطنية وليس العكس،والإسلام يسمح بذلك.وما هو قريب من ذلك ما يجري في ماليزيا واندونيسيا من تعايش وانسجام ما بين الدين والوطنية حيث لا يزعم مسلمو تلك البلدان بأنهم امتداد لأي جماعة سياسية دينية خارجية،والتجربة تتكرر في المغرب بشكل متميز وواعد.
لقد أدركت فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن خطورة المأزق الناتج عن كونها فروع لجماعة أممية ترفع شعار الخلافة وأيديولوجية سياسية شمولية عن الإسلام متجاهلة الحالة الوطنية كثقافة وهوية وروابط يؤسسها العيش المشترك في كيان سياسي متمايز عن غيره ،من جانب ،والحاجة للانخراط في الحياة السياسية الوطنية المحكومة بدستور وقوانين والمؤسسة على مفهوم المواطنة من جانب آخر.ومن هنا قررت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تشكيل جبهة العمل الإسلامي كحزب وطني وعلى أساسه دخلت الانتخابات التشريعية وأصبح لها حضور في المؤسسة التشريعية والنظام السياسي، مما أبعد عنها نسبيا تهمة الارتباط الخارجي،نفس الأمر يجري اليوم مع جماعة الإخوان في مصر حيث يجري العمل على تأسيس حزب العمل الإسلامي لينخرط في الحياة السياسية كحزب وطني يُسبق الاعتبارات الوطنية على المشروع ألأممي للإيديولوجية الإسلامية.
ولأننا لا نتحدث عن الإسلام كدين سماوي يحفظه رب السموات والأرض بل عن أيديولوجية الجماعات الإسلامية،فإن توطين الأيديولوجيات ظاهرة سبقتنا إليها شعوب أخرى،فبالرغم من أممية الأيديولوجية الماركسية / الشيوعية إلا أن ماوتسي تونغ مفجر الثورة الصينية 1949 اختط نهجا مستقلا يمكن تسميته توطين الماركسية لتتناسب مع خصوصية المجتمع الصيني،نفس الأمر جرى مع يوغسلافيا تيتو وكوبا كاسترو وبقية الدول الشيوعية.وفي الحالة العربية فبعد سنوات من عمل الشيوعيين واليساريين والقوميين في إطار حركات قومية وأممية انحازوا للخيار الوطني بعد ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية منتصف الستينيات،فظهرت الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب ومنظمة الصاعقة وجبهة التحرير العربية كحركات وطنية داخل الإطار الوطني – منظمة التحرير الفلسطينية -دون أن تفقد فكرها أو يطالبها أحد بأن تتخلى عن فكرها،فالوطنية وعاء يستوعب كل الأفكار والأيديولوجيات.
لقد جاءت الثورات العربية وخصوصا في تونس ومصر كثورات وطنية بدون أية شعارات أيديولوجية،بل كانت ثورات ضد النظام وضد كل الإيديولوجيات التي كانت تتقاطع بل وتلتقي مع النظام أو تتعايش معه أو تعيش على هامشه أو كانت تعيش في تهويمات الأيديولوجيا. هذه الثورات أرسلت رسائل واضحة وإن كانت ضمنية لحركة حماس بأن العالم يتغير والجماهير العربية تتغير ،وان جماعات الإخوان المسلمين باتت منشغلة بقضايا الوطن في كل بلد أكثر من انشغالها بالقضايا الكلية للأيديولوجية الدينية للجماعة،بل يمكن القول بأن توجه جماعة الإخوان في مصر للدخول في المعترك السياسي المصري في المرحلة القادمة بما يتطلبه ذلك من الانكفاء الداخلي،كان وراء توجه حركة حماس نحو المصالحة والتخفيف من خطابها السياسي وهو ما لاحظناه في خطاب السيد خالد مشعل في مؤتمر التوقيع على المصالحة الفلسطينية في القاهرة.
قبل أشهر كتب القيادي في حماس الدكتور احمد يوسف مقالا بعنوان حماس بين النموذج الطالباني ونموذج أردوغان وكان واضحا إعجابه بالنموذج التركي ولكنه تجنب التطرق لسبب نجاح النموذج التركي للإسلام المعتدل والذي يعود في رأينا لتوطين أو قومنة الإسلام ولوجود دولة علمانية مستقرة ولأنه تم استيعاب حزب أردوغان الإسلامي في الدولة الوطنية العلمانية وليس العكس.كما أن بعض قيادات حركة حماس باتت تتحدث وإن بتردد عن المشروع الوطني بل بعضهم وفي محاولة لمجاراة الحس الوطني واستباقا لحالة التراجع التي بدأت تعترى ظاهرة المد الأصولي ،قال بأن حركة حماس حركة وطنية فلسطينية.فهل ستُقدم حركة حماس على الخطوة الأخيرة لتنحاز للوطن وللمشروع الوطني وتتوقف عن استفزاز الشعور الوطني بالقول بأنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين؟.
لا يعني هذا أننا نطالب حركة حماس بالتخلي عن بعدها الإسلامي أو قطع صلتها بجامعة الإخوان ،فهذا شأنها وشأن المنخرطين فيها،ويمكنها أن تستمر بهذه الوضعية ما دامت خارج السلطة والقيادة أو تمارس الجهاد المقدس،ولكن أن تقول أو تتطلع لقيادة الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت تقول بأنها امتداد لجماعة خارجية فهذا ما لا يقبله الشعب الفلسطيني لأننا لا نقبل أن يقودنا تنظيم خارجي،ولا نقبل أن يرتبط مصيرنا ومصير قضيتنا الوطنية بمصير حزب قيادته غير فلسطينية.
حركة حماس اليوم أمام مفترق طرق:إما أن تستمر في التموضع كامتداد لأصل خارجي وبالتالي قرارها خارجها مما يجعلها عرضة لمراهنات البعض من الأيديولوجيين الإسلاميين على جعل غزة الإقليم القاعدة لدولة الخلافة الموعودة ،أو أن تنحاز لفلسطين وللهم الوطني وتعمل مع القوى السياسية الفلسطينية على جعل مشروع الدولة الوطنية ممكنا .
Ibrahemibrach1@hotmail.com
Ibrahem-ibrach@hotmail.com