الجمعة، 19 أغسطس 2011

حول الموقف من الأحداث السورية



kolonagaza7



بقلم غالب قنديل على هامش الأحداث السورية و بينما حشد المعسكر الرجعي قواه و كتابه و فنانينه في هجوم شرس يسير تصاعديا مع الإشارة الأميركية السعودية القطرية لمنابر الترويج و التشهير ، تحرك بعض الإعلاميين و الصحافيين و الكتاب و المثقفين الوطنيين ليطرحوا في التداول مقالات و أوراقا و بيانات تميزت بتأكيد مساندتهم لخيار المقاومة لكنهم كما تبين النصوص مرتبكون في التعامل مع عدد من العناصر التي تمثل علامات فارقة في الموقف من الأحداث السورية: أولا: في استنكار العنف يتركز الخطاب أحيانا على عنف تمارسه السلطة السورية من خلال تحريك الجيش و القوى الأمنية لبسط سيطرة الدولة في مناطق يسيطر عليها المسلحون ( غير السلميين بالطبع ! ) و في هذا المنطق أحادية سافرة و تغييب لحقيقة تورط جماعات سياسية وعسكرية منظمة تنتمي إلى المعارضات السورية في أعمال عنف بشعة ، تعاملت معها الدولة الوطنية السورية في كثير من الحالات عبر أسلوب الاحتواء والتفاوض وتفكيك العقد قبل أن تنزل وحدات من الجيش لحسم الموقف وهذا ما جرى بالفعل خلال أحداث درعا بانياس و جسر الشغور وحماه ودير الزور وحمص. من البديهيات أن تقوم الدولة السورية بواجباتها في التصدي للتمرد المسلح الذي قام في غير محافظة سورية وأدى إلى إخراج المؤسسات الأمنية الرسمية بعد إحراق مقراتها والفتك بعناصرها داخل المدن، كما حصل في درعا وجسر الشغور و في سائر المناطق التي شهدت قتل المئات من عناصر الأمن والجيش ، بل سجلت تلك التصرفات الإرهابية نصب الكمائن لقوافل عسكرية و لباصات المبيت المحملة بالضباط والجنود ، وكذلك نفذ مسلحو المعارضة عمليات خطف للعسكريين الذين أعيدت جثثهم لذويهم مقطعة الأوصال بعد رميها في الطرقات وفي الأنهار. بعض الأخطاء التي ارتكبتها قوات حفظ النظام في سورية منذ أحداث درعا نالت اعترافا رسميا صريحا ، من خلال تشكيل لجنة تحقيق متخصصة ولكن عدم الاعتراف بمسؤولية المعارضة عن ممارسة العنف وعدم الالتفات إلى عمليات تهريب السلاح والأموال إلى سورية يساير ابتزازا مارسه المعارضون السوريون منذ إنكارهم وجود عناصر مسلحة في تجمعاتهم رغم ظهور عصابات التكفير وخطابات العرعور وهتافات الأخوان المسلمين الطائفية القبيحة و سواطيرهم و سيوفهم و بنادقهم . اليوم ينتقل المعارضون إلى تبرير استعمال السلاح وهم بذلك يعلنون المسؤولية عن كل ما حصل منذ شهر آذار ويصرحون عن اعتزامهم الانتقال إلى الإرهاب فماذا قال المتحركون و المتحدثون و الغيارى عن كل ذلك ؟ إن أول الطريق إلى وقف العنف هو إدانة الإرهاب والتكفير و شجب دعوات استعمال السلاح الصادرة عن المعارضة السورية ، فالدولة تقوم بواجبها الذي يعتبر الشارع السوري أنها تباطأت في القيام به ، بينما هي في الواقع سعت لتحاشي الصدامات المسلحة عن طريق الاتصالات والمفاوضات ومحاولات الاحتواء الميدانية ويعرف سكان المناطق المستهدفة بخطة التخريب أن تحريك الجيش في أي من المدن أو المحافظات لم يتم إلا بعد عشرات الأيام من سيطرة مسلحي المعارضة وارتكابهم للجرائم الفظيعة ضد الأهالي وضد القوى الأمنية والعسكرية و قد عبر الأهالي عن مواقفهم بالنزوح عن بيوتهم . ثانيا: لا يمكن النظر إلى الأحداث الجارية في سورية من غير الموقف المبدئي الرافض لكل أشكال التدخل الأجنبي الذي يستهدف النيل من مكانة سورية الإقليمية ومن خيارها المقاوم وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي و كل موقف أو بيان لا يكون واضحا في هذا المبدأ أصله باطل و لا قيمة للمواعظ التي ترد فيه كائنا من كان مصدرها. كما ليس من الإنصاف اجترار العبارات التي يرددها المعارضون السوريون من نوع " التذرع بأولية التصدي للعدو لتبرير التهرب من الديمقراطية وإهمالها " إن هذه اللازمة التي يكررها بعض حسني النية لا تنطبق على سورية التي لا يحتاج عداؤها لإسرائيل إلى فحص وهو التزام وليس ذريعة ، فسورية هي التي عطلت مخطط الهيمنة "الإسرائيلية" على المنطقة منذ كامب ديفيد وهي التي احتضنت المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية منذ الثمانينات وسورية هي التي بنت قوة دفاعية رادعة شكلت مكونا حاسما في توازن القوى الإقليمي الحاضن لحركات المقاومة فهل ذلك كله يمكن أن يوصف بالذريعة؟ أما بشأن الديمقراطية والحوار فمعلوم لكل من يتابع أن الرئيس الأسد حدد عناصر مشروعه الإصلاحي منذ سنوات وحوله إلى إجراءات وتدابير خلال الأشهر القليلة الماضية عبر نصوص قانونية واضحة ومحددة وذهب في تبنيه لفكرة الدولة الديمقراطية المدنية التي يحكمها التعدد السياسي إلى حد اقتراح جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا. على المتداخلين في الأزمة أن يحددوا الجهة التي قطعت الطريق على تقدم العملية السياسية حتى الآن و هي المعارضة السورية التي رفضت الحوار بناء على تعليمات الخارج الأجنبي والإقليمي و هي التي غطت وجود الإرهابيين والتكفيريين على الأرض واشترطت للحوار سحب الجيش وقوى الأمن أي إخلاء الساحة لمسلحيها وعصاباتها. إن من يرفض الحوار يسقط الخيار السياسي و من يغطي وجود الميليشيات والعصابات المسلحة يعلن أن الحرب الأهلية هي مشروعه الذي يراهن به على التأسيس لغزو أجنبي سواء كان تركيا أو أطلسيا، وحقيقة هذا الأمر هي أن الحلف الأطلسي وتركيا على السواء والقيادة الأميركية العليا التي تقود التحالف الدولي الإقليمي ضد سورية ، يستعملون المعارضة السورية ويوهمونها بإمكانية حدوث تدخل عسكري بهدف دفعها إلى الأمام في الضغط الأمني والميداني والسياسي على الدولة الوطنية السورية بينما تسعى إدارة اوباما لمساومة سورية في مكان آخر لا علاقة له بالإصلاحات التي لا يريد الخارج منها سوى إضعاف تماسك و صلابة الخيار العروبي في سورية ، عبر تمكين قوى و شخصيات مرتبطة بالغرب و عملائه الإقليميين في معادلات القرار السوري السيادي . ثالثا: في هذا الشرق العربي تبين بنتيجة التجربة التاريخية الممتدة منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين أن قضية الاستقلال الوطني والتحرر من الهيمنة الاستعمارية ومقاومة الهيمنة "الإسرائيلية" على المنطقة تمثل الأرضية الحاسمة التي تبنى عليها جميع المشاريع والبرامج والتوجهات وبالتالي فالديمقراطية المؤسسة على هذه القاعدة أي تحت سقف الالتزام الوطني التحرري والاستقلالي هي ما تحتاجه الشعوب لتداول السلطة في ما بين مكوناتها السياسية ، أما الوصفة الأميركية المسمومة ونسختها التركية المعدلة فهما وسيلة لنسف مرتكزات الاستقلال السوري وللنيل من دور سورية في منظومة المقاومة لرسم خريطة الشرق ما بعد الانكفاء الأميركي من العراق ، بحيث يصبح تحت قبضة الثنائي التركي "الإسرائيلي" بدلا من قيام منظومة إقليمية مستقلة سعى الرئيس الأسد إلى نسجها وانقلبت عليها حكومة الوهم العثماني في اسطنبول ، عندما لوح لها الأميركيون بدور الوكيل الإقليمي في الداخل العربي من خلال تنظيمات الأخوان المسلمين ليتخيل رجب طيب اردوغان وقادة حزبه أنهم يستطيعون تقاسم المصير العربي مع حكام تل أبيب. سورية قلب العروبة باقية و هي قادرة شعبا وقيادة على شق طريقها إلى المستقبل بخيار الاستقلال والمقاومة ومن خلال فرض سيطرة الدولة الوطنية على كامل الأرض السورية وتصفية بؤر التخريب أما إطلاق المرحلة الجديدة عبر تنفيذ الإصلاحات فهو مسار يتقدم ومن ينعزل عنه يعزل نفسه كما ستبين الأسابيع القليلة القادمة
__._,_.___

مشاركة مميزة