الخميس، 11 أغسطس 2011

القرار الاستراتيجي والمناورة



kolonagaza7

عبدالزهرة الركابي
لم يكن الخبر الذي نقلته الإذاعة العامة “الإسرائيلية” عن مصادر في ديوان رئيس الوزراء الذي مفاده، أن الصيغة التي وافق عليها نتنياهو تقضي بأن تكون حدود العام 1967 أساساً للمفاوضات مع الاتفاق على تبادل الأراضي بين الجانبين، مثيراً للمراقبين بعد التشدد الذي أبداه نتنياهو في رفض هذا الأساس الذي ورد في خطة للرئيس الأمريكي أوباما بشأن استئناف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية”، كما أن الاستدراك الذي تخلل هذا الخبر لم يكن مستغرباً، عندما نسبت الإذاعة إلى مصدر مسؤول قوله، برغم هذه الموافقة، فإن “إسرائيل” تحتفظ بحقها في التحفظ على بعض الطروحات الدولية .
واستكمالاً لدائرة عدم الاستغراب هذه، نقلت القناة الثانية في التلفزيون “الإسرائيلي” عن مصدر حكومي قوله، إن نتنياهو يقبل عملياً بإطار يسمح ب “التنازل” للفلسطينيين عن بعض الأراضي الواقعة على حدود الضفة الغربية، لكنه شدد على أن “إسرائيل” لن تنسحب من كل أراضي الضفة .
الواضح أن مناورة مكشوفة كهذه من قبل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” نتنياهو، لم تأت لسواد عيون السلام، بل يُراد من ورائها عرقلة ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، وطلب اعتراف دولي رسمي بالدولة الفلسطينية المستقلة، خصوصاً أن الموافقة المذكورة في الوقت نفسه قد تم إفراغها من مضمونها، عبر الاستدراك الآنف، حتى أن الدوائر المقربة من نتنياهو راحت تعطي حدوداً جديدة ومختلفة عن حدود الرابع من يونيو/حزيران عام ،1967 عندما تشير إلى التفسير الذي قدمه أوباما لاقتراحه أمام لجنة “إيباك”، كما تنوه هذه الدوائر بضرورة اعتراف الفلسطينيين ب”الطابع اليهودي” لدولة “إسرائيل” .
يُذكر في هذا الصدد، أن أوباما كان قد أعلن عن خطة لاستئناف المفاوضات في أيار الماضي وفق مبدأ، أن الدولة الفلسطينية المنشودة يجب أن تقام على أساس حدود عام ،1967 مع تبادلات “للأراضي” يتفق عليها الطرفان، وأمام رفض وتعنت وانتقادات نتنياهو لهذه الخطة، عاد أوباما مستدركاً وموضحاً في كلمة ألقاها أمام “إيباك”، لجنة العلاقات العامة الأمريكية - “الإسرائيلية”، أن اقتراحه يقضي بأن يقوم الجانبان بالتفاوض حول حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في الرابع من يونيو/حزيران عام ،1967 بعدما تؤخذ في الاعتبار الحقائق الديمغرافية الجديدة على الأرض واحتياجات الطرفين .
لا شك أن الهدف المرحلي من وراء هذه “الموافقة”، هو تخلي الفلسطينيين عن خطوة سبتمبر/أيلول، بينما يبقى تنفيذ الأهداف “الإسرائيلية” الثابتة من خلال استئناف المفاوضات، وقد خبر الفلسطينيون جيداً أساليب المناورات التي يتبعها “الإسرائيليون” في جولات المفاوضات السابقة، ومن المؤكد أن مثل هذه الأساليب لن تختلف عن السابق إذا ما استؤنفت المفاوضات، الأمر الذي جعل كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات يشترط أن يعلن نتنياهو بنفسه موافقته أمام العالم ووسائل الإعلام على أن حدود عام 1967 هي مرجعية المفاوضات، وعلى وقف شامل للاستيطان في جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، مضيفاً أن ما سُرب يأتي في اطار العلاقات العامة .
وتمهيداً لتجسيد القرار الاستراتيجي الذي اتخذته السلطة الفلسطينية في التوجه للأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية، فإنها في هذا الوقت تعمل على تنشيط العمل الجماهيري السلمي الذي تصاحبه حملة إعلامية وأنشطة شعبية تواكب وتعزز التوجه الفلسطيني نحو المنظمة الدولية، كتمهيد وتهيئة للشارع الفلسطيني للانتقال من أجواء السلطة إلى أجواء الدولة، ومثل هذا التوجه الداخلي والشعبي الذي يُعد مواكباً للتوجه السياسي الخارجي، سيكون له الأثر في التصدي للسياسة “الإسرائيلية” التي تعتمد على المناورة السياسية على صعيد التعامل مع السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تستمر وتتواصل سياسة الاستيطان إلى حد الإمعان، حيث أعلنت الناطقة باسم وزارة الداخلية “الإسرائيلية”، أن الوزارة أعطت أخيراً موافقتها النهائية على بناء 930 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة “هار حوما” في جبل أبو غنيم في جنوب القدس الشرقية .
ويؤكد المراقبون أن عملية الاستيطان هذه، تضيف تلالاً جديدة للمستوطنة المذكورة، ويُراد من ورائها منع التواصل بين القدس الشرقية وبيت لحم، بغرض إعاقة أي إمكان كي تصبح القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية .
وفي مقابل التحرك الفلسطيني الشعبي والجماهيري الذي من المتوقع أن يُقام في الأراضي الفلسطينية في المستقبل القريب، أفادت أوساط في الكنيست “الإسرائيلي”، أن الدولة الصهيونية قد تضطر إلى تعبئة جنود الاحتياط لمواجهة تظاهرات أيلول/سبتمبر، مشيرة إلى أن الجيش “الإسرائيلي” يأخذ في الاعتبار سيناريوهات مختلفة للتظاهرات الفلسطينية ويستعد لهذا الاحتمال .
li.mah@hotmail.com

مشاركة مميزة