الخميس، 11 أغسطس 2011

سقف الحراك اليهودي



kolonagaza7

خيري منصور
العشرون أو الثلاثون أو حتى الخمسون ألفاً من اليهود الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات تعبيراً عن احتجاجهم على حكومة نتنياهو تحولوا على الفور إلى مشهد جاذب للمحللين وراصدي الحراك في مجمل الدول الشرق أوسطية، فالإعصار تخطى بقوته حدود الوطن العربي، وثمة من قال غداة الاطاحة بالرئيس التونسي بن علي أن عدوى الياسمين بلغت الصين .
والقراءات الأكثر رواجاً لما حدث في شوارع تل أبيب والمدن الأخرى هي تلك التي ترى أن التحرك من أجل الاصلاحات والإطاحات أصبح عابراً للحدود، لكن ما يجب التذكير به هو سقف هذه التحركات فهو يتفاوت ارتفاعاً وانخفاضاً بين بلد وآخر، وبينما رفعت شعارات تطالب بإسقاط النظم في بعض الأقطار بقيت أقطار أخرى أكثر تواضعاً وأقل راديكالية في شعاراتها، بحيث لم تتجاوز المطالبات الشعبية الإصلاح والحد من الفساد ومحاكمة المتورطين فيه .
وإذا كان فحص الشعارات أو عينات منها في أي بلد هو النهج الأمثل لاستقراء الهواجس الشعبية وترتيب الأولويات، فإن ما حدث وقد تتصاعد وتيرته في الدولة العبرية لايزال محدود السقف ولا نتوقع من حراك كهذا أن يطالب بإسقاط الاحتلال والاستيطان أو يرفع شعارات تطالب باسقاط المشروع الصهيوني . . ليس لأن ذلك من المستحيلات، فنحن نعيش زمناً كل شيء فيه أصبح قابلاً للانقلاب وإعادة النظر، لكن الوقت جد مبكر في تل أبيب، لأن العزف الصهيوني على الفوبيا الأمنية لايزال في ذروته والعمل على خلق وتكريس قواسم مشتركة بين الحكومة والقوى السياسية لم يتوقف، وما نخشاه هو أن يتكرر التعويل العربي المتفائل، الذي راهن ذات يوم على تفكيك الدولة العبرية من داخلها بسبب التفرقة العنصرية بين يهود الشرق أو السفرديم ويهود الغرب “الاشكيناز” فقد قرأنا قبل عدة عقود الكثير من المقالات التي يراهن أصحابها على التذرر داخل النسيج اليهودي، وليس معنى ذلك أن الصهيونية حصلت على بوليصة تأمين تاريخية وذات صلاحية أبدية ضد التحلل والتفكيك، لكن الوقت هنا يلعب دوراً علينا أن لا نستخف به . فمن يطالبون بتحسين ظروفهم المعيشية ويهتفون ضد الغلاء واستشراء الفساد لم يصلوا بعد إلى ماهو أعلى سقفاً، بحيث يتناقضون جذريا مع الاطروحة الصهيونية .
وليس عصرنا فقط هو الذي عبرت فيه عواصف التغيير الحدود واللغات والثقافات، ففي أزمنة عديدة كان لحركات انقلابية فاعلة دور في تحفيز الآخرين على استخدام إراداتهم ويمتاز عصرنا عن بقية العصور بالاتصال وسرعة التواصل، بحيث سرعان ما يتحول حدث ما إلى مزاج شبه عام .
الدولة العبرية ليست محصنة ضد المطالبة بالتغيير وإسقاط الحكومات، لكن التعويل السريع على دور الحراك اليهودي بحيث ينوب عن العرب في اسقاط المشروع الاستيطاني هو مجرد تكرار لخطأ قديم . . واستغرب كيف ننسى أو نتناسى أن تحسين شروط حياتهم يتناسب طردياً مع حصار الفلسطينيين وشقائهم .

مشاركة مميزة