الاثنين، 29 أغسطس 2011

ليبيا: الاصطفافات: سياسية، قومية، إيديولوجية... لا دينية



kolonagaza7



إلى أولئك الذين أختلط عليهم أمر الأسلام بمفهومه وسياقه العربي التاريخي الحقيقي والأسلام السياسي المعادي كالأسلام المذهبي المتعصب والأمرو-صهيوني الذي ينظِّر له آل سعود وشيعة أيران الصفوية.
aabouali@sympatico.ca

---------------------------------------------------

ليبيا: الاصطفافات: سياسية، قومية، إيديولوجية... لا دينية .. د.عادل سمارة
اغسطس 29,2011 بقلم
من دروس الأزمة الليبية وجوب تسمية الأشياء بجواهرها، لا كما تُعرض على نهج وإيديولوجيا السوق والتسويق. دوماً كانت الاصطفافات بدوافع سياسية، مادية مصلحية، إيديولوجية، وقومية وطبقية...الخ، والأهم أنها لم تكن دينية لا في المبتدأ ولا في المنتهى. وهذا يسمح بالقول: طالما جرى استخدام الدين، فهل آن الأوان لردِّ ذلك؟
يشتد النقاش وسيمتد حول المواقف من ليبيا، ولعل أكثر القضايا الموجبة للنقاش هي مواقف الشيع والأحزاب الإسلامية من هذه الأزمة. فهذا باسم الدين يبرر استدعاء العدو، أو ينكر أن الناتو هو الذي احتل ليبيا واسقط طرابلس ويحذر من مجيىء الناتو! وهذا باسم الدين يشارك الناتو غزو ليبيا، والمجلس الانتقالي كذلك باسم الدين يهب ليبيا للناتو. فأي موقف هو ديني واي موقف هو سياسي؟
وقد يجوز لنا القول هنا، أن الخاسر من هذه الفوضى على الأرض، والترتيب المحكم في قيادة العالميات الثلاث هو الشعب العربي (القومية العربية) والدين الإسلامي نفسيهما لأن نتيجة كل هذا فقدان الوطن العربي قطراً قطراً، إلى درجة الاعتياد على هذا الفقدان والتعايش معه كما لو كان وعداً إليهاً وخاصة حين تُضاف إليه تخريجات من الدين.
يفتح هذا على معنىً لنقاش العروبة والإسلام كأساس ومن ثم نقد أنواع الإسلام الدخيلة كنتائج خطرة.
الإسلام دين عربي، بدأ بالعرب كأمة ولغة وجغرافيا، ولو كان غير ذلك لأنزل الكتاب بلغات أخرى كانت موجودة في ذلك العصر وقبله. وهذا يطرح شكوكاً كبيرة على الذين يعملون بخطاب مخفي أو معلن على فك الدين عن العرب واحتواء هذا الدين سياسياً وقوميا وحتى جغرافيا إليهم! وهذا يذكرنا بقيام الغرب الراسمالي بسرقة السيد المسيح وإنشاء طبعة عدوانية دموية بيضاء للسيد المسيح واختطاف المسيحية من الشرق بل واختطاف المسيح كفلسطيني. ولعل أخطر طبعات توظيف المسيجية هي المحافظية الجديدة، وهي الوليدة الطبيعية للإنجيلية/البروتستانتية البريطانية.
كما يقوم هؤلاء، وهم كثرة متكاثرة باختصار وحصر وجود العرب بالإسلام، وهذا منافٍ لكل من الرواية الدينية والرواية التاريخية، ولا أدل على ذلك من نزول الدين بهذه اللغة العريقة والجميلة. فماذا وراء نفي الوجود والتاريخ العربي ما قبل الإسلام؟ هل المسألة ثأر من عاد وثمود وطسم وجديس وحِميَر وسبأ والاشوريين والكنعانيين...الخ أم خطة سياسية خطرة ضد القومية العربية المعاصرة للحيلولة دون وحدة العرب وتنمية وطنهم؟
من مقاصد اختصار العرب في الإسلام نفي وجود وحق العرب المسيحيين في وطنهم العربي، وهذا إشعال لفتنة يزكيها الغرب الراسمالي الاستعماري دون توقف وتصب في خانة رفع "فرق-تسد" إلى تذرير الوطن العربي.
وربما من أحد الأسئلة إلى الأمم والقوميات في بلدان إسلامية والتي تزعم أنها حامية حمى الإسلام ومركز الخلافة، لماذا لا تعتمد العربية طالما هي لغة الإسلام؟ قد يزعم البعض أن هذا غير عملي. ولكن، الم يقم أتاتورك بتحويل تركيا إلى الابجدية اللاتينية؟
لعل أوضح تسييس للإسلام كامن في معاداة مراكز دولانية إسلامية للقومية العربية من جهة، وظهور أحزاب وقوى سياسية تعتبر الإسلام كدين دستورها كسياسة. وبالطبع فإن أخطر تناقض لديها هو في اختطاف الدين واللغة ومعاداة العرب كأساس للإسلام! وإذا كان تبرير هؤلاء ان العرب أمة وبالتالي لا يجوز نسب الإسلام لقومية معينة، يقصدون العربية، فلماذا لا يتخلون عن قومياتهم ولماذا يغتصبون اراض عربية وهي اراضي مسلمين؟
إن المركزين الرئيسيين للدين السياسي في هذه المرحلة هما تركيا وإيران. وهما يناصبان القومية العربية العداء باسم الدين وكأن العرب ليسوا مسلمين، أو ليسوا اساس الإسلام. فتركيا تحتل أراض سورية، وإيران تحتل أراض عراقية وخليجية؟ فهل هذا الاحتلال ديني أم قومي –سياسي؟
من ناحية دينية لا يجوز لمسلم احتلال أرض مسلم ولا غير مسلم؟ فهل هناك تفسير غير التفسير السياسي القومي؟ بل ليس هناك من تفسير حتى طائفي، فالاحتلال التركي هو سني يحتل أراض سورية سنية؟
هناك دمج مقصود بين القومية الطورانية والطائفية السنية وبين القومية الفارسية والطائفية الشيعية، وهو دمج طائفي أرضيته وجذره الحقيقيان ارضية وجذر قومي يجري تغليفه بغطاء ديني. مع أن العرب وحدهم الذين يحق لهم ربط الدين والقومية معاً لأن الدين بدأ عربيا في الموقع واللغة والشعب نفسه. وهذا يفتح على خطورة محاولات فك العرب عن الإسلام وخلق إسلام جديد معادٍ للعرب.
إذا كان الإسلام هو الإسلام، وهو كذلك إسلام واحد، فكيف يتم تبديل هذا الأصل بتفرعات وطقوس طائفية سنة وشيعة وزيدية واباضية...الخ؟ وكيف يقبل المسلمون بمن فيهم العرب هذه الحروب والصراعات البينية القائمة على اسس طائفية؟
ولعل المشكلة أكثر خطورة. فلنسأل: أين يقع الإسلام الواحد والحقيقي كما هو في النص، اين يقع من الإسلامات المحدثة في العالمين العربي والإسلامي؟
هل الوهابية هي الإسلام بغض النظر عن الأبحاث التي تبين ان صاحبها كان مدعوماً من الاستعمار البريطاني؟ ومن اين للوهابية حق معاداة الإسلام الشيعي إذا كانت هي لا تمثل الإسلام وحدها؟ وإذا كانتا معا تمثلان الإسلام فهل الإسلام وهابي وشيعي معاً، و/أو سني؟
وماذا عن الإسلام التركي الذي لم يدخل بلداً فيه حضارة إلا حطمها (1)، والذي يتحفز اليوم لتحطيم الأمة العربية حيث يمتد تآمره من دمشق إلى طرابلس الغرب؟ هل تدخل تركيا في سوريا بدافع إسلامي؟
وهل احتلال جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وابو موسى من قبل إيران هو امتداد لنشر الإسلام مجدداً. هل هو احتلال جيو-بولتيكي أم نشراً للدين؟ وهل استسلام نظام الإمارات العربية المتحدة للاحتلال الإيراني لهذه الجزر قائم على فتوى بأن كلها ارض الإسلام؟ وإن كان كذلك، فلماذا يتوسع إسلام على حساب آخر؟
وبعيداً عن الطائفية والشيع والبدع والنِحل، هل الإمارات دولة إسلامية حيث ترسل طائراتها "لإنقاذ" مسلمي ليبيا من نظام القذافي، بينما تجعل من دُبيْ ماخوراً دوليا وتقيم فيها أبراجاً لإيواء مافيا العالم؟
وهل صمت الكثيرين من العرب (أنظمة وقوى سياسية وجمعيات خيرية) عن الإمارات وقطر والسعودية وكل الخليج في تخريبهنَّ الوطن العربي وتسليم بلدانهم للاحتلال الأجنبي ناجم عن رشوة هؤلاء جميعاً بأموال الريع النفطي؟
أليس هذا المال أخطر من أموال الأنجزة الغربية؟ فهذه أنجزة وأموال حكومية باسم الدين لتدمير الأمة العربية وتسليم اقطارها واحدا بعد الآخر للغرب الرأسمالي.
إذا كنا نقبل بتعددية إسلامية: تركي، فارسي، وهابي، أميركي، فلماذا نعترض على إسلام صهيوني؟ اليس هناك إسلاماً صهيونياً يعترف بالكيان الصهيوني؟ وإلا ما معنى اية علاقة بين إسلام حقيقي وإسلام يعترف بالكيان؟
الدين والأرض:
كما اشرنا أعلاه، هناك أنظمة تزعم أنها عربية ومسلمة وحتى حاضنة الإسلام، اي النظام السعودي الذي يمول ويشارك في إدارة كافة المؤامرات ضد العرب والمسلمين الأحرار بينما يُخضع أقدس الأماكن الإسلامية للمحتل الأميركي وتمتلىء ارض بلاده بالقواعد الأجنبية. فهل هذا نظام إسلامي؟
نظام يستدعي الاحتلال من جهة ومن شدة قمعه للشعب يخلو حتى من معارضة سياسية لوجود هذه القوات والقواعد الأجنبية.
هل إمارة قطر إمارة إسلامية بينما أرضها مجرد قاعدة للمحتل الأميركي وتستقبل أركان الكيان الصهيوني على أرضها وفي قناة الجزيرة؟
والمفارقة، أن النظام السعودي يتصرف في علاقاته العربية تصرفاً فوقياً لتغطية ارتباطاته العميقة بالمركز الغربي الراسمالي، كما تقوم إمارة قطر بدور الحَكَم في خلافات عربية هي سياسية وطائفية بينما هي قاعدة عدوان على الأمة العربية، ومتورطة في علاقات مع الكيان الصهيوني تفوق ما كان عليه نظام مبارك. فما السبب في الصمت عن هؤلاء سوى الرشاوى المالية؟
يثرثر الكثير من المسلمين بأن القدس وقف إسلامي ولا بد من تحريرها؟ فلماذا لا يقومون بذلك؟ أم أن حقيقة اعتقادهم أن القدس ارض عربية وبالتالي لا توجه حقيقي لتحريرها بل بالعكس فهذه الأنظمة تقيم علاقات سرية داخلية مع الكيان؟
بل لماذا لا يحرروا الكعبة؟ اليست محتلة؟ أليست هذه وقفاً إسلامياً؟
وحدة المسلمين:
كثيرا ما يتم الحديث عن "الأمة الإسلامية" و "وحدة الأمة الإسلامية". فهل يجوز الحديث عن أمة تحتل دولة منها أرض دولة/دولاً أخرى؟ اليس الأجدر برجال المؤسسات الدينية والمؤتمر الإسلامي ومؤتمر علماء الدين أن يطلبوا أولاً رفع احتلال دولة عن أخرى حتى يتسنى الحديث عن وحدة؟ كيف يُفتي الشيخ القرضاوي بذبح ثلث الشعب السوري إذا كان ذلك سوف يُسقط نظام البعث ويتعاون في الوقت نفسه مع النظام التركي الذي يحتل لواء الإسكندرون ويهدد بالعدوان على سوريا؟
هل هذا داعية إسلامية، أم داعية ضد الأمة العربية؟
في كثير من المؤتمرات لإسلاميين يتم التركيز الهجومي ضد القومية العربية، هذا رغم أن العرب ليسوا دولة واحدة بل مفككين إلى دول ودويلات عديدة. فهم لا يشكلون خطراً على أحد، بل عليهم يقع كل الخطر. والعرب وحدهم الأمة الوحيدة بين المسلمين المفككة والتي اراضيها محتلة من مسلمين وغير مسلمين. فلماذا رغم ذلك يتم استهداف القومية العربية؟ لقد رأيت هذا الاستهداف عام 1985 في مؤتمر إسلامي في لندن حيث كان الهجوم في مختلف الأوراق ضد القومية العربية دون ان تُذكر قومية غيرها!
وإذا كان كل هذا التفاهم بين أنواع المسلمين ما خلا العرب، فلماذا لم تتحد الدول الإسلامية دون العرب أو حتى اية دولة إسلامية مع اخرى؟ ما الذي يشغل مسلمي نيجريا؟ هل يمنعهم العرب من توحيد مسلمي افريقيا؟ لماذا لا تتحد تركيا وإيران الإسلاميتان؟ هل تقوم العلاقات بينهما على ارضية الإسلام أم المصالح القومية وطموحات البرجوازية لديهما في اسواق العرب؟
ولكن، إذا لم يكن اتحاد المسلمين ممكناً، فلا اقل من التوقف عن معاداة العرب والارتباط والارتهان للغرب الراسمالي؟ وهذا يفتح على ما يدور في ليبيا حيث تلتقي أنواع عدة من الإسلام ضد الشعب والأرض العربية في ليبيا: الإسلام الأميركي والإسلام الصهيوني والإسلام التركي والإسلام الوهابي السعودي والإماراتي والقطري، والإسلام الشيعي؟ ما الذي يجمع كل هؤلاء ضد نظام القذافي غير عدائهم للأمة العربية مدفوع بعضهم بخطاب مخفي وبعضهم بخطاب معلن؟
اليس هذا التحالف المتعدد هو نفسه الذي يدعم النظام العراقي وليد الاحتلال الأميركي؟ الا يؤكد هذا الدعم أن تدمير العراق كان فقط لضرب محاولة بناء دولة عربية قومية؟
هل نخلص من هذا إلى حقيقتين متناقضتين:
الأولى: أن هناك وحدة إيمانية للمسلمين بعيداً عن وحدة الإسلامات السياسية ونقيضة لها؛
الثانية: أن وحدة هذه الإسلامات السياسية هي مشروع سياسي يتلاعب به الغرب الراسمالي وتوابعه من الأنظمة التي تتحكم بالمسلمين وتسخرهم بشرا واوطانا وثروات للمركز الراسمالي. إن اللغط عن هذه الوحدة مقصود به التفكيك وتمكين الاستعمار من الأمم المسلمة.
إن التجاوز على الحقائق المجتمعية أمر خطير على الأمم البشرية والعلم، وأوضح هذه الحقائق هي أن البلدان الإسلامية كمختلف المجتمعات البشرية مكونة من طبقات وشرائح اجتماعية كأية تشكيلات اجتماعية اقتصادية في العالم، وان ما يحدد خريطة اي مجتمع هو نمط /أنماط الإنتاج المهيمنة فيها. وليس هذا تحليل نظري مجرد، فالأنظمة العربية الحاكمة تمثل طبقات لها مصالح متخارجة مع راس المال العالمي وذلك على حساب الطبقات الشعبية العربية، وهذا يعني أن التناقض بين الأنظمة الحاكمة والطبقات الشعبية هو تناحري على الرغم من عدم اشتعال هذا التناقض إلى ساحة الصراع الطبقي بعد وذلك لذلك القدر الهائل من القمع.
وفي حقيقة الأمر فإن الكثير من الأنظمة في البلدان المسلمة هي في حالة أقرب إلى الوحدة فيما بينهما تحت الهيمنة الأميركية بينما يُحال دون الحد الأدنى من تواصل الشعوب لا على المستوى الثقافي ولا الاقتصاي بالطبع. ومع ذلك، ليس هذا كل ما يحتاج إلى قولٍ في هذه اللحظة.
(1) ماذا يستنتج القارىء للتاريخ حين يعرف النقلة الحضارية التي وفرها العرب لللأندلس على مدى 800 سنة ويقارنها بالتخلف والدمار الذي أحدثته تركيا في الوطن العربي في 400 سنة؟ هل هذا إسلام وذلك إسلام، أم أن الإسلام العربي هو الحقيقي؟ لو لم يقم العرب سوى باختراع الأرقام التي تقوم عليها كل العلوم، وبإنشاء حضارة الأندلس، لكان هذا يكفيهم أنهم أمة ساهمت في بناء تاريخ الإنسانية على قدم المساواة مع أعظم الأمم.


مشاركة مميزة