السبت، 20 أغسطس 2011

إيلات وتبعات الانسداد السياسي

kolonagaza7

سامي محمد الأسطل
باحث وأكاديمي
samiastal@gmail.com
فجرت عملية إيلات النوعية والمخططة جيدا يوم الخميس الماضي 18/8/2011م باكورة جبهة جديدة لم تفتح بهذه الصورة القتالية المتقدمة من قبل, خاصة بعد توقيف الجبهات المعتادة الساخنة في: قطاع غزة, الضفة الغربية, الأردن, لبنان, لقد تحولت سيناء إلى معضلة متنوعة ستهيئ لتصعيد قادم بدوافع مصرية داخلية أو محلية أو قوات جهادية إسلامية؛ لاسيما وأن الكثير من سكان سيناء يعبّروا عن تنامي أزمة الهوية, التهميش, تراكم تركة قسوة التعامل الأمني منذ اتفاقية كامب ديفيد, في المقابل ستجدد إسرائيل التذكير بسياسة الردع والتفوق النوعي الذي التزم بضمانه الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية, لا ريب أن الذي أوصل إلى هذا الحال غياب المعالجات والحلول السياسية, سواء كانت على المستوى المحلي أو على مستوى القضية الفلسطينية.
تتصاعد الأزمات دائما حال سد الطرق, المنافذ, غلق أبواب النجاة, وطمس الإرادة الشعبية؛ فلما تحطمت وتشتت قوات الثورة الفلسطينية في لبنان 1982م, وظنت إسرائيل أن الأمور باتت على أحسن حال, لم تمض خمس سنوات حتى قلبت الأرض من تحت إسرائيل بالانتفاضة الأولى 1987م التي عمت فلسطين سواء كانت في الأراضي المحتلة عام 1967م قطاع غزة, الضفة الغربية, أو حتى في تل أبيب, يافا, حيفا.........الخ, وتبددت سياسة إسرائيل الرامية إلى طمس الهوية الفلسطينية, وحصر القضية الفلسطينية في المسالة الإنسانية للسكان اللاجئين.
أمام هذه الانتفاضة العارمة والمتوالدة خرج شمعون بيريز السياسي المخضرم يطرح مخرجا من هذه الأزمة التي مرّغت سمعة إسرائيل في التراب بالقول :" أن يرانا العالم على طاولة المفاوضات أفضل من أن يرى أفلام الأطفال وهم يرجموننا بالحجارة" كانت هذه الكلمات بدايات طريق الحل السلمي بعدما فشل الحل الأمني بكل آلاته وترسانته, لتبدأ مرحلة السلام كجانب مهم من حل معضلة الشرق الأوسط بالتعاون مع النظام الدولي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
يتساءل الكثير من الفلسطينيين عن الأهداف السياسية للمنح الغربية للفلسطينيين منذ اتفاقية أوسلو التي تبلغ حوالي 15 مليار دولار ويتم إنفاقها على مشاريع البني التحتية, أجهزة الدولة المرتقبة, الأجهزة الأمنية, التعليم, الصحة, المرافق العامة؛ لا شك أن الهدف السياسي الرئيسي المراد من هذه المنح هو إيجاد حل للقضية الفلسطينية يساهم في تهدئة المناخ من أجل حل قابل للاستمرار, ويحافظ على السلم والأمن في المنطقة.
لم يكن مشروع إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية إلا بجهد ومساعدة غربية لحل القضية الفلسطينية ولو مرحليا يتدرج حتى إقامة دولة على حدود عام 1967م؛ فبعد عاصفة الصحراء وتقليم أظافر العراق 1991م , كان لابد من رسم نظام دولي جديد للمنطقة؛ يحدد معالمها, ويمنح نسبة من الرضا للقضايا العالقة الكبرى؛ درءا لردات الفعل المرتقبة؛ ومتاهات الأنفاق ومساربها, وحجب الأفق وسدها, فكان الجهد والسعي لحل القضية الفلسطينية وصولا إلى مؤتمر مدريد 1991م, في ذات الوقت سرعان ما اتخذت مملكة النرويج دورا رئيسيا في تسهيل المحادثات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل حتى الوصول إلى اتفاقية أوسلو1993م, لتضرب مثالا عن كيف يمكن لدولة أن تلعب دورا يفوق حجمها بكثير على الصعيد العالمي, شكل هذا الفارق بين حجمها الحقيقي كدولة وبين طموحها العالمي على الصعيد السياسة الخارجية أحد أبرز المعالم السياسية الخارجية للنرويج بعد انتهاء الحرب الباردة.
بعد هذا الانفراج الجزئي بإقامة سلطة وطنية فلسطينية وظهور كيانية فلسطينية واضحة شهد عليها العالم, هدأت الأمور في الضفة الغربية وقطاع غزة والتزم الفلسطينيون باستحقاقات الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وكانت ذروة فترة الهدوء بعد الانتهاء من العمليات الاستشهادية 1996م حيث ساد بعدها الهدوء الكامل.
في المقابل مارس بنيامين نتنياهو أثناء تسلمه فترة رئاسة الوزراء الإسرائيلية 1996-2000م سياسة الانسداد السياسي فلم يقدم شيئا مما التزم به وكان من البديهي أن تتفاقم الأمور وتتطور على غير ما هو متوقع وصولا إلى عام 2000م حين أشعل ارئيل شارون بزيارته للأقصى انتفاضة فلسطينية ثانية أشد من الأولى على صعيد التكتيك أو العتاد, وتغيرت خارطة اللاعبين على الساحة السياسية الفلسطينية.
وفي فترة نتنياهو الحالية 2009-2011م يمارس نفس السياسة القاتلة, المتجهة لخلق أزمات كبيرة ليست على المستوى الفلسطيني الإسرائيلي فقط, بل قد تمتد لتشمل أطراف جديدة, فقد هرول نتنياهو في مايو أيار الماضي إلى واشنطن لثني الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن خطته لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط بإقامة دولة على حدود عام 1967م وسخر الايباك في ذلك حتى حاز على إجماع غريب لمجلس الشيوخ الأمريكي بالدعم المطلق لوجهة نظر اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو, وذهبت خطة باراك أوباما أدراج الرياح.
اقترب موعد استحقاق سبتمبر أيلول, وقد أعربت معظم دول العالم نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنها دول أوربية كمملكة النرويج, بل قد قدمت السويد أثناء ترؤسها الاتحاد الأوربي مسودة مشروع لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م, هذه خطوة مهمة إن تمت فقد تمهد لفترة هدوء طويلة نسبيا, لكن إسرائيل وقيادتها لن تدرك أهمية هذا المخرج.

مشاركة مميزة