الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

المُقاطعــة العربيــة لإسرائيــل

kolonagaza7

بقلـم رمزي صادق شاهين
عام 1920 بمدينة نابلس الفلسطينية ولدت فكرة المقاطعة العربية لإسرائيل من رحم الصراع مع اليهود ، كان ذلك في مؤتمر الجمعية الإسلامية المسيحية الذي دعا فيه وجهاء فلسطين ومزارعوها إلى مقاطعة اليهود مقاطعة تامة ، وذلك ردًّ على مقاطعة اليهود لمنتجات العرب من ناحية ، ولعزلهم عن المجتمع الفلسطيني من ناحية أخرى ، وامتدت هذه المقاطعة وتطورت لتشمل كثيرًا من جوانب العلاقات الاقتصادية والتجارية وتشغيل اليد العاملة ، إضافة إلى الامتناع عن بيع الأراضي والعقارات.
واتخذت المقاطعة بعدًا إقليميا لأول مرة عندما أقسم مندوبون عرب من سوريا وشرق الأردن ولبنان وفلسطين في اجتماع لهم بالقدس بتاريخ 27/11/1929م على منع بيع الأراضي لليهود ، ومقاطعة المصنوعات والمتاجر اليهودية .
التطور الأهم في مسألة المقاطعة وقع خلال ثورة فلسطين الكبرى 1936- 1939 والتي شهدت صراعًا مسلحًا ضد الانتداب البريطاني ، حيث تشكلت لجان مقاطعة في سوريا والأردن ولبنان لمنع إرسال البضائع والسلع إلى فلسطين ، ما لم تكن مقترنة بموافقة اللجان القومية التي كانت تقود حركة الإضراب والعصيان العام في فلسطين ، خوفًا من تسلل البضائع والسلع العربية إلى أيدي اليهود في فلسطين.
وتبع ذلك عقد المؤتمر القومي العربي في بلودان بسوريا عام 1937 بحضور مندوبين من سوريا والعراق والأردن ولبنان والسعودية ومصر وفلسطين ، والذي وسع حدود المقاطعة لتأخذ بُعدها العربي خارج فلسطين، ولتشمل إضافة إلى مقاطعة يهود فلسطين مقاطعة بضائع الدول الأجنبية التي تدعم مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين.
ثم كان التحول الثاني في موضوع المقاطعة العربية بانتقاله من المستوى الشعبي إلى المستوى الرسمي ، عندما تبنت الجامعة العربية المقاطعة ، حيث قرر مجلس الجامعة في جلسته الثانية بتاريخ 2/12/1945م مقاطعة المنتجات والمصنوعات اليهودية في فلسطين ، وشكّل لجنة دائمة للإشراف على التنفيذ ، ثم تقرر تشكيل مكتب دائم لذلك ، ولجان في جميع الدول العربية مهمتها العمل على متابعة سياسة المقاطعة للمنتجات اليهودية في فلسطين وتنفيذها .
تمت صياغة الإطار القانوني والتنظيمي لمقاطعة إسرائيل بقرار من مجلس الجامعة العربية في دورته الثانية والعشرين بتاريخ 11/12/1954م حيث حُدّدت القواعد المنظمة للمقاطعة ، ويشمل الإطار التنظيمي لمقاطعة إسرائيل ، قيام مكتب رئيسي مقره دمشق ، يديره مفوض عام ، يعيّنه الأمين العام للجامعة العربية ، ويرتبط به ، مهمته تأمين الاتصال بالمكاتب المختصة بشئون المقاطعة في الدول العربية بهدف تنسيق أعمالها، واستمرار أنشطتها ، وهو يرفع تقارير دورية ، أو عارضة إلى الأمانة العامة عن سير المقاطعة ، لعرضها على مجلس الجامعة ، ويعاون المفوض العام مندوب عن كل دولة بصفة ضابط اتصال تعينه دولته ، وللمكتب ضباط اتصال في أنحاء مختلفة من العالم.
ويقوم في كل دولة مكتب خاص بشئون المقاطعة ، توفر الدولة المعنية الأشخاص القائمين عليه وتجهيزاته الفنية للقيام بمهمته ، ويكون المكتب على صلة وثيقة بالمفوض العام لمكتب المقاطعة ، ويعمل تحت رعاية المفوض ووفقًا لتوجيهاته .
وينعقد مرتين كل عام وبصفة دورية مؤتمر ضباط اتصال المكاتب الإقليمية ، كما يمكن عقد اجتماعات استثنائية أو طارئة بدعوة من المفوض.
وتحتفظ لجنة المقاطعة العربية بمشروعيتها من مختلف المواثيق والأعراف الدولية ، فقد أعطى ميثاق الأمم المتحدة مشروعية للمقاطعة الاقتصادية ، ومنها مقاطعة العرب لإسرائيل ، حيث جاء في المادة 51 ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو يُنقص من الحق الطبيعي للدول فرادى وجماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة ، وأشار الميثاق إلى حق الدول في وقف المواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية ووقف كل العلاقات الاقتصادية ، وهو ما يؤكد أن المقاطعة العربية ضد إسرائيل إجراء مشروع .
كما أن مبادئ حرية التجارة التي أقرتها منظمة التجارة الدولية تقوم في الأساس على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ، وهذا يعني أن الدول العربية لديها الحرية في أن تضع في العقود التي تريد إبرامها مع الدول الأخرى الشروط التي تتماشى مع حقوقها ومصالحها ، ومنها أن تشترط على هذه الدول عدم التعامل مع إسرائيل تجاريا أو ماليا ، ويكون لهذه الدول حق القبول أو الرفض لهذه الشروط .
لدى أمتنا العربية قواعد ارتكاز للعمل على عزل إسرائيل دولياً ، من خلال التعامل معها بالندية وعدم التساهل ، خاصة مع استمرارها بسياساتها العدوانية والاستيطانية ، وتعديها الدائم على المقدسات والأرض والإنسان الفلسطيني واقتلاعه من أرضه وتغيير معالم الجغرافيا الإسلامية والعربية في فلسطين .
لقد تابعنا أكثر من مرة كيف تتعامل المملكة الأردنية الهاشمية مع الجانب الإسرائيلي ، فبرغم توقيع اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل ، إلا أن الأردن دائم التعامل بندية مع القادة الإسرائيليين ، فكان رفض الملك عبد الله الثاني لقاء رؤساء وزراء إسرائيل في أكثر من مناسبة ، وكانت المقاطعة من خلال سحب السفير الأردني من إسرائيل ، والذي لازال حتى يومنا هذا .
إننا أمام ظاهرة بدأت تتطور في عالمنا العربي ، فشهدنا الرفض الشعبي المصري لوجود السفارة الإسرائيلية في القاهرة ، والرفض الشعبي الأردني لبقاء السفارة الإسرائيلية في الأردن ، طالما أن إسرائيل لا تعترف بحق الشعب العربي الفلسطيني بحقوقه المشروعة ، هذه الظاهرة الوطنية التي يجب أن تتطور لتشمل كافة المؤسسات العربية الرسمية والوطنية والخاصة .

التطور اليوم شاهدناه في الأردن ، فقد قامت مجموعة من المواطنين الأردنيين بالاستقالة من إحدى شركات التأمين ، وذلك احتجاجا على قيام الشركة بتأمين سيارة السفير الإسرائيلي في الأردن ، هذا الخبر الذي يجعلنا نقف أمام عظمة المواطن العربي الشجاع ، هذا المواطن الذي يشعر بحجم المعاناة الفلسطينية ، ويرفض حتى مشاركة إسرائيل في بوليصة تأمين صادرة من نفس الشركة .
تحية لأبناء أمتنا العربية ، وتحية لكُل الأحرار والشرفاء في هذا العالم ، وتحية لشعبنا الفلسطيني الذي لازال على العهد بأن يؤدى رسالته القومية والوطنية بالدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في هذه البقعة الطاهرة من العالم .
صحفي وكاتب فلسطيني
ramzi.s.shaheen@gmail.com

مشاركة مميزة